• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : بيان حكم الصلاة في مساجد المخالفين .

بيان حكم الصلاة في مساجد المخالفين

**********************

ملاحظة للمستفتي الكريم:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي العزيز لقد حاولت جاهداً إرسال الجواب لجنابك على العنوان البريدي الذي أرسلته ولكن المحاولات كلها باءت بالفشل حيث تصلني رسالة دائمة أن عنوان بريدك غير موجود.

أسأل الله أن توفّق لقراءة الجواب هنا

دمت في رعاية الله وآل بيته الأطهار عليهم السلام

مدير المكتب

**********************

الإسم: *****

النص: أرجو بيان حكم ونية وكيفية الصلاة في مساجد المخالفين والتي لا يوجد غيرها ؟؟

والرجاء البيان بكثير من التوضيح لكثرة الآراء والفتاوى بهذا الصدد !!

أتمنى أن تكون الاجابة في قسم "استفتاءات وأجوبة " في موقعكم العامر وجزاكم الله خيراً


الموضوع الفقهي: بيان حكم الصلاة في مساجد المخالفين .

بسم الله الرَّحمان الرَّحيم

     الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلقه وقادة رسله محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين..وبعد:

     السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

     الجواب: إن حكم الصلاة في مساجد المخالفين جائزة عند غيرنا من الفقهاء، ولكنَّها حرام شرعاً عندنا بحسب ما توصل إليه نظرنا في القرآن الكريم والأخبار الشريفة، ودليلنا على الحرمة هو أن مساجدهم خراب من هدى آل محمد عليهم السلام ولم تؤسس على التقوى والعقيدة الصحيحة المبتنية على الولاء لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، بل هي كغيرها من البيع والكنائس التي يكره الصلاة فيها من دون رشّ الماء على الموضع الذي يراد الصلاة عليه في الكنيسة، ومع رشّ الماء تنتفي الكراهة بحسب ما جاء في النصوص؛ وهو نظير ما ورد في الأخبار من وجوب رش الماء على ثوب اشتراه المؤمن من مجوسي؛ وقد حققنا معنى "الرشّ" في إجابتنا على استفتاء حول الثياب التي يشتريها المسلم من المجوسي، ومما قلنا هناك (تعقيباً على صحيحة أبان بن عثمان، عن حماد بن عثمان، عن عبيد الله بن علي الحلبي قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الصلاة في ثوب المجوسي ؟ فقال:" يرش بالماء ".) أن المراد بالرش الوارد في الرواية المتقدمة هو الغسل بالماء القليل كناية عن رش النبات بالماء حتى يرتوي، ويؤيده ما ورد في قواميس اللغة العربية الكاشفة عن معنى الرشّ وهو:"الغسل" وليس الرش المتبادر إلى الأذهان عند العرف وهو "نفض الماء برؤوس الأصابع" ودل عليه قول لغوي ضعيف أخذه من العرف مع معارضته للمعنى العام للرش وهو الغسل؛ وما يدعو للعجب أن العديد من الفقهاء قد أخذوا بالمعنى الشاذ للرش دون المعنى العام المشهور؛ وحال الدوران بين المعنى اللغوي العام والمعنى الشاذ العرفي، يقدَّم المعنى اللغوي العام على المعنى العرفي الشاذ.

  إن تعليق صحة الصلاة في الكنائس والبيع على رش الماء لعدم انفكاكها من النجاسة، فإذا رشت بالماء زالت الكراهة التي تعني هنا حرمة الصلاة في البيعة والكنيسة من دون رشّ الماء الذي يعني التطهير بالقليل مرتين، تماماً كبيوتهم وبيوت المجوس التي لا تنفك عن النجاسة، وقد جاء الأمر برشها قبل الصلاة فيها كما في أخبار متعددة عقد لها الحر العاملي بابين في الباب 13 و14 من أبواب مكان المصلي في الوسائل منها خبر عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام وقد سأله ابن سنان عن الصلاة في بيوت المجوس؟ فقال : " رش وصل ". وهكذا ورد الأمر برش البيع والكنائس في حال انحصرت الصلاة بالبيعة والكنيسة؛ وما الحكم بوجوب رش الماء في البيعة والكنيسة إلا لأجل عدم انفكاكهما من النجاسة، وهكذا الحال في مساجد المخالفين التي لا تنفك عن النجاسة من ثلاث جهات:

  (الجهة الأولى): النجاسة الظاهرية التي تلازم أبدانهم بسبب مخالفتهم لأحكام الطهارة الشرعية التي أمر بها أئمتنا الطاهرون (عليهم السلام)، فأكثر أحكام النجاسات عند الشيعة الإمامية مغايرة بطبيعتها للنجاسات عند المخالفين، لذا فإن تطهيرهم بالماء القليل من البول والغائط مرة واحدة كافية في تحقق الطهارة، بينما في فقهنا لا يكفي التطهير مرة واحدة بل لا بد فيه من المرتين بالماء القليل؛ هذا فضلاً عن أن المنيَّ عندهم طاهر، ولا يخلو رجلٌ منهم من تلوث بدنه وثوبه بمنيه، ما يعني أنهم لا ينفكون عن النجاسة في أبدانهم وثيابهم ومن ثم مساجدهم؛ فإذا كانت مساجدهم لا تنفك من وجود نجاسة، كيف يمكن الحكم بصحة صلاة المؤمن في مساجدهم لا سيما إذا دخلها برطوبة أو توضأ فيها فلا ريب في تنجس ثيابه وبدنه بالمتنجس الحاصل بفعل وضوئهم ونحوه مما يتحرز منه المؤمن في بيته أو في مسجد شيعي طرأت عليه بعض النجاسات التي لا بد من تطهيرها فوراً لئلا تتنجس أيدي وأقدام المصلين فتبطل صلاتهم.

     (الجهة الثانية): النجاسة الروحية المؤدية إلى النجاسة البدنية حتى لو كان المخالف أكثر دقة بالطهارة من الشيعي، بل لو كان المخالف في الكر أو في الماء الكثير كالنهر والبحر، فإنهما لا يطهران روحه الملوثة بالتمرد على أهل البيت والوقوف بجانب أعدائهم، فمثلهم كمثل الكلب الممطور لا يزيده المطر إلا نجاسة كما عبَّر عن ذلك أعلام الإمامية؛ فحرمة الصلاة في مساجدهم مساوية لحرمة الصلاة في البيع والكنائس إلا إذا رشها المصلي بالماء بنية التطهير؛ فالأخبار التي أجازت الصلاة في البيعة والكنيسة إنما قيدته برش الماء، وهكذا الحال في مساجد المخالفين لو قلنا بجواز الصلاة فيها بالعنوان الأولي، وهو ما لم يثبت لنا بدليلً قطعي، ولم نرَ خبراً يشير إلى أن أئمتنا الطاهرين عليهم السلام دخلوا مساجدهم للصلاة فيها، ولو وجد خبر يدل على ذلك، فلا ريب في حمله على التقية الحاكمة على تصرفات المؤمن في دولة الباطل قبل خروج مولانا الإمام الصاحب (سلام الله عليه).

  (الجهة الثالثة): إن حرمة الصلاة في مساجدهم باعتبار أنها أوكار الفتنة والضلالة والشرك ونصب العداوة للحجج الطاهرين (سلام الله عليهم) وعداوة شيعتهم الموالين لهم والمتبرئين من أعدائهم، وقد حكمت الآية والأخبار على مساجدهم بأنها على طراز مسجد ضرار الذي بناه المنافقون من صحابة النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) للإضرار بالشيعة من صحابته كجابر بن عبد الله الأنصاري وسلمان وأبي ذر والمقداد وغيرهم ممن عُرِفوا بولائهم لأمير المؤمنين وسيِّدة نساء العالمين الصدّيقة الكبرى (سلام الله عليهما) والتبري من أعدائهم المعروفين. 

   زبدة المخض: هذه أهم الجهات التي نعتقد بأنها المانع الأساس من الصلاة في مساجد المخالفين، وأهمها هو الجهتان الأخيرتان (الثانية والثالثة)؛ لذا فإن الحكم بحرمة الصلاة في مساجد المخالفين مبنيٌّ على الطبيعة الخبيثة التي ينطوون عليها تجاه آل محمد (سلام الله عليهم) وتعمدهم مخالفتهم العلنية ما يستلزم الضلال والكفر الناتج عنه نجاسة الأرواح والعقول بسبب عدم التدين بعقائد أهل البيت والتبري من أعدائهم كما سوف نوضح ذلك لاحقاً. 

