• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : دعوى أفضلية أبي بكر على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام .

دعوى أفضلية أبي بكر على أمير المؤمنين عليّ عليه السلام

 

الموضوع:دعوى أفضليّة ابي بكر على أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام وردِّها.

بسم الله الرحمن الرحيم
 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم إلى قيام يوم الدين
اليوم الجمعة في خطبة الجمعة في أحد جوامع قطر ونقلتها احدى القنوات القطرية ادعى شيخهم الوهابي في خطبته والتي كان موضوعها الدفاع عن صحابتهم وعائشة وشيخهم القرضاوي، أنه نُقل متواترا ـ عند السنة ـ عن علي عليه السلام ان ابابكر وعمر افضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله، فما هو الرد على دعواه بالتواتر الوارد في كتبهم ؟
وما هي كلمتكم بخصوص الهجمة الجديدة المتواصلة على مذهب أهل البيت عليهم السلام؟ ومالواجب علينا فعله؟ وشكرا لكم نسألكم الدعاء.
 

والجواب
 

بسمه تعالى
 

ما ادّعاه الوهّابيُّ الناصبيُّ من وجود تواتر عن مولانا أمير المؤمنين عليٍّ (صلوات ربي عليه وآله) بأفضلية أبي بكر وعمر على عامة المسلمين بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)هو كذبٌ وتلفيقٌ وخلاف ما ورد في أخبارهم الدالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام لا سيّما حديث الغدير المتواتر في مصادرهم المعتبرة،وفي ذاك اليوم حصلت البيعة للإمام عليّ عليه السلام من عامة المسلمين بمن فيهم أبو بكر وعمر حتى قالا له (صلوات ربي عليه وآله):بخٍ بخٍ لك يا عليّ أصبحت مولانا ومولى كلّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ....وعامة المخالفين يعتقدون بصحة حديث الغدير لكنّهم يذهبون إلى انّ معنى قوله (صلّى الله عليه وآله) :"من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه.." هو وجوب نصرة المسلمين له عليه السلام ونصرته لهم،ولكننا نحن الشيعة الإماميَّة نذهب إلى كون الأولويّة بمعنى الحاكميّة التشريعيَّة والتكوينيّة،ولو سلَّمنا بما يدَّعون، فإنَّ نصرتهم له تستلزم صدق دعواه للإمامة وعدم جواز تكذيبه،وأما نصرته لهم فتقتضي ردّهم عن الضلال وتقويم ما إعوَّج منهم....وذلك لأنَّ تكذيبهم له في دعواه بأحقيته للخلافة خلاف وصيّة النبيّ للمسلمين بوجوب نصرتهم له مطلقاً وبدون قيدٍ أو شرطٍ ،لانّ نصرته تعني نصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله )في كلّ الأحوال والأزمان لعموم عصمته وطهارته عن الأرجاس والأدناس ،فلا يجوز الردُّ عليه مطلقاً ولا الشك في أقواله وأفعاله،ولا التبعيض في شيءٍ من ذلك بمعنى أنَّه لا يجوز للمسلمين أن يقيّدوا قوله بحالة الموافقة للواقع ،كأن يقولوا له نصدّقك بشرط أن لا يصدر ما يخالف قولك وفعلك...بل يجب أن يسلّموا بأنّ كلَّ أقواله وأفعاله حقٌّ وصوابٌ،وبالتالي فإنّ ما يقوله بحقّ أيّ فردٍ من المسلمين –سلباً أو إيجاباً-يجب أن يُحمل على الحقيقة إذا لم ينصب قرينة على إطلاق كلامه،ومن هذا المنطلق ما جرى بحقّ الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) فحيث أنّ النبيّ الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم ينصب قرينة على وجوب تصديق الإمام (عليه السلام) في حالٍ دون حالٍ أو في زمانٍ دون زمانٍ،دل ذلك على وجوب تصديقه مطلقاً في كلّ ما يدّعيه والتي من ضمنها الخلافة وحق سيّدة نساء العالمين من إرث أبيها وأرض فدك....ودعوى الخلافة تستلزم كونه أفضل الجميع بلا إستثناء..
  مضافاً إلى ذلك فإنَّ أحاديث كثيرةٌ جداً فوق حدِّ التواتر بمرات دلت على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام على غيره، منهاقول النبيّ الأعظم (عليه وآله السلام) كما جاء في مصادر العامة وبالأخص الصواعق المحرقة لإبن حجر الهيثمي :
"أقضاكم عليّ "  "انا مدينة العلم وعليٌّ بابها" "عليٌّ باب علمي" "أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنّه لا نبيَّ بعدي" "لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ،يحبُّ الله ورسوله ،ويحبه الله ورسوله" " فاطمة أحبُّ الناس إلى رسول الله ،وزوجها عليّ أحبّ الرجال إليه"  "أنا من عليٍّ وعليٌّ مني لا يؤدي عنّي إلاَّ عليّ" " عليٌّ نفسي"   " عليٌّ سيّد العرب" "لا يحبه إلاَّ مؤمن ولا يبغضه إلاَّ منافق""الناس من شجر شتى،وأنا وعليٌّ من شجرة واحدة" "النظر إلى عليٍّ عبادة" "من احبّ عليَّاً فقد أحبني،ومن أبغض عليَّاً فقد أبغضني" "من آذى عليَّاً فقد آذاني" "إنّك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله" "من سبَّ عليَّاً فقد سبني" "إنّ فيك مثلاً من عيسى عليه السلام،أبغضه اليهود حتى بهتوا أمَّه،واحبّه النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به" "عليٌّ مع القرآن ،والقرآن مع عليٍّ لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض" "لا تشكوا عليَّاً فإنّه لخشنٌ في ذات الله" "أُمرت بسدّ هذه الأبواب غير باب عليٍّ..