• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : السيّد محمد باقر الصدر ينفي عالم الذر المتقدِّم على عالم الأبدان!! .

السيّد محمد باقر الصدر ينفي عالم الذر المتقدِّم على عالم الأبدان!!

الإسم: *****

النص: 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف واهلك عدوهم

مولانا استنكرتم على محمد باقر الصدر نفيه عالم الذر والذي تؤكده الأخبار الشريفة بسبب طرحه لنصوص أهل البيت عليهم السلام ولكني وجدت جوابه من موقع تابع له وهو التالي أرجو أن تردوا عليه بشكل تفصيلي.

ﺍﻻﺳﺘﻔﺘﺎﺀ :

  ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻜﻢ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﺭّ ﻭﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺧﻠﻖ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ ﻗﺒﻞ ﺍﻷﺟﺴﺎﺩ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻣﻔﺎﺩ ﺑﻌﺾ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ؟

    ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ :

‏     (ﺍﻟﺼﺪﺭ):ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻟﺴﺒﺒﻴﻦ: ﺍﻷﻭّﻝ: ﺳﺒﺐ ﺭﻭﺍﺋﻲ،ﺃﻧّﻪ ﻭﺭﺩ ﺑﺨﺒﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺃﺧﺒﺎﺭ ﺍﻵﺣﺎﺩ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﺠّﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴّﺔ. ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺳﺒﺐ ﻓﻠﺴﻔﻲ, ﻭﺫﻟﻚ ﻷﻥّ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﺭّ ﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﻧﻈﺮﻳّﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺠﺴﻤﺎﻧﻴّﺔ ﺃﻭ ﻣﺎﺩﻳّﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺣﺪﻭﺛﺎً ﻭﺭﻭﺣﺎﻧﻴّﺘﻬﺎ ﺑﻘﺎﺀً،ﺃﻱ ﺗﻄﻮّﺭﻫﺎ ﻣﻦ ﺃﺻﻞ ﻣﺎﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺭﻭﺣﻲ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺴﻴّﺪ ﺍﻟﻤﺮﺗﻀﻰ ﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻟﻴﻪ ‏"ﺃﻣﺎﻟﻲ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﺗﻀﻰ".

هذا هو جواب السيد محمد باقر الصدر وهل السيد المرتضى قال بذلك أيضا أم لا ؟.

وشكرا بارك الله فيكم


الموضوع العقائدي: السيّد محمد باقر الصدر ينفي عالم الذر المتقدِّم على عالم الأبدان!!

    فهرس التفاصيل: استعراض شبهة الصدر/ شبهته قائمة على دعويين فاسدتين/ الإيراد على الدعوى الأولى بوجوهٍ متعددة/ كتب الصدر مشحونة بنظريات فلسفية وأشعرية/ شهرته العلمية والفقهية لا أساس علمي لها / منشأ الترويج للصدر هو أحزاب دعوتية وأشعرية/ الإيراد على الدعوى الثانية للصدر بعدة وجوه/ تمسك الصدر بشبهة الشريف المرتضى حول آية الذر والميثاق/ الشيخ المفيد هو النافي لوجود عالم روحي سابق على العالم البدني/ الشريف المرتضى لم ينفِ تقدم عالم الأرواح على عالم الأبدان / السيد المرتضى فسَّر آية الذر من دون الإستعانة بالأخبار/ الرد العنيف من العلامة المجلسي على الشيخ المفيد/ إيرادنا على الشيخ المفيد/ من المآخذ على المفيد والمرتضى أنهما عملا بظنونهما الشخصية في المسألة العقائدية من دون الرجوع إلى الأخبار/ ثمة تفاوت بين المرتضى والمفيد في موضوع عالم الذر والأرواح. 

بسمه تعالى

 

  جناب الأخ الفاضل *****  دامت تأييداته ورفع الله تعالى درجاته في الجنان وأسكنه في أوسعها محلاً مع الأبرار من آل محمد (سلام الله عليهم)   

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    جواباً على سؤالكم الكريم نقول ما يلي: لقد اعتمد السيِّد محمد باقر الصدر على دليلين في نفيه تقدم عالم الذر والأرواح على عالم الأبدان:أحدهما دعواه بأن الدال على ذلك هو خبر واحد، والخبر الواحد ليس حجة شرعية في باب العقيدة، وثانيهما دليل فلسفي على الإنكار مؤيداً بإنكار الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي تلميذ الشيخ المفيد..! وها نحن سوف نورد على كلا الدعويين اللتين تمسك بهما محمد باقر الصدر، نبدأ بالدليل النقلي ثم نعقبه بالإيراد على الدليل الفلسفي...!!

  فقد قامت دعواه المزيفة على أمرين هما ما يلي:

    (الأمر الأول):وهو دليل نقليّ مؤيَّد بنظرية الفلاسفة المنكرين تقدم العالم الذري والروحي على العالم البدني، بدعوى إن عالم الذر دلَّ عليه خبرٌ واحدٌ، وهو يتعارض مع نظرية الفلاسفة المنكرين للرسالة السماوية المحمدية (على صاحبها آلاف السلام والتحية)، وعند تعارض الشرع وأقوال الفلاسفة يتقدم قول الفلاسفة على أخبار الشرع.

  وهذه الدعوى قد تقدَّمت منه في  صفحة 57 من كتابه "فلسفتنا" عند مناقشته لنظرية أفلاطون الاستذكارية القائمة على استذكار المعلومات السابقة على عالم البدن بسبب تقدُّم الروح على العوالم المحسوسة، ومفادها أن الإنسان السالك بالرياضة الروحية (كتهذيب النفس وترويضها) يستذكر المعارف العقلية والميتافيزيقية التي اختزنتها الروح في العالم الأول، فما يحصل عليه المرتاض إنما هو باستخراج المعارف من صقع النفس الإنسانية بسبب إحاطتها للمعارف يوم كانت في العالم الروحي العلوي، وقد سماها أفلاطون بالمثل المعرفية، وفلسفته قائمة على وجود النفس قبل البدن..وقد نفى الصدر ما اعتقده أفلاطون؛ واعتقاد أفلاطون يتوافق مع اعتقاد الشيعة الإمامية بوجود عالم نفسي متقدم على العالم البدني.

   (الأمر الثاني):إن الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي لم يثبت عنده وجود عالم اسمه عالم الذر، ما يعني عدم وجود عالم ذري متقدم على عالم الجسم.   

