• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : طهارة آباء وأمهات النبي وأهل بيته عليهم السلام .

طهارة آباء وأمهات النبي وأهل بيته عليهم السلام

 

أسئلة وأجوبة حول طهارة آباء النبي الأعظم(صلَّى الله عليه وآله).
                             
 

بسم الله الرّحمان الرّحيم.
 

والحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيّد الخلق وأعزّ المرسلين(ص)واللّعنة الدّائمة السرمديّة الأبديّة على أعدائهم من الأولين والآخرين حتّى قيام يوم الدّين.

    السؤال الأوّل:ما المقصود بالمطهرات والمطهرين في الحديث الشريف "لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطّاهرين إلى أرحام المطهرات حتّى أخرجني في عالمكم هذا"؟
 

والجواب
    يُراد به الطّهارة المعنويّة والماديّة من دنس الخطاياوالذّنوب والكفر والجهل وعبادة الأصنام والزّنا والفاحشة وما شاكل ذلك،ولو حملناها على دنس الزّنا فقط لما صحّ لآباء النبي وأجداده( صلوات الله عليهم أجمعين) أن يكونوا مؤمنين،وحيث ثبت بالدّليل القطعي من الكتاب والسنة والعقل بأن والديه وأجداده ذكوراً وإناثاً منزهون عن الكفر والشّرك والخطايا،وحيث ثبت أيضاً أن أجداده كلّهم أنبياءٌ وصدّيقون،وأزواج أجداده كنّ صدّيقات،والصدّيق معصوم عن الذّنوب والخطايا والكفر...بل يمكننا أن نقول بأن نساء أجداده لهنّ كل ما لازواجهنّ الرجال الصّديقين ولا يفترقن عن رجالهنّ بشيئ سوى بالنبوة أو الوصاية لأنهما مقامان خاصّان بالرّجال،وبقيّة المنازل ثابتة لهنّ بحكم الملازمة بالطّهارة بينهنّ وبين رجالهن للحديث المستفيض بل يكاد يكون متواتراً بالتواتر الإجمالي عن النبي(صلوات الله عليه وآله وسلَّم):"نقلني الله من أصلاب الطّاهرين إلى أرحام المطهّرات لم يدنّسني بدنس الجاهليّة".
فأجداده الذّكور طاهرون كما ورد في الأحاديث الكثيرة الأخرى بأنّهم أنبياءٌ وكان النبيُّ(صلَّى الله عليه وآله وسلّم) يتقلّب في أصلابهم،وكذلك جدّاته طاهرات لما قلنا من وجود ملازمة بين طاهر وطاهرة بل الحديث المتقدّم دلّ على أن الإناث من أجداده"مطهّرات"وهي جمع مطهّرة على وزن مفَعَّلَة وهو المبالغ في طهارته من قبل طرف آخر قام بتطهيره تكويناً وهو الله جلّ وعلا،فجدّاته طاهرات ومطهّرات معاً،بمعنى أنّ لفظ "مطهّرة" تستبطن طهارة على طهارة،كأنّه يقول:"إنّهن طاهرات مطهّرات"..