وإني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته" "عليّ وليُّ كلّ مؤمن بعدي" "السُبَّق ثلاثة:فالسابق إلى موسى،يوشع بن نون،والسابق إلى عيسى ،صاحب يس،والسابق إلى محمّد،عليُّ بن أبي طالب"" "عنوان صحيفة المؤمن حبُّ عليّ بن أبي طالب" "عليٌّ إمام البررة وقاتل الفجرة ،منصورٌ من نصره ومخذولٌ من خذله" "عليٌّ باب حطة من دخل منه كان مؤمناً،ومن خرج منه كان كافراً"  "عليٌّ مني بمنزلة رأسي من بدني"  "عليٌّ يزهر في الجنة ككوكب الصبح لاهل الدنيا"  "
ولم يقتصر الامر على الأخبار بل تعداه إلى كلمات الصحابة والتابعين فأطروا على أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)فها هو إبن حجر الهيثمي نفسه يذكر كلماتهم تحت عنوان" ثناء الصحابة والسلف عليه فقال:
"( أخرج)إبن سعد عن أبي هريرة قال: قال عمر بن الخطّاب: عليٌّ أقضانا (وأخرج) الحاكم عن ابن مسعود قال:أقضى أهل المدينة علي(وأخرج)ابن سعد عن إبن عباس قال:إذا حدّثنا ثقة عن علي الفتيا لا نعدوها،أي لا تتجاوزها(وأخرج)عن سعيد بن المسيب قال غمر بن الخطاب:يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن،يعني عليّاً.وأخرج عنه قال لم يكن أحد من الصحابة يقول سلوني إلاّ علي (وأخرج)ابن عساكر عن إبن مسعود قال أفرض أهل المدينة وأقضاها علي وذكر عند عائشة قالت:إنه أعلم من بقي بالسنّة.وقال عبدالله بن عيّاش بن أبي ربيعة كان لعليّ ما شئت من ضرس قاطع في العلم وكان له القدم في الإسلام والصّهر برسول الله صلّى الله عليه وسلّم والفقه في السنّة والنّجدة في الحرب والجود في المال (وأخرج) الطبراني وإبن أبي حاتم عن إبن عبّاس قال:ما أنزل الله (يا أيُّها الذين آمنوا) إلاّ وعلي أميرها وشريفها،ولقد عاتب الله أصحاب محمد في غير مكان وما ذكر عليّاً إلاّ بخير (وأخرج) إبن عساكر عنه.قال ما نزل أحد في كتاب الله تعالى ما نزل في علي وأخرج عنه أيضاً قال نزل في علي ثلاثمائة آية (وأخرج) أبو يعلى عن أبي هريرة قال:قال عمر بن الخطّاب:لقد أعطى علي ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحبُّ إليّ من حمر النعم فسُأل ما هي قال:تزويجه إبنته وسكناه في المسجد لا يحل لي فيه ما يحل له والراية يوم خيبر.وروى أحمد بسند صحيح عن إبن عمر نحوه (وأخرج) أحمد وأبو يعلى بسند صحيح عن علي قال:ما رمدت ولا صرعت منذ مسح رسول الله وجهي وقفل في عيني يوم خيبر حين أعطاني الرّاية.ولمّا دخل الكوفة دخل عليه حكيم من العرب فقال والله يا أمير المؤمنين لقد زينت الخلافة وما زينتك ورفعتها وما رفعتك وهي كانت أحوج إليك منك إليها (وأخرج) السلفي في الطيوريات عن عبدالله بن أحمد بن حنبل قال:سألت أبي عن أبي ومعاوية فقال:إعلم أنّ عليّاً كان كثير الأعداء ففتش له أعداؤه شيئاً فلم يجدوه فجاؤا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيداً منهم له.
ثم ساق إبن حجر نبذة من كرامات أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ما يدل على علو قدره علماً وحكمة وزهداً..ومن جملة ما ذكر كرامة ردّ الشمس للإمام (عليه السلام) وقال:حديث ردّ الشمس صححه الطحاوي والقاضي في الشفاء وحسنّه شيخ الإسلام أبو زرعة وتبعه غيره وردوا على جماعة قالوا أنّه موضوع ...
ونُقل عن أحمد بن حنبل أنّه قال: ما جاء لأحد من اصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعليّ بن أبي طالب.وجاء عن إبن عباس قوله: ما نزل في أحدٍ من كتاب الله ما نزل في عليّ.وقال القاضي إسماعيل والنسائي وأبو عليّ النيسابوري:لم يرد في حقّ أحدٍ من الصحابة بالأسانيد الحسان ما جاء في عليّ.وقيل للشافعيّ:ما نفر الناس عن الإمام عليٍّ إلاَّ أنّه كان لا يبالي بأحدٍ؟فقال:إنّه كان زاهداً ،والزاهد لا يبالي بالدنياواهلها،وكان عالماً والعالم لا يبالي بأحدٍ، وكان شجاعاً ،والشجاع لا يبالي بأحدٍ،وكان شريفاً،والشريف لا يبالي بأحدٍ...أخرجه إبن حجر عن البيهقي...ونُقل عن الشيخ الخطابي أنّه قال:أبو بكرٍ خيرٌ وعليٌّ أفضل.
وقال سليم البشري في مراجعاته مع الجهبذ السيّد شرف الدين(قُدّس سره):"وهذه السنن...إنّما هي من خصائص الإمام وفضائله،لا تسعها الأرقام،ونحن نؤمن بأنّه كرَّم الله وجهه أهلٌ لها ولما فوقها،ولقد فاتكم منها اضعاف ما ذكرتموه وقد لا تخلو من ترشيحه للإمامة.."