  الإيراد على الأمر الأول أي الدليل النقلي الذي اعتمده الصدر:

   إن إنكار السيد محمد باقر الصدر لتقدم عالم الذر على عالم الأبدان دونه خرط القتاد، ومما يبطل دعواه الفاسدة الأمور الآتية:

    (الأمر الأول): دعواه على نفي عالم الذر بأنه مروي بخبر واحد مخالفة صريحة لآية النذر الأولى (هذا نذير من النذر الأولى) وآية أخذ الميثاق على الأنبياء بولاية النبي وأهل بيته الأطهار عليهم السلام بقوله تعالى في سورة آل عمران:(وإذ أخذ الله ميثاق الذين النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال ءأقررتم وأخذتم على ذلك إصري، قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) وآية أخذ الميثاق على الآدميين بقوله تعالى في سورة الأعراف:( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين..)؛ والآيتان المتقدمتان مفسرتان بالأخبار الشريفة التي فاقت التواتر بمرات، ودعواه المذكورة لا تخلو من شيئين: إما أنه جاهل بالأخبار، وإما أنه مكذب لها، ويكفي أن نحيلكم على بحار الأنوار وأصول الكافي وبصائر الدرجات والمحاسن لتروا الجمَّ الوفير من الأخبار الكاشفة عن تقدم عالم الأرواح على عالم الأبدان، وليس لدينا الوقت الكافي لاستعراضها لكم ولكن الماءَ يكذِّب الغطاس المدعي بمعرفته للغطس..! فقد روى العلامة المجلسي رحمه الله في البحار ج 58 باب 43 من كتاب السماء والعالم عشرين حديثاً حول تقدم الأرواح على الأبدان، كما روى في ج 5 باب 10 من أبواب الطينة والميثاق حدود 67 حديثاً، أبعد هذا الكم الكثير من الأخبار يأتينا الصدر ويزبد بشدقيه مدعياً أن القضية مروية بخبر واحد..!! وا إسلاماه وا محمداه وا علياه...! فراجعوا المصادر الحديثية ترون صحة ما أشرنا إليه...! 

  (الأمر الثاني):لو فرضنا جدلاً صحة ما ادعاه الصدر من أن عالم الذر ورد إثباته ﺑﺨﺒﺮ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﻭﺃﺧﺒﺎﺭ ﺍﻵﺣﺎﺩ ﻟﻴﺴﺖ ﺣﺠّﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻌﻴّﺔ، إلا أن الخبر الواحد لا يمانع دليل العقل الحاكم بصحة تقدم الأرواح على عالم الأبدان، ومجرد الاستبعاد الشخصي لا يكفي في نفي التقدم الروحي على البدني، واستبعاد فرد من أفراد الأمة (وفيها العلماء والفقهاء والمتكلمون) لا يكون ملاكاً ومناطاً لرفض ما ثبتت ضرورته بالأخبار الشريفة المؤيدة لظواهر الآيات الكاشفة عن تقدم عالم الأرواح على عالم الأبدان؛ كما أن فهم هؤلاء العلماء في إثباتهم للتقدم الروحي لم يكن اعتباطياً وعبثياً حتى يكون فهم الصدر المعاكس لهم هو الميزان في قبول الحقائق المعرفية التي تتوقف على الأدلة النقلية التي لا غنى للعالم عن الاستعانة بها والإتكاء عليها باعتبارها سبباً وطريقاً لاستكشاف عوالم الغيب التي لا مسرح للعقل في استجلائها ومعرفة أسرارها لا سيَّما إذا كانت القضية المعرفية تتناول حقائق النبوة وأسرار الولاية..فإن العقل محدود الأفق لا يمكنه معرفة كنه الخليقة المحسوسة كالبدن وما شابهه من عوالم الحيوان والنبات والجماد..فضلاً عن ضيق أفقه في استجلاء الأسرار الكونية التي تتناول الخليقة الأولى وما يتفرع عنها..!!

  (الأمر الثالث): لو دار الأمر بين الخبر الواحد (الذي رفض اعتماده الصدر في بيان التقدم الروحي) وبين الاستبعاد الظني بواسطة عقله الضعيف، فإن العقل التوحيدي المرتبط بعالمي النبوة والولاية يحكم بوجوب تقديم الخبر الواحد على الظنون الشخصية الواهية، إذ لو كان الصدر يخاف الله تعالى ويخاف السؤال والعقاب يوم القيامة لكان خوفه أوجب عليه التسليم لهذا الخبر الواحد الدال على تقدم الأرواح على الأبدان، لأن التسليم للخبر أسلم وأنجح من التسليم لمداركه العقلية الضعيفة التي ظن الصدر بأنها الملاك في معرفة الحقائق الكونية المتعلقة بأسرار الخليقة...!

  وبعبارة أُخرى:إن الصدر قد أقر بوجود خبر واحد يثبت تقدم الأرواح على الأبدان إلا أنه نفى التقدم لمجرد أن عقله لم يستوعب التقدم المذكور، ما يعني أنه قدم تصوره العقلي على الخبر النقلي..!! وهذا إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على تبجحه بعقله الذي ظن أنه سوف يلحقه بالعباقرة والفلاسفة الذين أنكروا حقائق التشريع ومعارف التكوين لأن عقولهم الضعيفة لم تتحملها ولم تستوعب مغزاها..!! وهي آفة الغرور والكبر والزهو والغطرسة والبعد عن ساحة التشريع العقدي الكاشف عن أسرار الخليقة الأولى..!! 

   (الأمر الرابع):إن رفضه لسبق عالم الأرواح على عالم الأبدان لم يكن سببه الخبر الواحد فحسب، بل له خلفيات مادية، وهي توافقه مع المبدأ الديالكتيكي الذي اعتمده علماء الغرب والزنادقة في رفضهم للعوالم الغيبية إلا ما رأته العيون ولمسته الأيدي وظنون العقول، فأراد أن يجاريهم بمبادئ معارفهم وعلومهم ليظهر أمامهم أنه فريد عصره وعصور غيره من علماء الشيعة، ولن ننسى أن للصدر خلفيات حزبية دعوتية تريد تأصيل الشريعة ومعالم التشيع بحسب مقاييس المخالفين الذين ينكرون تقدم عالم الأرواح على عالم الأبدان، ولو كان شيعياً بفكره واستنباطاته لما قدم الظنون العقلية على الأخبار النقلية التي تخالف المدرسة البكرية في هذه القضية المعرفية فضلاً عن غيرها من قضايا الفقه التشريعي والعقدي التي أنكر الصدر جملةً منها نظير إنكاره في عدم وجود أخبار صريحة في تكفير العامة التاركين لولاية أهل البيت عليهم السلام، وكدعواه الباطلة بأن غياب الإمام المهدي عليه السلام إنما هو لأجل أن يتعلَّم فنون القيادة وليكتسب الخبرة العلمية خلال غيبته ليكون قادراً على تقييم الظواهر الإجتماعية وكيفية التعامل معها على ضوء الإسلام...!!! وهو بهذه الفلسفة العمرية قد أنكر الروايات التي بلغت المئات حول تكفير منكر الولاية ومنكر العلم اللدني للأئمة الأطهار (سلام الله عليهم)، بل إنه بدعواه على الإمام الحجة القائم (سلام الله عليه وأرواحنا لنعليه الفداء) يكون قد أنكر طهارة أهل البيت وتنزههم عن الجهل الذي نسبه الصدر إلى الإمام الحجة القائم (عليه السلام) وهو عدم علم الإمام الحجة القائم (سلام الله عليه) بما يجري في عالم التكوين إلا من خلال المحسوس بعينيه الشريفتين بحيث لا يعلم إلا بما تراه عيناه وتلمسه يداه المباركتان، نافياً عنه تلقيه العلوم والمعارف من لدن حكيم عليم..!! 

