• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : علم الرجال .
              • القسم الفرعي : مواضيع رجاليّة .
                    • الموضوع : دراسة في سند الزيارة الجامعة المباركة .

دراسة في سند الزيارة الجامعة المباركة

الموضوع:دراسة في سند الزيارة الجامعة المباركة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....كيف تقيّمون الزّيارة المباركة الجامعة من حيث الإسناد؟ 
 

والجواب:

بسمه تعالى
 

الزيارة الجامعة الكبيرة والشريفة صحيحة السند والدلالة،وقد اشتُهرت بين الشيعة الإماميَّة حتى استغنت بإشتهارها عن ذكر إثباتها وبيان سندها،فكانت موضع قبول عند جميع الشيعة من غير معارضٍ لها أو رادٍ لدلالاتها ومعانيها بل وسندها أيضاً عند من جاس خلال ديارهم مع ما إشتملت عليه معانيها العاليّة الفريدة وأسرارها العجيبة ولكنَّها صعبة عند بعض من لم يتذوق حلاوة معرفتهم أو يشمّ نسيم كلماتهم المقدّسة،فحاول التشكيك بسندها ودلالتها،ولا عجب في ذلك فإنَّ كلَّ إناءٍ بما فيه ينضح ،والأوعية تسع الماء بقدر حجمها،قال تعالى:"أنزل من السماء مآء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياَ.." "أفمن يعلم أنّما أُنزل إليك من ربِّك الحقُّ كمن هو أعمى إنّما يتذكر أولوا الألباب"...
والحاصل:أنَّ ألفاظها البليغة واسرارها المنيعة وأحوالها الرفيعة مما يشهد الكتاب الكريم والأخبار القطعيّة والعقل السليم بصحة ورودها عن ذلك الإمام العظيم الهادي المهدي عليّ بن الإمام محمّد الجواد عليهما السلام فأنّ على كلِّ حقٍّ حقيقة وعلى كلّ صوابٍ نوراً مع ما هي عليه عند عامة الشيعة فقهاؤهم وعوامها من القبول بحيث لا يختلف عليها إثنان ،وهذه الزيارة المقدّسة من أشرف الزيارات بشكلٍ مطلق ولا يضاهيها زيارة من حيث الإعتبار وعمق الدلالة الدالة على عظمة هؤلاء الموالي الكرام المطهرين والأنوار المقدّسين(عليهم السلام) ولفقراتها الشريفة شواهد كثيرة من الكتاب الكريم والسنّة الكريمة،فالتشكيك فيها يستلزم التشكيك بكلمات ائمة الهدى ومصابيح الدجى والعروة الوثقى وهو على حدِّ الشرك بالله تعالى والكفر بحججه الطاهرين وروحي فداهم ولعن الله عزّ ذكره الظالمين لهم والمنكرين لفضائلهم والمشككين بمعاجزهم وظلاماتهم وفضائلهم...          
 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

سؤال آخر:ما هو موقف المشهور من علمائنا الأبرار حيال إسناد الزّيارة المذكورة؟
 

والجواب:

هي مورد قبول تام عند عامة فقهاء ومحدثي ومتكلمي الشيعة الإماميّة قاطبة لا يختلف عليها إثنان،والمشكِّك فيها لا يعرف شيئاً من كرامات ومعارف آل الله ولا يعرف شيئاً من البلاغة والفضائل والمعاجز ،فهي ميزان للإيمان والمعرفة والتقى لكثرة ما ورد من الشواهد لها من الأدلة الأربعة المعتمدة عند فقهاء الإمامية،فالتشكيك يستلزم ردّ الأخبار المتواترة،وردّ الأخبار يستلزم الكفر بما نزل على رسوله الكريم محمَّد وآله الطاهرين (عليهم السلام) قال تعالى:"..فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةً او يصيبهم عذابٌ اليم"....والحاصل انَّ الزيارة الجامعة الشريفة مورد إجماع الطائفة المحقة فلا تجد منكراً لها ولا متوقفاً فيها بل الناقد البصير يخضع لجلالة معانيها المجمع على صحتها الكاشف عن قول المعصوم عليه السلام...
 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 