تنبيه هام:نلفت نظر القارىءأنَّ الإمامة ليست ترشيحيَّة كما أفاد الشيخ البشري بل هي تعيين من عند ربِّ العالمين ،ولنا أدلة كثيرة على ذلك لا يسعنا ذكرها في هذه العجالة،فلها مجالٌ آخر في بحوثنا الأخرى نظير "الفوائد البهيَّة " "وأبهى المداد في شرح مؤتمر علماء بغداد"فلتُراجع...
إن قيل: إنَّ الفضائل شيءٌ والخلافة شيءٌ آخر،وكما قال العامة: إنّ ترشيح الإمام لتلك الفضائل هو غير العهد بها إليه...
قلنا:
 (أولاً):   إذا لم تكن الفضائل هي المعيار للوصول إلى الخلافة فماذا يا تُرى يكون معياراً لذلك؟؟!! فلا يخلو الأمر –حينئذٍ- شيئين:إما أن ينصَّب الجاهل للخلافة ،وإما ان يكون الخليفة ذا فضائل جمة تؤهله للقيام بالمهام المنوطة به،وبما أنَّ تنصيب الجاهل قبيحٌ عقلاً وشرعاً نوحاشا لله تعالى أن يغري المكلفين بإتباع الجاهل لإستلزامه الوقوع في المعاصي والقبائح وهو خلاف إرادته لهم الطاعة،فحيث إنتفى الأول ،يثبت الثاني بلا منازع...
(ثانياً):إنَّ الإشكال المتقدّم على فرض التسليم به ينسحب أيضاً على ترشيح أبي بكر للخلافة ومن جاء بعده ،فحصره بخلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) يعتبر حصراً باطلاً وفصلاً من دون دليلٍ معتّداً به،وبمعنى آخر :لا يجوز للعامة أن ينفوا دليل الفضائل في مسألة الخلافة،لأنَّ ذلك يؤدي إلى نسف خلافة من يعتقدون بخلافتهم عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لانّ علماء العامة يستدلون على صحة خلافة أولئك بأحاديث الفضائل أيضاً كما نفعل نحن الشيعة،من هنا يحاولون الإستدلال على صحة ما يذهبون إليه بأحاديث منسوبة إلى الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) كما فعل الناصبيُّ في مورد السؤال،وكالأحاديث الضعيفةالمروية في كتبهم التي جعلت من مستوى خلفائهم ما هو فوق مستوى رسول الله والأئمة الأطهار (عليهم السلام)..ولو سلَّمنا بوجود فضائل لأولئك المغتصبين،فهي ليست بتلك الكثرة العددية التي لمولى الموحدين وإمام المتقين فلا يمكن مساواتها بفضائل سيّد العرب والعجم،كما لا يمكن مساواة من لم يعبد صنماً قط ولم يعصِ اللهَ تبارك وتعالى طرفة عينٍ أبداً بمن قضى أكثر من نصف عمره-إن لم يكن كلّه- في عبادة الأصنام ..مضافاً إلى أنّ عمر نفسه إعترف بإحتياجه لأمير المؤمنين عليه السلام لمقالته المشهورة" لا أبقاني الله لمعضلةٍ ليس لها أبو الحسن" ولم يُروَ أنّ الإمام عليه السلام إحتاج إلى أحدٍ على الإطلاق فكيف يُقدّم من كان دائماً محتاجاً إلى الغير على من لم يحتج إلى أحدٍ ؟؟!!!(أفمن يهدي إلى الحقّ أحقُّ أن يتبع أمّن لا يهدي إلاَّ أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون)؟؟!!
مع التأكيد على أنّ أسناد اللغة العربية تدلّ بوضوح على انّ السنن والفضائل المتعالية التي أُعطيت للإمام عليٍّ عليه السلام  لا يجوز على الله –بحكمة العقل والنقل-أنْ تُعطى إلاَّ للانبياء (عليهم السلام) ولخلفائهم المنصوبين من قبل الله تعالى والأُمناء على الدين وأهله،فإذا لم تكن_أي تلك الفضائل والسّنن_ دالّة على الخلافة بالمطابقة فهي كاشفة عنها البتة،ودالة عليها لا محالة بالدلالة الإلتزاميّة،واللزوم فيها بيِّن بالمعنى الأخص.وحاشا سيّد الأنبياء أن يعطي تلك المنازل الرّفيعة إلاّ لوصيّه من بعده،ووليّه في عهده.على أن من سبر غور سائر السنن المختصّة بعلي أمير المؤمنين وإمام المتقين،وعجم عودها برويّة وإنصاف،وجدها بأسرها_إلاّ قليلاً منها_ترمي إلى إمامته،وتدل عليها إمّا بدلالة المطابقة كحديث الدار والمنزلة والثقلين ،وكعهد الغدير وغيرهم،وإمّا بدلالة الإلتزام كالسّنن التي أسلفناها آنفاً، وكقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم:عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليٍّ،لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض،وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم:عليٌّ منّي بمنزلة رأسي من بدني،وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم،في حديث عبد الرّحمان بن عوف:والذي نفسي بيده لتقيمنَّ الصّلاة،ولتؤتنّ الزكاة،أو لأبعثنَّ إليكم رجلاً منّي أو كنفسي،ثمّ أخذ بيد الإمام عليٍّ عليه السلام،فقال:هو هذا.إلى ما لا يُحصى من أمثال هذه السّنن،وهذه فائدة جليلة ألفت إليها كل غواص على الحقائق،كشاف عن الغوامض،موغل في البحث بنفسه لنفسه،لا يتّبع إلاّ ما يفهمه من لوازم تلك السنن المقدّسة،بقطع النّظر عن العاطفة.
    إشكال:
إنْ قيل:ربّما عارضكم خصومكم بالسنن الواردة في فضائل الثلاثة المتقدمين على أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام ،وبما جاء منها في فضائل أهل السّوابق من المهاجرين والأنصار فما تقولون؟.