  (الأمر الخامس): دعوى الصدر بأن الخبر الواحد لا يثبت الأمور العقائدية فاسدة من أساسها، وذلك لأنه على فرض صحة ما ادعاه، فإن عدم حجية الخبر الواحد إنما هي بسبب أن الخبر الواحد لا يوجب اليقين بالمفردة الغيبية المبحوث عنها المطلوب فيها اليقين القلبي، وهل حصل له اليقين بظنه وتصوره الفلسفي في نفيه للتقدم الروحي على البدني..؟! فإذا كان قد حصل له اليقين من العقل دون الخبر النقلي، فإننا نطالبه بالدليل القطعي الذي اعتمده في نفيه وجحوده للتقدم المذكور..وما تصوره لا يعدو كونه دليلاً ظنياً لا يغني من الحقِّ شيئاً...وعالم الأرواح لا يبتني على تصورات فلسفية محضة، إذ إن المطلوب فيها هو البحث في الآيات والأخبار لا الإعتماد على تصورات الملاحدة والكفار، فإن الإتكال عليهم يخرِّب عقائد الإسلام ويهدم ركائز الإيمان..!!ولو كان قاطعاً حقاً بما قال لما كان استشهد بقول السيد المرتضى الذي ادعى الصدر أنه ينفي عالم الذر..ولكنَّ النسبة للمرتضى ملفقة، إذ إنه لم ينكر الأخبار الشريفة الدالة على تقدم عالم الذر ، وإنما ادعى عدم وضوح آية الذر على المطلوب كما سوف نشير إلى ذلك في إيرادنا على الدليل الفلسفي الذي تشدق به الصدر..! 

  (الأمر السادس): إذا لم يحصل لدى السيد محمد باقر الصدر تواتر الأخبار في تقدم خلق الأرواح على الأجسام، فهي مشكلته وضعفه العلمي بالأخبار الشريفة وكيفية التعامل معها...!!

  بالإضافة إلى عدم اعتقاده بالأخبار الكاشفة عن علو مقامات آل محمد ومناهضتهم لأعمدة السقيفة... ولقد راج في الصدر الشهرة العلمية والتحقيقية إلا أنها شهرة لا تمت إلى الواقع العلمي الفقهي بشيء، وتغلب على بحوثه المكتوبةِ النزعةُ العقلية المحضة حتى في استدلالاته الفقهية التي لم يظهر منها إلى الملأ الحوزوي سوى شروحه المقتضبة على العروة الوثقى، وأما كتابه (الفتاوى الواضحة) فلم يكن بقلمه وإنما كان بقلم الشيخ محمد جواد مغنية حيث طلب منه الصدر أن يكتب له كتاباً في الفتاوى التبسيطية فلبّى نداءه، وبقية كتبه تتناول الفلسفة المعاصرة وفقه البنوك والإقتصاد وفلسفة التاريخ والبحث حول غياب الإمام الحجة المنتظر عليه السلام.. كلها كتب تعتمد على عقله من دون الإعتماد على الأخبار إلا بما يدعم فكرته العقلية..ولو رأيتم استحساناته في كتابه (فدك في التاريخ) لرأيتم عجباً تخر منه الجبال دكاً عندما ترضى على أبي بكر بصريح العبارة الآتية في عدة مواضع من كتابه فدك هكذا:(رضي الله عنه) ووصفه بأنه من ذوي المواهب السياسية التي دعته ليعالج موضوع اعتراض مولاتنا الصدّيقة الكبرى الزهراء البتول (سلام الله عليها) خلال تعرضه لتبرير فشل مولاتنا الزهراء (عليها السلام) في مواجهتها لأبي بكر بحسب زعمه، وهي عبارته المشؤومة حيث قال:" وقد فشلت الحركة الفاطمية بمعنى ونجحت بمعنى آخر، فشلت لأنها لم تطوح بحكومة الخليفة رضى عنه الله في زحفها الأخير الخطير الذي قامت به في اليوم العاشر من وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولا نستطيع أن نتبين الأمور التي جعلت الزهراء تخسر المعركة ، غير أن الأمر الذي لا ريب فيه أن شخصية الخليفة رضى عنه الله من أهم الأسباب التي أدت إلى فشلها ، لأنه من أصحاب المواهب السياسية ، وقد عالج الموقف بلباقة ملحوظة نجد لها مثالا فيما أجاب به الزهراء من كلام وجهه إلى الأنصار من خطاب بعد انتهائها من خطبتها في المسجد . فبينما هو يذوب رقة في جوابه للزهراء وإذا به يطوي نفسه على نار متأججة تندلع بعد خروج فاطمة من المسجد ، في أكبر الظن ، فيقول : ما هذه الرعة إلى كل قالة إنما هو ثعالة شهيده ذنبه - وقد نقلنا الخطاب كاملا فيما سبق - فإن هذا الانقلاب من اللين والهدوء إلى الغضب الفائر يدلنا على مقدار ما أوتي من سيطرة على مشاعره وقدرته على مسايرة الظرف وتمثيل الدور المناسب في كل حين.." . راجع" فدك في التاريخ ص 88". وقد وصف الصدر اعتراض أبي بكر على مولاتنا الصديقة الكبرى (سلام الله عليها) بأنه كان لبقاً معها وها هي عبارته الآتية:" أيضا فإننا إذا عرفنا أن الزهراء كانت سندا قويا لقرينها في دعوته إلى نفسه ، ودليلا يحتج به أنصار الأمام على أحقيته بالأمر ، نستوضح أن الخليفة كان موفقا كل التوفيق في موقفه تجاه دعوى الزهراء للنحلة ، وجارياً على المنهج السياسي الذي كان يفرضه عليه الظرف الدقيق ، إذ اغتنم الفرصة المناسبة لأفهام المسلمين بصورة لبقة ، وعلى أسلوب غير مباشر بأن فاطمة امرأة من النساء ولا يصح أن تؤخذ آراؤها ودعاويها دليلا في مسألة بسيطة كفدك فضلا عن موضوع كالخلافة ، وأنها إذا كانت تطلب أرضا ليس لها بحق فمن الممكن أن تطلب لقرينها المملكة الإسلامية كلها وليس له فيها حق .

ونخرج من البحث بنتيجة وهي أن تأميم الصديق لفدك يمكن تفسيره :

1 - بأن الظرف الاقتصادي دعى إلى ذلك .

2 - بأن أبا بكر خشي أن يصرف علي ثروة قرينته في سبيل التوصل إلى السلطان .

وإن موقفه من دعاوى الزهراء بعد ذلك واستبساله في رفضها قد يكون مرده إلى هذين السببين :

1 - إلى مشاعر عاطفية كانت تنطوي عليها نفس الخليفة رضي الله عنه عرضنا لجملة من أسبابها فيما سبق .