 فلا فرق في حرمة الصلاة بين أن تكون في الكنائس والبيع وبين أن تكون في مساجد أعداء آل البيت؛ والصلاة في البيع والكنائس أخف بالحكم من الصلاة في مساجد أعداء آل البيت (عليهم السلام)، ذلك لأن أهل الكتاب ليسوا نواصب لأهل البيت عليهم السلام بخلاف فرق الضلالة من المذاهب المبتدعة التي تتعبد بليلها ونهارها في الجهر ببغض الشيعة لأنهم شيعة للأئمة الأطهار (سلام الله عليهم)، فالفرق واضح في الأخبار التي أجازت الصلاة في البيع والكنائس بشرط رش الماء (أي التطهير) بينما لم تجز الصلاة في مساجد الأعداء لأهل البيت عليهم السلام إلا على نحو التقية.

  والحاصل: إن مساجد المخالفين تتفق مع الكنائس والبيع بالكفر إلا أن مساجد الأعداء لأهل البيت عليهم السلام تزيد على الكنائس والبيع بأنها بنيت على حبّ وتولي أعمدة السقيفة والوقوف ضد آل محمد (عليهم السلام)؛ نعم يجوز الصلاة في مساجدهم من باب التقية والخوف على النفس، فيصلي في بيته ثم يصلي معهم أو العكس أي يصلي معهم ثم يعيدها في بيته، أو يصلي الواجب في بيته ثم يصلي ركعات مستحبة في مساجدهم دفعاً للضرر؛ ويدل عليه ما رواه الحسن بن عبد الله الأرجاني عن إمامنا الصادق عليه السلام قال: " من صلَّى في منزله ثمَّ أتى مسجداً من مساجدهم فصلَّى فيه خرج بحسناتهم ". ولو كانت الصلاة الواجبة كالفرائض اليومية في مساجدهم مطلوبة شرعاً لما صح التعبير في الرواية بقوله الشريف:" من صلَّى في منزله.." وإلا لكان الأولى التعبير بالعبارة التالية:" من صلى في مساجدهم" من دون ذكر "منزله"، يرجى التأمل.

   فالمناط والملاك في حرمة الصلاة في البيع والكنائس ومساجد المخالفين هو وحدة الفكر الظلماني المعبَّر عنه بالكفر الروحي والعقلي بالعقيدة الصحيحة... ومعنى الكفر لغة هو حجب العقل عن معرفة الحق، وأيُّ كفر أعظم من تولي أعداء آل البيت عليهم السلام كما هو الحال فيمن اعتقد بولاية أعمدة السقيفة الذين اغتصبوا الخلافة وبدلوا بأحكام الله تعالى ونعتوا النبيّ بالهجر وهتكوا ستر ابنته الطاهرة الزكية سيّدة نساء العالمين مولاتنا الزهراء البتول (سلام الله عليها) وكذبوها واعتدوا على حقوقها وأسقطوا جنينها، وكانت شهادتها على أيديهم..! 

   هذا بالإضافة إلى أنها مساجد بنيت للكيد بالسوء لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم الموالين تماماً كمسجد ضرار الذي بناه المنافقون من صحابة النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله للإضرار بالنبي وأهل بيته وأنصارهم من أصحابهم الغر الميامين كسلمان وأبي ذر وعمار والمقداد، فنزلت الآية في سورة التوبة بقوله تعالى (والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبداً لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين أفمن أسس بيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم) التوبة: 107 ـــ 110. وقد أمر النبيُّ الأكرم صلى الله عليه وآله بهدمه.

  إن قوله تعالى (لا تقم فيه أبداً) ظاهر في النهي الذي يفيد الحرمة، وقد تأكد النهي بأداة " أبداً " التي تفيد التأبيد المؤكِّد للنهي، أي أن المسجد الذي بني على الإضرار بالمؤمنين بأهل البيت عليهم السلام لا يجوز أن تصلي فيه أبداً، ويجب على المؤمنين التابعين لرسول الله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام الإجتناب عن مساجد بنيت للإضرار بهم كشيعة مسلمين، فنصب العداوة لهم تستلزم العداوة لأهل البيت عليهم السلام.