قلنا:

نحن نؤمن بفضائل بعض أهل السّوابق من المهاجرين والأنصار  رضي الله عنهم ورضوا عنه،وفضائلهم جمة،وحسبهم ما جاء في ذلك من آيات الكتاب وصحاح السنن،وأما غيرهم ممن إدُعيت لهم الفضائل فقد تدبرناه إذ تتبعناه فما وجدناه_كما يعلم الله عزّ وجل_معارضاً لنصوص أمير المؤمنين علي(عليه السلام) ولا صالحاً لمعارضة شيئ من سائر خصائصه.نعم ينفرد خصومنا برواية أحاديث في الفضائل لم تثبت عندنا،فمعارضتهم إيّانا بها مصادرة لا تنتظر من غير مكابر متحكّم،إذ لا يسعنا إعتبارها بوجه من الوجوه،مهما كانت،معتبرة عند الخصم،ألا ترون أنّا لا نعارض خصومنا بما انفردنا بروايته،ولا نحتج عليهم إلاّ بما جاء من طريقهم كحديث الغدير ونحوه،على أنّا تتبعنا ما انفرد به القوم من أحاديث الفضائل،فما وجدنا فيه شيئاً من المعارضة،ولا فيه أيُّ دلالة على الخلافة،ولذلك لم يستند إلى حديث الغدير_في زعامة الثلاثة_أحدٌ.
وبالجملة:فقد دلت الأدلة القطعيَّة –والتي منها الفضائل العظيمة-على انّ مولى الموحدين أمير المؤمنين عليّاً(عليه السلام) هو خليفة الله تعالى ووصيّ رسول الله مباشرةً لا أنّه رابعٌ كما يصوّرون للسذج من العباد..
    ألإيراد على دعوى أفضلية الشيخين على سائر الأُمة:
   مضافاً إلى ما تقدّم من الأدلة على افضليّة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام على سائر الاُمة،فإنّ ما ادّعاه ذاك الناصبيُّ على تواتر أفضلية الشيخين على سائر المسلمين لا سيّما سيّد الموحدين وقائد الغر المحجلين يعتبر باطلاً من وجوه متعددة:
(الوجه الأول):

إنَّ دعوى الأفضليّة المذكورة تخالف ما اشتُهر عن أبي بكرٍ نفسه حيث قال:"لستُ بخيركم ،فإذا رأيتموني إستقمت فاتبعوني،وإذا رأيتموني زغت فقوموني،واعلموا أني لي شيطاناً يعتريني ،فإذا رأيتموني عصيت فاجتنبوني" وهو إعترافٌ واضحٌ بعدم أفضليته على جميع الأمة فلا يصلح للإمامة.
إن قيل:إنّ هذا التصريح صدر منه على نحو التواضع وهو نظير قول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله):"لا تفضلوني على يونس بن متى" مع أنَّه عليه السلام كان أفضل من النبيّ يونس عليه السلام ومن جميع المرسلين بإتفاق الامة،فيحمل قول النبيّ حينئذٍ على التواضع..
قلنا:إننا نحن الشيعة الإماميّة لا نعمل بهذا الخبر المنسوب إلى رسول الله (عليه وآله السلام) ،لكونه مخالفاً لصريح القرآن الكريم والسنّة الشريفة الدالين على أفضليّة الرسول الأعظم على عامة الانبياء والمرسلين ،وما خالفهما فهو زخرف لا يعتمد عليه... ولو سلّمنا جدلاً به فقياسه على نهي النبيّ قياسٌ مع الفارق،إذ الإنشاء لا يحتملُ الصدق والكذب ،بخلاف الإخبار،فإنّ الرواية عن النبيّ الأكرم نحتمل صدورها عنه كما نحتمل عدم صدورها عنه،فهي تحتمل الصدق أو الكذب،وأما إعتراف لإبي بكرٍ بإعتراء الشيطان له إنَّما هو إخبارٌ منه على جهله وخباثة طينته لثبوت الرواية عنه من طرقهم وتسليمهم بصحتها،  ولهذا نقول نحن الإماميّةبأنّ قول أبي بكرٍ( لستُ بخيرٍ من أحدكم) لا يخلو من أمرين:إما أن يكون صدقاًوإما ان يكون كذباً،فعلى الأول لا يصلح للإمامة لكونه مفضولاً،وعلى الثاني أيضاً لا يصلح للإمامة لكونه كاذباً في قوله،فالتواضع ههنا لا ينفعه بشيءٍ....مضافاً إلى أنّ قوله الآخر:"بأنّ لي شيطاناً يعتريني" المتضمن إلتماس التقويم من رعيته والإعتراف بأنّ له شيطاناً يعتريه ،دليلٌ واضحٌ على عدم صلوحه للإمامة المطلوب فيها الأفضلية على كلّ افراد الأُمة بلا إستثناء،فقول أبي بكرٍ(لست بخيرٍ من أحدكم..)حجةً على الناصبيّ صاحب الدعوى الآنفة الذكر التي نقلها من إبن حجر الهيثمي صاحب الصواعق المحرقة أحرقه الله بأليم ناره ...
(الوجه الثاني):

دعوى أفضليّة ابي بكر وعمر على عامة الأمة لا تثبت إلاَّ بدليلٍ قطعيٍّ أو بقبول الخصم، والخصم هم الشيعة ينكرون فضلهما على عامة الأُمة،ولا يوجد دليلٌّ عقليٌّ أو نقليٌّ لهم سوى ما إدّعوه من التواتر على الأفضلية وهي باطلةٌ لتواتر الآيات والأخبار على أفضليّة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.
(الوجه الثالث):