هل وردت تلكم الزّيارة الميمونة من غير طريق صدوق الطّائفة (قدّس الله نفسه الزّكية)؟
 

والجواب:
    لم يروها ــ بحسب التتبع ــــ أحدٌ غير الشيخ الصدوق (رحمه الله تعالى) من المتقدّمين عليه،فمثلاً لم يروها الشيخ الكليني ــ بحسب الظاهر ــ لإعتبارات عديدة ولعلَّ منها شدة التقيّة التي كان الكليني يعيش في ظلالها لوجوده في بغداد عاصمة الدولة العباسيّة آنذاك،بخلاف الشيخ الصدوق الذي عاش في قم موطن التشيع والولاء لأهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام)وفي ظل حكومة آل بويه لم يعرف عنها النصب الشديد لأهل البيت عليهم السلام فكان ثمة فسحة في مجال التعبير عن الرأي والعقيدة،نعم رواها من بعده الشيخ الطوسي(رحمه الله تعالى) في التهذيب/الجزء السادس باب زيارة جامعة لسائر المشاهد،ولا يشترط في صحة مطلق أيّ رواية أن تروى بطرقٍ متعددة بل يكفي فيها أن تروى بخبرٍ معتبر سنداً او دلالةً،كما لا يشترط في الأخبار الدالة على الفضائل والمعاجز أن تكون بقوة الأخبار الدالة على موارد الفقه والأحكام،ومع هذا فإنّ الزيارة الجامعة الشريفة وردتنا بسندٍ صحيح ومعتبر لا مغمز فيه عند أحدٍ،وعلى فرض ضعف السند –وفرض المحال ليس محالاً-فلا يجوز طرحها،إذ ليس كلُّ خبرٍ ضعيف سنداً يجب طرحه بل يحرم ردّ الخبر الضعيف ما لم يتعارض مع الدلالة القطعيّة للكتاب والسنَّة المطهرة،فكيف الحال بزيارة الجامعة المتوافقة مع الكتاب والسنّة...وحرمة ردّ الخبر الضعيف مورد تسالم عند الاصوليين والإخباريين،وحرمة الردّ تختلف عن حجيّة الخبر،فحرمة الردّ تتناول حتى الخبر الضعيف وقد عقد صاحب الوسائل باباً خاصاً في كيفيّة القضاء يذكر فيه تلك الأخبار الدالة على تلك القاعدة المتسالم عليها بينهم....فالخبر الضعيف في علم الدراية والحديث يختلف عن الخبر الموضوع والمدسوس والمجعول ،فالخبر المدسوس أو المجعول هو المتعارض مع الدلالة القطعيّة من الكتاب والسنّة كما قلنا،وأما الخبر الذي لم  تتوفر فيه شرائط الحجيّة لا يقال انَّه مدسوس أو موضوع ما دام لم يتعارض مع ما ذكرنا،لذا لا يسقط الإستدلال به لبيان المطالب العلميّة والفقهيّة، فالخبر الضعيف سنداً له احكامٌ إلزاميّة، منها حرمة ردّه،وقد ورد في الأخبار ما يبيّن هذه القاعدة المسلّمة منها ما ورد عن مولانا الإمام أبي جعفر (عليه السلام) قال:"...وإذا جاءكم عنّا حديثٌ فوجدتم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به وإلاَّ فقفوا عنده ثمّ ردوه إلينا حتى يستبين لكم ..."...
 