2 - وحدة سياسية عامة بنى عليها الصديق سيرته مع الهاشميين وقد تبيناها من ظواهر الحكم يومئذ . انتهى موضع الشاهد. 

 وقد وصف عائشة بالثائرة وقرنها مع سيِّدة نساء العالمين مولاتنا الزهراء البتول عليها السلام وأطلق عليهما مصطلح "الثائرتين"، فعائشة ثارت على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بينما ثارت الصدِّيقة الكبرى عليها السلام على أبي بكر لعنه الله والد عائشة لعنها الله تعالى وها هي عبارته المشؤومة:" وقد شاء القدر لكلتا الثائرتين أن تفشلا مع فارق بينهما مرده إلى نصيب كل منهما من الرضا بثورتها ، والاطمئنان الضميري إلى صوابها وحظ كل منهما من الانتصار في حساب الحق الذي لا التواء فيه وهو أن الزهراء فشلت بعد أن جعلت الخليفة يبكي ويقول : أقيلوني بيعتي ، والسيدة عائشة فشلت فصارت تتمنى أنها لم تخرج إلى حرب ولم تشق عصا طاعة .هاتان الثورتان متقاربتان في الموضوع والأشخاص فلماذا لا تنتهيان إلى أسباب متقاربة وبواعث متشابهة ".

      هذا هو محمد باقر الصدر وهذه هي استدلالاته العقلية المناهضة للنصوص الشرعية والتي يغلب عليها الطابع العقلي الاستحساني..! ما يعني أنه يسلك مسلك الفلاسفة المشائين الذين يعتمدون على دليل العقل دون النقل أي النصوص الدينية، وهي من المعايب على العالم الشيعي الذي يدعي الفقاهة في أخبار آل محمد عليهم السلام ثم يخالفها إلى مسالك غيرهم من المارقين والكافرين والنواصب..!! كما أنها من الأسباب الموجبة للمروق من الدين، إذ إن النصوص القرآنية والنبوية والولوية نهت عن الأخذ بالقياس والاستحسان وأن في ذلك إحياءً للبدع والوقوف بجانب أعداء أهل البيت والتخندق معهم لأجل تأليف الأمة على الوحدة وإذابة الفوارق الموجبة للإختلاف الطائفي..!!

  والحاصل: إن الفقيه المجدّ المطَّلِع على  عامة كتبه لا سيَّما كتابيه الفقهيين (الفتاوى الواضحة وشرح العروة) يحكم بهشاشتهما المدركية الخالية من الإعتماد على الأخبار الصحيحة..وخير شاهد على ما أشرنا  إليه ما سبق منا القول في كشف ضعفه في الفقه بما ادعاه من عدم وجود أدلة قاطعة تدل على كفر المخالفين، وفتواه بعدم تنجيس المتنجس ونفيه للعلم الحضوري للإمام المعظم الحجة القائم عليه السلام حينما تبجح بأن الإمام المهدي عليه السلام غاب لكي يتعلم فنون القيادة...!! هرطقة ليس بعدها هرطقة تضحك منها الثكلى على فقيدها..!! 

  إن الشهرة التي بُسِطَتْ للصدر (وربَّ مشهورٍ لا أساس له) إنما هي بسبب ترويج الإعلام الحزبي الدعوتي المدعوم من علماء الأزهر ومكة والحركات والأحزاب العمرية في الوسط السني والشيعي كما روجوا ولا يزالون يروجون اليوم للخامنئي والسيستاني واليعقوبي والغريفي والصرخي والبديري ومحمد تقي مصباح ومكارم الشيرازي والسبحاني والحيدري والحائري...إلخ؛ (وكل هؤلاء من أعمدة حزب الدعوة)؛ والغاية والسبب من الترويج الفقهي والعقدي  لهؤلاء وإصباغ المسحة العلمية التحقيقية عليهم (وأن البطون لم تنجب مثلهم) يعود إلى تأسيس قاعدة جديدة على الساحة الشيعية في مقابل القيادات العلمية الشيعية الموثوقة والمعروفة بولائها لأهل البيت وبغضها لتيار الحداثة والميل إلى المخالفين العمريين..!

     إن ترويج الشهرة العلميَّة المضخَّمة لمرجعيات معلَّبة لها خلفيات عمرية لكي تكون كلمتها هي الفصل في التحكم بالقواعد الشيعية المعروفة بولائها لأهل البيت عليهم السلام وبغضها لأعمدة السقيفة وأتباعها من العمريين الذين يسعون إلى تقويض معالم التشيع من خلال ابتداع مرجعيات موالية للخط العمري الخبيث..! وما أشرنا إليه هو من أسس نظام حزب الدعوة، حيث إنه مدوَّن ومكتوب في الإرشيف الفكري لحزب الدعوة حيث ذُكر فيه أن عليهم ابتداع مرجعيات فقهية وعقائدية لكي يلتف حولها المؤمنون الشيعة لأنهم يقدِّسون المرجعيات الموالية لأهل البيت والمتبرئة من أعدائهم، فكانت توجهاتهم إصطناع مرجعيات من حزبهم لكي يتبعها الموالون من الشيعة اتباع الأعمى لقائده، فيسهل النيل منهم وتطويعهم إلى ما يبتغون بحسب تصاريحهم في القانون الداخلي السري في حزب الدعوة، وقد كشف عنه بعض العلماء الذين انحرفوا عن حزب الدعوة..!

  وبالجملة: إن ردَّ محمد باقر الصدر لأخبار الطينة والميثاق وتقدم عالم الأرواح على عالم الأبدان بحجة أن الدال عليها هو خبر واحد ما هو إلا ردٌّ للأخبار المتواترة التي لا تخفى على متفقه فضلاً عن فقيه يدَّعي المرجعية على الأمة المنكوبة التي تصفق لكلِّ شاردٍ ووارد مبسوط اليد بكثرة ماله وأعوانه من الأحزاب المارقة عن خط التشيع..!

   ودعواه الفاسدة في نفيه لتقدم عالم الأرواح بأن الدال عليه إنما هو خبر واحد ينم عن أحد أمرين: إمَّا أنه جاهل بالأخبار وإن ضربت أطناب شهرته الشرق والغرب؛ وإمَّا أنه مكذّب لها، والاحتمال الثاني أوفق بمسلكه المبني على التلفيق تحت ستار أنه من علماء المدرسة الشيعية وله أتباع من المدرسة الدعوتية والعمرية وكتبه كانت ولا زالت تدرس في الأزهر في مصر، وهذا يدل بالدلالة المطابقية والإلتزامية بأن أفكار الصدر تتلائم مع المنهج العمري الأشعري..! وصدق الله تعالى حينما قال مخاطباً نبيّه الكريم: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ) البقرة 120.

 إلى هنا نكون قد اكتفينا بالإيراد على الصدر في دعواه على نفي التقدم الروحي على العالم البدني، ولولا انشغالنا بالإجابة على الأسئلة الكثيرة المتوجهة إلينا من السائلين المؤمنين، لكنا حبيناكم بالإجابات الكثيرة التي قد تفوق التواتر بمرات، ولكن ما سبق منا بيانه ههنا كافٍ بحمد الله تعالى في تفنيد دعوى الصدر الهزيلة والمناهضة للأدلة القاطعة؛ والآن نشرع بعون الله تعالى وفضله بالإيراد على دليله الفلسفي النافي لتقدم عالم الأرواح على عالم الأبدان.