دعوى تواتر أفضليتهما تتعارض مع شهرة ما عُرِف عن الأوّل بأنّ له شيطاناً يعتريه،وعُرِف عن الثّاني الحِدَّة والفظاظة والغلظة،وهل الشيطنة والغلظة من الصّفات الرّبانية التي تؤهّل لركوب المعالي والفضائل؟!!
(الوجه الرّابع):

لا تثبت أفضليتهما على سائر الأمّة إلاَّ إذا ثبُتَتْ أفضليتهما عند الطرف الآخر وهم الشيعة،وحيث لم يثبت ذلك عند الشّيعة فلا يُمكن للعامّة التّمسك بدعوى التواتر على أفضليتهما،حيث إنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام قد ثبُتتت أفضليته من طرف العامة، فدلّ ذلك على أفضليته على سائر الأمّة،لانّ الإتّفاق على الأفضلية كان من الطّرفين(شيعة وأشاعرة)بخلاف دعوى أفضليتهما فلم تثبُت إلاّ من طرفٍ واحدٍ،فيبطل الإستدلال بالتّواتر المدّعى.
(الوجه الخامس):

كيف تثبُت الفضيلة لأبي بكر وعمر على سائر الأمّة،وقد شاع واشتُهر عن عمر إنكاره على أبي بكر وذمِّه له بقوله(كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرَّها،فمن عاد لمثلها فاقتلوه)واستنكر عليه لمّا أوعز إلى خالد بقتل مالك بن نويرة والإعتداء على زوجته فقال له(اقتل خالداً فإنّ في سيفه رهقاً لقد قتل امرءاً مسلماً ونزى على زوجته)ومعلوم أنّ الإستنكار فرع إرتكاب الجرائر العظام فيستحق صاحبه الذّم عند العقلاء والعقاب عند ربِّ العالمين،والمذموم لا يصلح أن يكون فاضلاً على سائر الأمّة،كما لا يصلح أن يكون فاضلاً على مَنْ ذمّه وهو عمر بن الخطّاب.
(الوجه السّادس):

لو كانا أفضل الأمّة لكانت شهادة أحدهما كشهادة خزيمة بن ثابت تعادل شهادة رجلين عدلين،وحيث لم تكن شهادتهما كشهادة خزيمة،دلّ ذلك على أنّ خزيمة أفضل منهما وذلك لإتفاق الأمة على إنفراد خزيمة بمضاعفة شهادته عن سائر المسلمين إلاّ أهل البيت(ع)فإنّ شهادتهم أولى من شهادة خزيمة.
(الوجه السّابع):

دعوى تواتر أفضليتهما يتعارض مع التّواتر القطعي بل الإجماع القطعي على مخالفتهما لأوامر رسول الله،واعتدائهما على أمير المؤمنين عليّ وزوجته الطّاهرة عليهما السّلام.
(الوجه الثّامن):

دعوى التواتر بأفضليتهما يتعارض مع دعوى التواتر باعترافهما بالجهل والعصيان،فالأوّل_أي أبو بكر_ صرّح بأنّه ليس أخَيَّر وأفضل الأمّة بقوله(أقيلوني أقيلوني فإنّي لست بخيركم وعليٌّ فيكم)والثّاني_أي عمر_ قال: (كلُّ النّاس أفقه من عمر حتَّى المخدرات في البيوت)فهذا اعتراف بالواقع بأنّهما من الجهلاء،وعليه فكيف يكون الجاهل فاضلاً على سائر الأمّة؟!!
(الوجه التّاسع):

الأخبار على الأفضليّة التّي ادّعاها النّاصبيُّ مأخوذة من كتاب الصّواعق المحرقة لأبن حجر الهيثمي المكي،وهي من طرقهم المدخولة والمكذوبة على أمير المؤمنين علي(ع)،ولو سلَّمنا جدلاً في كون بعضها من طرق الشّيعة،فإن كانت أسانيدها من طرق العامة،فوجه الكذب فيها واضح،وإنْ كانت أسانيدها من طرق الشّيعة،فوجه التّقيّة فيها واضح وظاهرٌ أيضاً من حيث حضور بعض المخالفين في مجلس الإمام(ع)حيث استعمل التّورية في الكلام،فظنّه السامع بأنّه إطراء ومدح.
فحاصل هذا الوجه:إنّ أخبار المدح_على فرض صدورها عن المعصوم عليه السّلام_هي في مقام عروض التّقيّة،فقد جرت عادة الأئمّة الطّاهرين عليهم السّلام أن يضحكوا على لحى الخصوم بإلقاء مثل هذه الكلمات الجامعة في درجات الإيهام والإبهام الذي لا يطّلع على حقائقها إلاّ ذوو الأفهام.
(الوجه العاشر):

لقد وقع خلافٌ بين علماء العامة في أنّ تفضيل أبي بكر على مَنْ بعده قطعي أو ظنّي،فأبو الحسن الأشعري قال بأنّه قطعي،والقاضي أبو بكر الباقلاني قال إنّه ظنّي واختاره إمام الحرمين في الإرشاد،وبه جزم صاحب المفهم في شرح مسلم،وأيّده ابن عبد البِّر في الإستيعاب، ذكر عبد الرّزاق عن معمّر قال:لو أنّ رجلاً قال بأنّ عمر أفضل من أبي بكر ما عنفته،وكذلك لو قال عليٌّ عندي أفضل من أبي بكر وعمر لم أعنفه...فالتّفضيل _إذاً_ظنّي وليس قطعيّاً..
ولم يأتنا العامّة بدليلٍ يثبت لنا صحّة دعوى التّفضيل سوى ما نقلوه عن الدّارقطني والهروي وكلاهما مجهولان بل ليسا ثقتين عندنا،مضافاً إلى أنّ أخبارهما من الآحاد وظنيّة الدلالة مع كونها متعارضة بما هو أوثق منها دلّت على أنّ سلمان وأبا ذرّ والمقداد وعمّار وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم،كل هؤلاء إعتقدوا بأنّ الإمام عليّاً(ع)هو أوّل من أسلم،وقد فضلوه على غيره،وهذا عين ما ذكره ابن عبد البر حسبما نقل عنه ابن حجر في الصّواعق.
والحاصل:

إنّ الرّوايات المدّعاة ليست روايات متواترة بل هي أخبار آحاد،لكنّ النّاصبي حرّف الحقيقة فدخل في زمرة الكاذبين..والنّاصبي لم يميّز بين التّواتر والخبر الواحد...
(الوجه الحادي عشر):

دعوى التواتر على الأفضلية ليست بأحسن من دعوى الإجماع المدّعى على بعض المطالب،وقد اختلف علماء العامة فيما بينهم،فبعضهم اعتبروه حجّة قطعيّة،وبعضٌ آخر_ومنهم الرازي والآمدي وابن حجر_قالوا انه ظنّي مطلقاً...فإذا كان هذا حال الإجماع وهو أعظم حالاً وأكثر اعتباراً من التواتر،فما ظنُّك بالتواتر؟!وعليه فإنّ الإجماع والتواتر ليسا بحجّةٍ عند فريقٍ من فقهاء العامّة،وبالتالي يسقط الإستدلال بالأخبار المتواترة المدّعاة في مسألة أفضليّة الشّيخين على سائر الأمّة،هذا كلّه بناءً على صحّة تلكُّم الروايات التّي تمسّكوا بها..
 وقد أكّد ابن حجر في الصّواعق على أنّ الإجماع في مورد أفضليّة الشّيخين على سائر الأمّة ظنيٌّ،وها هي عبارته(ومما يؤيّد أنّه _أي الإجماع_هنا ظني،أنّ المجمعين أنفسهم لم يقطعوا بالأفضليّة المذكورة وإنّما ظنّوها فقط كما هو المفهوم من عبارات الأئمّة وإشاراتهم،وسبب ذلك أنّ المسألة اجتهاديّة،ومن مستنده أنّ هؤلاء الأربعة اختارهم الله لخلافة نبيّه وإقامة دينه،فكان الظّاهر أنّ منزلتهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة،وأيضاً ورد في أبي بكر وغيره كعليّ"الإمام"نصوص متعارضة يأتي بسطها في الفضائل وهي لا تفيد القطع لأنّها بأسرها آحاد وظنيّة الدلالة مع كونها متعارضة أيضاً...)
(الوجه الثّاني عشر):

لا يجوز عندنا نحن الشّيعة الإمامية الإعتماد على أخبار العامة مطلقاً حتّى تلك الموجودة في صحيح البخاري ومسلم اللذين يعتبرهما العامة من أوثق المصادر الحديثيَّة عندهم،مع أنّ ثلةً من علمائهم ضعّفوا هذين الكتابين وأشكلوا عليه بإشكالات كثيرة،وعليه فإنّ أيَّ خبرٍ عاميٍّ يتناول فضائل غير أئمتنا عليهم السّلام لا يكون معتَبراً عندنا إلاّ إذا توافق مع أصولنا العقيديّة والفقهيّة..
(الوجه الثّالث عشر):

دعوى الأفضليّة المنسوبة للإمام أمير المؤمنين علي(ع)تخالف الأدلّة القطعيّة التي نصبها الإمام نفسه لشيعته ومواليه الدّالة على انحراف هؤلاء المغتصبين الظّالمين،فيقع التّعارض بين تلك الدّعوى وبين الأدلّة القطعيّة،فتُقدَّم الأدلّة على دعوى التواتر،وعلى فرض صحّة الدعوى المذكورة فنحملها على مورد التقيّة..
(الوجه الرّابع عشر):

دعوى تواتر أفضليّة الشيخين على سائر الأمّة التي ادّعاها الناصبيُّ قد اقتبسها من إبن حجر الهيثمي المكي في كتابه الصّواعق حيث ادّعى وجود إجماع على تفضيل الشيخين على غيرهما من أفراد الأمّة،مع أنّه عرض بقيّة الآراء المعارضة لتفضيل الشيخين على غيرهما،فوجود آراء مخالفة يتعارض مع المفهوم اللغوي والإصطلاحي للإجماع،مضافاً إلى أنّهم أخرجوا من الإجماع نفس الأصحاب الذين يستدلّون بهم على صحّة الإحكام،وقد قلنا فيما مضى أنّ أبا بكر وعمر أقرّا على أنفسهما بأنّهما جاهلان عاصيان،وإقرار العقلاء على أنفسهم حجّة،ونحن نلزمهم بما ألزموا به أنفسهم،فإذا ما كان نفس هؤلاء يقرّون بعدم صوابيّة أفعالهما وعدم كونهما أفضلا من الأمّة،فعلى أي أساسٍ علميٍّ ودينيٍّ وأخلاقيٍّ يرفعهم هؤلاء إلى مستوى العصمة والطّهارة بدعوى أنّهم صحابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم،ولا يشترط في عدالة الصحابيّ ما يشترط في غيره،ومهما فعل وقال فمغفورٌ له بل يصبح فعله_ولو كان مخالفاً للضّرورات الدينيّة_من أقدس المقدّسات...!!
(الوجه الخامس عشر):

دعوى التواتر أو الإجماع مجرّد كِذبَة لفّقَها إبن حجر،ونسي ما نقله عن الطبقات الكبرى لإبن السبكي من اعتقاده_طبقاً لبعض المتأخرين_من تفضيل الإمامين الحسنين عليهما السلام على الشيخين بسبب كونهما بضعة النبي صلّى الله عليه وآله..فكيف ينعقد الإجماع بوجود مخالف من علمائهم؟وهل أنّ السبكي وغيره ممن لم يقولوا بتفضيل الشيخين على غيرهما خارجون من الإجماع السُّني؟أو أنّ الإجماع هو فقط من اجتمع على تفضيل الشيخين على سائر الأمّة دون من لم يوافقهم،فيكون ثمّة إجماع جديد لم نعهده في تاريخنا ولم نسمع عنه بسنن الماضين!!؟
(الوجه السّادس عشر):

