• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : إثبات وجود الإمام المعظَّم الحجة بن الحسن القائم المهدي المنتظر (عجَّل اللهُ تعالى فرَجَهُ الشريف) .

إثبات وجود الإمام المعظَّم الحجة بن الحسن القائم المهدي المنتظر (عجَّل اللهُ تعالى فرَجَهُ الشريف)

 

الموضوع: إثبات وجود الإمام المعظَّم الحجة بن الحسن القائم المهدي المنتظر (عجَّل اللهُ تعالى فرَجَهُ الشريف).

السؤال: كيف نثبت وجودَ الإمام المهدي عليه السلام؟.


الجواب:


بسم الله الرَّحمان الرَّحيم

والحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على سيِّد المرسلين محمَّدٍ وآله الطيبين الطاهرين،واللعنة السرمدية على أعدائهم ومنكري فضائلهم ومعاجزهم ومعارفهم وظلاماتهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين لا سيَّما منكري وجود إمام العصر وناموس الدهر بقيَّة الله الإمام الحجة بن الحسن عليهما السلام...
السلام عليكم ورحمته وبركاته..وبعد.
سؤالكم ذو مغزىً عظيم يردده الكثير في زماننا هذا كما كان يردده في الأزمنة الماضية كثيرون  يعتقدون بقضايا الغيب،وحيث إن البحث قد كنا بسطنا القول فيه منذ سنين في كتابنا القيِّم"أبهى المداد في شرح مؤتمر بغداد"الجزء الثاني منه، وجدنا أنَّه يناسب نشره على الموقع الإلكتروني ليستفيد منه المؤمنون بقضية المولى المعظَّم الإمام الحجة فديته بنفسي،لذا شرَّفنا الله تعالى بتجديد نشره ولله الحمد والمنَّة والفضل.وهاكم إقرأوا كتابيَ غير منقوصٍ:


                                                 بسمه تعالى


سؤالنا الذي سيكونُ بوابةَ البحثِ في إثبات وجود المولى الإمام المعظَّم عليه السلام هو التالي:من هو الإمام الحجة بن الحسن عليهما السلام؟

والجواب :

هو الإمام المهديّ روحي لتراب نعليه الفداء هو الحجّة القائم ابن الإمام الحسن العسكري‏ بن الإمام الهادي‏ بن الإمام الجواد بن الإمام الرضا بن الإمام الكاظم‏ بن الإمام الصادق‏ بن الإمام الباقر بن الإمام زين العابدين‏ بن الإمام الحسين، (عمه الإمام الحسن المجتبى) بن الإمام أمير المؤمنين عليّ‏ بن أبي طالب عليهم جميعاً آلاف التحية والسلام، ولد (عليه السَّلام) في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة (869م).
والإمام المهديّ عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف بهذا التسلسل النسبي هو ما نجمع عليه نحن الإمامية، بل هو من صلب عقيدتنا الدينية، والقطعيات التي لا تقبل التأويل والتحريف، وكل من نسب إلينا غير ذلك فهو مفترٍ على إمامنا  فديته بنفسي  وعلى عقديتنا الإسلامية. وليس هناك إمام غير هذا الإمام يأتي لينقذ المستضعفين بل هو أحدٌ لا شريك ولا نظير له إلاّ آباؤه الميامين، ومن إدّعى أن هناك إماماً إسم أبيه عبد اللَّه فقد افترى على الشيعة الإمامية سددهم المولى، لأنه إمامنا ونحن أدرى به من غيرنا «وأهل مكة أدرى بشعابها»، ألسنا الذين اضُطهدنا لأننا نعتقد بما يقول ويقولون عليهم السلام؟!
أليس هو ابن الصدّيقة فاطمة الزهراء وابن عليّ المرتضى وابن الحسين الشهيد وهؤلاء أئمتنا؟! ولو قلنا للعامة إن أبا بكر ليس ابن أبي قحافة مثلاً، فكيف يكون موقف العامة من الشيعة؟ وهل يوافقونا على مدعانا أو أن الدنيا علينا تقوم ولا تقعد؟!
هذا هو حالنا مع مشهور العامة حيث ادّعوا بخبر واحد  وهو لا يوجب علماً ولا عملاً  أن اسم والد الإمام المهديّ هو عبد اللَّه استناداً إلى ما نُسب إلى رسول اللَّه أنه  كما في رواية أبي داود عن زائدة عن عاصم عن زر عن عبداللَّه عن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)  قال: «لولم يبق من الدنيا إلاّ يوم، لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي، يواطى‏ء اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»، بل إنّ السفاريني وهو أحد أكابر العامة وصف الاعتقاد بولادة الإمام المهديّ عليه السلام عام خمس وخمسين بعد المائتين إلى الآن بأنه ضرب من الجنون والهذيان.


يَرِدُ عليه بالإيرادات الآتية:
الإيراد الأوّل: متى كان الاعتقاد بوجود مخلوق من مئات السنين ضرباً من الهذيان إلاّ عند ضعاف العقول والإيمان بالقدرة الإلهية المطلقة؟ ولِمَ لا يعتبر الاعتقاد بوجود عيسى ضرباً من الهذيان والجنون عند السفاريني وأمثاله من النواصب الألداء لأهل البيت‏ (عليهم السَّلام)؟! وهل الاعتقاد بوجود إدريس والياس والخضر (عليهم السَّلام) بل الملائكة الكرام والجن والشياطين ضرباً من الهذيان بنظر المهذي صاحب المقال مع أن القرآن ونبيَّ الإسلام أخبرا بصحة ذلك من دون جدال؟!
الإيراد الثاني: المجمع عليه عند الإمامية هو أن والد الإمام المهديّ عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف هو الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) الحادي عشر من أئمة أهل البيت صلوات اللَّه عليهم أجمعين وما خالف إجماعنا المرتكز على الضرورة القطعية لا اعتداد به، ودونه خرط القتاد.
الإيراد الثالث: لا اعتناء بما ورد في رواية أبي داود لدلالة الأخبار الكثيرة المتواترة على أن الحسن إنما هو اسم أبيه‏ (عليه السَّلام)، ونفسه أبو داود ذكر أحاديث أخرى خالية من ذكر «اسم أبيه» منها حديث سفيان: «لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العربَ رجلٌ من أهل بيتي يواطى‏ء اسمه اسمي».
ومنها ما ورد مثله عن عليّ وأبي سعيد وأمّ سلمة وأبي هريرة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
ومنها ما ورد عن عاصم عن زر عن عبداللَّه عن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: يلي رجلٌ من أهل بيتي يواطى‏ء اسمه اسمي. قال عاصم: وأنا أبو صالح عن أبي هريرة قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتى يلي..».
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
ويظهر أن الزيادة من الراوي المسمى زايدة (وهو اسم على مسمّى حيث زاد على أحاديث رسول اللَّه). ويزيدك بياناً بما ذكره الكنجي في البيان من أن الترمذي ذكر الحديث ولم يذكر قوله (واسم أبيه اسم أبي) وأن الإمام أحمد مع ضبطه وإتقانه روى هذا الحديث في مسنده في عدة مواضع «واسمه اسمي» وجمع الحافظ أبو نعيم طرق هذا الحديث من الجم الغفير في مناقب المهديّ كلّهم عن عاصم‏ بن أبي النجود عن زر عن عبداللَّه عن النبيّ، فمنهم سفيان بن عيينة وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم قطر بن خليفة وطرقه عنه بطرق شتى ومنهم الأعمش وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم أبو إسحاق سليمان‏ بن فيروز الشيباني وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم حفص‏ بن عمر ومنهم سفيان الثوري وطرقه بطرق شتى ومنهم شعبة وطرقه بطرق شتى، ومنهم واسط بن الحارث ومنهم يزيد بن معاوية أبو شيبة له فيه طريقان، ومنهم سليمان‏ بن قرم وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم جعفر الأحمر وقيس‏ بن الربيع وسليمان‏ بن قرم واسباط جمعهم سند واحد، ومنهم سلام أبو المنذر، ومنهم أبو شهاب محمد بن إبراهيم الكناني وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم عمرو بن عبيد التنافسي وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم أبو بكر بن عيّاش وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم أبو الحجاف داود بن أبي العوف وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم عثمان‏ بن شبرمة وطرقه عنه بطرق شتى، ومنهم عبد الملك أبي عيينة، ومنهم محمد بن عياش عن عمرو العامري وطرقه بطرق شتى وذكر سنداً وقال فيه: حدّثنا أبو غسّان حدثنا قيس ولم ينسبه، ومنهم عمرو بن قيس الملائي ومنهم عمار بن زريق، ومنهم عبداللَّه‏ بن حكيم‏ بن جبير الأسدي، ومنهم عمرو بن عبداللَّه‏ بن بشير، ومنهم الأحوص، ومنهم سعد بن حسن‏ بن أخت ثعلبة، ومنهم معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن عاصم، ومنهم يوسف‏ بن يونس، ومنهم غالب‏ بن عثمان، ومنهم حمزة الزيات، ومنهم شيبان، ومنهم الحكم‏ بن هشام، ورواه غير عاصم عن زر وهو عمر بن مرة عن زر، كل هؤلاء رووا (اسمه اسمي) إلاّ ما كان من عبيداللَّه‏ بن موسى عن زايدة عن عاصم فإنه قال فيهم (واسم أبيه اسم أبي) ولا يرتاب اللبيب أن هذه الزيادة لا اعتبار بها مع اجتماع هؤلاء الأئمة على خلافها».
وقال عليّ بن عيسى عفا اللَّه عنه: أما أصحابناالشيعة فلا يصحّحون هذا الحديث لما ثبت عندهم من اسمه واسم أبيه‏ (عليه السَّلام) وأما الجمهور فقد نقلوا أن زائدة (راوي الحديث) كان يزيد في الأحاديث فوجب المصير إلى أنه من زيادته ليكون جمعاً بين الأقوال والروايات.
وعليه فلا يبقى مجال للاعتماد على نقل زايدة ويسقط عن الاعتبار، بل تطمئن النفس بأن زائدة أو غيره من رواة الحديث زاد هذه الجملة فيه، ويحتمل أن تكون تلك الزيادة من صنعة أهل السياسة والرياسة، فإن ترويج الأحاديث المكذوبة على رسول اللَّه كان لها شأنٌ عظيمٌ في نجاح السياسات، وتأسيس الحكومات في الصدر الأول، فكانوا يأمرون بوضع الأحاديث ويتوسلون بها إلى جلب قلوب العامة لحفظ حكومتهم، ويشهد لذلك أعمال معاوية على من يروي في فضل مولانا أمير المؤمنين عليّ‏ (عليه السَّلام) حديثاً ومنقبة وإعطائه الجوائز والصلات لكلّ من وضع حديثاً في ذمّ الإمام عليّ وأهل البيت‏ (عليهم السَّلام) أو مدح عثمان وغيره من بني أمية، فاستأجر أمثال أبي هريرة من أهل الدنيا وعبدة الدنانير والدراهم لجعل الأحاديث، وهكذا جرى الأمر في ابتداء خلافة بني العبّاس وتأسيس حكومتهم وثورتهم على الأمويين، واستمر الأمر فوضع الوضّاعون بأمرهم أو تقرباً إليهم أحاديثاً لتأييد مذاهبهم وآرائهم وسياستهم وتصحيح أعمالهم الباطلة، ومما أخذه العباسيون وسيلة لبناء حكومتهم على عقيدة دينية هذه البشائر الواردة في الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام)؛ فإذاً لا يبعد في أن يكون الداعي إلى زيادة هذه الجملة تقوية حكومة محمّد بن عبد اللَّه المنصور العبّاسي الملقب بالمهدي أو تأييد دعوة محمّد بن عبد اللَّه‏ بن الحسن الملقب بالنفس الزكية. ويؤكد هذا ما ذكره المؤرخ الصاحب الفخري في «الآداب السلطانية والدول الإسلامية» أن عبداللَّه المحض أثبت في نفوس طوائف من الناس أن ابنه محمّد هو المهدي الذي بُشّر به، وأنه يروي هذه الزيادة (اسم أبيه اسم أبي).
وبالجملة: فلا اعتبار بهذه الزيادة لمعارضتها للأخبار المتواترة القطعية المذكورة في كتب أصحابنا، وما عداه شاذّ موضوع، واجب طرحه، لا سيّما أن الزيادة المذكورة في متن الحديث تفرّد بها رجلٌ مجهولُ الحالِ لا يُعرف خبرُه، ويروي المناكير عن المشاهير على حدّ تعبير رجل الجرح والتعديل ابن حبان.
الإيراد الرّابع:  يمكن الجمع بين هذه الزيادة والأخبار المذكورة بوجوه:
(الوجه الأول): احتمال التصحيف، وأن الصادر منه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) (واسم أبيه اسم ابني) يعني الإمام الحسن‏ (عليه السَّلام)، فإن تعبيره‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عنه بإبني وعنه وعن أخيه الإمام الحسين بابناي في نهاية الكثرة، فتوهم فيه الراوي فصحف ابني بأبي، ويؤيد هذا الاحتمال ما جاء في البحار عن أمالي الشيخ بسند معنعن إلى عبد الرحمن‏ بن أبي ليلى في حديث عن أبيه قال: بعد ذكر بعض إمارات الظهور، وعند ذلك يظهر القائم فيهم، قال النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): اسمه كاسمي واسم أبيه كإسم ابني وهو من ولد ابنتي. (المراد من قوله «ابني» السبط الأكبر الإمام الحسن‏ (عليه السَّلام)).
(الوجه الثاني): ما ذكره كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي في مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: «لا بد قبل الشروع في تفصيل الجواب بيان أمرين يبنى عليهما الفرض:
(الأمر الأول) :أنه شائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب على الجد الأعلى، وقد نطق القرآن بذلك فقال تعالى: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ وقال تعالى حكاية عن يوسف: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ونطق بذلك النبيّ في حديث الإسراء أنه قال: (قلت من هذا؟ قال: أبوك إبراهيم) فعلم أن لفظة الأب تطلق على الجد وإن علا فهذا أحد الأمرين:
(الأمر الثاني): أن لفظة الاسم تطلق على الكنية وعلى الصفة، وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث حتى ذكرها الإمامان البخاري ومسلم كل منهما يرفعه إلى سهل‏ بن سعد الساعدي أنه قال عن عليّ أن رسول اللَّه سماه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحب إليه منه، فأُطلق لفظ الاسم على الكنية ومثل ذلك قول الشاعر:
أجلُّ قدرك أن تُسمى مؤنبة               ومن كنّاك فقد سمّاك للعرب
ويروى: (ومن يصفك) فأطلق التسمية على الكنية أو الصفة، وهذا شائع ذائع في لسان العرب، فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين، فاعلم أيدك اللَّه بتوفيقه أن النبيّ كان له سبطان أبو محمّد الحسن وأبو عبداللَّه الحسين، ولما كان الحجّة الخلف الصالح محمّد من ولد أبي عبدفاللَّه الحسين ولم يكن من ولد أبي محمّد الحسن، وكانت كنية الحسين أبا عبداللَّه، فأطلق النبيّ على الكنية لفظ الاسم لأجل المقابلة بالإسم في حق أبيه وأطلق على الجد لفظة الأب فكأنه قال يواطى‏ء اسمه اسمي فهو محمّد وأنا محمّد، وكنية جده اسم أبي إذ هو عبداللَّه وأبي عبداللَّه، لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعة لتعريف صفاته وإعلام أنه من ولد أبي عبدفاللَّه الحسين بطريق جامع موجز، وحينئذٍ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعة للحجّة الخلف الصالح محمّد (عليه السَّلام)، فهذا بيان شافٍ وكافٍ في إزالة ذلك الإشكال فافهمه) انتهى.
(الوجه الثالث): نقله صاحب البحار عن بعض معاصريه وهو أن كنية الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) هي أبو محمّد وعبدفاللَّه أبو النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أبو محمّد فتتوافق الكنيتان، والكنية داخلة تحت الاسم.
(الوجه الرابع): أن يقال في الخبر هكذا: (اسمه اسمي واسم أبي) حيث ورد في الأخبار أن «عبداللَّه» من أسمائه، وهو اسم والد النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وعليه يكون الاشتباه من الراوي حيث زاد قوله (واسم أبيه) لأنه لم يفهم معنى الخبر ولم يحتمل أن يكون للإمام المهدي( عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف) إسمان، فأراد تصحيح الخبر من عنده فزاد هذه الجملة، وبهذا يظهر عدم منافاة الخبر لأخبارنا بوجه.
(الوجه الخامس): ويحتمل أن يكون الخبر هكذا: (اسمه اسمي واسم ابنه اسم أبي) لما يظهر من جملة من الأخبار أن من أولاد الإمام المهدي (عليه السَّلام) عبد اللَّه، لذا ورد أن «عبدفاللَّه» من كناه، فبُدّل اسم ابنه باسم أبيه.
(الوجه السادس): من المقطوع به بالأدلة أن أهل البيت‏ (عليهم السَّلام) عبيد اللَّه تعالى، فصفة العبودية من لوازم ذواتهم صلوات اللَّه عليهم، والصفة اسم تدل على الموصوف بها، فالإمام العسكري‏ (عليه السَّلام) عبدُاللَّه حقيقة، فإسمه أي صفته كإسم والد النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عبداللَّه.
الإيراد الخامس: جاء في الصحاح «يواطى‏ء اسمه اسمي» وليس فيه تلك الزيادة التي جاء  بها زائدة بن أبي الرُّقاد، ولم ينقلها أحد من أئمة الحديث وحفاظه المعروفين بنقد الأخبار وتمييز رجالاته عند العامة، وإنما جاء بتلك الزيادة من ذكرنا آنفاً، وليس من الممكن المعقول أن يخطى‏ء ثلاثون ثقة أو أكثر من حملة الحديث وثقاته عند العامة بتركهم لهذه الزيادة  على تقدير وجودها  ويصيب زائدة وحده، وينفرد بحفظها دون هؤلاء، مع أن الجميع قد نقلوا الحديث عن عاصم‏ بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبداللَّه‏ بن مسعود.
فزائدة لا يعتمد على شي‏ء من حديثه، قال الرجالي النقّاد المتعصب الذهبي عنه ما نصه: «زائدة بن أبي الرُّقاد أبو معاذ، عن زياد النميري، ضعيف، وقال البخاري: منكر الحديث، وهو بَصْري. وقال النسائي: لا أدري ما هو، وزياد النميري  الذي روى عنه زائدة  أيضاً ضعيف».
وقال خاتمة حفّاظ أهل السنّة وأحد أئمة الجرح والتعديل في علم الرجال عندهم ابن حجر العسقلاني ما نصه:
«زائدة بن أبي الرُّقاد الباهلي البصري الصيرفي، روى عن عاصم وثابت البناني وزياد النميري، قال البخاري: منكر الحديث، وقال السجستاني: لست أعرف خبره، وقال النسائي: لست أدري من هو، وقال ابن حيان: يروي المناكير عن المشاهير».
بعد هذا التقديم، أيُعقل أن يستند الباحث البصير والمثقف المتحلّل من قيود العصبية إلى حديث قد طعن في راويه أشدّ الطعن أئمة الجرح والتعديل عندهم حيث عليهم المعوّل والاعتماد في معرفة الثقات من غيرهم في رجال الإسناد عند أهل مذهبه، ويضرب الصفح عن نقل ما يخالفه وهم يزيدون على ثلاثين ثقة، وفيهم طائفة من أعاظم الحفّاظ وكبار رجالهم من أهل نحلته، وقد جاء الحافظ الكنجي على ذكرهم مفصلاً في كتابه البيان في أخبار صاحب الزمان عجّل اللَّه فرجه فليراجع.
ثم إن الحافظ الترمذي، كغيره من حفّاظ العامة، أخرج الحديث في سننه عن جماعة كثيرة من الصحابة وحسّنه، ولم تكن فيه هذه الزيادة في حديث زائدة، نعم أخرج السجستاني هذا الحديث بهذه الزيادة في سننه، إلاّ أنك قد عرفت طعنه في زائدة، وأنه ما عرف خبره، كما أنه أخرجه بغير هذه الزيادة.
الإيراد السادس: اعتراف جم غفير من أكابر علماء العامة بولادة الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) عام 255هجري وبقائه حيّاً إلى الآن حتى يأذنَ اللَّهُ تعالى له في الظهور، ولا بأس هنا تتميماً للفائدة بذكر تصريحاتهم والتعرض لذكر أساميهم، فيسفر الصبح لذي عينين.
1  منهم العلاّمة الشيخ أبو بكر أحمد بن الحسين‏ بن علي البيهقي النيسابوري الفقيه الشافعي (المتوفى سنة 458ه) فإنه ذكر في كتابه «شعب الإيمان» وقال: «اختلف الناس في أمر المهديّ فوقف جماعة وأحالوا العلم إلى عالمه، واعتقدوا أنه واحد من أولاد فاطمة بنت رسول اللَّه‏فصلى اللَّه عليه ]وآله[ وسلّم، يخلقه اللَّه متى شاء، يبعثه، نصرة لدينه، وطائفة يقولون إنّ المهديّ الموعود وُلد يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو الإمام الملقّب بالحجّة، القائم المنتظر، محمّد بن الحسن العسكري، وأنه دخل السرداب بسرّ من رأى وهو مختف عن أعين الناس، منتظر خروجه، ويظهر ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت جوراً وظلماً. (ثم إنّ البيهقي أجاب القائلين بامتناع بقائه إلى هذا الحين لطول الزمان فقال:) ولا امتناع في طول عمره وامتداد أيامه كعيسى‏ بن مريم والخضر عليهما السلام. وهؤلاء (القائلون ببقائه وطول عمره) هم الشيعة وخصوصاً الإمامية منهم (قال:) ووافقهم (في ما ادّعوه في المهدي‏ (عليه السَّلام)( عليه جماعة من أهل الكشف...».
قال بعض علماء الإمامية أنّ المراد من الموافقين من أهل الكشف غير الشيخ محيي الدين والشعراني والشيخ حسن العراقي لأن البيهقي متقدّم على هؤلاء ولأن وفاته كانت سنة 458هـ والشيخ محيي الدين والشعراني والشيخ حسن العراقي وجدوا بعده لأن وفاة محيي الدين كانت سنة 638هـ كما صرّح به الشيخ حسن العراقي، وهكذا الشعراني كان في سنة 955هـ والعراقي وغيره كانا معاصرين للشعراني. فمراد البيهقي من أهل الكشف الذين أخبر عنهم غير هؤلاء، هذا ويظهر من كلام البيهقي أنه موافق للإمامية في دعواهم ولولا اتفاقه معهم لأنكر عليهم ولم يقل: ولا امتناع في طول عمره كعمر الخضر، حيث لا شبهة في طول عمره بين جميع فرق المسلمين.
2  ومنهم العلامة أبو محمّد عبد اللَّه بن أحمد بن محمّد بن الخشاب (المتوفى سنة 567ه) فإنه أخرج في كتابه «تاريخ مواليد الأئمة ووفياتهم» بسنده عن أبي بكر أحمد بن نصر بن عبداللَّه‏ بن الفتح الدراع النهرواني، قال: «حدّثنا صدقة بن موسى، حدثنا أبي عن الرضا (عليه السَّلام) قال: الخلف الصالح من وُلد أبي محمد الحسن‏ بن علي، وهو صاحب الزمان، وهو المهديّ» ثم قال: «وحدّثني الجرّاح‏ بن سفيان، قال: حدثني أبو القاسم طاهر بن هارون‏ بن موسى العلوي عن أبيه هارون عن أبيه موسى، قال: قال سيّدي جعفر بن محمّد (عليه السَّلام): الخلف الصالح من ولدي وهو المهديّ اسمه م‏ح‏م‏د، وكنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يُقال لأمه صيقل».
وأخرج العلاّمة السيّد هاشم البحراني الحديث في «غاية المرام» نقلاً من تاريخ ابن الخشاب وقال بعد قوله: «يخرج في آخر الزمان يقال لأُمِه صيقل» قال أبو بكر الزراع و يقال لها «حكيمة». وفي رواية يقال لها «نرجس» وفي رواية يقال لها «سوسن». ويكنّى «أبا القاسم» وهو ذو الاسمين خلف ومحمّد، يظهر في آخر الزمان وعلى رأسه غمامة تظلّله عن الشمس تدور معه حيث ما دار تنادي بصوت فصيح: هذا المهدي.
3  ومنهم الشيخ كمال الدين أبو سالم محمد بن طلحة الحلبي الشافعي القرشي (المتوفى سنة 652 أو 654ه) فإنه ذكر في كتابه «مطالب السؤال» وقال: «الباب الثاني عشر في أبي القاسم محمّد بن الحسن الخالص‏ بن عليّ المتوكل‏ بن محمّد القانع‏ بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم‏ بن جعفر الصادق‏ بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين‏ بن الحسين‏ بن عليّ المرتضى أمير المؤمنين‏ بن أبي طالب، المهديّ الحجّة الخلف الصالح المنتظر عليهم السلام ورحمته وبركاته» ثم ذكر هذه الأبيات:

«فهذا الخلف الحجّة قـــــــد أيـــــــــده اللَّه          هدانا منهج الحقّ وآتاه سجايـــــــــــــاه
وأعلى في ذرى العلياء بالتأييد مرقـــــــاه           وآتاه حلى فضــــــل عظيم فتحـــــــــلاه
وقد قال رسول اللَّه قولاً قـــــــد روينــاه           وذوا العلم بما قال إذا أدرك معنـــــــاه
يرى الأخبار في المهدي جاءت بمسمـاه            وقد أبداه بالنسبة والوصف وسمّـــاه
ويكفي قولـــــــه مني لإشراق محيـــــــــــــاه            ومن بضعته الزهراء مرساه ومسـراه
ولن يبلغ ما أديت أمثــــــــال وأشبــــــــــاه            فإنْ قالوا هو المهدي ما مانوا بما فاهوا»

ثم قال أبو طلحة في مدحه‏ (عليه السَّلام): «قد رتع من النبوة أكناف عناصره ورضع من الرسالة أخلاف أواصره، وترع من القرابة بسجال معاصرها، وبرع في صفات الشرف فعقدت عليه بخناصرها، فإقتنى من الأنساب شرف نصابها، واعتلى عند الانتساب على شرف أحسابها، واجتنى جنى الهداية من معادنها وأسبابها، فهو من ولد الطّهر البتول المجزوم بكونها بضعة الرسول، فالرسالة أصلها وإنها لأشرف العناصر والأصول. فأما مولده فبسرّ من رأى في ثالث وعشرين من رمضان سنة 258ه وأما نسبه أباً وأماً فأبوه الحسن الخالص، وأما أمه أم ولد تسمى «صيقل» و«حكيمة» وقيل غير ذلك، وأما اسمه ف«محمد»، وكنيته «أبو القاسم»، ولقبه «الحجّة» و«الخلف الصالح» وقيل «المنتظر».
4  ومنهم المؤرخ المشهور شهاب الدين أبو عبداللَّه ياقوت الحموي (وهو من الخوارج) الرومي البغدادي (المتوفى سنة 626هجري) فإنه أخرج في كتابه المعروف «معجم البلدان» وقال: «عسكر سامراء ينسب إلى المعتصم وقد نسب إليه (أي إلى هذا العسكر) قومٌ من الأجلاّء، منهم: عليّ‏ بن محمّد بن عليّ‏ بن موسى‏ بن جعفر بن محمّد بن عليّ‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب‏ (عليهم السَّلام) يكنّى (أي علي‏ بن محمد) بالحسن الهادي، ولد بالمدينة المشرَّفة ونقل إلى سامراء جبراً وابنه الحسن‏ بن عليّ ولد بالمدينة أيضاً (وقيل في سامراء) ونقل إلى سامراء فسمّيا بالعسكريّين لذلك، فأما عليّ فمات في رجب سنة 254للهجرة، وكان مقامه بسامراء عشرين سنة. وأما الحسن فمات بسامراء أيضاً سنة  للهجرة260 ودفنا بسامراء وقبورهما مشهورة هناك» قال: «ولولدهما المنتظر هناك مشاهد معروفة».
5  ومنهم الشيخ العارف الشيخ فريد الدين العطّار (المتوفى سنة 627ه) فإنه أخرج في كتابه «مظهر الصفات» كما نقل عنه الشيح سليمان القندوزي الحنفي في «ينابيع المودة» قال: «ومن أشعاره الذي أنشدها في أهل البيت‏ (عليهم السَّلام) وفيها ذكر مولد الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) بالإشارة..».
ويظهر من أبياته الفارسية، التي أوردها القندوزي الحنفي، أنه كان يعتقد ولادته‏ (عليه السَّلام) وينتظر ظهوره عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف.
6  ومنهم الشيخ محيي الدين أبو عبد اللَّه محمد بن علي‏ بن محمد المعروف بابن الحاتمي الطائي الأندلسي الشافعي (المتوفى سنة 638ه) والمدفون بصالحية الشام وقبره مزار: قال في الباب 366 من كتاب «الفتوحات»: «اعلموا أنه لا بدّ من خروج المهدي، لكن لا يخرج حتى تمتلى‏ء الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلاً، ولو لم يكن من الدنيا إلا يوم واحد طوّل اللَّه تعالى ذلك اليوم حتى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول اللَّه من ولد فاطمة، جدّه الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب ووالده الحسن العسكري إبن الإمام عليّ النقي إبن محمّد التقي إبن الإمام عليّ الرضا بن الإمام موسى الكاظم‏ بن الإمام جعفر الصادق‏ بن الإمام محمّد الباقر بن الإمام زين العابدين‏ بن الإمام الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب  يواطى‏ء اسمه اسم رسول اللَّه صلى اللَّه عليه ]وآله[ وسلّم، يبايعه المسلمون بين الركن والمقام يشبه رسول اللَّه في الخلق.. وهو أجلى الجبهة، أقنى الأنف، أسعد الناس به أهل الكوفة، يقسم المال بالسويّة، ويعدل في الرعية، يأتيه الرجل فيقول: يا مهديّ أعطني وبين يديه المال فيحثى له في ثوبه ما استطاع أن يحمله. (ثم نقل أوصافه وبعض أفعاله) وهذه الأمور ذكرها ابن الصبّان في إسعاف الراغبين باب2 ص133  131 بهامش نور الأبصار ص133  131 ومن شعر الشيخ محيي الدين في أوصاف الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) وقد ذكره في الفتوحات باب 366 أيضاً:


هو السيد المهدي من آل أحمد             هو الصارم الهندي حين يبيّد
هو الشمس يجلو كل غمّ وظلمة           هو الوابل الوسمي حين يجود


ومنهم الشيخ أبو عبد اللَّه محمّد بن يوسف‏ بن محمّد القرشي الكنجي الشافعي المتوفى سنة (658) فإنه أخرج في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان) ص336 باب (25) وقال: في الدلالة على جواز بقاء المهدي‏ (عليه السَّلام) قال: إن المهدي ولد الحسن العسكري فهو حيّ موجود باقٍ منذ غيبته إلى الآن.
8  ومنهم الشيخ جلال الدين محمد العارف البلخي الرومي المعروف بالمولوي المتوفى سنة 672هـ فإنه ذكر في ديوانه الكبير وذكر ذلك الشيخ سليمان في ينابيع المودة ص473 قال: أنشد هذه الأبيات (في أحوال أهل البيت‏ (عليهم السَّلام) ومنهم المهدي المنتظر (عليه السَّلام).


           اي سرور مردان علي مستان سلامت ميكنند
                                           واى صفدر مردان علي مردان سلامت ميكنند

(إلى أن قال):
    

     با قاتل كفار كو بادين وبا ديندار  گو
                                   باحيدر كرار گو مستان سلامت ميكنند
          بادرج دو گوهر بگو بابرج دواختر بگو
                                   باشبر وشبير بگو مستان سلامت ميكنند
          بازين دين عابد بگو بانور دين باقر بگو
                                     باجعفر صادق بگو مستان سلامت ميكنند
      باموسى كاظم بگو باطوس عالم بگو
                                باتقي قائم بگو مستان سلامت ميكنند
             بامير دين هادي بگو باعسكري مهدي بگو
                                       با آن ولى مهدي بگو مستان سلامت ميكنند