وطاهرات على وزن فاعلات،أي من يقمن بالتّطهير بأنفسهنّ،ومطهّرات من حيث إنّ الله تعالى طهرهنّ بطهارة أخرى زيادةً على طهارتهنّ الأولى،وهذا نظير التطهير التّكويني والتّشريعي لآل البيت(ع)بقوله عزّ وجل"ويطهّركم تطهيراً"،و لكن لا يعني هذا أنهنَّ صرن مطهرات بالطهارة المطلقة كأهل البيت (عليهم السلام)،فأهل البيت صلوات ربي عليهم لا يُقاس بهم أحدٌ من الناس مطلقاً، فلا يصل إلى مقامهم وعصمتهم أحدٌ من العالمين سوآءً أكانوا من آبائهم أو أحدٍ من الانبياء والمرسلين والاصفياء والمقربين حتى الملائكة الكروبيين،إنَّهم زبدة الخلق على الإطلاق،والثابت عندنا نحن الإماميّة أن أجداد النبي كانوا أنبياء وأنّ جدّاته كُنَّ موحدات مسلمات،لكنّ الظّاهر عندي أنّهنّ كنّ صدّيقات للإطلاق في لفظ "السّاجدين" الشّامل للذكور والإناث في قوله تعالى:"الذّي يراك حين تقوم وتقلُّبك في السّاجدين"فلا فرق في السّاجدين بين كونهم ذكوراً وإناثاً،والفصل بينهم بحاجة إلى دليل وهو مفقود في البين،ويؤكّد ما قلنا ما جاء في الأخبار الشّريفة تعقيباً على الآية الشّريفة،بأنّ النبي كان يتقلّب في أصلاب النبيّين،نبي بعد نبي حتّى أخرجه من صلب أبيه..والتقلّب إنما كان من صلب طاهر إلى رحمٍ مطهّرة لم تعرف الرّجس ولا الدّنس فصاحبة الرّحم كانت صدّيقة وكانت بالوقت ذاته عفيفة لم تتزوّج بدنسٍ قبل زواجها من الوصي أو النّبي،بل كانت مطهّرة من كل ذلك،كما أنّ قوله(صلّى الله عليه وآله):"...لم يدنسني بدنس الجاهلية"دلالة واضحة على أنّ الكفر والزّنا من أبرز مصاديق الدّنس الجاهلي،وقد نفاه صلوات ربي عليه وآله عن نفسه الطّاهرة بشكل مطلق،فهو لم يتدنّس بدنس مادي و معنوي وهو يتقلّب من صلب إلى رحم،بل إنَّ كلَّ الأصلاب والأرحام التي إنتقل إليها واستقرّ فيها كانت طاهرة مطهّرة...وكل ما ثبت لرسول الله هو بعينه لأهل البيت(عليهم السلام)بإعتبارهم نفساً واحدةً لا تتجزّأ،ونوراً واحداً لا يتبعّض، [كلنا محمد،أولنا محمد وأوسطنا محمد،وآخرنا محمد] حسبما جاء في حديث المعرفة بالنّورانيّة الموافق لآية المباهلة"وأنفسنا وأنفسكم"ويؤكد ذلك كلّه ما ورد في زيارة أمير المؤمنين علي(عليه السلام)حيث جاء فيها:"أشهد أنّك طهرٌ طاهرّ مطهّر من طهرٍ طاهرٍ مطهّر...(1)"وكما جاء في زيارة سيّد الشّهداء المظلوم أبي عبد الله(عليه السلام)"أشهد لقد طيّب الله بك التّراب...(2)"فإذا ما صار التّراب الذي ضمّ جسد المولى الإمام(عليه السلام) طيباً غير دنس وطاهراً غير نجس،فكيف الحال بمن حمل في بطنه أو صلبه أو رحمه نطفة المعصوم الطّاهر المطّهر؟!فلا شكّ أنّ تلك الرّحم طاهرة مطهّرة...(3).
   