سند الزيارة الجامعة الشريفة:
رواها الشيخ الصدوق عليه الرحمة في كتابه "من لا يحضره الفقيه" الجزء الثاني باب زيارة جامعة لجميع الأئمة عليهم السلام بسنده إلى محمد بن إسماعيل البرمكي،ورواها أيضاً في كتابه "عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام/الجزء الثاني الباب 68 بنفس السند،كما انَّه رواها بشكل مختصر في نفس "عيون الاخبار" في الباب 67 بسنده الصحيح إلى محمد بن بن الحسن بن الوليد(أستاذ الصدوق) عن محمد بن الحسن الصفار(ثقة جليل) عن عليّ بن حسان(ثقة ثقة)،قال:سئل الإمام الرضا عليه السلام في إتيان قبر أبي الحسن موسى عليه السلام...وقد رواها الشيخ الطوسي في التهذيب نقلاً عن الصدوق بنفس السند ولم يعقّب على سندها بالضعف مما يعني صحته بنظره الشريف ....وها نحن نذكر السند موثقاً واحداً تلو الآخر:
قال الصدوق رحمه الله تعالى:روى محمد بن إسماعيل البرمكي قال:حدثنا موسى بن عبد الله النخعي قال :قلت للإمام عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين بن علي بن ابن أبي طالب (عليهم السلام) علمني يا بن رسول الله قولاً بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم؟..... وقد اختصر الصدوق الأسانيد في كتابه الفقيه إلاَّ أنَّه وضع فهرساً لتلكم الأسانيد في آخر الجزء الرابع من كتابه فقال في ترجمة محمد بن إسماعيل البرمكي:" وما كان فيه-أي الكتاب-عن محمد بن إسماعيل البرمكي فقد رويته عن عليّ بن أحمد بن موسى ومحمد بن احمد السناني والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب رضي الله عنهم عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي."
  فعليّ بن أحمد بن موسى ومحمد بن أحمد السناني والحسين بن إبراهيم بن احمد بن هشام المكتب ،كلُّهم من مشايخ الصدوق الثقات بدليل ترضيه عنهم بقوله"رضي الله عنهم" .وأما محمد بن أبي عبد الله الكوفي(وهو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي) فثقةٌ أيضاً عند الصدوق وغيره لانّ مشايخه الثقات نقلوا عنه ،ولأنّ الثقات لا ينقلون عن الكّذاب والمجهول الحال،ولو فعلوا ذلك لدل على أنّهم غير ثقات وغير مأمونين على الدين والدنيا فتنتفي الحجية عن نقولاتهم وهو أمرٌ نهت عنه الآيات والأخباركما لا يخفى على المحققين من الفقهاء،مضافاً إلى إطراء علماء الرجال على محمد بن أبي عبد الله يرى ذلك بوضوح كل من راجع كلماتهم بشأنه.فقد وثقّه النجاشي في ترجمة الأسدي وكذلك في ترجمة محمد بن إسماعيل البرمكي فقال:"حدثنا محمد بن جعفر الأسدي"،كما أنّ الرجل من اساتذة الكليني وقد أكثر الرواية عنه في الكافي،وإتهامه بالجبر والتشبيه فريةٌ عليه ويكفي في بطلانها انّه روى في الكافي أخباراً كثيرة دالة على بطلان الجبر والتشبيه ونفيهما،فلو كان فيه شائبة القول بذلك لم يكن ليروي ما يبطل مذهبه،وقد كان الرجل  في زمان السفراء المنصوبين من قِبَل الإمام الحجة المنتظر عليه السلام وممن ترد عليه التوقيعات من ناحيتهم، فالحقُّ أن الرجل ثقةٌ صحيح الحديث يعتمد على ما رواه ،ونحن نؤيد ما ذكره المحقق الممقاني (أعلى الله مقامه) في كلّ ما قاله دفاعاً عنه لموافقته للقواعد والأصول الرجالية والعلميّة...كما قد أطرى عليه كثير من الرجاليين والمحققين أمثال العلامة في الخلاصة والفاضل المجلسي في الوجيزة والطريحي والكاظمي في المشتركات والفاضل الجزائري والأردبيلي في جامع الرواة وغيرهم ممن يجدهم المتتبع لحال الرجل...
 وأما محمد بن إسماعيل البرمكي فلا ريب في وثاقته عند الجميع،وقد أطرى عليه النجاشي بقوله:"محمد بن إسماعيل بن أحمد بن بشير البرمكي المعروف بصاحب الصومعة"أبو عبد الله "سكن قم وليس أصله منها ،ذكر ذلك عباس بن نوح ،وكان ثقةً مستقيماً،له كتب منها التوحيد...".
 وأما موسى بن عبد الله النخعي فلا ريب أيضاً في وثاقته لما سوف يأتيك من الأدلة على ذلك،مضافاً إلى رواية الكليني عنه في الكافي/ باب العقل والجهل .
 