  وليس ثمة خبرٌ واحد يشير إلى استحباب الصلاة في مساجدهم بالعنوان الأولي، بل غاية ما يوجد في أخبارنا هو جواز الصلاة في مساجدهم على نحو التقية، وهو حكم ثانوي؛ وحكم التقية الثانوي يختلف بطبيعته عن الحكم المعنون بالعنوان الأولي كالصلاة في مساجدنا فإنها مستحبة إلا إذا كان المصلون فيه أو الذين بنوه متوافقين مع المخالفين بعقائدهم فساعتئذٍ يحرم الصلاة فيه..ذلك لأن الصلاة فيه يعتبر إعانة على الإثم والدوان وتقوية شوكة النفاق والكفر من جهة، ولأنه داخلٌ في مفهوم مسجد ضرار الذي أمر النبيُّ الأكرم بهدمه باعتباره أحد أعمدة الكفر والنفاق من جهة أُخرى.

  وثمة كلام لطيف للشيخ العلامة الفقيه عبد النبي النجفي العراقي (أعلى الله مقامه) في كتابه معالم الزلفى في شرح العروة الوثقى يؤيد ما ذهبنا إليه حيث قال رحمه الله :" في جواز تنجيس مساجد اليهود والنصارى المسماة بالبيع و والكنائس عندهم اشكال فاعلم ان محل الكلام في مساجدهم انما هي اللتي حدثت بعد تشريع الإسلام في بلاد الإسلام أو غيرها دون ما حدثت في زمان شريعة موسى وعيسى على نبينا وعليهم السلام إذ لا أثر فيما كان في الأزمان الغابرة حتى يتكلم فيها فما هو محط البحث ما ذكرنا دون غيره مما هو قليل الفائدة إلا مع بقائهما مع الإسلام وعليه فمنشأ توهم الاشكال انهما أيضا من المساجد وان سميت باسم آخر كالبيع والكنائس فيحرم تنجيسها وأنت خبير بفساد تلك الدعوى فان المسجد عبارة عن مكان الذي جعلت مكانا لعبادة الله جل جلاله ولا يتحقق الا بالوقف وانّه لا يتحقق على المشهور والأقوى إلا بقصد القربى لأنها من الصدقات التي اتفقت كلماتهم على لزوم قصد القربة فيها الذي لا معنى له إلَّا كون البناء مقربا عند الله جل جلاله ويعطى أجر جميل وثواب عظيم وبيت جليل في الآخرة وثناء جميل ودرجات في الآخرة فإنّي للكافر تلك المراحل مع بطلان دينهم وأنهم أهل النار برمتهم وان عباداتهم غير مشروعة محرمة وان ذلك أيضا لا ينافي صحة وقفهم فمعناه إقرارهم على دينهم ولذا ترى صحة وقفهم على بيوت النار والشمس والكواكب إلى غير ذلك وصحة وقفهم الكلب والخنازير إلى غير ذلك أترى أنّه يحرم دخول الجنب والحائض والنفساء فيهما ا ترى لزوم صلاة التحية فيهما أترى حرمة إدخال النجاسة فيهما ولو المتعدية ووجوب تطهيرها إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على المساجد من واجباتها ومستحباتها ومحرماتها ومكروهاتها كلا لا أظن أحدا يحتمل ذلك في جهة الفارقة بينهما وبين بيوت العبادة لسائر الكفار والمشركين كعبدة الأصنام والبقر والشمس إلى غير ذلك فإنها كسائر بيوت العبادة لسائر الكفار والمشركين بلا نقصان ولا زيادة فالتحقيق والأقوى عدم ترتب شيء من أحكام المساجد عليهما وجاز تنجيسه والجماع فيهما وتلويثه بأنحاء القذارة كما لا يخفى فيا ليت ( قده ) كان اشكاله يورد في مساجد المسلمين دونهما وكيف كان واما مساجد المسلمين فلا فرق فيها بين فرقهم في حرمة تنجيسها بل في ترتب تمام حكم المساجد عليها ولكن فيه اشكال واضح جلَّى يا ليت شعري كيف غفلوا عنه وما الجهة الفارقة بينهم وبين سائر الفرق من الكفار فما هذه المصيبة بيننا وبينهم فأقول وبالله التوفيق وان ذكرنا بعض تلك المصائب في بعض حواشينا