 السؤال الثّاني:  عن بعض الأعلام الماضين قدس سرهم الشريف يمكن أن (يراد بالطّاهرين والمطّهرات الكفر الجحودي، لا الكفر القصوري، مع عدم تماميّة الحجّة)، فهل توافقونه في هذا القول؟
 

والجواب:
ما ادَّعاه بعض العلماء"من كون المراد بالطّاهرين والمطهرات هو نفي الكفر الجحودي عن آباء وأجداد النبي(صلّى الله عليه وآله)دونه خرط القتاد ،إّ لا فرق في قبح الكفر بين كونه جحودياً أو قصورياً فإنه تلاعب بالألفاظ ،فإن كان مراده بالكفر القصوري هو قصورهم عن الوصول إلى الكمال التام الذي عليه آل الله رسول الله محمد وآله الطاهرين عليهم السلام فهذا لا يسمَّى كفراً لأن الكفر هو الحجب عن المعرفة بالإختيار ،وهم ــ أي الأنبياء ــ لم يقصِّروا في ذلك ،نعم هم لم يكونوا على درجة تامة من المعرفة لمحدودية قابلياتهم بالقياس إلى آل الله تعالى وما فاتهم بغير إختيارٍ منهم فلا يسمَّى كفراً بل يبقى تحت عنوان القصور دون أن يضاف إليهم لفظ الكفر...وإن كان مراده بالكفر هو الكفر التقصيري فهو منفيٌّ عنهم قطعاً بل أن نفس من أطلق عليهم هذه التسمية لا أظنه يقبله عليهم صلوات ربي عليهم..فالحاصل أن آباء الأنبياء هم أنبياء، وأمهاتهم صدِّيقات ،والصدِّيق بمنزلة النبيّ من حيثية العصمة والطهارة... وكأنّه غفل عن تلك الروايات المتواترة إجمالاً والدالة على كون آبائه وأجداده كلهم أنبياء وصديقين،ومن هذه الأخبار ما ورد عن الإمامين الباقر والصّادق عليهما السّلام قالا:قوله"وتقلبك في الساجدين"أي من أصلاب النبيين،نبي بعد نبي حتى أخرجه من صلب أبيه من نكاح غير سفاح من لدن آدم(ع).وفي خبر محمد بن الفرات عن الإمام أبي جعفر(عليه السلام)تعقيباً على الآية قال:أصلاب النبيين.وفي خبر آخر عن النبي(صلوات ربي عليه وآله)قال:"نقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهرات لم يدنسني بدنس الجاهليّة".
وقد تمّ الإجماع على ذلك حسبما أثبت ذلك العلاّمة المجلسي رحمه الله تعالى فقال:"إتفقت الإمامية على أنّ والديّ الرسول وأجداده إلى آدم(عليه السلام)كانوا مسلمين بل كانوا من الصديقين إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين...*"
ودعوى نفي الكفر الجحودي دون القصوري يبقى مجرّد وهْمٌ ليس عليه دليلٌ،وهو خلافُ العمومِ الإستغراقي الوارد في قوله تعالى"وتقلبك في الساجدين"وخلاف الإطلاق في الأخبار المتقدمة النافية عنهم مطلق الدّنس في كل مراحل تنقلاتهم مما يستلزم طهارة الأوعية التي حملت تلك العناصر الطيّبة،طهارةً مطلقةً،ولو أراد التقييد لقيّد،وحيث انتفى التقييد فلا بدّ أن يثبت نقيضه وهو الإطلاق في الطّهارة.
 

 إشكال وحلّ:
وجه الإشكال:إنّ لفظ "الساجدين" في الآية المباركة تدل على كون والديّ النبي وأجداده موحدين،وهي أعم من أن يكونوا أنبياءً،فكيف تدّعون أنهم كانوا جميعاً أنبياءً وصديقين؟

 

  والجواب:
(أولاً):

صحيح إنّ لفظ "الساجدين"جمع محلّى باللام وهو يفيد العموم الإستغراقي،ومما يعني أنّهم كانوا موحدين وهو أعم من كونهم أنبياء،إلا أنه مخصّص بالأخبار الدّالة على أنّ المراد من "الساجدين"هو الأنبياء المكرمون الذين تسلسل النور الطاهر للنبي وآله الطيبين في أصلابهم،وقد تقدّم شطرٌ منها آنفاً**.هذا من ناحية أجداده صلوات الله عليهم،وأما من ناحية الجدات فلسن أنبياء لعدم وجود دليل على صحة بعثة النساء،لكنهن صدّيقات مطهرات معصومات،بحكم كونهنّ من مصاديق لفظ"الساجدين"فما ثبت من العصمة للأجداد،يثبت بعينه للجدّات ...
(إن قيل):