إنْ قيل:أنَّ موسى بن عبد الله النخعي قد أهمل الرجاليون ذكره في تراجمهم مما يعني عدم الإعتناء به، فلا يصحُّ الإعتماد على ما يرويه؟؟

قلنا:إنَّ ذلك غير صحيحٍ من وجوه:

(الوجه الأول):عدم وجود ذكرٍ له في تراجم المتقدمين لا يعني بالضرورة عدم جواز الإعتماد عليه بما يرويه وإلاَّ لإستلزم ذلك طرح الكثير من الأخبار لمجرد أنَّ بعض رواتها ليس لهم ذكرٌ في تراجم الأولين،وفي ذلك من الآثار السلبيّة ما لا يخفى على الضليع بالفقه،مع التأكيد على أنّ الرجل قد روى أخباراً عنهم (عليهم السلام) واعتمد عليه كبار المحدثين أمثال الكليني والصدوق والطوسي،أفلا يكون هذا حافزا للأخذ بما يرويه والإعتماد على ما يحكيه؟؟!!لا سيَّما وأنَّ الرجل قد إعتمد عليه ثقات الرواة والمؤرخين، فإنَََّ ذلك قرينة واضحة وقطعيَّة على وثاقته وعدالته ،فالغمز به –حينئذٍ- يعتبر غمزاً  بقناة الثقات الذين قام الدليل القطعيُّ على وثاقتهم وعدالتهم،وفيه ما لا يخفى على البصير الفقيه من المحاذير الشرعيّة من حيث إسائة الظن بهؤلاء وردّ الأدلة الدالة على ترتيب الأثر العقليّ والشرعيّ على وثاقتهم وعدالتهم..!!
(الوجه الثاني):إهمال الرجاليين له في كتب الرجال غير قادحٍ فيه،لا سيّما وأنَّ الرجاليين اقتصروا في تراجمهم على الرواة المعروفين بعقائدهم ومسالكهم العملية دون غيرهم من مجهولي الذكر والصيت إما لتقية وإما لعدم حبّ البروز والظهور بل آثروا الإنفراد عن الخلق حرصاً على دينهم أو دنياهم...فالقول بأنّ كلَّ مجهول لا يكون مقبول الرواية غير منطقيّ وفيه من المحاذير ما ذكرناه آنفاً..مضافاً إلى أنَّ المجهول أعمّ من كونه فاسد العقيدة والمسلك،إذ ربَّ مجهول الذكر بين الناس لكنّه نقيّ القلب وطاهر المسلك،فلا لوم عليه بمقدار ما يلام الذين لم يبحثوا أكثر للوصول إلى التعرّف عليه،فلا ملازمة –إذن-بين الجهالة والفسق،فتأمل.
(الوجه الثالث):إنَّ رواية الثقة محمد بن إسماعيل عنه تدفع جهالته من الأساس،إذ كيف ينقل الثقة عن رجلٍ مجهول الحال أو فاسد العقيدة؟!لا سيّما وأنّ التاقل عنه عالمٌ ومحدّثٌ وعادلٌ لايكذب ولا يدّعي وثاقة من كان كاذباً أو مدلساً...! مضافاً إلى إعتماد الصدوق عليه وقد آلى في مطلع كتابه الفقيه أن لا يروي إلاَّ عن الاجلاء الثقاة،وهي قرينة قطعيّة على صلاح الرجل لأنّ ما وصل للصدوق لم يصل إلينا حتى لو كان ذلك عن إجتهاد عنده،فما دام ثمة قرائن اخرى تثبت صلاحه ،فإنّ توثيق الصدوق وأساتذته له يعتبر –حينئذٍ-قرينة مساعدة على التوثيق.
  وبعبارةٍ إُخرى:أنَّ الراوي الثقة ــ على مسلكنا الرجالي ــ إذا روى عن مهمل أو مجهول تعتبر روايته عنه توثيقاً له،إذ من البعيد جداً  ــ بعد أن ثبتت الحجيّة للراوي الثقة ــ أن يروي عن غير الثقة وإلاَّ انتفت الوثاقة والحجيّة عن صاحبها وهي خُلف ثبوتها له بمقتضى الدليل الدال على ذلك.