9  ومنهم الشيخ الكامل صلاح الدين الصفدي المتوفى سنة 764 فإنه قال في شرح الدائرة: إن المهديّ الموعود هو الإمام الثاني عشر من الأئمة أولهم سيدنا علي وآخرهم المهديّ رضي اللَّه عنهم ونفعنا بهم.
10  ومنهم الشيخ جمال الدين أحمد بن عليّ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن مهنا المتوفى سنة 828ه فإنه أخرج في كتابه عمدة الطالب ص186_188 طبع النجف الأشرف سنة )1323ه) قال: أما عليّ الهادي فيلقب بالعسكري لمقامه بسر من رأى وكانت تسمى العسكر وأمّه أم ولد وكان‏ (عليه السَّلام) في غاية الفضل ونهاية النبل أشخصه المتوكل إلى سر من رأى فأقام بها إلى أن توفي (مسموماً) كان من الزهد والعلم على أمر عظيم وهو والد الإمام محمد المهدي (صلوات اللَّه عليه) ثاني عشر الأئمة عند الإمامية، وهو القائم المنتظر عندهم من أم ولد اسمها نرجس.
11 ومنهم الشيخ أبو عبداللَّه أسعد بن علي‏ بن سليمان عفيف الدين اليافعي اليمني المكي الشافعي المتوفى سنة 768 فإنه أخرج في كتابه مرآة الجنان ج2 ص107 وص172 طبع حيدر آباد الدكن سنة 1328هـ قال: وفي سنة 260 توفي الشريف العسكري أبو محمّد الحسن‏ بن عليّ‏ بن محمّد بن عليّ‏ بن موسى‏ بن جعفر الصادق، أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية وهو والد الإمام المنتظر صاحب السرداب ويعرف بالعسكري وأبوه أيضاً يعرف بهذه النسبة. توفي في يوم الجمعة سادس ربيع الأول وقيل ثامنه، وقيل غير ذلك من السنة المذكورة ودفن بجنب قبر أبيه بسرّ من رأى.
12 ومنهم العلاّمة السيد علي بن شهاب الدين الهمداني الشافعي المتوفى سنة 786 فإنه أخرج في كتابه المودة القربى في المودة العاشرة، أحاديث عديدة فيها إثبات وجود الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) وإنه يظهر في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً.
13 ومنهم الشيخ شهاب الدين الدولة أبادي المتوفى سنة 849ه وله مؤلفات عديدة في التفسير والمناقب وله كتاب سماه (هداية السعداء) وذكر فيه أسماء الأئمة الاثني عشر عند الإمامية وذكر أحاديث في أحوال الإمام الحجة المنتظر ابن الحسن العسكري. وذكر فيه أنه غائب عن الأبصار وله عمر طويل كما عمّر مثله من المؤمنين عيسى والياس والخضر، ومن الكافرين الدجال والشيطان والسامري.
14 ومنهم شمس الدين أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد الذهبي الشافعي المتوفى سنة 804، فإنه أخرج في كتابه دول الإسلام ج1 ص122 طبع حيدر آباد سنة 1337ه وقال: بأن الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) من أولاد الإمام الحسن العسكري وهو باقٍ إلى أن يأذن اللَّه له بالخروج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
15  ومنهم الشيخ علي بن محمد بن أحمد المالكي المكي المعروف بابن الصباع المتوفى سنة 855هجري، فإنه أخرج في كتابه الفصول المهمة ص273 وص274 من الباب (12) أحوال الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام). وذكر ولادته وتاريخها. وقال إن أمّه نرجس خير أمة، وقال: ولد أبو القاسم محمّد بن الحجّة بن الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة 255ه، وأما نسبه أباً وأماً فهو أبو القاسم، محمّد الحجّة بن الحسن الخالص‏ بن عليّ الهادي‏ بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم‏ بن جعفر الصادق‏ بن محمّد الباقر بن عليّ (زين العابدين) بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليهم أجمعين، وأما أمّه فأم ولد، يقال لها نرجس، خير أمة، وقيل اسمها غير ذلك، وأما كنيته فأبو القاسم، وأما لقبه، فالحجّة والمهديّ والخلف الصالح والقائم المنتظر وصاحب الزمان، وأشهرها المهديّ، صفته (عليه السلام): شاب مربوع القامة، حسن الوجه والبشرة يسيل شعره على منكبيه، أقنى الأنفق، أجلى الجبهة، بوّابه محمّد بن عثمان، معاصره المعتمد (العبّاسي).
16 ومنهم الشيخ شمس الدين أو المظفر يوسف بن قزاغلي الحنفي‏ بن عبدفاللَّه. وهو سبط ابن الجوزي المعروف المتوفى سنة 654. وقال سبط ابن الجوزي الحنفي في كتابه تذكرة خواص الأئمة ص88، طرأول في إيران سنة 1287هجري، فصل الحسن بن عليّ‏ بن محمّد بن عليّ‏ بن موسى‏ بن جعفر بن محمّد بن عليّ‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب، وأمه أم ولد اسمها سوسن، وكنيته أبو محمّد، ويقال له العسكري أيضاً. ولد (عليه السَّلام) سنة 231ه بسرّ من رأى وتوفي بها سنة 260ه في خلافة المعتمد على اللَّه (العباسي). وكان سنّه عند الوفاة تسعاً وعشرين سنة، ثم قال: وأولاده (أي أولاد الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام)) منهم: محمّد الإمام. ثم قال: فصل هو محمّد بن الحسن‏ بن عليّ‏ بن محمد بن عليّ‏ بن موسى الرضا بن جعفر بن محمّد بن عليّ‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب‏ (عليهم السَّلام)، وكنيته أبو عبد اللَّه، وأبو القاسم، وهو الخلف الحجّة، صاحب الزمان، القائم المنتظر، التالي، وهو آخر الأئمة. ثم قال: أنبأ عبد العزيز بن محمد بن البزار عن ابن عمر، قال: قال رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): يخرج في آخر الزمان، رجل من ولدي اسمه كإسمي وكنيته ككنيتي يملأ الأرض عدلاً، كما ملئت جوراً، فذلك المهدي.
(ثم قال سبط ابن الجوزي) وهذا الحديث مشهور. وقد أخرج أبو داود، والزهري عن عليّ بمعناه. ثم قال: ويقال له ذو الأسمين محمّد وأبو القاسم قال: قالوا أمه أم ولد يقال لها صيقل.
17 ومنهم شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي نزيل مكة المشرفة الشافعي المتوفى سنة 993ه، فإنه أخرج في الصواعق المحرقة له ص127 طر مصر سنة 1308ه، وقال عند ذكره الأئمة الاثني عشر (أبو محمّد الحسن الخالص) ولد سنة 232ه (ثم ذكر كرامة من كراماته المعروفة وقضية الاستسقاء في سامراء وقضية الراهب الذي كان يحمل في يده من عظام بعض الأنبياء، وإذا أخرجه كانت تمطر السماء وإذا ستره يقف المطر فعرف ذلك الإمام فأخذ منه العظم وكلما دعا لم تمطر، فخرج الناس من الاشتباه وعرفوا حيلة العالم النصراني. قال: وكان الإمام الحسن العسكري عزيزاً مكرماً إلى أن مات بسر من رأى ودفن عند أبيه (علي الهادي‏ (عليه السَّلام)) وعمره ثمانية وعشرون سنة. (قال): ويقال إنه سُمَّ أيضاً (كما سمّوا آباءَه الكرام) قال: ولم يخلف غير ولده (أي القاسم محمّد الحجّة) وعمره عند وفاة أبيه (كان) خمس سنين آتاه اللَّه الحكمة (قال): ويسمى القائم، المنتظر. قيل: لأنه ستر وغاب فلم يعرف أين (هو) ذهب وانتهى ما في الصواعق المحرقة لابن حجر مع الاختصار.
18  ومنهم الشيخ عبد اللَّه بن محمد بن عامر الشبراوي الشافعي المتوفى بعد سنة 1154ه، فإنه أخرج في كتابه الإتحاف بحب الأشراف ص178 طبع مصر سنة 1316ه وقال: الحادي عشر من الأئمة الحسن الخالص ويُلقّب بالعسكري، ولد بالمدينة لثمانٍ خلون من ربيع الأول سنة (232ه) وتوفي‏ (عليه السَّلام) يوم الجمعة لثمانٍ خلون من ربيع الأول سنة (260ه) وله من العمر ثمان وعشرون سنة. قال: ويكفيه شرفاً أن الإمام المهديّ المنتظر من أولاده فللَّه درّ هذا البيت الشريف، والنسب الخضم المنيف وناهيك به فخاراً، وحسبك فيه من علّوه مقداراً، فهم جميعاً، في كرم الأرومة، وطيب الجرثومة كأسنان المشط، متعادلون، ولسهام المجد مقتسمون، فيا له من بيت عالي الرتبة سامي المحلة فلقد طال السّماك عُلاً ونُبلاً وسما على الفرقدين منزلةً ومحلاً، واستغرقت صفات الكمال، فلا يستثنى فيه بغَيْرٍ ولا بإلاّ انتظم في المجد هؤلاء الأئمة، انتظام اللآلى‏ء وتناسقوا في الشرف، فاستوى الأول والتالي، وكم اجتهد قوم في خفض منارهم، واللَّه يرفعه، وركبوا الصعب والذلول، في تشتيت شملهم واللَّه يجمعه وكم ضيّعوا من حقوقهم، ما لا يهمله اللَّه، ولا يضيّعه، أحيانا اللَّه على حبهم، وأماتنا عليه، وأدخلنا في شفاعة من ينتمون في الشرف إليه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وكانت وفاته (أي الحسن العسكري) بسرّ من رأى، ودفن بالدار التي دفن فيها أبوه، وخلف بعده ولده وهو الثاني عشر من الأئمة، أبو القاسم، محمّد الحجّة، الإمام ولد الإمام محمّد الحجّة، ابن الإمام الحسن الخالص، بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة 255 قبل موت أبيه بخمس سنين، وكان أبوه قد أخفاه حين ولد، وستر أمره، لصعوبة الوقت، وخوفه من الخلفاء العبّاسيين فإنهم كانوا في ذلك الوقت يطلبون الهاشميين ويقصدونهم بالحبس والقتل ويرون إعدامهم (وذلك لإعدامهم مَنْ يعدم) سلطنة الظالمين وهو الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) كما عرفوا ذلك من الأحاديث التي وصلت إليهم من الرسول الأكرم‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأخبرتهم أن الإمام المهديّ الموعود المنتظر (عليه السَّلام) يقطع دابر الظالمين ويستولي على الدنيا ولا يترك أحداً منهم في الأرضين. (قال الشبراوي): وكان الإمام محمّد الحجّة يُلقب أيضاً بالمهديّ، والقائم، والمنتظر، والخلف الصالح، وصاحب الزمان، وأشهرها: المهديّ. (قال): ولذلك ذهبت الشيعة إلى أنه الذي صحّت الأخبار والأحاديث بأنه يظهر في آخر الزمان، وأنه موجود ولهم في ذلك تآليف كثيرة. ثم أخذ في الرد على الشيعة بالنسبة إلى ما ينسبه إليهم وهم منه برآء، ثم قال: وقد أشرق نور هذه السلسلة الهاشمية، والبيضة الطاهرة النبوية والعصابة العلوية وهم اثنا عشر إماماً، مناقبهم عليّة وصفاتهم سنيّة، ونفوسهم شريفة أبيّة، وأرومتهم كريمة محمّدية، وهم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص‏ بن عليّ الهادي‏ بن محمد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم‏ بن جعفر الصادق‏ بن محمّد الباقر بن عليّ (زين العابدين) بن الإمام الحسين أخو الإمام الحسن ولَدَي الليث الغالب عليّ‏ بن أبي طالب (رضي اللَّه تعالى عنهم أجمعين).
19 ومنهم الشيخ أبو المواهب الشيخ عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراني المتوفى سنة (973هـ) أو سنة (960ه) فإنه قال في كتابه (اليواقيت والجواهر) ص145 طبع مصر سنة 1307هـ. قال: البحث الخامس والستون، في بيان أن جميع أشراط الساعة التي أخبر بها الشارع حقّ لا بدّ أن تقع كلها قبل يوم القيامة. وذلك، كخروج المهدي‏ (عليه السَّلام) وقال: وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري، ومولده‏ (عليه السَّلام) ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باقٍ إلى أن يجتمع بعيسى ابن مريم‏ (عليه السَّلام) فيكون عمره إلى وقتنا هذا وهو سنة 958ه سبعمائة وست وستين سنة (766). (ثم قال الشعراني): هكذا أخبرني الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كرم الريش المطلّ على بركة الرطل بمصر المحروسة عن الإمام الحجّة المهديّ حين اجتمعت به ووافقه على ذلك شيخنا سيّد علي الخوّاص.
20 ومنهم الشيخ حسن العراقي المدفون فوق كرم الريش فإنه ذكر الإمام الحجّة (عليه السَّلام) واعترف بوجوده، وأنه اجتمع به، وذلك كما ذكره الشعراني في (لواقح الأنوار في طبقات الأخبار) ج2 المطبوع بمصر سنة 1305ه وقال فيه: إن الشيخ حسن العراقي في ضمن سياحته اجتمع مع الإمام المهديّ الحجّة وسأله عن عمره فقال له: يا ولدي عمري الآن 620 سنة. قال الشعراني: فقلت ذلك لسيّدي علي الخوّاص فوافق على عمر المهديّ (رضي اللَّه عنه).
21 ومنهم الشيخ نور الدين عبد الرحمن بن أحمد بن قوام الدين المعروف بجامي الشافعي الشاعر المعروف. وقد ذكر في كتابه «شواهد النبوة» الإمام المهديّ الموعود المنتظر الحجّة بن الحسن الإمام الثاني عشر. وذكر كثيراً من أحواله‏ (عليه السَّلام) وكراماته، وقال: «هو الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً»، وذكر قضية ولادته‏ (عليه السَّلام) نقلاً عن عمّته حكيمة (عليها السَّلام) وغيرها، وقال فيها: «إنه لمّا ولد جثى على ركبتيه ورفع سبابته إلى السماء وعطس فقال: الحمد للَّه رب العالمين»، وذكر بعض من رأى الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه وهو من سأل الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) عن الخلف بعده، قال: «فدخل الإمام الدار ثم خرج وقد حمل طفلاً كأنّه البدر في ليلة تمامه في سن ثلاث سنين، فقال الإمام للسائل: لولا كرامتك على اللَّه لما أريتك هذا الولد الذي اسمه اسم رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وكنيته كنيته، وهو الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً». وذكر خبر من دخل على الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) ورأى بيتاً عليه ستر مسبل، فسأله عن الخلف بعده، فقال له: ارفع الستر، فرفع الستر، فرأى الإمام الحجّة المهدي المنتظر. وذكر أيضاً قضية الأشخاص الذين بعثهم المعتمد أو المعتضد ليفتشوا دار الإمام ويأخذوا الإمام إن وجدوه، فلم يعثروا عليه في الدار، فدخلوا سرداباً محفوراً هناك فوجدوه في آخر السرداب. وكان السرداب مملوءاً بالماء والمهدي‏ (عليه السَّلام) في آخره (على الماء) فكلما أرادوا الوصول إليه غرقوا في الماء ولم يتمكنوا من الوصول إليه فأخبروا بذلك الخليفة العباسي الذي أرسلهم إليه بما وقع، فأمرهم بكتمان ما رأوا وقال لهم: إنْ أظهرتم ذلك أمرت بقتلكم فكتموا ذلك في حياته. وتفصيل هذه الأخبار موجود في كتب الإمامية كالبحار ج51_52_53 حيث جمع المجلسي جميع ما روي فيه (عجّل اللَّه تعالى فرجه) من الأخبار حسب إمكانه نقلاً عن كتب علماء العامة، وكتب الإمامية عليهم الرحمة.
22 ومنهم المولوي علي أكبر أسد اللَّه الموؤذي الذي هو من علماء العامة في الهند، وله كتاب «المكاشفات» وهو من الحواشي على «نفحات الأنس» للمولى عبد الرحمان الجامي، وقد صرّح في البحث الحادي والثلاثين بإمامة الإمام الحجّة المهديّ‏ بن الحسن العسكري وآبائه إلى الإمام عليّ‏ بن أبي طالب‏ (عليهم السَّلام)، وقال: «إنه (أي الإمام الغائب عجّل اللَّه تعالى فرجه) غائب عن أعين العوام والخواص...».
23 ومنهم الشيخ عبد اللَّه بن محمد المطيري شهرة والمدني مسكناً والشافعي مذهباً فإنه ذكر في كتابه «الرياض الزاهرة في فضل آل بيت النبيّ وعترته الطاهرة» الأئمة الاثني عشر فعدّهم واحداً بعد واحد إلى أنْ وصل إلى الإمام الحادي عشر، فقال: «إنّ ابنه الإمام الثاني عشر محمّد القائم المهدي». ثم قال: «وقد ورد النص عليه في الأحاديث من جده رسول اللَّه صلى اللَّه عليه ]وآله[ وسلّم ومن جده عليّ‏ بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام)، ومن بقية آبائه الكرام أهل الشرف والمقام، وهو صاحب السيف القائم المنتظر كما ورد في الصحيح من الخبر». وقال: «وله قبل قيامه غيبتان..» ثم ذكر أحواله في غيبته وبعد ظهوره.
24 ومنهم الشيخ أبو المعالي محمد سراج الدين الرفاعي ثم المخزومي الشريف الكبير فإنه ذكر في كتابه «صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار» عند ترجمته الإمام أبي الحسن الهادي‏ (عليه السَّلام)، قال: «وأما الإمام عليّ الهادي‏ بن الإمام محمّد الجواد ولقبه النقي والعالم والفقيه والأمير والدليل والعسكري والنجيب، ولد في المدينة المنورة سنة 212ه وتوفي شهيداً بالسمّ في خلافة المعتز العباسي يوم الاثنين لثلاث ليالٍ خلون من رجب سنة 254ه وكان له خمسة أولاد: الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمّد وجعفر وعائشة. أما الإمام الحسن العسكري فأعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر وليّ اللَّه الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام)».
25 ومنهم الشيخ مير خواند المؤرّخ المشهور (محمد بن خاوند شاه‏ بن محمود المتوفى سنة 903ه) فإنه ذكر في كتابه المعروف «روضة الصفا» ج3، أحوال الإمام الثاني عشر من حيث الولادة وبعض أحواله وكراماته مفصّلاً.
26 ومنهم الشيخ المحقق بهلول بهجت أفندي مؤلّف كتاب «المحاكمة في تاريخ آل محمّد» والذي ذكر فيه إمامة الأئمة الاثني عشر (عليهم السَّلام) إلى أن ذكر ولادة الإمام المهدي الحجّة المنتظر عجّل اللَّه تعالى فرجه، وقال: «ولد في الخامس عشر من شعبان سنة 255ه»، وذكر أن اسم أمّه نرجس، وإنّ له غيبتين: الأولى الصغرى والثانية الكبرى، وصرّح بطول عمره وبقائه عجّل اللَّه تعالى فرجه، وأنه يظهر عندما يأذن اللَّه له بالخروج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً؛ ثم قال: «وإنّ ظهوره أمر اتفق عليه المسلمون فلا حاجة لذكر الدلائل له».
27 ومنهم الشيخ شمس الدين محمد بن يوسف الزرندي فإنه ذكر في كتابه «معراج الوصول إلى فضيلة آل الرسول» الأئمة الاثنا عشر، وقال: «الإمام الثاني عشر هو صاحب الكرامات المشهورة الذي عظم قدره بالعلم واتباع الحق، القائم بالحقّ والداعي إلى منهج الحقّ، الإمام أبو القاسم محمد بن الحسن»، ثم ذكر تاريخ ولادته وبعض أحواله عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف.
28 ومنهم الشيخ حسين بن معين الدين الميبدي فإنه صرّح في ص123 من «شرح الديوان» بولادة الإمام المهدي وتاريخه وخصوصياته‏ (عليه السَّلام).
29 ومنهم الشيخ الحافظ محمد بن محمد بن محمود النجار المعروف بخواجه يارسا وهو من أعيان علماء الحنفية وكبار مشايخ النقشبندية وكانت وفاته عام 822 على ما في كتاب «كشف الظنون»، وقد أورد في كتابه «فصل الخطاب» عند ذكره الأئمة (عليها السَّلام) ما نصّه: «وأبو محمد الحسن العسكري ولده م‏فح‏فم‏فد معلوم عند خاصة أصحابه وثقات أهله»، ثم ذكر حديث السيّدة حكيمة في ولادة الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه، وذكر حكاية إرسال المعتضد جلاوزته إلى سامراء وأمره بأخذه أين وجدوه، وذكر قضية دخولهم دار الإمام ثم دخولهم السرداب وأنهم رأوه مملوءاً بالماء، وكلما أراد أحدٌ منهم أنْ يدخل الماء ويأخذ الإمام‏ (عليه السَّلام)  الذي كان في آخر السرداب على حصير مفروش على الماء  غرق. ثم ذكر بعض علائم ظهوره وقال: «الأخبار في ذلك أكثر من أنْ تُحصى»، وقال: «وقد تظاهرت (أي الأخبار) على ظهوره وإشراق نوره» وأنه يجدّد الشريعة المحمّدية، ويجاهد في اللَّه حقّ جهاده، ويطهّر من الأدناس أقطار بلاده؛ زمانه زمان المتقين، وأصحابه خلصوا من الريب، وسلموا من العيب، وأخذوا بهديه وطريقه، واهتدوا من الحق إلى تحقيقه، به ختمت الخلافة والإمامة، وهو الإمام من لدن إمام، مات أبوه الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) إلى يوم القيامة. وذكر أنّ عيسى‏ (عليه السَّلام) يصلّي خلفه، ويصدقه على دعواه، ويدعو إلى ملته التي هو فيها والتي صاحبها رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)..
30 ومنهم الشيخ سليمان القندوزي الحنفي، فإنه أفرد في كتابه «ينابيع المودة» ص449 باباً خاصاً في ذكر ولادة القائم المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف (الباب التاسع والسبعون) ثم روى بسنده عن موسى‏ بن محمد بن القاسم‏ بن حمزة بن موسى الكاظم‏ (عليهم السَّلام) قال: حدّثتني حكيمة بنت الإمام محمد التقي الجواد (قالت): بعث إليّ الإمام أبو محمد الحسن العسكري فقال: يا عمة، اجعلي إفطارك عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإنّ اللَّه تبارك وتعالى يظهر في هذه الليلة حجّته في أرضه. قالت (السيّدة حكيمة): فاستقمت ونمت، ثم قمت السحر (لصلاة الليل) وقرأت ألم السجدة وياسين، فاضطربت نرجس، فضُرب بيني وبينها ستر، فكشف الثوب عنها (بعد الولادة) فإذا بالمولود ساجداً، فنادى أبو محمّد (الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام)(: هلمي إليّ ابني يا عمّة، فجئت به إليه، فوضع قدميه على صدره وأدخل لسانه في فيه وأمرّ يده على عينيه وأذنه ومفاصله ثم قال: تكلّم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلاّ اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثم صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة إلى أن صلّى على أبيه (العسكري‏ (عليه السَّلام)( ثم قال أبو محمّد (عليه السَّلام): يا عمّة، إذهبي به إلى أمّه يسلّم عليها وأتيني به. (قالت حكيمة): فذهبت به فسلّم على أمّه ثم رددته (إلي أبيه) فوضعته عنده، فقال: يا عمّة إذا كان يوم السابع ءأتينا. (قالت حكيمة): فلما كان يوم السابع جئت (إليه)، فقال لي أبو محمّد: يا عمّة، هلمي إليّ ابني فجئت به ففعل به كفعله الأول وقال: تكلّم يا بني، فشهد بالشهادتين وصلّى على آبائه واحداً بعد واحد، ثم تلى: وَنُرِيدُ أَن نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ.
قالت حكيمة: جئت يوماً (إلى دار أبي محمّد الحسن العسكري) وكشفت الستر (من على الحجرة التي كان فيها الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه) فلم أره، فقلت (لأبيه‏ (عليه السَّلام)): جعلت فداك، ما فعل سيدي؟ فقال: يا عمّة استودعناه اللَّه الحفيظ القدير الذي استودعته أم موسى موسى‏ (عليه السَّلام).
ثم قال راوي الحديث موسى بن محمّد: فسألت عقيد الخادم (أي عن الأمر الذي حكته حكيمة) فقال: صدقت حكيمة رضي اللَّه عنها.
وفي «الينابيع» ص450 قال: روي عن محمد بن عبدفاللَّه المطهّري قال: سألت حكيمة عن ولادة القائم، فقالت: كانت لي جارية يقال لها نرجس، فزارني ابن أخي أبو محمّد الحسن وجعل يحدّ النظر إليها، فقلت له: أهويتها لأهبها لك؟ فقال: لا ولكن أتعجب منها أنه سيخرج منها ولد كريم على اللَّه عزّ وجل يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً، فقلت: أرسلها إليك؟ فقال‏ (عليه السَّلام): استأذني أبي (وذلك لأن الجارية كانت للإمام الهادي وأن قضية شرائها من بغداد قضية معروفة) قالت (حكيمة): أتيت عند أخي علي النقي الهادي (وقبل أنْ نخبره بالقضية) قال‏ (عليه السَّلام): يا حكيمة هي نرجس لابني أبي محمّد الحسن، فقلت: يا سيدي، إلى هذا قصدتك وجئتك لأن أستأذن في ذلك، فقال: يا أختي يا مباركة إن اللَّه تبارك وتعالى أحب أنْ يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً. قالت (حكيمة): فزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد، وجمعت بينه وبينها في بيت في داري، فأقام عندي أياماً ثم جاء بها عند والده علي النقي، وجلس أبو محمّد مكان والده بالإمامة (بعد استشهاد أبيه) وكنت أزوره، وقالت لي نرجس: يا مولاتي أنا أخلع خفّكِ وأخدمكِ، فقلت: بل أنتِ سيّدتي واللَّه لا أدفع إليك خفّي لتخلعيه بل أخدمكِ على بصري. (قالت حكيمة): فقصدت الانصراف (إلى داري) فقال لي أبو محمّد: يا عمّة اجعلي إفطارك الليلة عندنا. ثم ذكرت حكيمة بواقي القصة نحو ما ذكرته لموسى‏ بن محمّد (ابن قاسم‏ بن حمزة بن موسى الكاظم).
31 ومنهم الشيخ الجليل عبد الكريم اليماني (قدس سره) ووهب لنا فيوضه وعلومه قال في شعره كما في ينابيع المودة ص466:

في يمن أمن يكـــــــون لأهلهـــــــــا              إلى أن ترى نور الهداية مقبلا
بميم مجيد من سلالة حيــــــدر              ومن آل بيت طاهرين بمن علا
يسمى بمهدي من الحق ظاهر               بسنة خير الخلق يحكــــم أولاً


ومنهم الشيخ عبد الرحمان البسطامي مؤلف كتاب (درّة المعارف) قدس اللَّه سره وأفاض علينا فتوحه وغوامض علومه كما في ينابيع المودة ص466. قال في الأبيات المنسوبة إليه:

ويظهر ميم المجد من آل أحمــــد           ويُظهر عـــــــــدل اللَّه في النــــاس أولا
كما قد روينا عن عليّ الرضا           وفي كنز علم الحرف أضحى محصلا

ومن أبياته:

ويخرج حرف الميم من بعد شينه              بمكة نحو البيت بالنصر قد عــــلا
فهذا هو المهديّ بالحق ظاهــــــــر              سيأتي من الرحمان للخلق مرسلا
ويملأ كلّ الأرض بالعدل رحمــــة               ويمحو ظلام الشرك والجــــور أولا
ولايته بالأمر مــــــن عنـــــد ربّـــه               خليفة خير الرّسل مـــن عالم العلا


33 ومنهم الشيخ المحدّث الفقيه محمد بن إبراهيم الجويني الحمويني الشافعي، فإنه قال في كتابه فرائد السمطين: برواية عن دعبل الخزاعي عن عليّ الرضا بن موسى الكاظم، قال: إن الإمام من بعدي ابني الجواد التقي، ثم الإمام من بعده ابنه الهادي والنقي ثم الإمام من بعده ابنه الحسن العسكري، ثم الإمام من بعده ابنه الحجّة المهديّ المنتظر في غيبته المطاع في ظهوره كما في ينابيع المودة ص472  471. (ثم قال أيضاً): وأما شيخ المشايخ العظام أعني حضرات: شيخ الإسلام أحمد الجامي النامقي، والشيخ عطار النيسابوري، والشيخ شمس الدين التبريزي، وجلال الدين مولانا الرومي، والسيد نعمة اللَّه الولي، والسيد النسيمي، وغيرهم ذكروا في أشعارهم في مدائح الأئمة من أهل البيت الطيب (رضي اللَّه عنهم) مدح المهدي في آخرهم مختص بهم فهذه أدلة (واضحة) على أنّ المهدي ولد أولاً. قال: ومن تتبع آثار هؤلاء الكاملين العارفين يجد الأمر واضحاً عياناً.
34 ومنهم كما في ينابيع المودة ص472 الشيخ أحمد الجامي النامقي.
ومن أشعاره بالفارسية:


             من زمهر حيدرم هر لحظه اندر دل صفاست
                                   ازبي حيدر حسن مارا إمام ورهنماست
             همجو كلب افتاده ام براستان بو الحسن
                                   خاك نعلين حسين برهرد وجشم ترتياست
             عابدين تاج سرو باقر دو جشم روشنم‏
                                   دين جعفر بر حق أست مذهب موسى رواست
             مُوالي وصف سلطان خراسان راشنو
                                   ذرّه ئي از خاك قبرش درد مندان رادواست
             بيشواي مؤمنان است اي مسلمانان تقي
                                   كر نقي را دوست داري برهمه مذهب رواست
             عسكري نور دوجشم عالمست وآدم است
                                   همجويك مهدي سبهسالار در عالم كجاست
             قلعة خيبر كرفته آن شهنشاه عرب
                                   زآنكه در بازوي حيدر نامه الاّ فتاست
             شاعران از بهرسيم زر وسُخنها كفته اند
                                   أحمد جامي غلام خاص شاه اولياست.