  الإيراد على الأمر الثاني أي الدليل الفلسفي للسيد الصدر:

     لقد نفى السيد محمد باقر الصدر وجود عالم روحيٍّ متقدم على الوجود البدني، وعمدة دليله العقلي هو: أﻥّ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﺭّ ﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﻧﻈﺮﻳّﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﺔ ﺑﺠﺴﻤﺎﻧﻴّﺔ ﺃﻭ ﻣﺎﺩﻳّﺔ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺣﺪﻭﺛﺎً ﻭﺭﻭﺣﺎﻧﻴّﺘﻬﺎ ﺑﻘﺎﺀً، ﺃﻱ ﺗﻄﻮّﺭﻫﺎ ﻣﻦ أصل ماديّ ﺇﻟﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﺭﻭﺣﻲ،ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﺬﺭ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺴﻴّﺪ ﺍﻟﻤﺮﺗﻀﻰﻛﻤﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻟﻴﻪ "ﺃﻣﺎﻟﻲ ﺍﻟﺴﻴﺪ ﺍﻟﻤﺮﺗﻀﻰ ".

  نورد على الأمر الثاني بالوجوه الآتية:

    (الوجه الأول):لقد قدَّم الصدر نظرية العلماء الفلاسفة على أخبار آل محمد (سلام الله عليهم)، وكأنَّ رأي الفلاسفة ونظرياتهم القائمة على إنكار الأديان السماوية هي وحيٌّ يوحى لا يمكن تطرق الخطأ إليهم والفساد في نظرياتهم، وهو قول يستحي أن يتفوّه به صابئي أو حلولي أو يهودي أو نصرانيٌّ..! ولو أن الفلاسفة بدَّلوا من وجهتهم حول نفيهم لتقدم عالم الأرواح وذهبوا إلى القول بتقدمها، فماذا سيكون موقف الصدر من هذا التبدُّل..؟! لا ريب في أنه كان سيغيّر ويبدّل بحسب تبدل أنظار الفلاسفة الماديين، ما يعني أنه ماديٌّ محض لم ترتوِ أحشاؤه من معارف الدين وأخبار سادة الخلق أجمعين..!! ومن قدَّم أقوال الفلاسفة على أخبار آل البيت عليهم السلام يعتبر منكراً لها، وهو على حدّ الشرك بالله تعالى، وماذا سيكون جوابه عندما سيسأله الله تعالى يوم القيامة، فهل سيقول له: إني فضلت قول الفلاسفة على أخبار حججك الطاهرين عليهم السلام..؟! وما دام الخبر الواحد قولاً يفيد الظن تماماً كقول الفلاسفة الإغريقيين والبزنطيين، فلماذا تكون دفة الترجيح لهم دون الخبر الصادر من آل محمد ما داما يتساويان في الظن والاحتمال..؟! 

     (الوجه الثاني):إن نظريات الفلاسفة قائمة على الظن المعارض للأديان السماوية، لا سيما الفلاسفة القدامى الذين اقتبس منهم الصدر نظريته في جحوده لتقدم عالم الأرواح على عالم الأبدان..! ولو سلّمنا بجواز الإعتماد على ظنونهم الفاسدة ونظرياتهم الكاسدة، فإنه معارض للظن الناتج من مضمون الخبر الواحد الذي نفى حجيته الصدر في باب العقائد، فبمقتضى تعارض الظنين (ظن الفلاسفة وظن الخبر الواحد) يجب عقلاً ونقلاً تقديم الظن الخبري على الظن الفلسفي لا سيما وأن ظنون الفلاسفة مبنية على جحود النصوص الشرعية التي نزل بها الوحي على الأنبياء، وعلى وجه الخصوص النصوص العلوية التي تميزت عن غيرها من نصوص الفرق البكرية الخبيثة..!

    (الوجه الثالث): إن الأخبار الشريفة ذمت الاعتماد على أقوال الفلاسفة وأوعدت بالعقاب على من تبني آرائهم ونظرياتهم الفاسدة وسار على منهجهم..والظاهر من محمد باقر الصدر أنه يعتبر هذه الأخبار أيضاً من أخبار الآحاد التي لا يجوز الاعتماد عليها..! فكلّ خبر أو أخبار لا تتلائم مع المنهج الفلسفي الذي يسير على خطاه يكون ــ بنظر الصدر ــ من أخبار الآحاد التي لا يجوز التعويل عليها..!! فصار المناط عنده في الصحيح والسقيم هو ما توافق مع أقوال ونظريات الفلاسفة، فما وافقها يعتبره صحيحاً ومستقيماً، وما خالف نظرياتهم يعتبر سقيماً وفاسداً...وهو ما لم نعهده من عالم شيعي إلا ممن توافق معه في دعواه من دعاة الفلاسفة الملحدين..!!

    (الوجه الرابع):إن تمسك محمد باقر الصدر بنظرية الفلاسفة الملحدين (الذين أطلق عليهم مصطلح العلماء ليوهم المؤمنين بأنهم من علماء الدين ليبرر زعمه الفاسد المخالف للدين) القائلين بجسمانية الروح مادياً حدوثاً وروحانيتها بقاءً بحيث إنها تطورت من أصل مادي إلى وجود روحيّ...لا يستلزم بالضرورة العقلية ملازمتها للبدن حدوثاً، وبالتالي لا يستلزم معارضة الروح الحادثة ابتداءً لعالم الذر الأول، فيمكن عقلاً أن يخلقها الله تعالى بلا بدن باعتبارها من الجواهر المنفصلة عن البدن، فهي ليست من جنس البدن العرضي، فالجوهر يختلف بطبيعته عن العرض المبحوث فيه في قسم العقليات الفلسفية؛ إذ يمكن انفكاك الروح عن البدن حدوثاً وبقاءً؛ أمَّا حدوثاً: فلما ثبت في الأخبار الشريفة بأن الله تعالى خلقها منفصلةً عن بدن صاحبها ولو للحظة واحدة ثم أدخلها في القالب البدني في الحياة الدنيا كما يميل إلى ذلك الفلاسفة الذين اتبعهم الصدر..فلا فرق في انفصالها عن البدن بين اللحظة الواحدة وبين آلاف السنين، فالمدة الفاصلة بين خلق الروح وبين إدخالها في البدن تستلزم بقاء الروح من دون بدن مثالي أو أرضي ترابي، فلا ملازمة بين خلق الروح وبين دخولها في البدن.