(الوجه الرابع):إنَّ رواية موسى النخعي للزيارة الجامعة قرينة قطعيّة على كونه إمامياً صحيح الإعتقاد،بل إنَّ تلقين الإمام الهادي(عليه السلام)له هذه الزيارة المفصلة والمتضمنة لبيان مراتب الائمة الطاهرين (عليهم السلام)شهادة اخرى واضحة على كون الرجل من الحسان ومقبول الرواية،وإهمالهم لذكره ساعتئذٍ غير قادحٍ فيه ولا مقللٍ لشأنه،بل إنّ نفس الزيارة تكون قرينة على توثيقه وجلالة أمره،ولا يبعد أن يكون إهمالهم له في التراجم لعدم وجود من يتظاهر بمدحه حسداً له كما حُسد غيره من أصحاب الائمة عليهم السلام الذين أخفي ذكرهم من قبل أعداء أهل البيت (عليهم السلام) لاسيّما وأنّ الرجل روى ما هو أعظم مما رواه غيره من الأصحاب ألا وهو الزيارة الجامعة التي قصمت ظهور النواصب وأقلقت بالهم وعكّرت صفو عيشهم...فتأمل جيداً. 
(الوجه الخامس):ذهب بعضُ الرجاليين بأنَّ موسى بن عبد الله النخعي متحدٌ مع موسى بن عبد الملك،فنُسبَ إلى جده عبد الملك لأنّ الجدَّ ابٌ،وموسى بن عبد الملك من أصحاب الإمام الجواد عليه السلام،وبهذا ترتفع الجهالة –من هذه الحيثية-عن الرجل،ولا يبعد ذلك ولكنّه بحاجة إلى دليلٍ يدعمه.
(الوجه السادس):إنَّ آية النبأ وهي قوله تعالى في سورة الحجرات:" يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) تدل على إشتراط التبيُّن من خبر الفاسق ولا تدل على ردّ خبره من الأساس،فإذا جاز الأخذ بخبر الفاسق الذي لم يُعلم كذبه في نقل الروايات،يصحُّ بطريقٍ أولى الأخذ بخبر راوٍ مجهول الحال ،لكن يشترط بصحة الأخذ بخبره أن يكون موافقاً للكتاب والسنّة ومن هذا القبيل خبر الزيارة الجامعة العالية المضامين والموافقة للدلائل القطعية حسبما اسلفنا سابقاً.
(الوجه السابع):لقد ثبت بطريقٍ آخر صحيح لا مغمز عليه إلاّ عند أصحاب النفوس المريضة بأنَّ الأمام المهدي أرواحنا لتراب مقدمه الفداء أمر بالمواظبة على قراءة الزيارة الجامعة كما فصّل ذلك شيخنا الطبرسي رحمه الله تعالى في كتابه النجم الثاقب حيث يروي عمَّن عرفه من الثقة الجليل السيّد أحمد الرشتي( رضي الله عنه) الذي التقى بالإمام الحجة بن الحسن (عليهما السلام) عندما ضاع عن قافلته التي كانت تقله إلى الحجّ،فاستغاث بالإمام المنتظر (عليه السلام)فأغاثه وأمره بزيارة الجامعة وزيارة عاشوراء،مما يعطي الزيارة بُعداً آخر من الوثاقة والإعتبار من الناحيتين السندية والدلالتية وهو أمرٌ لم يتفطن إليه كثيرٌ من فقهاء الإماميّة مع أنَّه في غاية الصحة والمتانة-والقصة مشهورة شهرةً عظيمةً فلتُراجع في النجم الثاقب ومفاتيح الجنان-.
(الوجه الثامن):على إفتراض أنَّ موسى بن عبد الله مجهول،والمجهول لا يؤخذ به، لكننا نصحّح هذه الجهالة من ناحيتين:

(الناحية الأولى):

للقاعدة الأصوليّة المطردة الدالة على إنجبار ضعف الخبر بعمل المشهور فيصبح معتبراً وقوياً من حيث إنَّ عمل المشهور بخبرٍ ضعيفٍ سنداً توثيقٌ عمليٌّ للمخبر به فيثبت به كونه ثقةً،فيدخل في موضوع الحجيّة،وكذلك فيما لو كان الخبر صحيحاً أو موثقاً في نفسه ثمّ أعرض المشهور عنه فإنَّ إعراضهم حينئذٍ يوهنه ويُسقطه عن الحجيَّة والإعتبار،وبما أنَّ المشهور أخذ بالزيارة الجامعة وعمل بها ودعوا المؤمنين إلى المواظبة عليها،فإنَّ عملهم هذا يرفع من مستوى ضعف السند-على فرض جهالة موسى النخعي- إلى مقام الصحة والقوة والإعتبار،فيكون عملهم بمثابة تصحيح لضعف السند لقرائن إعتمدوها والتي منها ما ورد عن مولانا الإمام الصادق (عليه السلام):"خذ بما إشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر" والزيارة ليست مما إشتُهرَت بين الأصحاب فحسب بل هي من المجمع على صحتها واعتبارها...
(الناحيّة الثانيّة):

إصطلاح المتأخرين منذ زمن إبن طاووس –وهو أول من إخترع تقسيم الخبر إلى ضعيف وموثق-في تضعيف الأسانيد غير معتبر عند القدماء من فقهاء الإماميّة (رضوان الله تعالى عليهم أجمعين) حيث لا علم لهم بهذا الإصطلاح أصلاً لإستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر وإنْ اشتمل طريقه على ضعفٍ،فلم يكن للصحيح كثير مزيَّةٍ توجب له التميّز بإصطلاح أو غيره،فالضعيف عندهم هو ما لم تقم القرينة على إثباته،والصحيح عكسه،وعليه فتكون الزيارة الجامعة صحيحةً سنداً عندنا طبقاً لمسلك المتقدمين ومنهم الصدوق (رحمهم الله تعالى جميعاً) وذلك إما لقرائن مرجحة وإما لوجودها في الكتب المعتبرة كالفقيه والتهذيب والعيون،والله تعالى ذكره العالم بحقائق أحكامه وأسراره....
  والخلاصة:فإنَّ الزيارة الجامعة الكبيرة هي من أرقى الزيارات متناً وسنداً على حدّ تعبير العلاّمة المحدّث المجلسي(رحمه الله تعالى) وكما برهنا لكم ذلك بمقتضى تحقيقنا الذي لم يسبقنا إليه أحدٌ ،ولله الحمد ربّ العالمين،والسلام عليكم ورحمته وبركاته. 


 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=169
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29