إنَّ ما تقدمتم به خاص بأجداد النبي وجدّاته ولا يشمل أجداد وجدّات بعض الأئمة الميامين(صلوات الله عليهم أجمعين)كمولاتنا حميدة البربرية زوجة الإمام الصّادق(عليهما السلام)وأم الإمام الكاظم(صلوات الله عليه)حيث كانت جارية قد سبيت من بلاد المغرب العربي فاشتراها الإمام الصادق ثمّ تزوجها،وكذلك مولاتنا نجمة وتكنّى بأم البنين وتسمَّى الخيزران المرسيَّة وهي أُمّ الإمام الرضا(صلوات الله عليه)كانت جارية من بلاد المغرب العربي أيضاً وقيل أنَّها من قرية بمصر من ناحية الصعيد ،قد اشترتها مولاتنا حميدة أم الإمام الكاظم(ع)،ثمّ زوّجتها للإمام الكاظم(عليه السلام) ولو لم يكن في البين سوى زوجة الإمام الحسن العسكري عليه السلام المسماة بسوسن ونرجس ومليكة لكفى حيث من المقطوع به أنها من بلاد الأفرنج/إيطاليا،وهي حفيدة القيصر ملك الروم ومؤسس القسطنطينيَّة في تركيا...وهكذا دواليك،فهؤلاء الجواري كنّ في بلاد الكفر مما يقتضي كونهنّ كافرات،فلا ينطبق عليهنّ لفظ"الساجدات"المستنبطة والداخلة في الآية الكريمة"وتقلبك في الساجدين"؟.
(قلنا):

القطع بوجود ملازمة بين سبيهنّ من بلاد الكفر وبين كُفرهنّ بحيث يدور السبي وراء الكفر حيثما دار،فكلّما تحقق السبي فقد دلّ على الكفر،دونه خرط القتاد،وهو دعوى بلا دليل،لكون من ادَّعاه قد جعل وجود ملازمة عقليّة بين الكفر والسبي،فكلّما وجد السبي وجد الكفر،ولم يقل بذلك إلاّ جاهلٌ بحقائق الفقه واللغة،لأن السبي أعم من كون المسبيَّة كافرةً،إذ قد تسبى الحرة مع كونها مسلمة نظير ما حصل للسيدة خولة بنت جعفر بنت قيس زوجة أمير المؤمنين علي(عليهما السلام)وأم محمد بن الحنفيّة(رضي الله عنه)،فقد كانت مسلمة ومن عشيرة الصحابي الجليل مالك بن نويرة الذي استشهد على يد الخبيث خالد بن الوليد لأنّه رفض تسليم الزكاة إلا للخليفة الحق،ورفض البيعة لأبي بكر،فكان جزاؤه وقبيلته القتل والإعتداء على زوجته بإغتصابها،وسبي نساء عشيرته وكان من بينهن خولة،إذاً قد يكون السبيُّ بسبب رفض الإنصياع لطواغيت ذاك الزّمان كما ذكرنا ولما جرى على سيدة نساء عصرها الصدّيقة الصّغرى زينب وأخواتها وبنات أخيها وأزواجه يوم عاشوراء...فلا ملازمة بين السبي والكفر،لذا من المحتمل أن تكون حميدة ونجمة وغيرهنّ من نساء الأئمة (عليهم السلام) مسلمات صدِّيقات قبل السبي،لكنَّ طواغيت عصرهنّ سبينهنّ لعدم إنصياع عشائرهنّ لطواغين زمانهم...
(ثانياً):

لو لم يكن النبي الأعظم محمد(صلوات ربي عليه وآله)في صلب الأنبياء(عليهم السلام)لكان لإبليس سلطة على المادة العنصرية التي تكوَّن منها النبيُّ(صلَّى الله عليه وآله)باعتباره في صلب غير معصوم بحسب الإفتراض المذكور،لكون إبليس الملعون يجري في الإنسان كجريان الدم في العروق،وهو نوع تسلط له على ذاك العنصر النوراني،وهو منفيٌّ عنه(صلوات الله عليه وآله)بإذهاب الرجس عن جسده وروحه معاً ولا قائل بالفصل.
(ثالثاً):