  ولو سلَّمنا جدلاً بوجود ملازمة بين حدوث الروح وتعلقها بالبدن حسبما ادَّعى الفلاسفة، فلِمَ لا يكون هذا البدن الذي تعلقت به الروح في العالم الأول هو البدن المثالي الذي ستكون الروح متعلقة به حين نشوء البدن في عالم الأرض..؟! وقد كشفت الأخبار الشريفة عن ذلك بأن الله تعالى خلق روح النبي وأهل بيته الطاهرين (سلام الله عليهم) في عالم الأظلة فكانوا أول خلق الله تبارك شأنه ووضعها في قوالب مثالية نورانية، فأراهم خلق السماوات والأرضين..وهكذا ورد في كتاب اللهوف للعلامة السيد ابن طاووس رحمه الله عن إمامنا المعظم الصادق عليه السلام بحق إمامنا الحجة القائم (سلام الله عليه) حينما أُصيب جدُّه سيّد الشهداء (صلوات الله عليه وآله) بالفوادح العظيمة ضجت الملائكة إلى ربّها وقالوا: يا ربَّنا هذا الحسين صفيُّك وابن صفيِّك وابن بنت نبيّك؟؟! ثم قال عليه السلام::فأقام الله ظلَّ القائم عليه السلام وقال عزَّ وجلَّ:" بهذا أنتقم لهذا".

   بما تقدم يتضح: أنه لا إشكال في انفصال الروح عن البدن حدوثاً.. وأيُّ حزازة وإشكال عند الصدر في تلبس الروح في أول خلقتها في عالم الأرواح والأظلة ببدن مثالي كما تلبست روح الإمام المهدي وآبائه المطهرين عليهم بأبدان مثالية، فلا يتوجه الإشكال الذي فرضه الفلاسفة في استحالة خلق الروح من دون بدن..؟!!

  وأمَّا انفكاك الروح عن البدن بقاءً: فقد ورد في نصوص شريفة عنهم (سلام الله عليهم) ما يدل على الإنفكاك، فقد جاء فيها أن الروح بعد انفصالها عن بدن الميت تبقى بلا بدن قبل نزوله إلى حفرته، بل تبقى الروح فوق رأسه مدة ساعة أو ساعات لتجهيزه من الغسل والتحنيط والتكفين أو أيام بحسب تأخير أهل الميت في دفنهم لعزيزهم، وخلال هذا المدة ترى الروح كل ما يجري على بدن صاحبها، فهو يسمع ويرى من دون بدن إلى أن ينزل الميت في حفرته، فترد روحه إلى حقويه للمحاسبة والمساءلة بواسطة الملكين..ومن لا بدن له تعاد أجزاؤه التي فنت بعوامل قهرية كالحرق والتقطيع والتذويب، فيُعاد بكامله بقدرة الله تعالى تماماً كما يُعاد البدن المفني يوم القيامة، أو يُعاد بدنه من خلال الأجزاء الأصلية التي لا يؤثر فيها الحرق والتذويب..وقد روي عن أئمة الهدى ومصابيح الدجى (سلام الله عليهم) ما يدل على أن الأجزاء الأصلية تبقى محفوظة إلى يوم القيامة، وبالتالي فإن من يفنى بدنه بتذويب وإحراق تبقى أجزاؤه الأصلية سالمة من الإحراق والتذويب، فيحييه الله منها في القبر وبذلك تتم محاسبته في القبر..أو يوضع في قالب مثالي كبدنه في الدنيا وبه يحاسب في القبر..

  إن الشاهد بما أشرنا إليه هو أن الله تعالى يفصل الروح عن البدن بقاءً للمحاسبة ومن ثم التنعم والتعذيب بواسطة بدن مثالي تلجأ إليه الروح بعد انفصالها عن البدن الترابي، ما يعني انفصالها عن البدن ولو لمدة يسيرة كتجهيزه للدفن، ولا مانع عقلاً من انفصالها عن البدن ولا أنها ملازمة دائماً للبدن الأرضي باعتبارها جوهراً قائماً بنفسه وحالاً بغيره من الأعراض كالبدن أو الهواء؛ ومما يؤيِّد المطلوب ما ورد في البحار (ج 6 ص 216 ح 8 باب 8 أحوال البرزخ والقبر) في خبر الزنديق الذي حاجَّ الإمام الصادق عليه السلام في مصير الأرواح بعد الموت، ومما سأله قال: فمن صلب أين روحه؟ قال عليه السلام:" في كفِّ الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض..".

  شاهدنا في الحديث المتقدم هو أنه عليه السلام كشف عن حقيقة انتقال الروح من بدن صاحبها ما بين الموت والدخول في عالم القبر والبرزخ حيث تكون في كفّ الملك التي لعلَّها عبارة عن أنها تحت سطوة قدرته قائمة بذاتها من دون بدن مثالي، ولو كان حالها مع البدن المثالي لكان أشار الإمام عليه السلام إلى ذلك، وحيث إنه لم ينصب قرينة على البدن المثالي دل ذلم على تجردها من البدن المثالي في المدة ما بين الموت ودخول القبر..فليتأمل المؤمنون في قدرة الله تبارك شأنه!!

  دعوى السيِّد الصدر حول ما نسبه إلى الشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي !!

   مما استدل به محمد باقر الصدر في دعواه بنفي وجود عالم ذري متقدم على العالم الجسمي هو ما نسبه إلى الشريف المرتضى بأنه لم يثبت لديه وجود عالم روحي متقدم على العالم الذري..!!

   ولو كان على يقين بما ادَّعاه لما احتاج إلى تدعيم نظرته السلبية تجاه تقدم عالم الأرواح على الأبدان إلى رأي الشريف المرتضى الموسوي، إذ إن العالم المجدّ لا يحتاج إلى دعم رأيه بعلماء آخرين، وما التدعيم إلا لإثبات نظرته وتأييد مطلبه في نظر العارفين من المؤمنين في حال أشكلوا عليه..! لذا أوصد عليهم باب الإشكال من الأساس ظناً منه أن الساحة العلمية قاصرة عن التصدي لهرطقاته الفلسفية ونظراته الأشعرية..! فإن لله تعالى جنوداً غيارى يحرسون حياض التشيع ويذودون عنه سهام المنية ورماح التشكيك في أصول الاعتقادات ومنابع التشريعات الفقهية (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً).