35 ومنهم كما في ينابيع المودة ص473 الشيخ العطار المار ذكره في رقم (34) وله أشعار في كتابه مظهر الصفات.
36 ومنهم الشيخ سعد الدين الحموي المحدّث كما قال الشيخ سليمان الحنفي في ينابيع المودة ص474 قال الشيخ عزيز بن محمد النسفي أن شيخ الشيوخ سعد الدين الحموي (قدس سره) قال: لم يكن قبل نبيّنا في الأديان السابقة من يسمى ولياً وكان اسم النبيّ، وأن المقربين عند اللَّه الذين كانوا صاحبين ]ظ: مصاحبين[ للشريعة كانوا يسمون بالأنبياء، ولم يكن في الأديان السابقة في كل شريعة إلا دين واحد. ففي عصر آدم‏ (عليه السَّلام) كانوا أنبياء عديدة، غير أنهم كانوا يأمرون الناس بالعمل بشريعة آدم‏ (عليه السَّلام) وليس لهم شريعة خاصة، وكذلك في عصر نوح‏ (عليه السَّلام) كانت الشريعة شريعة واحدة وكان الأنبياء في عصره يأمرون الناس بالعمل بشريعة نوح‏ (عليه السَّلام) لا غيره. وكذلك كان في زمان إبراهيم، وموسى وعيسى‏ (عليهم السَّلام) كانوا أنبياء متعدّدين وفي كل عصر من أعصار الأنبياء كانوا يأمرون الناس بالعمل بدين ذلك النبيّ، ولما ظهر دين الإسلام دين محمد بن عبداللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إن اللَّه تبارك وتعالى اختار اثني عشر رجلاً من أهل بيت نبيه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأورثهم علمه وكانوا مقربين عنده وجعلهم نوابه وأولياءه والعلماء الذين ورد في حقهم (العلماء ورثة الأنبياء) هم هؤلاء لا غيرهم. وقوله‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) هؤلاء الاثني عشر وهم المقصودين في الحديث والخبر. والولي الثاني عشر والنائب الثاني عشر كان يسمى المهدي صاحب الزمان. (ثم قال): قال الشيخ سعد الدين الحموي: إن الأولياء في العالم لم يزيدوا على الاثني عشر وأن الثاني عشر منهم هو خاتم الأولياء في الإسلام، وكان يسمى المهدي صاحب الزمان وسائر المقربين أو رجال الغيب لم يسموا بالأولياء بل كانوا يسمون بالأبدال). هذا ما ذكره الشيخ سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص474.
37 ومنهم كما في ينابيع المودة ص561 الشيخ صدر الدين القونوي قدس سره (فإنه قال) في شأن المهدي الموعود  (عليه السَّلام) شعراً:

يقوم بأمر اللَّه في الأرض ظاهراً             على رغم شيطانين بمحق الكفر
يؤيد شرع المصطفى وهو ختمـــــــــــــــــــه              ويمتد من ميم بأحكامها يـــــــــــــــــــدري
ومدته ميقــــــــات موسى وجنــــــــــــــده               خيار الورى في الوقت يخلو عن الحصر
على يده محق اللئـــــــــــــــام جميعــــــــــــــهم              بسيف قويّ المتن علّك أن تـــــــــــــدري
حقيقة ذاك السيف والقائـــــــــــــــم الذي              تعيّن للدين القويــــــــم على الأمـــــــــــــــــــر
لعمري هو الفرد الذي بـــــــــان ســــــــرّه               بكل زمان في مظاء لــــــــــه يســــــــــــري
تسمّى بأسماء المراتــــــــــــــــب كلــــــــــها               خفاءً وإعلاناً كذاك الحشــــــــــــــــــــــــــر
أليس هو النور الأتـــــــــــــــمّ حقيقـــــــــة               ونقطة ميم منه إمدادهــــــــــا يجــــــــــري
يفيض على الأكوان ما قــــــــــد أفاضه               عليه إله العـــــــــــرش في أزل الدهــــــــــــر
فما تمّ إلاّ الميـــــــــــم لا شي‏ء غيــــــــره               وذو العين مـــــــــــن نوابه مفرد العصــــــــــر
هو الروح فأعلمه وخذ عهـــــــده إذا                بلغت إلى مدّ مديد مــــــن العمـــــــــــــــــــر
كأنك بالمذكور تصعــــــــــد راقيــــــــاً                إلى ذروة المجد الأثيل على القــــــــــــــــــدر
وما قدره إلاّ ألــــــــــــوف بحكمـــــــة                على حدّ مرسوم الشريعة بالأمـــــــــــــــــــــر
بذا قال أهل الحلّ والعقــــد فاكتفى                بنصّهم المثبوت في صحف الزبــــــــــــــــــــــر
فإن تبغ ميقات الظهـــــــــــور فإنـــــه                 يكون بدور جامع مطلع الفجـــــــــــــــــــــــــر
بشمس تمدّ الكلّ من ضوء نورها                 وجمع درارى الأوج فيها مع البـــــــــــــــــــدر
وصلّ على المختار من آل هاشم                 محمد المبعوث بالنهي والأمـــــــــــــــــــــــــــــــر
عليه صلاة اللَّه ما لاح بـــــــــــــارق                وما أشرقت شمس الغزالة في الظهـــــــــــــــــــر
وآل وأصحاب أولي الجود والتقى               صلاة وتسليماً يدومان للحشــــــــــــــــــــــــــــــر

38ومنهم الشيخ حسين بن محمّد بن الحسن الدّيار بكري المالكي المتوفى سنة )966ه) فإنه ذكر في كتابه الخميس ج2 ص321، قال: الحادي عشر (من الأئمة): الحسن‏ بن عليّ‏ بن محمّد بن عليّ‏ بن موسى‏ بن جعفر الصادق ويكنى أبا محمّد ويلقّب بالزكي والخالص والسراج وهو مثل أبيه مشهور بالعسكري. أمه أم ولد اسمها سوسن، وقيل غير ذلك. ولد بالمدينة سنة (232هـ) وتوفي في سرّ من رأى في سنة (260هـ) وقبره بجنب أبيه. (ثم قال): الثاني عشر (من الأئمة) محمّد بن الحسن‏ بن عليّ‏ بن محمّد بن عليّ الرضا، يكنّى أبا القاسم ولقبه الإمامية بالحجّة، والقائم، والمهديّ، والمنتظر، وصاحب الزمان، وهو عندهم خاتم الاثني عشر إماماً، وأمه أم ولد اسمها صيقل وقيل سوسن، وقيل نرجس وقيل غير ذلك. ولد في سر من رأى في الثالث والعشرين من رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين (258هـ).
39  ومنهم الشيخ مؤمن بن حسن بن مؤمن الشبلنجي الشافعي المتوفى سنة )1298ه) وله مؤلفات عديدة منها نور الإبصار تعرض فيه لبعض أحوال الخلفاء الأربعة عند أهل السنة. وذكر بعض أحوال الأئمة الاثني عشر  (عليهم السَّلام) من الكرامات وخوارق العادات وغيرها إلى أن قال في ص150 طر مصر سنة (1322هـ): الحسن الخالص بن علي الهادي‏ بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم‏ بن جعفر الصادق‏ بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب (رضي اللَّه عنهم). أمه أم ولد يقال لها حديثة وقيل سوسن وكنيته أبو محمد، وألقابه: الخالص السراج والعسكري. ولد أبو محمّد بالمدينة لثمان خلون من ربيع الآخر سنة (232هـ) إلى أن قال في ص152: وكانت وفاة أبي محمّد الحسن‏ بن عليّ في يوم الجمعة لثمانٍ خلون من شهر ربيع الأول سنة ستين ومائتين (260هـ) وخلّف من الولد ابنه محمّد:
ثم أخذ في ذكر الأصاف الإمام الثاني عشر. وقال: فصل في ذكر مناقب محمّد بن الحسن الخالص‏ بن عليّ الهادي‏ بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم‏ بن جعفر الصادق‏ بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب (رضي اللَّه عنهم)، أمه أم ولد يقال لها نرجس وقيل صيقل وقيل سوسن، وكنيته أبو القاسم ولقّبه الإمامية بالحجّة والمهديّ والخلف الصالح والقائم والمنتظر وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي.
40  الشيخ النسّابة أبو الفوز محمّد أمين البغدادي السويدي صاحب كتاب سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، فإنه ذكر أسماء الأئمة الاثنى عشر وبعض فضائلهم ومناقبهم وذكر الإمام الحسن العسكري في ص77 باب 6، وقال في صفحة 78: في خط الحسن العسكري (محمّد المهديّ وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين وكان مربوع القامة حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف صبيح الجبهة).
وخلاصة القول:

إن الإمام المهدي عجّل اللَّه فرجه الشريف هو ابن الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) بالضرورة القطعية للروايات التي تفوق التواتر عشرات المرات والتي أفادت أنه من أهل البيت ومن ولد الصدّيقة فاطمة وإمام من أئمة العترة الطاهرة وهو الثاني عشر المتولد من أبيه الإمام الحسن العسكري وأمه مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وهي من ذرية شمعون وصي عيسى المسيح‏ (عليه السَّلام) وقصة زواجها من الإمام العسكري معروفة ومدوّنة في كتبنا التاريخية.
هذا مضافاً إلى الإجماع على ولادته‏ (عليه السَّلام) عام 255ه واتصال الشيعة آنذاك به، ومن قبله بأبيه وإرشادهم إليه، وظهور المعجزات على يديه، وتعيينه للسفراء في الغيبة الصغرى، وقضائه للحوائج وإغاثته للملهوف المتوسل به وغيرذلك، كلها قرائن وشواهد نقطع بها على وجوده، وفي المقابل نقطع بعدم صحة الرواية التي تقول: (واسم أبيه اسم أبي) مما يوجب عدم الاعتناء بها إلاّ لمعاند أو متعصب يحطّ من قيمة العلم ويخدش بشهادة التاريخ القطعية بما له من جرأة على إنكار ما ثبت بالأدلة العلمية والشرعية المعتبرة.
وبما تقدم يندفع أيضاً ما ورد من أن الإمام المهديّ من أولاد الصدّيقة فاطمة (عليها السَّلام) لكنه من نسل ولدها الإمام الحسن المجتبى السبط الشهيد، مستدلين على ذلك برواية أبي داود عن أبي إسحاق قال: قال عليٌّ رضي اللَّه عنه ونظر إلى ابنه الحسن فقال: «إن ابني هذا سيّد كما سمّاه النبي وسيخرج من صلبه رجل يسمّى باسم نبيكم يشبهه في الخُلُق ولا يشبهه في الخَلق، يملأ الأرض عدلاً».
ويؤكد عدم صحتها أيضاً  مضافاً لما تقدّم  وجود روايات من العامة تصرّح بأن الإمام المهدي عجّل اللَّه فرجه الشريف من أبناء الإمام الحسين، وعليه تسقط رواية أبي داود من الاعتبار نهائياً، ومن هذه الروايات ما أورده محب الدين الطبري في ذخائر العقبى عن حذيفة أن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي اسمه كإسمي، فقال سلمان من أي ولدك يا رسول اللَّه؟ قال من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين‏ (عليه السَّلام).
وما ورد عن أبي وائل قال: نظر أمير المؤمنين عليّ إلى الحسين فقال: «إن ابني هذا سيّد كما سمّاه رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وسيخرج من صلبه رجل باسم نبيكم يشبهه في الخُلق والخَلق يخرج على حين غفلة من الناس، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».
• نبذة من الأخبار في إمامة الأئمة الأطهار وأسمائهم عليهم السلام:
1  روى أبو الحسن عليّ‏ بن الحسين، قال: حدّثنا أبو محمّد هارون‏ بن موسى التلعكبري رضي اللَّه عنه، قال: حدثنا الحسن‏ بن عليّ‏ بن زكريا العدوي النصري، عن محمّد بن إبراهيم‏ بن المنذر المكي، عن الحسين‏ بن سعيد الهيثم، قال: حدّثني الأجلح الكندي، قال: حدّثني أفلح‏ بن سعيد، عن محمّد بن كعب، عن طاووس اليماني، عن عبدفاللَّه‏ بن العبّاس، قال: دخلت على النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبّلهما ويقول: «اللَّهم والِ من والاهما وعادِ من عاداهما»، ثم قال: يا ابن عبّاس، كأني به وقد خضبت شيبته من دمه، يدعو فلا يجاب ويستنصر فلا يُنصر.
قلت: من يفعل ذلك يا رسول اللَّه؟
قال: شرار أمّتي، ما لهم لا أنالهم اللَّه شفاعتي. ثم قال: يا ابن عبّاس، مَنْ زاره عارفاً بحقّه كتب له ثواب ألف حجّة وألف عمرة، ألا ومن زاره فكأنما زارني، ومن زارني فكأنما زار اللَّه، وحقّ الزائر على اللَّه أنْ لا يعذّبه بالنار، ألا وأنّ الإجابة تحت قبّته، والشفاء في تربته، والأئمة من ولده.
قلت: يا رسول اللَّه فكم الأئمة بعدك؟
قال: بعدد حواري عيسى وأسباط موسى ونقباء بني إسرائيل.
قلت: يا رسول اللَّه فكم كانوا؟
قال: كانوا اثني عشر، والأئمة بعدي اثنا عشر، أوّلهم عليّ‏ بن أبي طالب، وبعده سبطاي الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه عليّ، فإذا انقضى عليّ فابنه محمّد، فإذا انقضى محمّد فابنه جعفر، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى موسى فابنه عليّ، فإذا انقضى عليّ فابنه محمّد، فإذا انقضى محمّد فابنه عليّ، فإذا انقضى عليّ فابنه الحسن، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجّة.
قال ابن عبّاس: قلت يا رسول اللَّه أسامي لم أسمع بهنّ قط.
قال لي: يا ابن عبّاس، هم الأئمة بعدي وإن نُهروا ]في نسخة: قُهروا[، أمناءٌ معصومون نجباء أخيار. يا ابن عبّاس، مَنْ أتى يوم القيامة عارفاً بحقّهم أخذت بيده فأدخلته الجنة. يا ابن عبّاس، من أنكرهم أو ردّ واحداً منهم فكأنما قد أنكرني وردّني، ومن أنكرني وردّني فكأنما أنكر اللَّه وردّه. يا ابن عبّاس، سوف يأخذ الناس يميناً وشمالاً، فإذا كان كذلك فاتّبع عليّاً وحزبه، فإنه مع الحقّ والحق معه، ولا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض. يا ابن عباس، ولايتهم ولايتي، وولايتي ولاية اللَّه، وحربهم حربي، وحربي حرب اللَّه، وسلمهم سلمي، وسلمي سلم اللَّه.
ثم قال‏ (عليه السَّلام): يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.
2  القاضي أبو الفرج المعافا بن زكريا البغدادي، قال: حدّثني محمّد بن همام‏ بن سهيل الكاتب، قال: حدثني محمّد بن معافا السلماسي عن محمّد بن عامر، قال: حدّثنا عبدفاللَّه‏ بن زاهر عن عبد العدوس [القدوس] عن الأعمش عن حبش [حنش] بن المعتمر قال:
قال أبو ذر الغفاري رحمة اللَّه عليه: دخلت على رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في مرضه الذي توفي فيه، فقال: يا أبا ذر آتني بإبنتي فاطمة.
قال: فقمت ودخلت عليها وقلت: يا سيدة النسوان أجيبي أباك، قال: فلبست جلبابها وخرجت حتى دخلت على رسول اللَّه، فلما رأت رسول اللَّه انكبت عليه وبكت وبكى رسول اللَّه لبكائها وضمها إليه، ثم قال: يا فاطمة لا تبكين فداك أبوك، فأنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة، وسوف يظهر بعدي حسيكة النفاق ويسمل جلباب الدين، وأنت أول من يرد عليّ الحوض.
قالت: يا ابه أين ألقاك؟ قال: تلقيني عند الحوض وأنا أسقي شيعتك ومحبيك وأطرد أعداءك ومبغضيك، قالت: يا رسول اللَّه فإن لم ألقك عند الحوض؟ قال: تلقيني عند الميزان، قالت: يا ابه وإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: تلقيني عند الصراط وأنا أقول: سلّم سلّم شيعة عليّ.
قال أبو ذر: فسكن قلبها، ثم التفت إليّ رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فقال: يا أبا ذر إنها بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني، ألا إنها سيّدة نساء العالمين، وبعلها سيّد الوصيين، وابنيها الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة، وأنهما إمامان إن قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما، وسوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون قوامون بالقسط، ومنا مهديّ هذه الأمة.
قال: قلت يا رسول اللَّه فكم الأئمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل.
3  محمّد بن عبد اللَّه بن المطلب وأبو عبدفاللَّه محمّد بن أحمد بن عبدفاللَّه‏ بن الحسن‏ بن عباس الجوهري جميعاً قالا: حدّثنا محمّد بن لاحق اليماني، عن إدريس‏ بن زياد قال: حدثنا إسرائيل‏ بن يونس‏ بن أبي إسحاق السبيعي عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن سلمان الفارسي رضي اللَّه عنه قال:
خطبنا رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فقال: معاشر الناس إني راحل عن قريب ومنطلق إلى المغيب، أوصيكم في عترتي خيراً، وإياكم والبدع فإن كل بدعة ضلالة والضلالة وأهلها في النار، معاشر الناس من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين، فإذا فقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة بعدي، أقول قولي هذا وأستغفر اللَّه لي ولكم.
قال: فلما نزل عن المنبر (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) تبعته حتى دخل بيت عائشة، فدخلت إليه وقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه سمعتك تقول: «إذا افتقدتم الشمس فتمسكوا بالقمر، وإذا افتقدتم القمر فتمسكوا بالفرقدين، وإذا افتقدتم الفرقدين فتمسكوا بالنجوم الزاهرة» فما الشمس وما القمر وما الفرقدان وما النجوم الزاهرة؟
فقال: أنا الشمس وعليّ القمر والحسن والحسين الفرقدان، فإذا افتقدتموني فتمسكوا بعليّ بعدي، وإذا افتقدتموه فتمسكوا بالحسن والحسين، وأما النجوم الزاهرة فهم الأئمة التسعة من صلب الحسين، تاسعهم مهديهم.
ثم قال‏ (عليه السَّلام): إنهم هم الأوصياء والخلفاء بعدي، أئمة أبرار، عدد أسباط يعقوب وحواري عيسى، قلت: فسمهم لي يا رسول اللَّه؟
قال: أولهم عليّ‏ بن أبي طالب، وبعده سبطاي، وبعدهما عليّ زين العابدين، وبعده محمّد بن عليّ الباقر علم النبيين، والصادق جعفر بن محمّد وابنه الكاظم سمي موسى‏ بن عمران، والذي يقتل بأرض الغربة ابنه عليّ، ثم ابنه محمّد، والصادقان عليّ والحسن، والحجّة القائم المنتظر في غيبته، فإنهم عترتي من دمي ولحمي، علمهم علمي وحكمهم حكمي، من آذاني فيهم فلا أناله اللَّه شفاعتي.
4  سعيد بن عبد اللَّه قال: حدّثنا يعقوب‏ بن يزيد عن حماد بن عثمان‏ بن عيسى، عن عبدفاللَّه‏ بن مسكان، عن أبان‏ بن خلف عن سليم‏ بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول اللَّه وإذا بالحسين على فخذه وهو يقبّل جبينه ويلثم فاه ويقول: أنت سيّد ابن السيّد، أنت إمام ابن إمام أبو الأئمة، أنت حجّة أبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم.
5  عن أبي القاسم جعفر بن محمّد، عن محمّد بن يعقوب، عن محمّد بن يحيى عن محمّد بن الحسين عن ابن محبوب عن أبي الجارود عن أبي جعفر محمّد بن علي‏ (عليه السَّلام) عن جابر بن عبدفاللَّه الأنصاري قال: دخلت على فاطمة بنت رسول اللَّه‏ (عليه السَّلام) وبين يديها لوحٌ فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها، فعدّدت اثني عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليٌّ.
6  وعن أبي القاسم، عن محمّد بن يعقوب، عن أبي علي الأشعري عن الحسن‏ بن عبيدفاللَّه عن الحسن‏ بن موسى الخشاب، عن عليّ‏ بن سماعة، عن عليّ‏ بن الحسن  بن رباط عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السَّلام) يقول: الاثنا عشر الأئمة من آل محمّد كلُّهم محدَّثٌ، عليّ‏ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول اللَّه وعليٌّ هما الوالدان، صلّى اللَّه عليهما.
7  وعن محمّد بن يعقوب، عن عليّ‏ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ‏ بن بلال قال: خرج إليّ أمرُ أبي محمّد الحسن‏ بن عليّ العسكري‏ (عليه السَّلام) قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثم خرج إليّ من قبل مضيّه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده.
8  عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن إسحاق عن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمّد الحسن‏ بن عليّ‏ (عليه السَّلام): جلالتُك تمنعني عن مسألتك فتأذن لي أن أسألك؟
فقال: «سل» قلت: يا سيّدي، هل لك ولدٌ؟ قال) «نعم» قلت: إن حدَثَ حدثٌ فأين أسأل عنه؟ قال: «بالمدينة».
9  وعن حمدان القلانسي عن العمري قال: مضى أبو محمّد (عليه السَّلام) وخلّف ولداً له.
10  وعن الحسين بن محمد، عن معلّى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عبدفاللَّه قال: خرج عن أبي محمد (عليه السَّلام) حين قُتل الزبيري لعنه اللَّه: «هذا جزاءُ من اجترأ على اللَّه تعالى في أوليائه، زعم أنه يقتلني وليس لي عقبٌ، فكيف رأى قدرة اللَّه فيه» قال محمّد بن عبدفاللَّه: ووُلد له ولدٌ؟.
وقد تظافرت النصوص على ولادة القائم صاحب الزمان حجّة اللَّه ابن الحسن‏ بن عليّ‏ بن محمّد بن عليّ‏ بن موسى‏ بن جعفر بن محمّد بن عليّ‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليهم أجمعين، منها ما رواه الشيخ الصدوق عليه الرحمة:
1  عن محمّد بن الحسن بن الوليد عن محمّد بن يحيى العطّار عن أبي عبدفاللَّه الحسين‏ بن رزق اللَّه عن موسى‏ بن محمّد بن القاسم‏ بن حمزة بن موسى‏ بن جعفر بن محمّد بن عليّ‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب عليهم السلام قال: حدثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ‏ بن موسى‏ بن جعفر بن محمّد بن عليّ‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب قالت: بعث إليّ أبو محمّد الحسن‏ بن علي‏ (عليه السَّلام) فقال: يا عمّة اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا فإنها ليلة النصف من شعبان، فإن اللَّه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حجته في أرضه، قالت: فقلت له: ومَن أمّه؟ قال لي: نرجس، قلت له: جعلني اللَّه فداك ما بها أثر؟ فقال: هو ما أقول لك، قالت: فجئت، فلما سلّمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيّدتي [وسيدة أهلي] كيف أمسيت؟ فقلت: بل أنت سيّدتي وسيدة أهلي، قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا عمّة؟ قالت: فقلت لها: يا بنيّة إن اللَّه تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحيت.
فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي فرقدت، فلمّا أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغت من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث ثم جلست معقبة، ثم اضطجعت ثم انتبهت فزعة وهي راقدة، ثم قامت فصلّت ونامت.
قالت حكيمة: وخرجت أتفقّد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد (عليه السَّلام) من المجلس فقال: لا تعجلي يا عمّة فهاك الأمر قد قرب، قالت: فجلست وقرأت ألم السجدة وياسين، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبت إليها فقلت: اسم اللَّه عليك، ثم قلت لها: أتحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيدي فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به‏ (عليه السَّلام) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده، فضممته إليّ فإذا أنا به نظيفٌ متنظفٌ فصاح بي أبو محمد (عليه السَّلام): هلمّي إليّ ابني يا عمة، فجئت به إليه فوضع يديه تحت إليتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثم أدلى لسانه في فيه وأمرَّ يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثم قال: تكلّم يا بني، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، ثم صلّى على أمير المؤمنين وعلى الأئمة (عليهم السَّلام) إلى أنْ وقف على أبيه ثم أحجم.
ثم قال أبو محمّد (عليه السَّلام): يا عمّة اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها وائتني به، فذهبت به فسلّم عليها ورددته فوضعته في المجلس ثم قال: يا عمّة إذا كان يوم السابع فائتينا. قالت حكيمة: فلما أصبحت جئت لأسلّم على أبي محمّد (عليه السَّلام) وكشفت الستر لأتفقّد سيّدي‏ (عليه السَّلام) فلم أره، فقلت: جعلت فداك ما فعل سيّدي؟ قال: يا عمّة استودعناه الذي استودعته أمّ موسى‏ (عليه السَّلام).
قالت حكيمة: فلمّا كان في اليوم السابع جئت فسلّمت وجلست فقال: هلمّي إليّ ابني، فجئت بسيّدي‏ (عليه السَّلام) وهو في الخرقة ففعل به كفعلته الأولى، ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذّيه لبناً أو عسلاً، ثم قال: تكلّم يا بنيّ، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللَّه وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمة الطاهرين صلوات اللَّه عليهم أجمعين حتى وقف على أبيه‏ (عليه السَّلام)، ثم تلا هذه الآية: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم ما كَانُوا يَحْذَرُونَ. قال موسى: فسألت عقبة الخادم عن هذه، فقال: صدقت حكيمة.
2  عن محمّد بن عبد اللَّه الطهوي قال: قصدت حكيمة بنت محمّد (عليه السَّلام) بعد مضي أبي محمّد (عليه السَّلام) أسألها عن الحجّة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها، فقالت لي: اجلس فجلست، ثم قالت: يا محمّد إن اللَّه تبارك وتعالى لا يخلّي الأرض من حجّة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين‏ (عليه السَّلام) تفضيلاً للحسن والحسين وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما إلاّ أن اللَّه تبارك وتعالى خصّ ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن‏ (عليه السَّلام) كما خصّ ولد هارون على ولد موسى‏ (عليه السَّلام) وإن كان موسى حجةً على هارون، والفضل لولده إلى يوم القيامة، ولا بدّ للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون، كيلا يكون للخلق على اللَّه حجّة، وأن الحيرة لا بدّ واقعة بعد مضي أبي محمّد الحسن‏ (عليه السَّلام)، فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن‏ (عليه السَّلام) ولد؟ فتبسمت ثم قالت: إذا لم يكن للحسن‏ (عليه السَّلام) عقب فمن الحجّة من بعده وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين‏ (عليه السَّلام)، فقلت: يا سيّدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته‏ (عليه السَّلام) قالت: نعم كانت لي جارية يقال لها: نرجس، فزارني ابن أخي فأقبل يحدّق النظر إليها، فقلت له: لعلّك هويتها فأُرسلها لك؟ فقال لها: لا يا عمّة ولكني أتعجب منها، فقلت: وما أعجبك منها؟ فقال‏ (عليه السَّلام): سيخرج منها ولد كريم على اللَّه عزّ وجلّ الذي يملأ اللَّه به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقلت: فأُرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال: استأذني في ذلك أبي‏ (عليه السَّلام) قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن‏ (عليه السَّلام) فسلّمت عليه وجلست فبدأني‏ (عليه السَّلام) وقال: يا حكيمة ابعثي نرجس إلى ابني أبي محمّد، قالت: فقلت يا سيّدي، على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك، فقال لي: يا مباركة إن اللَّه تبارك وتعالى أحبَّ أنْ يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً. قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيّنتها ووهبتها لأبي محمّد (عليه السَّلام)، وجمعت بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أياماً ثم مضى إلى والده‏ (عليه السَّلام) ووجّهت بها معه.
قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن‏ (عليه السَّلام) وجلس أبو محمّد (عليه السَّلام) مكان والده، وكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفّي فقالت: يا مولاتي ناوليني خفّكِ، فقلت: بل أنتِ سيّدتي ومولاتي واللَّه لا أدفع إليك خفّي لتخلعيه ولا لتخدميني بل أخدمكِ على بصري. فسمع أبو محمد (عليه السَّلام) ذلك فقال: جزاك اللَّه يا عمّة خيراً، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف، فقال‏ (عليه السَّلام): لا يا عمّة بيتي الليلة عندنا فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على اللَّه عزّ وجلّ الذي يحيي اللَّه عزّ وجلّ به الأرض بعد موتها، فقلت: ممّن يا سيدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل؟ فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أرَ لها أثر حبل، فعدت إليه‏ (عليه السَّلام) فأخبرته بما فعلت فتبسّم ثم قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لأن مثلها مثل أمّ موسى‏ (عليه السَّلام) لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشقّ بطون الحبالى في طلب موسى‏ (عليه السَّلام) وهذا نظير موسى.
قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا، قالت حكيمة: فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لا تقلب جنباً إلى جنب حتى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة، فضممتها إلى صدري وسمّيت عليها فصاح [إليّ] أبو محمّد وقال: اقرئي عليها (إنا أنزلناه في ليلة القدر) فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها: ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر الذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلَّم عليّ.
قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمّد (عليه السَّلام): لا تعجبي من أمر اللَّه عزّ وجلّ، إنّ اللَّه تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً، ويجعلنا حجّة في أرضه كباراً فلم يستتم الكلام حتى غيبت عنّي نرجس فلم أرها كأنه ضرب بين وبينها حجاب فعدوت نحو أبي محمّد (عليه السَّلام) وأنا صارخة، فقال لي: ارجعي يا عمّة فإنّك ستجديها في مكانها.
قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري وإذا أنا بالصبيّ‏ (عليه السَّلام) ساجداً لوجهه [على وجهه]، جاثياً على ركبتيه، رافعاً سبّابتيه، وهو يقول: «أشهد أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ جدّي محمّداً رسول اللَّه وأنّ أبي أمير المؤمنين» ثم عدّ إماماً إماماً إلى أنْ بلغ إلى نفسه، ثم قال: «اللَّهم أنجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري وثبّت وطأتي، واملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً».
فصاح بي أبو محمّد (عليه السَّلام) فقال: يا عمّة تناوليه وهاتيه، فتناولته وأتيت به نحوه، فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي سلّم على أبيه فتناوله الحسن‏ (عليه السَّلام) مني والطير ترفرف على رأسه وناوله لسانه فشرب منه، ثم قال: امضي به إلى أمّه لترضعه وردّيه إليّ، قالت: فتناولته أمه فأرضعته، فرددته إلى أبي محمّد (عليه السَّلام) والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له: احمله واحفظه وردّه إلينا في كل أربعين يوماً، فتناوله الطير وطار به في جوّ السماء واتبعه سائر الطير، فسمعت أبا محمَّد (عليه السَّلام) يقول: «أستودعك اللَّه الذي أودعته أمّ موسى موسى» فبكت نرجس فقال لها: اسكتي فإنّ الرضاع محرّم عليه إلاّ من ثديك وسيعاد إليك كما رُدّ موسى إلى أمّه وذلك قول اللَّه عزّ وجلّ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ.
قالت حكيمة: فقلت: وما هذا الطير؟ قال: هذا روح القدس الموكّل بالأئمة (عليهم السَّلام) يوفّقهم ويسدّدهم ويربّيهم [يزينهم] بالعلم. قالت حكيمة: فلمّا كان بعد أربعين يوماً ردّ الغلام ووجّه إليَّ ابن أخي‏ (عليه السَّلام) فدعاني، فدخلت عليه فإذا أنا بالصبيّ متحرّك يمشي بين يديه، فقلت: يا سيدي هذا ابن سنتين؟! فتبسّم‏ (عليه السَّلام) ثم قال: إنّ أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشؤ غيرهم، وإنّ الصبيّ منا إذا كان أتى عليه شهرٌ كان كمن أتى عليه سنة، وإنّ الصبيّ منّا ليتكلم في بطن أمّه ويقرأ القرآن ويعبد ربّه عزّ وجلّ وعند الرّضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحاً ومساءاً.
قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبيّ في كلّ أربعين يوماً إلى أنْ رأيته رّجِلاً قبل مضي أبي محمّد (عليه السَّلام) بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي‏ (عليه السَّلام): من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس، وهذا خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي.
قالت حكيمة: فمضى أبو محمّد (عليه السَّلام) بعد ذلك بأيام قلائل، وافترق الناس كما ترى وواللَّه إني لأراه صباحاً ومساءً وإنه لينبئني عمّا تسألون عنه فأخبركم، وواللَّه إني لأريد أن أسأله عن الشي‏ء فيبدأني به وأنه ليرد عليّ الأمر فيخرج إليّ منه جوابه من ساعته من غير مسألتي، وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ وأمرني أن أخبرك بالحق..».
3  عن إبراهيم بن محمّد بن عبدفاللَّه‏ بن موسى‏ بن جعفر (عليه السَّلام)، عن السيّاري قال: حدّثتني نسيم ومارية قالتا: إنه لمّا سقط صاحب الزمان‏ (عليه السَّلام) من بطن أمه جاثياً على ركبتيه رافعاً سبّابتيه إلى السماء، ثم عطس فقال: الحمد للَّه ربّ العالمين وصلّى اللَّه على محمّد وآله، زعمت الظّلمة أنّ حجّة اللَّه داحضة، لو أذن لنا في الكلام لزال الشكُّ.
قال إبراهيم بن محمّد بن عبد اللَّه: وحدّثتني نسيم خادمة أبي محمّد (عليه السَّلام) قالت: قال لي صاحب الزمان‏ (عليه السَّلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة، فعطست عنده فقال لي: يرحمك اللَّه، قالت: ففرحت بذلك، فقال لي‏ (عليه السَّلام): ألا أبشّرك في العطاس، فقلت: بلى يا مولاي، فقال؛ هو أمان من الموت ثلاثة أيام.
4  عن أبي عليّ الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عليه السَّلام) فلمّا أغار جعفر الكذّاب على الدار جاءته فارّةً من جعفر فتزوّج بها. قال أبو عليّ: فحدّثتني أنها حضرت ولادة السيّد (عليه السَّلام) وأنّ اسم أمّ السيّد صقيل، وأنّ أبا محمّد (عليه السَّلام) حدّثها بما يجري على عياله، فسألته أنْ يدعو اللَّه عزّ وجلّ لها أنْ يجعل منيّتها قبله، فماتت في حياة أبي محمّد (عليه السَّلام) وعلى قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر أمّ محمّد. قال أبو عليّ: وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لمّا ولد السيّد (عليه السَّلام) رأت لها نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثم تطير، فأخبرنا أبا محمّد (عليه السَّلام) بذلك فضحك، ثم قال: تلك ملائكة نزلت للتبرّك بهذا المولود وهي أنصاره إذا خرج.
5  وعن محمّد بن أحمد العلويّ، عن أبي غانم الخادم قال: وُلد لأبي محمّد (عليه السَّلام) ولدٌ فسمّاه محمّداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث وقال: هذا صاحبكم من بعدي، وخليفتني عليكم، وهو القائم الذي تمتدُّ إليه الأعناق بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلاً.
6  وعن أبي عبد اللَّه محمّد بن خليلان قال: حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه عن غياث‏ بن أسيد قال: ولد الخلف المهديّ‏ (عليه السَّلام) يوم الجمعة، وأمُّه ريحانة، ويقال لها: نرجس، ويقال: صقيل، ويقال: سوسن إلاّ أنه قيل: لسبب الحمل صقيل، وكان مولده‏ (عليه السَّلام) لثمان ليال خلون من شعبان سنة ستّ وخمسين ومائتين، ووكيله عثمان‏ بن سعيد، فلمّا مات عثمان أوصى ابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان، وأوصى أبو جعفر إلى أبي القاسم الحسين‏ بن روح، وأوصى أبو القاسم إلى أبي الحسن عليّ‏ بن محمّد السمريّ رضي اللَّه عنهم، قال: فلمّا حضرت السمريّ الوفاة، سُئل أن يوصي فقال: للَّه أمر هو بالغه، فالغيبة التامة هي التي وقعت بعد مضي السمريّ رضي اللَّه عنه.
وهكذا رآه بعض أصحاب الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) في حياة أبيه.
هذا طرف يسير مما جاء في النصوص على ميلاد الإمام المهديّ عجّل اللَّه فرجه الشريف، والروايات في ذلك كثيرة قد دوّنها أصحاب الحديث من هذه العصابة المرحومة وأثبتوها في كتبهم فتراجع، وهكذا النصوص التي دلت على من شاهد القائم المهديّ‏ (عليه السَّلام) ورآه وكلّمه، يجدها مبثوثة في كتبنا بكثرة تفوق التواتر بعشرات المرات. وأما كتب المخالفين فليس فيها شي‏ء مما ذكرته مصادرنا بخصوص ولادة مولانا الحجّة المنتظر (عليه السَّلام) سوى ما ذكره بعض علمائهم وقد تقدّمت أسماؤهم، وسوى ما رواه ثلة منهم أمثال الحمويني الشافعي وابن الصبّاغ المالكي والقندوزي الحنفي.
• فقد روى الحمويني بسنده عن عبد اللَّه بن عبّاس قال:
قال رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): إن خلفائي وأوصيائي وحجج اللَّه على الخلق بعدي لإثنا عشر، أوّلهم أخي وآخرهم ولدي. قيل: يا رسول اللَّه ومن أخوك؟ قال: عليّ‏ بن أبي طالب، قيل: فمن ولدك؟ قال: المهديّ الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً.
والذي بعثني بالحق بشيراً لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللَّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهديّ، فينزل روح اللَّه عيسى‏ بن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.
وروي بسند آخر متصل بعبد اللَّه بن عبّاس قال: سمعت رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون.
وعن ابن عبّاس أيضاً قال: قال رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): أنا سيّد المرسلين، وعليّ‏ بن أبي طالب سيّد الوصيين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم عليّ‏ بن أبي طالب، وآخرهم القائم.
• وروى ابن الصبّاغ المالكي عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السَّلام) يقول: الأئمة الاثنا عشر كلّهم من آل محمّد: عليّ‏ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده ثم قال: «وأما النص على إمامته من جهة أبيه فروى محمّد بن عليّ‏ بن بلال قال: خرج إليّ أمر أبي محمّد الحسن‏ بن عليّ العسكري قبل مضيّه بسنين يخبرني بالخلف من بعده ثم خرج إليّ قبل مضيّه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف بأنه ابنه من بعده.
وعن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمّد الحسن‏ بن عليّ جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: سل، فقلت: يا سيّدي هل لك ولدٌ؟ قال: نعم، قلت: فإن حدث حادث فأين أسأل عنه؟ قال: بالمدينة.
ثم أضاف: وُلد أبو القاسم محمّد الحجّة ابن الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة، وأما نسبه أباً وأماً فهو أبو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص‏ بن عليّ الهادي‏ بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم‏ بن جعفر الصادق‏ بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب صلوات اللَّه عليهم أجمعين، وأما أمّه فأمّ ولد يقال لها نرجس خير أمة..».
• وروى القندوزي الحنفي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة وهو آخر من مات من الصحابة بالاتفاق عن عليّ رضي اللَّه عنه قال:
قال رسول اللَّه: يا عليّ أنت وصيّي حربك حربي وسلمك سلمي وأنت الإمام وأبو الأئمة الأحد عشر الذين هم المطهّرون المعصومون ومنهم المهديّ الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فويل لمبغضهم، يا عليّ لو أن رجلاً أحبّك وأولادك في اللَّه لحشره اللَّه معك ومع أولادك وأنتم معي في الدرجات العلى، وأنت قسيم الجنّة والنار، تدخل محبيك الجنّة ومبغضيك النار.
وروى القندوزي أيضاً عن الحمويني في فرائد السمطين بسنده عن مجاهد عن ابن عبّاس قال: قدم يهودي يقال له نعثل، فقال: يا محمّد أسألك عن أشياء تلجلج في صدري منذ حين فإن أجبتني عنها أسلمت على يديك؟ قال: سل يا أبا عمارة فقال: يا محمّد صف لي ربّك؟ فقال‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه وكيف يوصف الخالق الذي تعجز العقول أن تدركه والأوهام أن تناله والخطرات أن تجده والأبصار أن تحيط به جلّ وعلا عمّا يصفه الواصفون نائي في قربه وقريب في نأيه هو كيّف الكيف وأيّن الأين، فلا يقال أين هو، منقطع الكيفية والأينونية فهو الأحد الصمد كما وصف نفسه والواصفون لا يبلغون نعته لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، قال: صدقت يا محمّد فاخبرني عن قولك أنه واحد لا شبيه له أليس الإله واحد والإنسان واحد، فقال‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): عزّ وعلا واحد حقيقي أحديّ المعنى أي لا جزء ولا تركيب له والإنسان واحد ثنائي مركب من روح وبدن! قال: صدقت، فأخبرني عن وصيّك من هو؟ فما من نبيّ إلا وله وصيّ وأن نبينا موسى‏ بن عمران أوصى إلى يوشع‏ بن نون، فقال: إن وصيي عليّ‏ بن أبي طالب وبعده سبطاي الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمة من صلب الحسين، قال: يا محمّد فسمّهم لي، قال: إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهديّ، فهؤلاء إثنا عشر...».
والروايات بهذا المعنى من طرق العامة كثيرة تدل على أن الأئمة اثنا عشر وأنهم خلفاؤه، وأنه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لم يرد بذكره الاثني عشر خليفة إلاّ الأئمة من ذرية ابنته الصدّيقة سيّدة النساء فاطمة روحي فداها. وإليك أخي القارى‏ء قسماً منها:
1  ما رواه البخاري في الجزء الرابع من كتاب الأحكام في باب جعله قبل باب إخراج الخصوم وأهل الريب، قال: حدّثني محمد بن المثنى، حدّثنا غندر، حدّثنا شعبة عن عبد الملك قال: سمعت جابر بن سمرة قال: سمعت النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: يكون إثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها، فقال أبي: إنه قال كلّهم من قريش.
2  روى الترمذي في صحيحه: باب ما جاء في الخلفاء. قال: حدّثنا أبو كريب عن عمر بن عبيد عن سمّاك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: قال رسول اللَّه: يكون من بعدي اثنا عشر أميراً ثم تكلّم بشي‏ء لم أفهمه، فسألت الذي يليني فقال: قال: كلّهم من قريش. (قال الترمذي): هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر بن سمرة.. الخ وذكر نفس الحديث.
3  وروى مسلم في كتاب الإمارة من الصحيح، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش، عن قتيبة بن سعيد، حدّثنا جرير عن حصين عن جابر بن سمرة قال: قال سمعت النبيّ يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، قال: ثم تكلم بكلام خفى عليَّ، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: كلّهم من قريش.
4  وروى مسلم أيضاً في كتاب الامارة عن ابن أبي عمر قال: حدّثنا عن سفيان‏ بن عبد الملك‏ بن عمير عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليّهم اثنا عشر رجلاً ثم تكلّم النبيّ بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي ماذا قال رسول اللَّه؟ فقال: كلّهم من قريش.
5  وعنه أيضاً عن هداب بن خالد الأزدي عن حمّاد بن مسلمة عن سمّاك‏ بن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة يقول: سمعت رسول اللَّه يقول: لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة، ثم قال كلمة لم أفهمها، فقلت لأبي ما قال؟ فقال: كلّهم من قريش.
6  وروى أحمد بن حنبل عن عبد اللَّه عن أبيه ثنا (ثنا: أي حدّثنا) مؤمل‏ بن إسماعيل ثنا حمّاد بن سلمة ثنا داود بن هند عن الشعبي عن جابر بن سمرة قال: سمعت النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) يقول: يكون لهذه الأمة إثنا عشر خليفة.
7  وروى أحمد أيضاً في المسند عن الشعبي عن مسروق قال: كنّا جلوساً عند عبدفاللَّه‏ بن مسعود وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمان هل سألتم رسول اللَّه كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبدفاللَّه‏ بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال: نعم، ولقد سألنا رسول اللَّه فقال: اثنى عشر كعدّة نقباء بني إسرائيل.
8  وروى أبو داود في السنن عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول اللَّه يقول: لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلُّهم تجتمع عليه الأمة، فسمعت كلاماً من النبيّ لم أفهمه، قلت لأبي ما يقول؟ قال: كلّهم من قريش.
9  روى القندوزي عن جابر بن سمرة ثم ساق الحديث إلى أن قال: كلهم من بني هاشم.
والأخبار بهذا المعنى في مصادرنا فوق حد التواتر فلتراجع.
وبهذا الحديث المتقدّم بضميمة القرائن من الآيات  كآية التطهير والإطاعة والبلاغ والإكمال والولاية ونظائرها  والراويات (كحديث الثّقلين المشهور المقطوع الصدور وحديث السفينة وغيرهما) نقطع بأن هذ الأحاديث لا تنطبق إلاّ على دين الإمامية فإن بعضها يدل على أن الإسلام لا ينقرض ولا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة، وبعضها يدل على أن عزة الإسلام إنما تكون إلى اثني عشر خليفة، وبعضها يدل على بقاء الدين إلى أن تقوم الساعة، وأن وجود الأئمة مستمر إلى آخر الدهر، وبعضها يدل على أن الاثني عشر كلّهم من قريش، وفي بعضها كلّهم من بني هاشم.
وظاهرها جميعاً حصر الخلفاء في الاثني عشر وتواليهم، ومعلوم أن تلك الخصوصيات لم توجد إلاّ في الأئمة الاثني عشر المعروفين عند الفريقين، ولا توافق مذهباً من مذاهب فرق المسلمين إلاّ مذهب الإمامية، وينبغي أن يعدّ ذلك من جملة معاجز النبيّ وأخباره عن المغيبات.
ذكر القندوزي في ينابيع المودة نقلاً عن بعض المحقّقين قوله:
«إن الأحاديث الدالة على كون الخلفاء بعده‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أن مراد رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) من حديثه هذا الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه لقلتهم عن اثني عشر ولا يمكن أن يحمله على الملوك الأموية لزيادتهم على اثني عشر ولظلمهم الفاحش إلاّ عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم لأن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: كلّهم من بني هاشم في رواية عبد الملك عن جابر وإخفاء صوته‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في هذا القول يرجح هذه الرواية لأنهم لا يحسنون خلافة بني هاشم ولا يمكن أن يحمله على الملوك العبّاسية لزيادتهم على العدد المذكور ولقلة رعايتهم، الآية (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) وحديث الكساء فلا بدّ من أن يحمل هذا الحديث على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته وعترته‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لأنهم كانوا أعلم أهل زمانهم وأجلّهم وأورعهم وأتقاهم وأعلاهم نسباً وأفضلهم حسباً وأكرمهم عند اللَّه، وكان علومهم عن آبائهم متصلاً بجدهم‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وبالوراثة واللدنية، كذا عرفهم أهل العلم والتحقيق وأهل الكشف والتوفيق، ويؤيد هذا المعنى أي أن مراد النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) الأئمة الاثني عشر من أهل بيته ويشهده ويرجّحه حديث الثقلين والأحاديث المتكررة المذكورة في هذا الكتاب وغيرها، وأما قوله‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): كلّهم يجتمع عليه الأمة، في رواية عن جابر بن سمرة فمراده‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أن الأمة تجتمع على الإقرار بإمامة كلهم وقت ظهور قائمهم المهديّ رضي اللَّه عنهم».
وفي نهج البلاغة من خطبة الإمام علي «كرّم اللَّه وجهه»: (أينَ الذين زعموا أنَّهم الراسخون في العلم دونَنَا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا اللَّه ووضعهم وأعطانا وحرَمَهم وأدخلنا وأخرجهم، بنا يُستعطى الهُدى وبنا يُستجلى العمى، إن الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم) (وأنه سيأتي عليكم مِنْ بعدي زمانٌ ليس فيه شي‏ءٌ أخفى من الحقّ ولا أظهر من الباطل ولا أكثر من الكذب على اللَّه ورسوله وليس عند أهل ذلك الزمان سِلعةٌ أبور من الكتاب إذا تُلي حقّ تلاوته، ولا أنفق منه إذا حُرّفَ عن مواضعه ولا في البلاد شي‏ءٌ أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر) (واعلموا أنكم لن تعرفوا الرّشد حتى تعرفوا الذي تركه، ولن تأخذوا بميثاق الكتاب حتى تعرفوا الذي نقضه، ولن تمسّكوا به حتى تعرفوا الذي نبذه، فالتمسوا ذلك من عند أهله فإنهم عيشُ العلم وموتُ الجهل، هم الذين يُخبركم حكمُهم عن علمهم وصمتُهم عن منطقهم وظاهرُهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه فهو بينهم شاهد صدق وصامت ناطق).
وبما تقدّم يندفع ما قيل من المراد من الاثني عشر الوارد في الحديث هو حكم خلفاء بني أميّة وبني العبّاس بعد حكم بعض الصحابة. من هنا التجأ أناسٌ من أهل التعصب والعناد من الذين يعدّون أنفسهم في زمرة العلماء إلى ارتكاب تأويلات باردة وإبداء احتمالات ضعيفة كي يصرفوا هذه الأحاديث عن ظواهرها الواضحة المؤيّدة بغيرها من النصوص المتواترة، وإليك بعضاً منها:
التأويل الأول:
إنّ قوله‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اثنا عشر إشارة إلى ما بعد الصحابة من خلفاء بني أميّة وليس على المدح بل على استقامة السلطنة.
جوابه:
إذا كان هذا مراده فأية فائدة في الإخبار عن ذلك، ومن أين علم صاحب التأويل المتقدّم بأن مرادة (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) الإخبار بإمارة اثني عشر من بني أميّة وبني العبّاس، ومن أين علم أيضاً أنه إشارة إلى من بعد الصحابة؟ فلِمَ لم يقل (يكون بعد الصحابة)؟ وقال (يكون بعدي) وإذا وصل الأمر إلى اقتراح مثل هذا الاحتمال لصرف الكلام عن ظاهره حذراً عن إثبات مذهب أهل الحق فلا اختصاص حينئذٍ لكثرة الاحتمالات الطارئة، فيحتمل أن يكون إشارة إلى من بعد عبد الملك وكان مراده (من بعدي) بعد عبد الملك ويحتمل أن يكون إشارة إلى من بعد هشام، ويحتمل أن يكون ستة منهم من بعد يزيد بن عبد الملك وستة منهم من بني العبّاس، ويحتمل أن يكون المراد بعد بني أميّة، كما يحتمل أن يكون إشارة إلى من بعد السفّاح أو المنصور أو غيرهما من بني العباس، ويكون بعضهم من الأمويين الذين ملكوا الأندلس، وبعضهم من الفاطميين الذين حكموا مصر، إذ لا مرجّح للاحتمال الأول على واحد من هذه الاحتمالات. هذا مضافاً إلى أنه كيف يكون الحديث صادراً على غير سبيل المدح مع ما في بعض طرقه من العبارات الصريحة في المدح، وكيف يصح تنزيل هؤلاء الجبابرة الفجرة منزلة نقباء بني إسرائيل وحواري عيس في هذه الروايات الكثيرة، مع دلالة هذه الروايات على انحصار الخلفاء في الاثني عشر.
التأويل الثاني:
المراد من الاثني عشر خليفة هم الذين يأتون بعد وفاة الحجّة المهديّ المنتظر (عليه السَّلام).