إنّ أغلب روايات التفضيل مُسْتَخرَجة من أقوال الدّارقطني وهو ليس بثقةٍ عندنا،فكيف يصحّ أن يلزمونا بأقوال غير الثّقة مع ما فيه من المحاذير الأخرى كعدم جواز التّعبُّد بقول غير المعصومين عليهم السّلام..مضافاً إلى أنّ عمدة روايات التفضيل هو ما نسبوه كذباً وافتراءاً على أمير المؤمنين علي(ع)أنّه قال(لا أجد أحداً فضّلني على أبي بكر وعمر إلاّ جلدته حدّ المفتري)وهذا الخبر على فرض صدوره عنه عليه السّلام فلا يشير إلى ما ادّعاه القوم من تفضيل الشّيخين على الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السّلام)،بل غاية ما يراد منه هكذا(أنني لا أُقاس بأبي بكر وعمر،ومن قاسني بهما جلدته حدّ المفتري)ويجري هذا مجرى ما يقال:إنّ فلاناً أفقه من الحمار وأعلم من الجدار..وقِس عليه الأخبار الأخرى المبتدعة،فإنّها تُحمل على غير ظاهرها،وليس كلّ ما يُنسب إلى الأئمّة الطّاهرين(عليهم السلام)يجوز الأخذ به.
(الوجه السّابع عشر):

دعوى التواتر تتعارض مع الأخبار الأخرى في مصادر الفريقين على أفضليّة أمير المؤمنين على سائر الأمّة بل لا يُقاس بأهل البيت أحدٌ من النّاس على الإطلاق حسبما جاء ذلك عن أمير المؤمنين نفسه في إحدى خُطبه في النّهج،مضافاً إلى ما ذكرنا سابقاً من أنّ السبكي ذهب إلى تفضيل الإمامين الحسنين عليهما السّلام على الشيخين،وهذا يُنافي بظاهره دعوى تواتر تفضيل الشيخين،وحقيقة التفضيل إنّما هي في طبيعة الفضل لا في بعض وجوهه كما حُقق في محله،فالعدول عنه مجازٌ لا يُصار إليه من غير ضرورة،ولا ضرورة داعية إليه سوى ما وقع لإبن حجر المبهوت ومن سار على خُطاه،حيث تكلّفوا إثبات تفضيل الشيخين بدعاوى واهية كوهن نسج العنكبوت.
 والأنكى في الجرح هو أنَّ الشيخ الناصبيَّ لمّا رأى انّ دعوى الإجماع على أفضلية الشيخين غير مجدية ويترتّب عليها نقوضات وإيرادات من الشيعة،لجأ إلى الكذب بدعواه التواتر الحاصل من الإمام علي(عليه السلام)بتفضيله للشيخين على سائر الأمّة،ليُموَّه على البُسطاء من الشّيعة فيضلّهم عن الصّراط المستقيم،مع العلم بأنّ الأخبار التّي ادّعوا أنّها متواترة لا تبلغ حدّ الإستفاصة(أي لا تتجاوز الثّلاثة أخبار)بل هي نقولات أنشأها الدارقطني ثمّ أصبغوا عليها الإخبار عن الإمام أمير المؤمنين علي عليه السّلام...
  وبما تقدَّم يتضح لك انَّه لا حقيقة للتواتر المدَّعى لأفضليّة الشيّخين على غيرهما بل إنَّما قام التواتر على أفضليّة أمير المؤمنين عليٍّ عليه السلام على غيره من سائر أفراد الأمّة،من هنا إستفتح إبن أبي الحديد مقدمة كتابه شرح نهج البلاغة بقوله:"الحمد لله الذي قدّم المفضول علىالأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف،واختص الأفضل من جلائل المآثر ونفائس المفاخر بما يعظم عن التشبيه ويجلُّ عن التكييف.."  ومراده من المفضول هو أبا بكرٍ وعمر ،ومراده من الأفضل هو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام...فهذه شهادة من كبير علماء المعتزلة الذين يلتقون مع بقيّة المذاهب الأربعة في كثيرٍ من المسائل الفقهيّة،وشهادته على أفضليّة الإمام أمير المؤمنين (صلوات ربي عليه) متممة لتلكم الشهادات المتقدّمة،وتكفي شهادة الله تبارك وتعالى على تفرده بالمآثر والمناقب وأنّه صنو النبيِّ الأكرم محمَّد (صلّى الله عليه وآله) بقوله:" وأنفسنا وأنفسكم" "ويتلوه شاهدٌ منه" "إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" وغيرها من النصوص القرآنيّة الدالة على عظمة أمير المؤمنين التي هي من عظمة الله تعالى ذكره ،وليس فوق شهادة الله تعالى شهادة..!!