   وما نسبه السيِّد الصدر إلى الشريف المرتضى ليس صحيحاً من كلّ الجهات والحيثيات..والصحيح أن المنكر للتقدم الروحي على الجسمي هو الشيخ المفيد لا المرتضى، والثاني أنكر صحة الاستدلال بآية الذر على وجود عالم ذري متقدم على العالم الجسمي ولم ينكر الأخبار الدالة على التقدم المذكور، ويبدو لنا أن الصدر تبنى قول المفيد الذي ادَّعى في كتابه "المسائل السروية": أن الأخبار الدالة على التقدم المذكور هي أخبار آحاد وهي من صنع الحشوية؛ وادعى أن الأخبار الدالة على تقدم أرواح العترة الطاهرة (عليها السلام) على عالم المادة يراد منها التقدم في الصور والأشباح (أي تقدماً صورياً تقديرياً لا عينياً وجودياً له واقع في العالم الأول) بمعنى أن الله تعالى خلق صوراً مشابهة لصورة النبي محمد وأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم) ولم يخلق أرواحهم قبل خلق أجسامهم بآلاف السنين..فالتقدم بنظره الضعيف إنما هو تقدم بالصور لا التقدم في الأعيان الروحية، وما سوف نورده على السيد المرتضى هو بعينه جارٍ على دعوى المفيد، كما أن ما أوردناه على السيّد الصدر هو في بعض تفريعاته جارٍ على الشيخ المفيد فلا داعي لإفراده بنقوض جديدة لأن الصدر أخذ شبهته من المفيد والمرتضى..!! وما وقع فيه المفيد في هذه المسألة هو من الشطحات التي تنم عن ضعف إلمامه بالأخبار أو أنه لم يكن يتوفر لديه الكتب المصدرية الدالة على التقدم الروحي المادي لا الصوري..! وأقل ما نقول بحقه ما قاله العلامة المجلسي رحمه الله رداً على المفيد فقال:" طرح ظواهر الآيات والأخبار المستفيضة بأمثال تلك الدلائل الضعيفة والوجوه السخيفة جرأة على الله وعلى أئمة الدين ، ولو تأملت فيما يدعوهم إلى ذلك من دلائلهم وما يرد عليها من الاعتراضات الواردة لعرفت أن بأمثالها لا يمكن الاجتراء على طرح خبر واحد ، فكيف يمكن طرح تلك الأخبار الكثيرة الموافقة لظاهر الآية الكريمة بها وبأمثالها، وسيأتي الأخبار الدالة على تقدم خلق الأرواح على الأجساد في كتاب السماء والعالم، وسنتكلم عليها "؛ انتهى كلامه رفع الله مقامه.

   تعقيب لا بدَّ منه:عندما يقرأ المؤمن كلمات العلماء المتقدمين أمثال المفيد والمرتضى والطوسي والصدوق يظن أنه أصاب كبد الحقيقة في تلقيه للمعرفة العقدية الصحيحة، وذلك بسبب ما اشتهر به أولئك المتقدمون من تصنيفات لا زالت الطائفة المحقة تتدارسها وتستفيد الفوائد الكثيرة منها مما قام الدليل على صحته وصوابيته ومتانته العلمية والمدركية، إلا أن ذلك لا يعني خلوها من الأخطاء والاشتباهات والهرطقات باعتبارهم بشراً معرَّضون للغفلة والخطأ والاشتباه...فهم بشر ليسوا من أهل بيت العصمة حتى نحكم بصحة كلّ ما يقولون ويدَّعون..فقد يصيبون وقد يخطؤون، والعصمة لأهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله)، فنصوّب بالدليل ما أصابوه، ونخطئ بالدليل ما أخطأوا فيه..فلا نقبل منهم الخطأ ولا نرد عليهم الصواب...اللهم أرنا الحقَّ حقَّاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أمتنا على الحق واجعلنا من أهل الحق والدعاة إليه وتوفير السبل للوصول إليه بمحمدٍ وأهل بيته الطاهرين (سلام الله عليهم أجمعين).

   إن مشكلتنا نحن الشيعة أننا نغتر بالأسماء الضخمة والشخصيات التي لمع نجمها في فترة زمنية قديمة كانت مبسوطة اليد وتوفرت لها الظروف الاجتماعية والسياسية فبرزت على السطح، فصار السقم في نظرياتها قبلةً لا يجوز الإنحراف عنها وتخطيها، وقد رفع من قدرها علماء يميلون إلى ما اشتبه فيه الشيخ المفيد والمرتضى والصدوق والطوسي، فغالوا في ذواتهم ونظرياتهم الهابطة وجعلوهم فوق أن يخطؤوا أو ينسوا أو يقصروا في البحث والتحقيق..وما ورثه لنا بعض المتقدمين لا زلنا نعاني الأمرين منه، ونكافح وندافع ونجاهد على الثغور لردم ما ثلمه أولئك المتقدمون...ونحن لا ننكر جهودهم القيمة في حفظ التراث الفقهي والعقدي إلا أنهم وقعوا وأوقعوا غيرهم في مطبات عقائدية منحرفة تخفض من مستوى مقامات أهل بيت العصمة والطهارة (سلام الله عليهم)، وهو ما أشرنا إليه في الفصل الأول حول معالم البترية من كتابنا"الحقيقة الغراء في تفضيل مولاتنا زينب الحوراء على مريم العذراء عليهما السلام".

    عودٌ على بدء:إن ظاهر كلام الشريف المرتضى يدل على نفيه الاستدلال بآية الذر على تقدم عالم الذر على عالم الأبدان، ويبدو أنه لم يصح عنده الاستدلال بآية الميثاق على خروج الذرية في العالم الأول والإشهاد عليها بالتوحيد، فالآية عنده لا دلالة فيها على أخذ الميثاق عليهم في العالم الأول، إلا أنه لم ينفِ الأخبار الكاشفة عن حصول الميثاق عليهم في عالم الذر كما قد أفصح عن هذا في آخر كلامه الذي استعرضه المجلسي في البحار ج 5 ص 275؛ فقد قال:"..إن قوله تعالى (أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم..) فقد بينا أن المراد منه: وإذ أخذ ربك من ظهور بني آدم ; وأيضا لو كانت هذه الذرية مأخوذة من ظهر آدم لقال: من ظهره ذريته ولم يقل: " من ظهورهم ذريتهم " أجاب الناصرون لذلك القول بأنه صحت الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه فسر هذه الآية بهذا الوجه، والطعن في تفسير رسول الله صلى الله عليه وآله غير ممكن ، فنقول:" ظاهر الآية تدل على أنه تعالى أخرج ذراً من ظهور بني آدم فيحمل ذلك على أنه تعالى يعلم أن الشخص الفلاني يتولد منه فلان ، ومن ذلك الفلان فلان آخر، فعلى الترتيب الذي علم دخولهم في الوجود يخرجهم ويميز بعضهم من بعض، وأما أنه تعالى يخرح كل تلك الذرية من صلب آدم، فليس في لفظ الآية ما يدل على ثبوته، وليس في الآية أيضاً ما يدل على بطلانه إلا أن الخبر قد دل عليه، فثبت إخراج الذرية من ظهور بني آدم في القرآن، وثبت إخراج الذرية من ظهر آدم بالخبر..." إلى آخر كلامه فليراجع البحار ج 5 صفحة 275 ــ 276.