على الجواهر وعلى الكفاية أنهم لا إشكال في كونهم من الكفار والأدلة الأربعة قائمة ناصة على ذلك وحالهم كحال سائر الكفار ألا ترى إن الشيعة الاثني عشرية بل سائر فرقهم ضرورتهم قائمة على ان الأصول الدين خمسة وأيّ معنى لقولهم ان الأصول الدين خمسة غير ان الأصلين من الإمامة والعدالة في هذا المذهب كالأصول الثلاثة في غيره بمعنى ان هذين الأصلين يكونا في هذا المذهب كتلك الأصول الثلاثة في سائر المذاهب فكما ان في سائر المذاهب يكون إنكار واحد منها موجبا للكفر فكذلك في هذا المذهب إنكار أحدهما يوجب الكفر في هذا المذهب وان هذا من البديهيات حتى عند العجائز والصبيان في القلل والبوادي والصحارى ولذلك نحن لما رأينا عصرنا قد رفع أعلام الجهل والطغيان وتقصيرهم في طلب الحق وفهمه ويكتفون برأيهم وعقولهم في المسائل بدون المراجعة إلى الأدلة المناسبة للمسألة في محلها كتبنا رسالة في كفر تارك الولاية وعنونّاها بان تارك الولاية كافر بالأدلة الأربعة ولما شرعنا فيها وذكرنا الإجماع في كلماتهم مقداراً مهمّا بدا لنا إتمامها بالأدلة الأربعة فاكتفينا فيها بالسنة ولقد ذكرنا فيها تسعمائة وتسعة وتسعون حديثاً في دلالتها صريحة في ان تارك الولاية كافر حقيقي كسائر الكفار وما يقرب من سبعين حديث منها متواتر لفظا عند العامة والخاصة ومنه من مات ولم يعرف إمام زمانه مات كافراً حتى أن بعض العامة كتب شرحاً على الحديث لمّا رأى أن السند متواتر وبأن الحديث لا يدل على ما يدعيه الإمامية لأن المراد من الإمام الزمان هو القرآن ثم الثاني منهم لما رأى انه لم يدع أحد بأن معرفة القرآن واجب عيني على كل أحد وتاركه كافر ادعى انه ليس المراد هو معرفة كل القرآن بل المراد هو الحمد منه وسورة أخرى أو آية أخرى يقرئهما في الصلاة ثم الثالث منهم لما رأى فساد ذلك لأنه إمام كل زمان والحديث يدل بان إمام كل زمان غير إمام زمان الآخر كتب في حاشيته عليهما بان المراد هو سلطان المسلمين وولاتهم وكيف كان مع تلك الأدلة كيف يمكن التفوه بايمانهم وقد تقدمت المسئلة فراجع على انه لو سلمنا وقلنا بأن الولاية ليس من الأصول الدين بل انها شرط في صحة العمل كما صدر تلك المقالة عن بعض من لا خبروية له في المسئلة تقصيرا منه فعليه عملهم باطل والمساجد من عملهم فيكون باطلة فلا يترتب عليها أحكام المسجدية على انهم متفقون بأنهم مخلدون في النار أبدا فكيف يحصل لهم القرب في بنائهم وكيف يحصل بناء عليه عنوان المسجدية مع الوقف الباطل لعبادة الباطلة وللمسألة محل أخرى قد خرجنا عن المقام فمقتضي القاعدة أنها كالبيع والكنائس وبيت عبادة سائر الكفار كما أشرنا إليها إجمالا فإن كان فيها إجماع فهو وهو غير معلوم والله العالم ". انتهى كلامه رفع الله مقامه في الجنان.

    وبناءً عليه: إن هناك ثلاث روايات تدل على جواز الصلاة في مساجدهم وهي ما يلي:

   (الرواية الأولى): في باب أحكام المساجد في وسائل الشيعة ج 3 ص 477 باب 1 ح 1 عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام إني لأكره الصلاة في مساجدهم فقال: لا تكره فما من مسجد بني إلا على قبر نبي أو وصي نبي ، قُتِلَ فأصاب تلك البقعة رشة من دمه ، فأحب الله أن يذكر فيها: فأدّ فيها الفريضة والنوافل واقض ما فاتك.