إن قدرة الله المتعال تمنع من تسلسل نطفته في أصلاب وأرحام الكافرين والكافرات،فهو عزّ وجل غير عاجزٍ بأن يجعل نطفة نبيه الكريم في أصلاب النبيين وأرحام الصدّيقات،تشريفاً وتنزيهاً له عن ملامسة دنس الجاهلين.
(إن قيل):

لِمَ لا يمنع من تسلسل  سير النطفة المباركة للنبي(صلَّى الله عليه وآله)في أصلاب وأرحام الإنسيين من الأصل كما حصل لإبنته الصّديقة الكبرى فاطمة المظلومة روحي فداها  حيث كانت المادة التي تكوّن منها جسمها النّوراني في حُقةٍ تحت ساق العرش ثم لمّا أراد الله عزّ وجل إرسالها إلى الأرض،جعلها في تفاحة،فأكلها النبي(صلوات الله عليه وآله)فتحوّلت إلى صلبة ومن ثمّ إلى رحم الصّديقة الصّغرى أم المؤمنين مولاتنا السيدة خديجة(ع)؟
(قلنا):

لقد دلّت آية الذّر 172 من سورة الأعراف"وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة غنَّا كنا عن هذا غافلين.."وكذلك دلّت الأخبار الشّريفة على أنّ كل ذرية أبينا آدم(عليه السلام)كانت في صلبه،وقد أخرجها الله تعالى منه في تلك العوالم الذرية والنورانية لأخذ الميثاق عليهم بالربوبية له وبالنبوّة لرسول الله محمَّد والولاية لأمير المؤمنين وأهل بيته الطّاهرين صلوات الله عليهم أجمعين***....
ووجود النبي وآله في صلب آدم(عليه السلام) ثمَّ خروجه من صلبه في عالم الذر إنّما كان لأمرين:
(الأمر الأوّل):

للإقرار بالربوبية لله تعالى وبكل ما أمر به،ويشهد لهذا ما ورد في الأخبار من أن النبي أوّل من سبق من الأنبياء بالإقرار بالله عزّ وجل لمّا أخذ الله تعالى الميثاق على الأنبياء بربوبيته.
(الأمر الثّاني):

ليبارك النبيُّ والعترة عليهم السلام مسيرةَ الأنبياءِ في كل العصور،فلا يخلو من أهل البيت(عليهم السلام)زمنٌ،فهم في كل الأزمنة والعصور،بل إن سجود الملائكة للنبي آدم(ع)إنّما كان لأجل النبي الأعظم وأهل بيته(صلوات الله عليهم)حسبما جاء في الأخبار الكثيرة والتي منها ما ورد عن مولانا الإمام العسكري(عليه السلام)في خبرٍ طويل قال(ع):حدّثني أبي عن أبيه عن رسول الله قال:"يا عباد الله!إنّ آدم لمّا رأى النّور ساطعاً من صلبه إذ كان الله قد نقل أشباحنا من ذروة العرش إلى ظهره رأى النور،ولم يتبيّن الأشباح،فقال يا رب!ما هذه الأنوار؟
قال الله عزّ وجل:أنوار أشباح نقلتهم من أشرف بقاع عرشي إلى ظهرك،ولذلك أمرت الملائكة بالسجود لك،إذ كنت وعاء لتلك الأشباح."
مضافاً إلى ما ذكرنا:فإنّ وجودهم في أصلاب النبيين(عليهم السلام)من باب كونهم الشهداء على أعمال الأنبياء بمقتضى آية الشهادة الخاصة بهم(صلوات الله عليهم)نظير قوله عزّ وجل "لتكونوا شهداء على النّاس" البقرة/143 وآية الإطاعة"يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم"النساء/59 ،فإنّ كونهم شهداء يعني أنهم محيطون بتفاصيل الأعمال وجزئياتها منذ خُلق آدم إلى إنقضاء البشريّة،وبالتالي لا بدّ لأتباع الأنبياء أن ينقادوا لأنبيائهم،لأن في ذلك إنقياداً لأهل البيت(ع)بقتضى قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم"فالذين آمنوا عام يشمل الأولين والآخرين من دون تخصيص أو تقييد،فالانبياء مأمورون بإطاعة النبيّ وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) بحكم إقرارهم بنبوته يوم كانوا في عالم الذر حسبما أفدنا سابقاً..
(رابعاً):