  تعقيب لا بد منه: لقد أثبت الشريف المرتضى عالم الذر وتقدمه على عالم الجسم بالأخبار، ولم يثبت لديه التقدم المذكور من نفس آية الذر، ولكنه في الوقت نفسه لم يرجح فهمه للآية القرآنية على الخبر الشريف حيث قال:" فليس في لفظ الآية ما يدل على ثبوته، وليس في الآية أيضاً ما يدل على بطلانه..". وهذا إن دلَّ على شيء، فإنما يدل على عدم قطعه بما فهمه من الآية، إذ إن فهمه للآية من دون ضم الخبر إليها ينم عن ضعفٍ في الاستدلال، إذ ما دام لم يرجح الآية على الخبر فلا ريب في أنه تكلم برأيه وليس برأي الأخبار، وشرح الآية بعقله القاصر من دون مراجعة الأخبار وضمها إلى الآية، لأن الآية من المتشابهات التي يجب الرجوع في فهمها إلى المحكمات من الأخبار الشريفة، ولا يجوز شرعاً تفسير الآية المتشابهة بالنظر البدوي مجرداً تفسيرها برأيه عن الأخبار الشريفة، وهو ما وقع في تطبيقه الشريف المرتضى..والأعجب منه ما وقع فيه أستاذه الشيخ المفيد حيث فسّر الأخبار الدالة على تقدم أرواح العترة الطاهرة بالصور الحاكية عن ذواتهم..! لقد عملا بالمتشابه بعقليهما ولم يعملا بالمحكمات، قال تعالى في سورة آل عمران الآية السابعة:(هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ).

   وقد ورد عن إمامنا المعظم أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:" من رد متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدى إلى صراط مستقيم..إلى أن قال:" إن في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن ومحكماً كمحكم القرآن فردوا متشابهها إلى محكمها ولا تتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلوا".

  وهناك محكم قرآني واضح في تقدم عالم الأرواح على عالم الأجسام منها قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة 63.

   (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً) الأحزاب7.

    (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ).

      إن الله تعالى قد أخذ على الأنبياء المواثيق بالولاء لرسول الله وأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم) في عالم الأرواح أي في العالم الأول، وهناك الكثير من الأخبار في هذا الصدد، ولكن القاصرين غضوا أبصارهم عنها ونعتوها بأنها من صنع الغلاة والحشويين..! ويبدو لنا من الشيخ المفيد أنه لم يميّز بين الخبر الواحد وبين الأخبار المتواترة، وهل بلغ الحال بالغلاة والحشوية أن يخترعوا لنا أخباراً تجاوزت التواتر بعشرات المرات بحيث يغفل عنها بقية الأعلام القدامى كالكليني والصفار والصدوق المعروف بعداوته للغلاة والحشوية..!!؟ وما هي الغاية من وراء حشوهم يا تُرى..؟! وإذا لم يتقبل عقل المفيد هاتيك الأخبار الوفيرة الدالة على عظمة النبيّ وأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم) فماذا يا ترى يقبله عقله وينشرح إليه صدره..؟! وهل أن خطابات الله تبارك شأنه للنبي وأهل بيته الأطهار (صلى الله عليهم) يوم خلقهم في العالم الأول كانت (والعياذ بالله تعالى) خطابات للصور الخالية من أرواحهم المطهرة، فيكون خطابه عزَّ وجلَّ من باب خطاب الصور وهو قبيح يتنزه الباري عنه ويترفع عن التفوه به..!! وهل أن كونهم حجج الله على أهل العالم الأول وفيهم الأنبياء والرسل من باب الحجة الصورية لا الروحية الواقعية..وهل إن الله تعالى أخذ المواثيق على صور الأنبياء والمرسلين بولاية النبي وأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم) بالرغم من أن الصور لا حياة فيها ولا شعور ولا إدراك، فكيف يصح القول بأن الله تعالى أخذ مواثيق الأنبياء بولاية النبي وأهل بيته على الصور فقط مع أنها مجرد صور مقهورة لإرادة المولى ولا اختيار لها ولا إدراك..؟! وهل أن إمامنا المعظَّم عليّاً الهادي (سلام الله عليه) قد سنَّ لنا في الزيارة الجامعة السلام على صور الحجج حينما كانوا في العالم الأول بقوله الشريف:" السلام على أئمة الهدى ومصابيح الدجى وأعلام التقى وذوي النهى وأولي الحجى وكهف الورى وورثة الأنبياء والمثل الأعلى والدعوة الحسنى وحجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى ورحمة الله وبركاته.."؟ لقد نعت المفيد علماءً أكابر بالحشوية نظير الكليني والصفار اللذين رويا الكثير من أخبار تقدم عالم الذر والأرواح على عالم الأبدان في باب الطينة والميثاق، فماذا سيكون موقفه يوم القيامة تجاه النعت المذكور..؟!  

 تساؤلات وجهناها للمفيد في برزخ قبره ونحن في غاية اليقين أن الله تعالى سيبلغه إياها من قبلنا حمية لأهل البيت عليهم السلام ولنا موقف معه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بلقبٍ سليم..وسيكون لنا ــ بإذن الله تبارك شأنه ودعاء الإمام الحجة القائم أرواحنا له الفداء ـــ ردٌّ مفصّل على الشيخ المفيد في أحد تصانيفنا العقدية في المستقبل القريب، وسنري العلماء مدى التقصير الذي لحق الشيخ المفيد من خلال نفيه لعالم الذر والميثاق.

   والحاصل:إن شطحات المتقدِّمين أدَّت إلى تجرؤ المعاصرين من العمائم البترية على عامة العقائد الحقة حتى صاروا يعترضون عليها بقول المفيد والمرتضى والطوسي والصدوق الذين أسسوا قواعد في الإنحرافات العقدية (كسهو المعصوم وعدم فعلية علومهم وعدم حضور أرواحهم في العالم الأول) وقد كابد علماء الشيعة المستقيمين في إطفاء نارها بشكلٍ تفصيليّ، وكان لنا النصيب الأوفر في إطفاء هاتيك النيران الموقدة التي تطلع على الأفئدة.. وقد أطفيناها في بحوثنا الكلامية لا سيما كتابينا الجليلين:" الفوائد البهية وشبهة إلقاء المعصوم في التهلكة ودحضها" ذلك كلّه (بفضل الله تعالى وعون الحجج المطهرين) رغماً لأنوف البتريين والنواصب من الشيعة والعمريين..! وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين...والحمد لله رب العالمين حيث وفقنا للذود عن كتابه الكريم وسنة نبيه وآله وفرغنا لإبطال مزاعم الجاهليين والمقصرين، وهو شرف لنا وافتخار (وأما بنعمة ربّك فحدّث)..والفضل لله تبارك شأنه ولأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم) كيف لا ! وأنا كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد يترصد أعداءهم ويحمي حياضهم المقدسة من أن تنالها يد السوء وألسن الطغيان والفساد..شكراً لك ربي وشكراً لأهل بيتك الطيبين الطاهرين.. فاجعلني سيدي ممن دعوته فأجابك وناديته فسمع نداءك، فصعق لجلالك واندكت ذاته في كبريائك، فناجاك سراً وعمل لك جهراً...اللهم عجِّل لوليِّك الفرج وأوصل ثارنا بثاره واجعلني من خيرة خدامه وأعوانه يا حيُّ يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا حنان يا منان...

يا قائم آل محمد مدد 

ويا آل محمد أغيثوا الملهوف

حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد

محمَّد جميل حمُّود العاملي

بيروت بتاريخ 7 شعبان 1438 هجري


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1443
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 05 / 09
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28