يرد عليه:
(1)  إنّ هذا مخالف لبعض هذه الأحاديث مثل قوله (بعدي اثنا عشر خليفة) وقوله (لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً، ولا يزال أمر الناس ماضياً) مما يدل على اتصال زمانهم بزمان النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) واستمرار وجودهم إلى آخر الدهر وانحصار الخلفاء فيهم كما صرّح به في رواية ابن مسعود المتقدّمة.
(2) إن القرائن المنفصلة والمتصلة  من داخل وخارج هذا الحديث  لدلالة قاطعة على أن المراد بالاثني عشر خليفة هم الأئمة المعصومون‏ (عليهم السَّلام)، وهو المشهور بين فرق المسلمين، فإثبات الخلافة لما بعد وفاة الإمام الحجّة المهديّ «روحي لتراب نعله الفداء» دون ما قبل وفاته دعوى بلا برهان. هذا مضافاً إلى أن هذا التأويل مخالف لخصوص هذه الأحاديث وما فيها من انحصار الخلفاء في الاثني عشر واستمرار واتصال زمانهم بزمان النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم). وأما الاستناد لصحة حمل هذه الأحاديث على هذا التأويل بخبر «يلي بعد المهدي اثنا عشر رجلاً: ستة من ولد الحسن وخمسة من ولد الحسين وآخر من غيرهم». ففيه مضافاً إلى مخالفتها للأحاديث الكثيرة عن طريق الفريقين من أن خروج الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) في آخر الزمان الذي يأتم به عيسى‏ بن مريم عليهما وعلى نبينا وآله السلام. هذا مع ما في سنده من الضعف والوهن حسبما صرّح ابن حجر في الصواعق، ولمخالفته لخبر الطبراني: «سيكون من بعدي خلفاء ثم من بعد الخلفاء أمراء ثم من بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً».
التأويل الثالث:
ما حكي عن القاضي عيّاض وهو أن المراد أنهم يكونون في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره، وقد وجد هذا فيمن اجتمع عليه الناس إلى أن اضطرب أمر بني أميّة ووقعت بينهم الفتنة زمن الوليد بن يزيد. وقال ابن حجر في فتح الباري: كلام القاضي عيّاض أحسن ما قيل في الحديث وأرجحه لتأييده بقوله في بعض طرق الحديث الصحيحة (كلهم يجتمع عليه الناس) ثم ذكر أسماء من وقع الاجتماع على خلافتهم وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعليّ «أمير المؤمنين وقائد الغر المحجلين» ومعاوية ويزيد وعبد الملك وأولاده الأربعة: الوليد ثم سليمان ثم يزيد ثم هشام وعمر بن عبد العزيز..
يرد عليه:
(1) إن هذا الوجه أردأ ما قيل في الحديث وأهونه، «ونحن نترك الكلام في نسب بني أميّة وعدم صحة انتسابهم إلى قريش مع أن هذه الأحاديث مصرّحة بكون الأئمة الاثني عشر من قريش، مضافاً إلى أنه كيف يصح حمل هذه البشائر التي صدرت على سبيل المدح وإطلاق الخليفة على معاوية الذي حارب أمير المؤمينن‏ (عليه السَّلام) الذي قال فيه سيّد المرسلين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) «حربك حربي» وأعلن معاوية بسبّه على المنابر، ودسَّ السم إلى الإمام الحسن‏ (عليه السَّلام) سيّد شباب أهل الجنّة؟ كما كيف يصح حملها على مثل يزيد بن معاوية الفاسق المعلن بالمنكرات والكفر قاتل الإمام الحسين‏ (عليه السَّلام)، وهو الذي أباح بأمره مسلم‏ بن عقبة أهل المدينة ثلاثاً فقتل خلقاً من الصحابة ونُهبَتْ المدينة وافتض في هذه الواقعة الف عذراء حتى أن الرجل من المدينة بعد ذلك إذا زوّج ابنته لا يضمن بكارتها ويقول لعلّها قد افتضت في واقعة الحرة، وقيل تولد من النساء أربعة آلاف ولد من تلك الواقعة، وقد قال رسول اللَّه فيما رواه مسلم «من أخاف أهل المدينة أخافه اللَّه وعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين».
وحكي عن الواقدي أن عبداللَّه‏ بن حنظلة غسيل الملائكة قال: «واللَّه ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء إنّه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة» وهو الذي أمر بغزو الكعبة، وقد ذكر السيوطي أن نوفل‏ بن أبي الفرات قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فذكر رجل يزيد بن معاوية فقال: قال أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فقال: تقول أمير المؤمنين وأمر به فضرب عشرين سوطاً. إلى ما هنالك من مخازي ارتكبها بنو أميّة، وعليه كيف يصح حمل هذه الأحاديث وإطلاق الخليفة على عبد الملك الغادر الناهي عن الأمر بالمعروف؟ قال السيوطي في تاريخ الخلفاء: لو لم يكن من مساوي عبد الملك إلاّ الحجّاج وتوليته إياه على المسلمين وعلى الصحابة يهينهم ويذلهم قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً وقد قتل من الصحابة وأكابر التابعين ما لا يخفى فضلاً عن غيرهم وختم في عنق أنس وغيره من الصحابة ختماً يريد بذلك ذلهم فلا رحمه اللَّه ولا عفا عنه». وكيف يطلق الخليفة على الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق الشارب للخمر والمتهتك لحرمات اللَّه تعالى وهو الذي أراد الحج ليشرب فوق ظهر الكعبة فمقته الناس لفسقه، وهو الذي فتح المصحف فخرج (فاستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) فألقاه ورماه بالسهام وقال:


تهددني بجبـــــــــــار عنيـــــــد                    فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشرٍ                    فقل يا رب مزّقني الوليد

فما يلبث بعد ذلك إلاّ يسيراً حتى قُتل، ونقل صاحب تاريخ الخميس «أن من كفرياته أنه دخل يوماً فوجد ابنته جالسة مع دادتها فبرك عليها وأزال بكارتها فقالت له الدادة هذا دين المجوس، فأنشد قائلاً:

من راقب الناس مات غماً                  وفاز باللذة الجسور

أهذا معنى عزة الإسلام وخليفة رسول اللَّه؟!! فالصواب تسمية هؤلاء بالفراعنة لا الخلفاء، وتشبيههم بالملاحدة والكفرة لا بحواري عيسى ونقباء بني إسرائيل. والأعجب من ذلك كيف رضي القاضي عيّاض أن يجعل هؤلاء الجبابرة من خلفاء رسول اللَّه الذين بشّر بهم وأخبر بأنهم يعملون بالهدى وإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها وفي نفس الوقت أخرج من الحديث الإمام الحسن المجتبى مع أنه خليفة بنص جده رسول اللَّه حسبما أفادت الأخبار القطعية، ثم أدخل يزيد بن معاوية وبني العاص الذين لعنهم رسول اللَّه بمحكم النصوص من الفريقين.
(2) إن التمسك بقوله (كلّهم يجتمع عليه الأمة) ضعيف وذلك لأن تمسُّك الأمة برجل لا يصلح دليلاً على شرعية حكمه، لا سيّما وأن الأكثرية ميّالة إلى الدعة والهوى وحبّ الدنيا، مضافاً إلى أن الظاهر من نسبة فعل إلى أحد صدوره منه بالإختيار دون الجبر والإكراه، فالمراد بقوله (يجتمع) لو سلّمنا صدوره عنه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) اجتماعهم بالقصد والاختيار إلاّ أنه لا يصح لأحد أن يخبر عن وقوع اجتماع أهل مكة والمدينة وعظماء الفقهاء ووجوه المحدثين وبقية الصحابة وكبار التابعين على خلافة يزيد وأنهم اجتمعوا عليه واختاروه للخلافة، أو اجتماع المسلمين على خلافة الوليد بن يزيد.
ولو بنينا على ذلك يلزم خروج أمير المؤمنين عليّ والإمام الحسن‏ (عليه السَّلام) من الخلفاء لعدم اجتماع أهل الشام عليهما مع قيام الإجماع والاتفاق على خلافتهما.
(3) إن هذا التأويل لم يذكر في ضمنه الإمام الحجّة المهديّ عجّل اللَّه فرجه الشريف مع نصّ الرسول‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) عليه بالخلافة، فإنْ عدّ في قبال الاثني عشر حينئذٍ يزداد عدد الخلفاء، وظاهر تمام النصوص السابقة حصر العدد فيها وإلاّ يلزم دخوله فيبطل ما عيّنوه بالوهم، وقد قال النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): يكون في آخر الزمان خليفة يقسّم المال ولا يعدّه، وفي تعبير آخر: يحثي المال حثياً ولا يعدّه.
(4) ظاهر جملة من الأخبار وصريح بعضها أن بإنقضاء الثاني عشر منهم ينقضي أمر الدين وتظهر علامات الساعة وتقوم أشراط القيامة والتي منها رجعة النبيّ محمّد وآله الطاهرين كما هو مفاد النصوص التي فاقت حدّ التواتر بعشرات المرات، فرجعتهم‏ (عليهم السَّلام) متمّمة ومكمّلة لسابق عدله، ثم بعد ذلك تقوم أشراط الساعة بظهور الهرج والفساد، فتقوم الساعة على شرار خلقه، وما ألطف تعبير رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إذ قال:
«لا يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها».
وعليه فلو فُرض خلو زمانه بعد النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) إلى زمان ظهوره «عجّل اللَّه فرجه المبارك» من خليفة منهم، لزم عدم قيام الدين وذلته واضطراب الأرض وظهور الفتن والهرج قبل انقضاء حكم الثاني عشر ورجعة آبائه وأجداده بعده.
إن الأرجاف في حياة الإمام المهديّ عجّل اللَّه فرجه المبارك من قبل العامة لا يضعّف من إيمان أتباعه والمعتقدين به كرسول وحجّة من اللَّه تعالى على خلقه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، بل يزيدنا إصراراً على التمسّك بأذياله المقدّسة والذّب عنه بكلّ ما أوتينا من قوة، لاعتقادنا أن الدفاع عنه هو دفاع عن اللَّه تعالى ورسالاته.
ولم يقتصر المرجفون في حياة الإمام المهديّ روحي لتراب نعليه الفداء على التشكيك بوجوده المقدّس بل زادوا في شبهاتهم للحدّ من الاعتقاد به كضرورة إلهية لا بدّ للعباد أن يتمسّكوا بها، وليس رفض هؤلاء لحياته سوى لصرف الناس البسطاء عن الإيمان بالأئمة الاثني عشر، لأنهم لو اعتقدوا بجواز وجوده الآن لثبت حينئذٍ صحة الأحاديث الدالة على أنّ الإمامة حق شرعي لأمير المؤمنين عليّ المرتضى وأولاده الأحد عشر عليهم السلام.
ونحن سنذكر شبهاتهم الواهية ونردّ عليها بإذن اللَّه تعالى ليسفر الصبح لذي عينين.
الشبهة الأولى:
إذا كان الإمام المهديّ الحجة ابن الحسن‏ (عليه السَّلام) قد ولد عام 255ه فلماذا ستره أبوه الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) عن الناس؟
والجواب:
(1) ستتار الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) عن عامة الشيعة إلاّ الخواص منهم آنذاك واستمرار استتاره عنهم إلى الآن حرصاً عليه من القتل، لأن بني العبّاس كانوا يتربصون بالإمام المهديّ الدوائر لعلمهم عن طريق الرواة أن الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) سوف يستأصل أهل العناد والتضليل، فكانوا يخافون على أنفسهم وعلى انهيار حكمهم منه، لذا كانوا يقتفون أثره عن طريق الحوامل، فكل حبلى أولدت ذكراً قتلوه، هذا مضافاً إلى ملاحقته بالبحث عنه ليقتلوه، وعليه فكيف لا يختبأ من هؤلاء دفعاً للضرر المتوجه إليه من الأعداء؟
(2) استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف والعقلاء، ولا مخالفاً لحكم العادات، بل الاستتار كان سيرة الملوك والعظماء في أولادهم بل كان هذا عند البسطاء أو السُّوقة من الناس، لأسباب تقتضي ذلك لا شبهة فيها على العقلاء منها: أن يكون للإنسان ولد من جارية قد استتر تملّكها من زوجته وأهله، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كلّ من يشفق منه أن يذكره، ويستره عمّن لا يأمن إذاعة الخبر به، لئلا يفسد الأمر عليه مع زوجته بأهلها وأنصارها، ثم إذا زال الخوف من الإخبار عنه، أو حان وقت وفاته، يُعلن عنه ويعرّف به تحرّجاً من تضييع نسبه، وإيثاراً لوصوله إلى مستحقه من ميراثه.
وقد يولد للملك ولد ولا يؤذن به حتى يترعرع، فإن رآه على الصورة التي تعجبه يعلن عنه وإلاّ فلا، وقد ذكر الناس عن جماعة من ملوك الفرس والروم والهند، فسطروا أخبارهم في ذلك، وأثبتوا قصة كيخسرو بن سياوخش‏ بن كيقاوس ملك الفرس الذي جمع ملك بابل والمشرق وما كان من ستر أمّه حملها وإخفاء ولادتها لكيخسرو، والخبر بأمره مشهور وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف، قد ذكره علماء الفرس وأثبته محمد بن جرير الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك.
وقد اشتهر عن بعض الملوك إخفاءهم بعض أولادهم لضرب من التدبير في إقامة خلفاء لهم، وامتحان جندهم بذلك في طاعتهم، وغير ذلك مما يكثر تعداده من أسباب ستر الأولاد وإظهار موتهم واستتار الملوك أنفسهم، والإرجاف بوفاتهم، وامتحان رعاياهم بذلك، وأغراض له معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات.
وكم ظهر أولاد بعد موت آبائهم بدهر طويل، ولم يكن أحد من الخلق يعرفهم قبل ذلك حتى شهد لهم بذلك عدول من المؤمنين، وذلك لداعٍ دعا الأب إلى ستر ولادته عن كل أحد من قريب وبعيد إلاّ من شهد به من بعد عليه بإقراره على الستر لذلك والوصيّة بكتمانه، أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده.
(3) لقد أجمع علماء الملل على ما كان من ستر ولادة إبراهيم الخليل‏ (عليه السَّلام) وتدبير أمّه في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفها عليه منه. وكذا اتفاقهم على ستر ولادة موسى‏ بن عمران‏ (عليه السَّلام)، وبمجي‏ء القرآن بشرح ذلك على البيان، والخبر بأن أمّه ألقته في اليمّ على ثقةٍ منها بسلامته وعوده إليها، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير اللَّه جلّ وعلا لمصالح العباد.
فما الذي ينكره خصوم الإمامية من قولهم في ستر الإمام الحسن العسكري ولادة ابنه الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) عن أهله وبني عمّه وغيرهم من الناس، وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسمّيناه، بل إن اللَّه عزّ وجلّ هو الذي ستر ولادة إبراهيم وموسى حينما أخفى على الناس حمل أمّ إبراهيم وأمّ موسى فلم يَبُن عليهنّ أثر الحمل حفاظاً منه تعالى على المولودين الكريمين.
والخبر بصحة ولادة الإمام الحجّة المهدي‏ (عليه السَّلام) قد ثبتت بأوكد ما ثبُت به أنساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت: بقول القابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهنّ بحضور ولادة النساء وتولّي معونتهم عليه، وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الأب بنسب الابن منه.
وقد ثبُتَتْ أخبارٌ عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الإمام الحسن‏ بن عليّ‏ (عليه السَّلام): أنه اعترف بولده الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام)، وآذنهم بوجوده، ونصّ لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً، وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً، وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الأوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمة من أصحابه، وذلك موجود في كتبنا.
الشبهة الثانية:
إن جعفر بن عليّ "عم الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام)" قد أنكر شهادة الشيعة بوجود ولد لأخيه أبي الحسن‏ بن عليّ، ولد في حياته، وحاز تركة أخيه مدّعياً استحقاقه بميراثه له، وتظاهر بتكذيب كلّ من ادّعى لأخيه ولداً في حياته وبعد وفاته، حتى رفع أمر المدّعين ذلك إلى السلطان العبّاسي في عصره، وحمله على حبس جواري الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) وإيذائهنّ باستبراء حالهنّ من الحمل ليتأكد نفيه لإبن أخيه، وإباحته دماء شيعة الإمام الحسن‏ (عليه السَّلام) بإدعائهم وجود خلف من بعده هو أحق بمقامه من غيره، لا سيّما أنه لم يظهر لواحدة منهنّ حمل بعد ذلك الاستبراء، فكل ذلك يكفي في بطلان قول الشيعة ودعواهم وجود ولد للإمام الحسن العسكري ولا أقلّ أنها شبهة تبطل دعواهم إبطالاً.
والجواب:
(1) إن اعتماد صاحب الشبهة على إنكار جعفر لولادة الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) يصادم النصوص المتواترة الدالة على ولادته وغيبته‏ (عليه السَّلام)، وليس لمسلم عرف اللَّه ورسوله أن يجعل تلك النصوص خلف ظهره ويأخذ بقول جعفر المعلوم لدى العامة والخاصة عدم صدقه، ولثبوت فسقه بدعوى الإمامة لنفسه بعد أخيه‏ (عليه السَّلام)، فلا يجوز الأخذ بقوله لأن اللَّه تعالى قد أمر بالتبيّن في أخبار الفاسق، حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ فكيف يجوز الأخذ بقوله وقد خالف النصوص القطعية والنقول الثابتة وضرب بها عرض الجدار؟ ومن هذا الذي له دين يصغي إلى مقالته ويعتني بشأنه؟ اللَّهم إلاّ من يريد أن يعاند الحق بعد وضوحه، فلا يحسن حينئذٍ الكلام معه.
(2) إن دعوى جعفر ابن الإمام الهادي‏ (عليه السَّلام) وعمّ الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) ليست بحجّة لعدم عصمته بإتفاق الأمة، فإذا لم يكن معصوماً بحيث يمتنع عليه لذلك إنكار الحق  وهو نفيه لإبن أخيه الإمام الحسن العسكري  فكيف يمكن تصديقه مع مخالفته لإجماع الطائفة على وجود ولد للإمام العسكري، هذا مضافاً إلى أنه كان من جملة الرعيّة فكيف جاز تصديقه لوحده وتكذيب بقية الأفراد القائلين بوجود ولد للإمام العسكري؟! فهل جميع الأمة كاذبة وهو لوحده الصادق المصدّق؟ إنّ جعفر الذي أخذ بقوله من كان على شاكلته في الكذب هم من جملة الرعية التي يجوز عليها الزلل، ويعتريها السهو ويقع منها الغلط، ولا يؤمن منها تعمد الباطل، ويتوقّع منها الضلال، وقد نطق القرآن بما كان من أسباط يعقوب‏ بن إسحاق‏ بن إبراهيم خليل الرحمان على نبيّنا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام في ظلم أخيهم يوسف‏ (عليه السَّلام)، وإلقائهم له في غيابة الجبّ، وتغريرهم بدمه بذلك، وبيعهم إياه بالثمن البخس، ونقضهم عهده في حراسته، وتعمّدهم معصيته في ذلك وعقوقه، وإدخال الهمّ عليه بما صنعوه بأحبّ ولده إليه وأوصلوه إلى قلبه من الغم بذلك، وتمويههم على دعواهم على الذئب أنه أكله بما جاءوا به على قميصه من الدم، ويمينهم باللَّه العظيم على براءتهم مما اقترفوه من الإثم، وهم لما أنكروه متحقّقون، وببطلان ما ادّعوه في أمر يوسف‏ (عليه السَّلام) عارفون، وهؤلاء من أقرب الخلق نسباً بنبيّ اللَّه وخليله إبراهيم، فما الذي يُنكر ممن هو دونهم في الدنيا والدين أن اعتمد باطلاً يُعلم خطؤه فيه على اليقين، ويدفع حقاً قد قامت عليه الحجج الواضحة والبراهين.
(3) إن دواعي جعفر لإنكار ابن أخيه الحجّة المنتَظَر (عليه السَّلام) من الأمور المعلومة، فإنه بذلك يحوز تركة أخيه دونه، مع جلالتها وكثرتها وعظم خطرها، لتعجّل المنافع بها، والنهضة بمآربه عند تملّكها، وبلوغ شهواته من الدنيا بحيازتها، وادعائه مقام الإمامة محل أخيه الإمام الحسن العسكري وهو (عليه السَّلام) في جلالة القدر عند جميع الناس بمكان لا ينكر، وأنه المستحق له دون غيره، هذا مضافاً إلى طمعه في جمع المال والزكوات التي كان يأتي بها الشيعة من أقطار الأرض إلى الإمام‏ (عليه السَّلام) ليوزّعها على الفقراء والمستحقين، هذا وإضعافه دعاه إلى ارتكاب الضلال في إنكار ابن أخيه، ودفعه له عن حقه، ومَثَل من تشبّث بإنكار جعفر لابن أخيه كمثل من تشبّث من الكفار والمشركين بدعوى أبي لهب عمّ النبيّ ببطلان نبوة النبيّ محمّد وجحودها، مع مشاركة أكثر بني هاشم وبني أميّة لأبي لهب واجتماعهم على عداوة النبيّ، وتجريدهم السيف في حربه، واجتهادهم في استئصاله ومتبعيه على ملته، هذا مع ظهور حجته ووضوح برهانه في نبوته، وضيق الأفق في معرفة ولادة الحجّة بن الحسن على جعفر وأمثاله من البعداء عن العلم بحقيقته لا يستلزم إنكار شخصيته عجّل اللَّه فرجه الشريف، ومن صار في إنكار شي‏ء أو إثباته أو صحته وفساده إلى مثل التعلق بجعفر بن عليّ في جحد وجود خلف لأخيه، وما كان من أبي جهل وشركائه من أقارب النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وجيرانه وأهل بلده والناشئين معه في زمانه في دفع نبوته وإنكار صدقه في دعوته، سقط كلامه عند العلماء ولم يعد في جملة الفقهاء، وكان في أعداد ذوي الجهل والسفهاء.
ونزيد على ما ذكرنا من الأسباب الداعية إلى إنكار جعفر لإبن أخيه ودفعه له عن حقه أدلةً واضحةً على بطلان قوله، ما رواه الثقات عن أحوال جعفر بن عليّ في حياة أخيه أبي محمّد الحسن‏ بن عليّ‏ (عليه السَّلام)، وأسباب إنكاره خلفاً له من بعده وجحد ابن أخيه، وحمل السلطان على ما سار به في مخلّفيه وشيعته، من هذه الأخبار:
• ما رواه محمّد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمّد بن عثمان العمري رحمه اللَّه أن يوصل إليه  للحجّة المنتَظَر (عليه السَّلام)  سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد المتوقيع بخط مولانا صاحب الزمان‏ (عليه السَّلام):
أما ما سألت عنه أرشدك اللَّه وثبّتك اللَّه من أمر المنكرين من أهل بيتنا وبني عمّنا، فاعلم أنه ليس بين اللَّه عزّ وجلّ وبين أحد قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح، وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف‏ (عليه السَّلام)ف.
• وعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي قال: سألت عليّ‏ بن الحسين صلوات اللَّه عليه: مَن الحجّة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمّد، واسمه في التوراة الباقر يبقر العلم بقراً هو الحجّة والإمام بعدي، ومن بعد محمّد ابنه جعفر واسمه عند أهل السماء الصادق. فقلت له: يا سيّدي كيف صار اسمه الصادق وكلكم صادقون؟ فقال: حدّثني أبي، عن أبيه‏ (عليه السَّلام) أن رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ‏ بن الحسين‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب فسمّوه الصادق فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراءً على اللَّه وكذباً عليه، فهو عند اللَّه جعفر الكذّاب المفتري على اللَّه، المدّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه ذلك الذي يكشف سرّ اللَّه عند غيبة وليّ اللَّه.
ثم بكى عليُّ بن الحسين‏ (عليه السَّلام) بكاءً شديداً ثم قال: كأني بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللَّه، والمغيّب في حفظ اللَّه والتوكيل بحرم أبيه جهلاً منه بولادته، وحرصاً على قتله إن ظفر به، طمعاً في ميراث أبيه حتى يأخذه بغير حقه.
• وعن سعد بن عبد اللَّه الأشعري عن الشيخ الصدوق أحمد بن أسحاق‏ بن سعد الأشعري رحمة اللَّه عليه أنه جاءه بعض أصحابنا يعلمه بأن جعفر بن عليّ كتب إليه كتاباً يعرّفه نفسه، ويعلمه أنه القيّم بعد أخيه، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلّها.
قال أحمد بن إسحاق: فلما قرأت الكتاب، كتبت إلى صاحب الزمان‏ (عليه السَّلام) وصيّرت كتاب جعفر في درجه فخرج إليّ الجواب في ذلك:
«... وقد ادّعى هذا المبطل  يقصد جعفر عمّه  المدّعي على اللَّه الكذب بما إدّعاه، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه أبفقه في دين اللَّه، فواللَّه ما يعرف حلالاً من حرام ولا يفرّق بين خطأ وصواب، أم بعلم فما يعلم حقاً من باطل، ولا محكماً من متشابه ولا يعرف حدّ الصلاة ووقتها، أم بورع فاللَّه شهيد على تركه لصلاة الفرض أربعين يوماً يزعم ذلك لطلب الشعبذة، ولعلّ خبره تأدّى إليكم، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة، وآثار عصيانه للَّه عزّ وجلّ مشهودة قائمة، أم بآية فليأت بها أم بحجّةٍ فليقمها أم بدلالة فليذكرها... فالتمس تولّى اللَّه توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك، وامتحنه واسأله آية من كتاب اللَّه يفسّرها أو صلاة يبيّن حدودها، وما يجب فيها لتعلم حاله ومقداره ويظهر لك عواره ونقصانه واللَّه حسيبه..».
• وعن سعد عن جعفر بن محمّد بن الحسن بن الفرات عن صالح‏ بن محمّد بن عبدفاللَّه‏ بن محمّد بن زياد، عن أمّه فاطمة بنت محمّد بن الهيثم المعروف بابن سبانة قالت: كنت في دار أبي الحسن عليّ‏ بن محمّد العسكري‏ (عليه السَّلام) في الوقت الذي ولد فيه جعفر فرأيت أهل الدار قد سرُّوا به، فصرت إلى أبي الحسن‏ (عليه السَّلام) فلم أره مسروراً بذلك، فقلت له: يا سيّدي ما لي أراك غير مسرور بهذا المولود؟
فقال‏ (عليه السَّلام): يهون عليك أمره، فإنه سيضلُّ خلقاً كثيراً.
وبالجملة: فإنّ جعفر بن عليّ قد ادّعى الإمامة لنفسه وكان يجبر الناس على إطاعته والقول بإمامته بل سأل وزير الخليفة العبّاسي آنذاك أن يعرفه بأنه وارث أخيه الإمام الحسن‏ (عليه السَّلام)، ليثبت له عند الناس العوام إمامته، فزبره الوزير عن ذلك واستخف به حسبما جاء في خبر أحمد بن عبيدفاللَّه الخاقان فليراجع.
الشبهة الثالثة:
ورد في خبر أحمد بن عبيد اللَّه‏ بن خاقان أن الإمام أبا محمّد الحسن‏ بن عليّ‏ (عليه السَّلام) قد أوصى في مرضه الذي توفي فيه إلى والدته المكناة بأمّ الحسن رضي اللَّه عنها بوقوفه وصدقاته، وإسناد النظر في ذلك إليها دون غيرها.
«فقد دلت هذه الرواية على بطلان ولادة المهديّ المزعوم، ولا يستطيع الرافضة أن ينكروا هذه الرواية أو الطعن فيها وذلك لورودها في أكثر من مصدر من مصادرهم الموثقة والمعتمدة عندهم، وقد رواها عدة من كبار رجالات الرافضة في الحديث والتفسير والتاريخ أمثال: الكليني في الكافي، والمفيد في الإرشاد والطبرسي في أعلام الورى، والاربلي في كشف الغمة، والمجلسي في جلاء العيون وابن الصبّاغ في الفصول المهمة والقمي في منتهى الآمال».