إنّ تقلُّبه في أصلاب النبيين(ع)مقطوعٌ به لما ورد في الأخبار من تسلسله في أصلابهم إلى أن انتهى به الدّور إلى صلب أبيه سيّدنا عبدالله بن عبد المطّلب عليهما السّلام،وأما تقلّبه في غير أصلاب النبيين فهو مشكوك،ولا يُعْدَل عن المقطوع إلى المشكوك،وفي حال الشك فالأصل عدمه. 
 

السؤال الثالث: ما المراد بالكفر الجحودي، والكفر القصوري، وهل يمكن أن ينطبق أحدهما أو كلاهما على آباء المعصومين وأمهاتهم؟ وما الإشكال في ذلك لو كان الانطباق؟
 

و الجواب :
المراد بالكفر الجحودي هو إنكار وجود الله تعالى،وأمّا الكفر القصوري،فلعلَّ المراد به ترك العمل بأوامر الشرائع المقدَّسة الناتج عن قصور بالسعي والبحث،ويعبَّر عنه بالجاهل القاصر،وجهله ناتج عن عذر،والمقصّر بخلافه.
وكلا الكفرين منفيان عن آباء المعصومين وأمهاتهم،وذلك لما قدّمنا في الجواب عن السؤالين المتقدمين.
 

السؤال الرابع: هل تشترط طهارة أمهات أمهات المعصومين، اي جدّاتهم ومن علاهن، أم يختص ذلك بأمهات المعصومين المباشرين فقط دون سواهن؟
 

الجواب :

نعم الأقوى عندنا اشتراط طهارة جدّات أمهات المعصومين(عليهم السلام)وذلك لعدم وجود دليل قطعي نطمئنُ إليه يثبت الكفر ،ولأن عدم طهارتهنّ يؤدي إلى تعيير البنت الأخيرة المتولدة منهن والتي سيحمل رحمها نطفة المعصوم(عليه السلام)،مضافاً إلى قوله(صلّى الله عليه وآله)"كل مولودٍ يولد على الفطرة حتى يكون أبواه  هما اللذان يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه…" والاصل عند الشك في الكفر يقتضي الطهارة،مضافاً إلى أن قوله في الزّيارة الجامعة "وعناصر الأبرار" فيه ما يدل على طهارتهنّ من حيث كونه من العموم الإستغراقي الذي يستوعب كل عنصر كان له دخالة في إيجاد المعصوم(ع)،وطبيعي أنّ أرحام الجدّات له دخل كبير في إنجاب الرّحم الصّغير الذي ترعرع فيه المعصوم(عليه السلام)…
 

 السؤال الخامس: هل تشترط طهارة أمهات آباء المعصومين عليهم السلام، ومن علاهم؟
  

 الجواب :

إنّ طهارة أمهات آباء المعصومين(عليهم السلام)كطهارة جدّات الأمهات،بل طهارتهنّ أولى من طهارة جدّات الأمهات وذلك لأن النطفة النورانية تتقلَّت في أرحامهنّ المطهّرة قطعاً بنص قوله(عليه السلام)في زيارة وارث:"أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهّرة…"بخلاف جدّات الأمهات فلم تتنقّل تلك النطفة في أرحامهنّ,بل كل ما هنالك أنّ نطفة أم المعصوم(ع)تنقلت في أرحامهنّ،وقد قلنا بإشتراط طهارتهنّ حرصاً على سمعة مَنْ تولد في رحمها المعصوم(ع)،والمطلب دقيق لم يسبقنا في تفصيله أحد بحسب إطّلاعنا،ولله الحمد ولآله الشّكر والإمتنان.
 