 (الرواية الثانية): في باب أحكام العشرة باب 1 ص 400 ح 6 عن عبد الله بن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : أوصيكم بتقوى الله ولا تحملوا الناس على أكتافكم فتذلّوا ، إنّ الله عز وجل يقول في كتابه : ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) ثم قال: عودوا مرضاهم ، واحضروا جنائزهم ، واشهدوا لهم وعليهم، وصلّوا معهم في مساجدهم ، حتى يكون التمييز ، وتكون المباينة منكم ومنهم".

 (الرواية الثالثة): في باب صلاة الجماعة، وهو ما رواه زيد الشحام عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:  ( يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم ، وصلوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم ، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا . أما إنكم إذا فعلتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفرا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه . وإذا تركتم ذلك قالوا : هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما يؤدب أصحابه ! ). هذه محمولة على الواقع أي أن يصلي الشيعي صلاة مولانا الإمام جعفر الصادق عليه السلام ولا يتقِ، ولا علاقة لها بالصلاة كصلاتهم. 

      هذه زبدة ما جاء في الأخبار الآمرة بالصلاة في مساجدهم وتشييع جنائزهم وزيارة مرضاهم، ما يعني أنهم إخوة لنا ــ كما تصور الشيخ المظفر في باب عقيدتنا في حق المسلم على المسلم من كتابه "عقائد الإمامية"؛ ولنا في معالجتها طرق متعددة ذكرناها في الجزء الثاني من كتابنا "الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية من صفحة 601 إلى 605"؛ نلخصها ههنا بما يلي:

 (الطريق الأول): أن لسانها صريح في وجوب التقية حال الخوف وحصول الضرر؛ وأخبار التقية حكم ثانوي لا يجوز أن تكون ملاكاً ومناطاً لتأسيس حكم أولي كما بسطنا القول فيه في كتابنا "معنى الناصبي" فليراجع.

  هذا بالإضافة إلى أنه لا يجوز ترجيح روايات التقية وأحكامها على الأحكام الضرورية الدالة على أن تارك ولاية أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام محكوم عليه بالكفر والإرتداد عن شريعة سيّد الأنام رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله.

 (الطريق الثاني): أنها معارضة للأخبار الأخرى النافية عنهم الإخوة الإيمانية والإسلامية، والدالة على وجوب البراءة منهم، والناهية عن الصلاة في مساجدهم وعدم عيادة مرضاهم وتشييع جنائزهم نظير ما ورد من أخبار تنهى عن تشييع الكافر إلا على نحو التقية الملزمة، ونظير ما ورد من عدم جواز تشييع الجاحد لولاية أهل البيت (عليهم السلام) وغير المتبري من أعدائهم، من هذه الروايات الشريفة ما رواه قطب الدين الراوندي في كتابه القيّم "الخرائج والجرائح" عن أحمد بن محمّد بن مطهّر قال: كتب بعض أصحابنا إلى الإمام أبي محمّد عليه السلام يسأله عمّن وقف على أبي الحسن موسى عليه السلام فكتب: لا تترحّم على عمّك وتبرّأْ منه، أنا إلى الله منه بريء، فلا تتولّهم ولا تعد مرضاهم ولا تشهد جنائزهم ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً، مَن جحد إماماً من الله أو زاد إماماً ليست إمامته من الله كان كمن قال: "إنّ الله ثالث ثلاثة" إنّ الجاحد أمر آخرنا جاحدٌ أمر أوّلنا ".

  وفي تفسير العياشي عن عمّار عن مولانا الإمام أبي عبد الله عليه السلام قال: مَن طعن في دينكم هذا فقد كفر قال الله تعالى: (وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر) والأحاديث في ذلك متواترة فلتُراجَعْ في وسائل الشيعة ج 18 ص 565 باب 10 من أبواب حد المرتد ح 40، وبحار الأنوار باب وجوب موالاتهم وموالاة أوليائهم وعاداة أعدائهم، وباب أن مبغضهم كافر، وباب أن الأعمال لا تقبل إلا بالولاية .