  وأمّا سؤالكم عمّا يجب فعله حيال الهجمة الجديدة المتواصلة على مذهب أهل البيت عليهم السّلام، فجوابه:
إنّ الأعداء_سواء أكانوا من داخل صفوفنا أم من خارجه_لا يفترون عن نفث السّموم في عقائدنا وتاريخنا وفقهنا،بل لعلّ الأعداء الداخليين أشدُّ فتكاً بنا من الأباعد عنّا،لذا يتوجَّب على المؤمنين الموالين كافَّةً التّربُّص بهم كما يتربَّصون بنا،ولا يكون ذلك إلاّ من خلال أمور:
(الأوّل):التعلم بنية التّقرب من الهي تبارك وتعالى للنجاة من العقاب وللدّفاع عن أهل البيت عليهم السّلام،وبغير هذه النيّة لا يكون تحصيل المعرفة مبرءاً للذّمة بل يكون سبباً لأليم العذاب،إذ من طلب العلم الدّيني ليماري به السُّفهاء وليستطيل من خلاله على النّاس أكبَّه الله على منخره في النّار،فعن مولانا الإمام أبي جعفر عليه السّلام قال:
(من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السُّفهاء أو يصرف به وجوه النّاس إليه،فليتبوّء مقعده من النّار،إنّ الرّئاسة لا تصلح إلاّ لأهلها).
ويجب أن يؤخذ العلم من ثقات العلماء العدول الأتقياء،فالعالم العامل هو الغاية في الطّلب منه وليس المتهتّك كما تلاحظون عند كثيرٍ ممّن تلبّس بزي العلم وهو تارك للعمل به،فعن مولانا الإمام الصّادق عليه السّلام قال:
يا حفص يُغفر للجاهل سبعون ذنباً قبل أن يُغفر للعالم ذنبٌ واحد.
وعنه أيضاً قال عليه السّلام:قال عيسى بن مريم على نبيّنا وآله وعليه السّلام:ويلٌ للعلماء السّوء كيف تلظّى عليهم النّار؟!
فتعلُّم العلم بنية العمل به صاحبه يُدعى في الملكوت عظيماً،فعن الإمام الصّادق عليه السّلام قال:
من تعلَّم العلم وعمل به،وعلّم لله دُعي في ملكوت السّماوات عظيماً،فقيل:تعلّم لله وعمل لله وعلّم لله..
(الثّاني):بعد تعلُّم العلم الدّيني وعلى رأسه العقائد الحقّة والفقه التّقوائي (وليس الفقه المتحلل من القيود)عليه أن يبثّه بين إخوانه فيردّ الجاهل المتعصّب ويعلّم الضعيف في دينه،وفي نفس الوقت يتصدّى للحملات بقدر ما عنده من العلوم،وإذا استعصى عليه أمرٌ،عليه بالسّؤال من عدول العلماء المختصّين وليس كلُّ من اعتمر عمامةً صار عالماً، وأفضل وسيلة للتّصدّي هي المجلاّت والجرائد والنّشرات والإنترنت والأشرطة،فعليكم أن تكثروا من ذلك لأنّ الأعداء يكثرون السّواد علينا ويحرّضون الآخرين على عقائدنا ومستضعفينا..وكلّما قويتم في دينكم تضاءل عدوّكم،وإذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر أوجب ذلك رضا الله عنكم ورضا إمام زمانكم كذلك.
(الثّالث):الإرتباط بإمام الزّمان عجّل الله تعالى فرجه الشّريف وسهّل مخرجه..ومعنى الإرتباط هو التّلاحم الفكري والرّوحي والعاطفي مع الإمام الحجّة بن الحسن عليهما السّلام،بحيث لا يغيب الإمام عليه السّلام عن باله،ولا بدّ أن تكون الأعمال التي تصدر من المكلَّف خالصة من الشّوائب وإلاّ تعرَّض للبعد عن الله تبارك وتعالى والبُعد عن إمام الزّمان،فالإمام عليه السّلام يهجُر مَنْ غلبت سيئاته على حسناته ومَنْ كان فؤاده مرتعاً لإبليس وجنوده(ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه)..فالسّالك إلى الولاية همُّه نشر معارف ساداته عليهم السّلام وجلب رضاهم،وبالتّالي فلا ينبغي أن يتوقّف عن الإزدياد في معرفته لإمام الزّمان عليه السّلام والطّلب منه المعونة والدّعاء والتّوفيق،كما لا ينبغي أن لا تؤثّر عليه العوامل الخارجيّة كعنصر المال وإغراء النّساء والمنصب والتّحزُّب للقيادات السياسية والدينية،لأنّ التحزُّب يمنعك من المحبة لمن إختلف مع من تتحزّب له حتى ولو كان من أقرب المقربين لأهل البيت عليهم السلام،فيصدك التحزب ساعتئذٍ من الولاء لمن توّلى عليَّاً أمير المؤمنين عليه السلام ويدخلك في سلك المعادين الذين يحبون أعداءَ آل البيت (عليهم السلام)، فالمؤمن يوالي من والاهم ويعادي من عاداهم،فالنصرة يجب أن تكون للموالين الحقيقيين الذين يحزنون لحزن آل البيت عليهم السّلام ويفرحون لفرحهم،وفرحهم عليهم السّلام لا يُخرجهم عن الطّاعة لله تعالى،وليس كما نراه اليوم من شيعةٍ لا يتشرَّف الإمام عليه السّلام بإنتسابهم إليه بسبب إنهماكهم بشهواتهم وزعاماتهم وقياداتهم الزّائفة..إنّ الإمام عليه السّلام يريد منّا أن نعيش همومه وآماله،وأن نكون بمستوى منْ يذوب من أجل مصالحه  العليا،لأنّ مصالحه هي مصلحة الله تعالى..ولا نصل إلى هذا المستوى الرّوُحي إلاّ إذا قدَّمنا مصلحة الإمام عليه السّلام على مصالح أنفسنا،ومعنى تقديم مصلحته(عجل الله تعالى فرجه الشريف)هو أن نتشبّه بأفعاله ونتمثّل أحكامه وأوامره بحيث لا نفكّر أو نعمل إلاّ بما يتوافق مع فكره وفعله..فبهذا المستوى يُمكن التشرُّف بلقائه الدّائم والعيش في ظلِّ نوره..

اللهم ارزقنا بالنبي وآله..والسّلام عليكم.
 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=17
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29