السؤال السادس: هل يمكن أن يستفاد طهارة أمهات المعصومين وآبائهم، وكذلك أمهات الأمهات والآباء من الزيارة الجامعة في قوله عليه السلام ( .... وعناصر الأبرار)، باعتبار ان الأبرار هم المعصومون عليهم السلام،كما يحتمل أن يكون المراد أيضاً أمهاتهم وآباؤهم، فالأئمة عليهم السلام هم العناصر، والأبرار هم الآباء والأمهات، وهل يمكن إرادة المعنيين، بكونهم عليهم السلام العناصر، وشيعتهم الأبرار، كما عليه بعض من الشارحين؟

 والجواب :

يمكن الإستدلال بالفقرة المذكورة في الزّيارة الجامعة كمؤيّد لما قلنا سابقاً،من حيث إنّ العنصر هو أصل وجود المعصوم(عليه السلام)،وعنصره الشريف مؤلّف من النطفة والبويضة، وحيث أن النبي والعترة أصلٌ لكلِّ الأبرار من الأنبياء والمرسلين والأوصياء والأولياء والصّديقين والموحدين،ومن هؤلاء أمهاتهم وجدّاتهم لكونهم من الأبرار بضميمة قوله تعالى "وتقلّبك في السّاجدين" حسبما قدّمنا في الأجوبة السّابقة،ولو افترضنا أنّ أمهات الأمهات وأمهات الأباء غير مطهّرات،لإنطبق عليهنّ_ساعتئذٍ_ أنهنّ من الأشرار،وفي هذا مفسدة عظيمة على سمعة المعصوم(عليه السلام)بحيث تؤدّي إلى تعييره،وهو يؤدي بدوره إلى تنفير النّاس عنه،وهو خلاف الفائدة من بعثته ونصبه.
ونضيف إلى ما قدّمنا من الأدلة على طهارة أمهات الأمهات بأن قوله في زيارة وارث "أشهد أنّك كنت نوراً في الأصلاب الشّامخة والأرحام المطهّرة،لم تنجّسك الجاهليّة بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها" إشارة ناصعة إلى طهارة من ذكرنا من حيث أن افتراض نجاسة أمهات الأمهات يلغي عدم تلوّثه بنجاسة الجاهليّة بكل مصاديقها وحالاتها حتى على صعيد أم الأم أو جدّة الأم وما علاهنّ،لأنّ ذلك كلّه من أدناس الجاهلية المؤدية إلى التعيير والنفور وهما خلاف المصلحة الرّبانيّة كما أشرنا آنفاً.
مضافاً إلى ذلك فإنّ مشيئة الله عزّ إسمه أرادت لهؤلاء الطيبين(عليهم السلام)ان لا يتلوثوا بثياب الجاهلية حتّى لو كانت محتملة وبعيدة لئلا يكون لغيرهم مغمز عليهم،وهو ما أشار إليه الرّب المتعال بقوله في آية التطهير "ويطهركم تطهيراً".
ولا يبعد في الحكمة الإلهية أن يكون الله (عزّ إسمه وجلّ قدره) قد انتخب لتلك النطف النورانية أرحاماً ولدت من أرحامٍ طاهرة متسلسلة بالطهارة تنزيهاً لها عن وصمة العار،وإرهاصاً وكرامةً لذاك الوعاء الذي يستقر فيه مَنْ لأجله خُلِقَتْ الكائنات.وبعبارةٍ أخرى:إنّ الله تعالى أراد أن تكون للرحم الأخيرة صاحبة النطفة النورانية أرحاماً أخرى شبيهةً لها في الطهارة والنزاهة،فيصدق حينئذٍ عليها صفة الأرحام البررة،ويكون النبي والعترة(عليهم السّلام)عنصراً أساسيّاً لكل الأبرار ومنها الأرحام المتصلة بالرحم التي هي مستقرّهم...ولا يبعد أن يكون معنى قوله في الزيارة الجامعة "وعناصر الأبرار" أنهم الأساس في كلّ خيرٍ ماديٍّ ومعنوي،بل هم الأساس والعلة الغائية لوجود الكائنات على الأطلاق ومنها الأرحام المطهّرة...كما لا يبعد أن يكون قوله في زيارة وارث "الأرحام المطهّرة" هي أرحام أجداد أمهاتهم ومَنْ علاهنَّ، وذلك لأنَّ لفظة "مطَهَّرة" على وزن مُفَعَّلة أي زائدة في الطّهارة فتشمل طهارة الجدّات وإنْ علونَ،عدا عن الطهارة النفسية بأم النبي والولي(ع)وهذا نظير آية الإصطفاء للصدّيقة مريم(عليها السلام)بقوله: "يا مريم إنّ الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين" فالإصطفاء الأول نفسي،والإصطفاء الثّاني خارجي يميزها عن بقية النساء بولادة ولدٍ لها من دون زوج.فتأمّل.
 