  (الطريق الثالث): إن الصلاة في مساجدهم وغيرها مما أشارت إليه روايات التقية المتقدمة تخالف النهي عن الصلاة في مساجد ضرار الوارد في آية التوبة المتقدمة، وهل هناك مساجد ضرار أُخرى غير مساجد المخالفين حتى لا يجوز الصلاة فيها..؟! فلا بُدَّ ــ والحال هذه ــ أن تُحْمَلَ تلكم الروايات على محمل مراعاة التقية الملزمة حفاظاً على النفس من إلحاق الضرر بها في وسط بكري لا يرحم صغيراً ولا يوقِّر كبيراً ممن لا يعتقد بالولاء لأبي بكر وعمر..!!

  هذا بالإضافة إلى أن الصلاة في مساجدهم تعدُّ من أبرز مصاديق صلتهم ومودتهم وقد أُمرنا بالنهي عنها في جملة من الأخبار نظير ما ورد عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام حين قال: "كذب مَن زعم أنّه من شيعتنا وهو متمسِّكٌ بعروة غيرنا". وما ورد عن مولانا الإمام الرِّضا عليه السلام قوله: "شيعتنا المسلِّمون لأمرنا الآخذون بقولنا المخالفون لأعدائنا فمَن لم يكن كذلك فليس مِنّا ".   

وفي صحيحة هشام بن سالم عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قال: "مَن جالس لنا عائباً أو مدح لنا قالياً أو واصل لنا قاطعاً أو قطع لنا واصلاً أو وآلى لنا عدوّاً وعادى لنا ولياً فقد كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم".

  (الطريق الرابع): إن رواية ابن أبي عمير الدالة على أن مساجد المخالفين هي من المساجد التي بنيت على دم معصوم، وأنه لا كراهة بالصلاة فيها، تعارض ما ذكرناه من روايات ناهية عن الصلاة في مساجدهم، ما يستلزم حصول تعارض بينها كما تستلزم أن يكون ثمة لغط بين المعصوم السابق مع اللاحق، فأحدهما يأمر بالصلاة فيها كالإمام الصادق عليه السلام، والآخر اللاحق ينهى عن الصلاة فيها، وهو عين التعارض والإضطراب وحاشا لأئمتنا الأطهار (سلام الله عليهم) من أن ينقض لاحقهم حكم سابقهم مع كونهم محدثين عن الله تعالى ومعصومين من الخطل في الرأي والإضطراب في القول..فيقع الفقيه في حيرة من أمره، فهل يطرح الروايتين أو أنه يقدِّم إحداهما على الأُخرى..أو يجمع بينهما..؟ الصحيح هو الجمع بين المتعارضين مهما أمكن، فنحمل رواية الإمام الصادق عليه السلام على التقية، بينما نحمل رواية الإمام الكاظم عليه السلام الناهية عن الصلاة في مساجدهم على عدم التقية، فيكون الجمع هكذا: في حال التقية صلوا في مساجدهم وشيعوا جنائزهم وعودوا مرضاهم دفعاً للضرر، وفي حال ارتفعت التقية فلا يجوز لكم الصلاة في مساجدهم ولا تشييع جنائزهم ولا معاودة مرضاهم...

  وأمَّا علاج الرواية الثالثة ــ وهي رواية زيد الشحام عن الإمام الصادق عليه السلام ــ فلا تعني بالضرورة صحة الصلاة معهم بالعنوان الأولي، بل غاية ما تدل عليه هو حكم ثانوي اضطراري حال التقية الملزمة كما أشرنا مراراً وتكراراً، فلا تكون مبرراً للصلاة في مساجدهم اختياراً...! هذا بالإضافة إلى أنها على ما يبدو محمولة على الواقع أي أن يصلي الشيعي صلاة مولانا الإمام جعفر الصادق عليه السلام ولا يتقِ، ولا علاقة لها بالصلاة كصلاتهم.

  والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على رسله النبي الطاهر الأمين وعلى أهل بيته الأنوار المطهرين، والله الهادي إلى الصواب والرشاد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

  حررها العبد الأحقر محمَّد جميل حمُّود العاملي

      بيروت بتاريخ 8 شوال 1438 هجري


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1484
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 07 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19