السؤال السابع:   لماذا لم يعتنق أجداد النبي(صلى الله عليه وآله وسلّم) اليهودية أوالنصرانية رغم نسخهم للشريعة الابراهيمية؟
 

والجواب: 

إن الله تبارك وتعالى أراد من آباء النبي المعظم وأجداده عليهم السلام وكذلك آباء سيدنا ومولانا أمير المؤمنين عليه السلام أن لا يكونوا تابعين لغير جدهم إسماعيل وإبراهيم عليهما السلام وذلك لأمرين:
   (الأول):

لشرافة محلهم عنده وكرامتهم لديه،ولا يبعد كونهم أفضل من غيرهم من أنبياء بني إسرائيل..
   (الثاني):

لئلا يكون لأحدٍ من بني إسرائيل عليهم مغمزٌ أو طعنٌ بإتباعهم لشريعتي نبيين إسرائليين هما موسى وعيسى عليهما السلام كما غمزوا وطعنوا بتوجه رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى كعبة بيت المقدس وقد عيروه بقولهم له: "إنّك تابعٌ لقبلتنا،فاغتم لذلك غمّاً شديداً فخرج في جوف الليل يقلب طرفه في السماء متوقعاً نزول جبرائيل آمراً إياه بتغيير القبلة إلى المسجد الحرام..." ونزل قوله تعالى في سورة البقرة الآية 144:"قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولينّك قبلةً ترضاها فولِ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره..." والسبب في توجه النبي الأعظم(صلَّى الله عليه وآله) إلى بيت المقدس قبل المسجد الحرام هو الإمتحان والفتنة كما أشارت الآية 143 من سورة البقرة في قوله تعالى: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلاّ على الذين هدى الله..." ويؤيده ما جاء في خبر الإحتجاج عن مولانا الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) قيل له:قيل يا بن رسول الله فلم أمر بالقبلة الأولى؟ فقال لما قال عز وجل وما جعلنا القبلة التي كنت عليها وهي بيت المقدس الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه الا لنعلم ذلك منه وجودا بعد ان علمناه سيوجد، وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة، فأراد الله أن يبين متبع محمد ممن خالفه باتباع القبلة التي كرهها، ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها، والتوجه إلى الكعبة، ليبين من يوافق محمدا فيما يكرهه فهو يصدقه ويوافقه، ثم قال وإن كانت لكبيرة الاَّ على الذين هدى الله انما كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة الاعلى من يهدى الله. فعرف ان الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلى طاعته في مخالفة هواه. راجع تفسير الثقلين ج1 ص 135 ح 412. (الثالث):عدم إنقيادهم أو إتباعهم للديانتين السابقتين على الديانة الإسلامية المحمدية لعلَّه يرجع إلى إستحباب تشريفهم بالأفضل ،ولا ريب أن نبيَّ الله إبراهيم الخليل أفضل من ولده إسحاق الذي كان من ذريته النبي موسى وعيسى عليهما السلام،وسبب التفضيل لعلَّه لدفع التعيير،والله المتعال أعلم بأسرار خلقه،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين محمد وآله الطاهرين عليهم السلام/العبد الفقير إلى ساداته ومواليه.

 الشيخ محمد جميل حمُّود العاملي/بيروت.
 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=21
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28