والجواب:
(1) إن عبارة [وتوقفوا عن قسمة ميراثه... فلما بطل الحمل عنهنّ قُسّم ميراثه بين أمّه وأخيه جعفر وادّعت أمُّه وصيته وثبت ذلك عند القاضي..] غير موجودة في الإرشاد ولا في أعلام الورى والفصول المهمة، وهذه الكتب من المصادر الموثوقة عندنا نحن الشيعة، فكيف يدّعي الجميلي وجود الرواية بتمامها في مصادرنا؟! وعلى فرض وجودها في بقية الكتب والمصادر فإن أصحابها رووها عن الكليني في الكافي، وليس كلُّ ما في الكافي يعتبر صحيحاً وموثقاً، فهناك الأسانيد الضعاف والمراسيل، فلم يدّع أحدٌ من علماء الشيعة صحة كل ما في الكتاب المذكور، نعم جلُّ ما فيه موافق للأصول عندنا، والشاذّ إن أمكن تأويله أخذنا به وإلاّ فيُضرب به عرض الجدار.
(2) لقد عُرف أحمد بن عبيد اللَّه بن خاقان بالنصب والعداوة لآل البيت‏ (عليهم السَّلام) وقد ذكر الكليني والمفيد في كتابيهما الكافي والإرشاد أن الرجل كان شديد النصب كما لم يوثّقه أحد على الاطلاق، فالرجل لا شك أنه من الضعاف كما نص على ذلك أيضاً علماء الرجال منهم صاحب الوجيزة والحاوي فلاحظ.
وعليه فلمّا كان الرجل ناصبيّاً ولا أحد من الإمامية يأخذ بقوله، فكيف حينئذٍ ينسب عبدُفاللَّه الجميلي الناصبيّ ومن كان على شاكلته الحديثَ إلى ثقاة الإمامية في مصادرهم المعتبرة؟!!
(3) وعلى فرض صحة ما في الخبر فإن فيه شيئاً من التقية والمصلحة حفاظاً على المولود المبارك وصوناً لنقض الغرض، «ولو ذكر في وصيّته ولداً له وأسندها إليه، لناقض ذلك الغرض منه، ونافى مقصده في تدبير أمره له، وعدل عن النظر بولده وأهله ونسبه، لا سيّما مع اضطراره كان إلى شهادة خواصّ الدولة العبّاسية عليه في الوصيّة وثبوت خطوطهم فيها  كالمعروف بتدبر مولى الواثق وعسكر الخادم مولى محمّد بن المأمون والفتح‏ بن عبد ربّه وغيرهم من شهود قضاة سلطان الوقت وحكّامه  لما قصد بذلك من حراسة قومه، وحفظ صدقاته، وثبوت وصيته عند قاضي الزمان، وإرادته مع ذلك الستر على ولده وإهمال ذكره، والحراسة لمهجته بترك التنبيه على وجوده، والكفّ لأعدائه بذلك عن الجدّ والاجتهاد في طلبه، والتنزيه عن شيعته لما يُشنّع به عليهم من اعتقاد وجوده وإمامته.
ومن اشتبه عليه الأمر فيما ذكرناه، حتى ظن أنه دليلٌ على بطلان مقال الإمامية في وجود ولدٍ للحسن‏ (عليه السَّلام) مستور عن جمهور الأنام، كان بعيداً عن الفهم والفطنة، بائناً عن الذكاء والمعرفة، عاجزاً بالجهل عن التصوّر أحوال العقلاء وتدبيرهم في المصالح وما يعتمدونه في ذلك من صواب الرأي وبشاهد الحال، ودليله من العرف والعادات.
وقد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبدفاللَّه جعفر بن محمّد (عليه السَّلام) وحراسته ابنه موسى‏ بن جعفر (عليه السَّلام) بعد وفاته من ضرر يلحقه بوصيته إليه، وأشاع الخبر عن الشيعة إذ ذاك باعتقاد إمامته من بعده، والاعتماد في حجّتهم لذلك على إقراره بوصيته مع نصّه عليه بنقل خواصه، فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته، وجعلها إلى خمسة نفر: أولهم المنصور وقدّمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبّر أهله، ثم صاحبه الربيع من بعده، ثم قاضي وقته، ثم جاريته وأمّ ولده حميدة البربرية، وختمهم بذكر ابنه موسى‏ بن جعفر (عليه السَّلام)، يستر أمره ويحرس بذلك نفسه، ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده، لعلمه بأنّ منهم من يدّعي مقامه من بعده، ويتعلق بإدخاله في وصيته. ولو لم يكن موسى‏ (عليه السَّلام) ظاهراً مشهوراً في أولاده، معروف المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله وكماله، بل كان مثل ستر الحسن‏ (عليه السَّلام) ولده، لما ذكره في وصيته، ولاقتصر على ذكر غيره ممن سمّينا، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه.
وهذا شاهد لما وصفناه من غرض أبي محمّد (عليه السَّلام) في وصيته إلى والدته دون غيرها، وإهمال ذكر ولدٍ له، ونظر له في معناه على ما بيّناه».
الشبهة الرابعة:
لقد عاش أئمة أهل البيت‏ (عليهم السَّلام) الاضطهاد والتقية من ملوك بني أميّة وبني العبّاس لعنهم اللَّه تعالى ومع هذا لم يغب أحد منهم ولا خفيت ولادته ولا ستر وجوده من أحد من الناس، هذا مع التأكيد على أن الأئمة (عليهم السَّلام) عاشوا في عصور حالكة، كانت التقية فيها أشدّ من عصر الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) ولم يحدث منهم أنهم ستروا أولادهم خوفاً من اولئك الطغاة اللئام، وعليه فما الداعي إلى أن يستر الإمام العسكري‏ (عليه السَّلام) ابنه الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) عن الناس ويخفي أمره؟!
وبعبارة أخرى: إنّ الشهبة تستبعد على الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) إلى ستر ولده، وتدبير الأمر في إخفاء شخصه، ونهيه‏ (عليه السَّلام) لشيعته عن تسميته وذكره، مع كثرة الشيعة في زمانه وانتشارهم في البلاد وثرائهم وحسن حالهم، وقد صعب الزمان فيما سلف على آبائه‏ (عليهم السَّلام) واعتقاد ملوكه فيهم، وشدة غلظتهم على المعتقدين بإمامتهم، واستحلالهم الدماء والأموال، ولم يدعهم ذلك إلى ستر ولدهم ولا مؤهّل الأمر من بعدهم!
والجواب:
1  إن علة عدم تعرّض ملوك بني أميّة وبني العبّاس لأولاد أئمتنا (عليهم السَّلام) هي عدم خروج الأئمة وأولادهم بالسيف على ولاة أزمانهم، فكان الطواغيت في مأمنٍ من ذلك، هذا مضافاً إلى أن الأئمة (عليهم السَّلام) أنفسهم كانوا يعملون بالتقية ويحرّمون الخروج بالسيف عليهم لعدم التكافؤ بينهم وبين أعدائهم من حيث القوة والعدّة والعدد، ومع هذا لم يسلم أحد منهم من طغاة زمانهم، فكان لكلّ واحدٍ منهم‏ (عليهم السَّلام) من يطارده ويؤذيه، فسُجن منهم من سُجن حتى لم يخرج أحد من الدنيا إلاّ مقتولاً أو مسموماً. فكان سكون الأئمة وعملهم بالتقية هم وأصحابهم وشيعتهم للأمر الذي ذكرنا، وتأكيدهم على شيعتهم أن يلزموا السكون إلى أنْ يُسمَعَ النداء من السماء بإسم الإمام المهديّ ويُخسف بالبيداء بجيش السفياني، فيخرج إمام الحق بالسيف ليزيل دولة الباطل.
2  إن ملوك الزمان إذ ذاك كانوا يعرفون الخصوصية التي يمتاز بها الإمام المهديّ روحي فداه عن بقية الأئمة (عليهم السَّلام) من حيث ورود الأخبار الكثيرة بشأنه من الرسول الأكرم جدِّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وأنّ اللَّه عزّ وجلّ يطهّر به الأرض من الجور والظلم، ويبيد العتاة والمردة من الحكام والظالمين والفسقة والكافرين، وكل هذا بدوره عاملاً قوياً يساعد في ملاحقة السلطات الظالمة للإمام المهديّ الموعود وتتبع حركاته ونشاطه، وبالأخير إلى القبض عليه وقتله إن سنحت لهم الظروف بذلك، ونظير هذا ما وقع لنبيّ اللَّه موسى‏ بن عمران‏ (عليه السَّلام) مع طاغية زمانه فرعون، فإنه كان يذبح أبناءهم بغية العثور على موسى‏ (عليه السَّلام) لئلا يكون زوال ملكه وسلطانه على يده، هذا مضافاً إلى أن اللَّه عزّ وجلّ غيّب وليّه الأعظم حفاظاً عليه من القتل لقلة أنصاره، ولأن الحاجة إليه ستكون مستمرة ليس لبضع سنين كما حصل لآبائه الميامين، بل تتعداها إلى مئات أو آلاف السنين، لكونه في حكمة اللَّه عزّ وجلّ الثاني عشر الذي ختمت به الإمامة والولاية فلا إمام بعده على ما نطقت به أحاديث الفريقين كما ختمت النبوة بجدِّه رسول اللَّه محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فلا نبيّ بعده، حتى عيسى فقد بطلت نبوته التشريعية وبقيت التسديدية. وقد أشرنا إلى بعض الأخبار الدالة على ذلك منها الحديث المتواتر: «لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش». وهو صريح في أن الأئمة اثنا عشر لا يزيدون واحداً ولا ينقصون وإلاّ لزم الكذب في أخبار النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وهو باطل إجماعاً، وأنه لا بدّ من رجل من أهل البيت‏ (عليهم السَّلام) في كل زمان هو بحكم القرآن في وجوب التمسك به، كما نص عليه حديث الثقلين المتواتر نقله عن نيفٍ وعشرين صحابياً أو أكثر كما في سنن الترمذي عن النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «إني مخلّف فيكم الثقلين: كتاب اللَّه وعترتي أهل بيتي، إن تمسّكتم بهما لن تضلوا، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض» وهو نصٌّ في وجود الإمام الثاني عشر الذي لا يفارق القرآن، ولا القرآن يفارقه ما دامت الدنيا، وإلا لو لم يكن هناك إمام ثاني عشر لخلت أزماننا من الإمام وهو خُلْفُ ما جاء في الحديث المتواتر أعلاه، وخُلْف حديث «الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش».
الشبهة الخامسة:
1  إن الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) إلى وقتنا الحاضر مستتر لا يعرف أحدٌ مكانه ولا يعلم مستقره، ولا يأتي واحد بخبره، وغيبته خارجة عن العادة والعرف، إذ لم تجر العادة لأحدٍ من الناس بذلك، إذ كان كلّ من اتفق له الاستتار عن ظالم لخوف منه على نفسه ولغير ذلك من الأغراض، تكون مدة استتاره مرتّبة بمدة زمنية محدودة، وعليه فإنّ دعوى الإمامية في غيبة إمامهم منذ وُلِد إلى الآن خارجة عن العادة لدى العقلاء يلزم منها بطلان ما ذهبوا إليه من قيام الحجّة المنتظر (عليه السَّلام).

الإيراد عليها:
إن توهم الخصم كون الشيعة الإمامية لا يعلمون مكانه ومحل استقراره، ولا يعرفون أثره أو لا يمكن الوقوف على خبره دعوى لا تستند على حجة أو دليل، لا سيّما إطلاق القول على كافة الشيعة بعدم الوقوف على خبره أو أثره، ومَن هذا مِنَ الشيعة الذي قال إنه لا يعرف لإمامه أثراً ولا يقف على شخصه الميمون خبراً، ومَن الذي ادّعى من الشيعة أن الإمام المهدي لم يُعرف مكانه يومَ ولد؟ وفي أيّ كتابٍ هو مسطور؟! ليكون دليلاً على صدق دعواه، أجل! اللَّهُ يعلم، والشيعة العارفون المخلصون يعلمون أن الإمام ولد في سامراء وأن جماعة من أصحاب الإمام الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) قد شاهدوا الإمام المنتظر عجّل اللَّه فرجه الشريف، مضافاً إلى أن السفراء والوسائط بين الإمام المهديّ وبين شيعته دهراً طويلاً في استتاره، ينقلون إلى الشيعة من الإمام‏ (عليه السَّلام) معالم دينهم، ويخرجون إليهم أجوبةً عن مسائلهم فيه، ويقبضون منهم حقوقهم لديهم.
وممن رآه جماعة كان الإمام الحسن‏ بن عليّ‏ (عليه السَّلام) وثّقهم وعدّلهم في حياته، واختصهم أمناء له في وقته، وجعل إليهم النظر في أملاكه والقيام بمآربه، معرفون بأسمائهم وأنسابهم وأمثالهم: كأبي عمرو عثمان‏ بن سعيد السمّان وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان وبني الرحبا من نصيبين وبني سعيد، وبني مهزيار بالأهواز وبني الركولي بالكوفة وبني نوبخت ببغداد، وجماعة من أهل قزوين وقم وغيرها من الجبال، مشهورون بذلك عند الإمامية والزيدية، معروفون بالإشارة إليه به عند كثير من العامة، وكانوا أهل عقلٍ وأمانة وثقة ودراية وفهم وتحصيل ونباهة، وكان السلطان يعظم أقدارهم بجلالة محلّهم في الدنيا، ويكرمهم لظاهر أمانتهم واشتهار عدالتهم، حتى أنه كان يدفع عنهم ما يضيفه إليهم خصومهم من أمرهم ظناً منه بحسن سريرتهم واعتقاده ببطلان ما ينسب إليهم، وذلك لأنهم كانوا مستترين في حالهم واعتقادهم إلى الغاية، ومتكتمين لجودة آرائهم وصواب تدبيرهم إلى النهاية، فما كان يظهر منهم ما يوجب إهانتهم والاستخفاف بحقوقهم، أما بعد موت هؤلاء الأخيار والأمناء الأبرار فقد تواترت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليه السَّلام) بأنه لا بدّ للإمام المنتظر (عليه السَّلام) من غيبتين: إحداهما أطول من الأخرى، يعرف خبره الخواص من شيعته في الغيبة الصغرى، ولا يعرف أحد من العامة له مستقراً في الغيبة الكبرى إلاّ من قام بخدمته من ثقات أوليائه، ولم ينقطع عنه إلى الاشتغال بغيره.
والأخبار بذلك مستفيضة في مصنفات الشيعة الإمامية قبل مولد الإمام المهدي وأبيه وجدّه‏ (عليهم السَّلام)، وظهر حقها عند مضي الوكلاء والسفراء الذين سميناهم رحمهم اللَّه، وظهر صدق رواتها بالغيبة الكبرى، فكان ذلك من الآيات الباهرات في صحة ما ذهبت إليه الإمامية ودانت به في معناه، وقد أثبت العلاّمة النوري «أعلى اللَّه مقامه» في كتابه القيّم «جنّة المأوى» العديد من الأفراد الممحصين الذين تشرفوا بلقاء الإمام الحجّة المنتظر (عليه السَّلام) فليراجع.
2  إنّ خروج جماعة من الناس عن حكم العادة في استتارهم مئات السنين هو بتدبير اللَّه تعالى في ذلك لمصالح خلْقه لا يعلمها إلاّ هو، وامتحان لهم بذلك في عبادته، مع أنّا لم نُحط علماً بأنّ كلّ غائب عن الخلق مستتراً بأمر دينه يقصده عنهم، يعرفُ جماعةٌ من الناس مكانه ويخبرون عن مستقره. وكم وليّ للَّه تعالى يقطع الأرض بعبادة ربّه تعالى والتفرّد من الظالمين بعمله، ونأى بذلك عن دار المجرمين، وفر بدينه عن محل الفاسقين، لا يعرفُ أحدٌ من الخلق له مكاناً ولا يدّعي إنسان له لقاءً ولا معه اجتماعاً، نظير هذا هو الخضر (عليه السَّلام) موجود قبل زمان موسى‏ (عليه السَّلام) إلى يومنا هذا، بإجماع أهل النقل واتفاق أصحاب السير والأخبار، سائحاً في الأرض، لا يعرف له أحدٌ مستقراً ولا يدّعي له اصطحاباً، إلاّ ما جاء في القرآن به من قصته مع موسى‏ (عليه السَّلام)، وما يذكره بعض الناس على أنه يظهر أحياناً ولا يعرف، ويظن بعض من رآه أنه بعض الزّهاد، فإذا فارق مكانه توهّمه المسمّى بالخضر، وإن لم يكن يُعْرَف بعينه في تلك الحال. وقد كان من غيبة موسى‏ (عليه السَّلام) عن وطنه وفراره عن رهطه ما قصّ خبره القرآن، ولم يظهر عليه أحدٌ مدة غيبته عنهم فيعرف له مكاناً، حتى ناجاه اللَّه عزّ وجلّ وبعثه نبيّاً، فدعا إلى توحيد اللَّه وطاعته، وعَرفَهُ أولياؤه وأعداؤه.
وكان من قصة يوسف بن يعقوب‏ (عليه السَّلام) ما جاءت به سورة كاملة بمعناه وتضمنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبيّ اللَّه تعالى يأتيه الوحي منه سبحانه صباحاً ومساءً، وأمره مطويٌ عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه ويلقونه ويشاهدونه فيعرفهم ولا يعرفونه، حتى مضت على ذلك السنون وانقضت فيه الأزمان، وبلغ من حزن أبيه‏ (عليه السَّلام) لفقده، ويأسه من لقائه ما أوجب انحناء ظهره وأنهك به جسمه، وذهب لبكائه عليه بصره، وليس في زماننا الآن مثل ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه.
وكان أيضاً من أمر يونس نبيّ اللَّه‏ (عليه السَّلام) مع قومه وفراره عنهم عند تطاول المدة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم لذلك عن كلّ أحد من الناس حتى لم يعلم أحدٌ مكانه إلاّ اللَّه تعالى وحده إذ كان المتولّي لحبسه في جوف حوت في قرار بحرٍ، وقد أمسك عليه رمقه حتى بقي حيّاً، ثم أخرجه من ذلك إلى تحت شجرة من يقطين.
وهذا أيضاً خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، وقد نطق به القرآن المجيد، وأجمع عليه أهل الإسلام وغيرهم من أهل الملل والأديان.
ونظير ما ذكرنا قصة أصحاب الكهف، وقد نزل القرآن بخبرهم وشرح أمرهم في فرارهم بدينهم من قومهم والتجائهم إلى كهفٍ ناءٍ عن بلدهم، فأماتهم اللَّه فيه وبقي كلبهم باسطاً ذراعيه بالوصيد، ودبّر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال لا يلحقها تغيّرٌ، فكان يقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال كالحي الذي يتقلّب في منامه بالطبع والاختيار، ويقيهم حرّ الشمس التي تغيّر الألوان، والرياح التي تمزّق الأجساد فبقوا على ذلك ثلاث مائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم، ثم أحياهم فعادوا إلى معاملة قومهم ومبايعتهم، وأنفذوا إليهم بورقهم إلى آخر قصتهم، مع استتار أمرهم عن قومهم وطول غيبتهم وخفاء أمرهم عليهم.
وليس في عادتنا مثل ذلك ولا عرفناه، ولولا أن القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم لتسرّعت الناصبة إلى إنكار ذلك كما يتسرّع إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريون ويحيلون صحة الخبر به إلى غير المقدور. كما أن القرآن ذكر صاحب الحمار الذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها فاستبعد عمارتها وعودها إلى ما كانت عليه ورجوع الموتى منها بعد هلاكهم بالوفاة قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ وبقي طعامه وشرابه بحاله لم يغيّره تغيير طبائع الزمان، فلمّا تبيّن له ذلك من خلال ما أراه اللَّه عزّ وجلّ من الآيات الأُخر بقوله: وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وهذا منصوص عليه في القرآن مشروح في الذكر والبيان لا يختلف فيه المسلمون وأهل الكتاب، وهو خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، منكر عند الملحدين ومستحيل على مذهب الدهريين والمنجمين وأصحاب الطبائع من الكفار والزنادقة والمتفلسفين. وهل يمكن للمسلمين المنكرين لحياة الحجّة المنتظر «عجّل اللَّه فرجه الشريف» أن يتركوا كتاب اللَّه تعالى وسنّة نبيّه الكريم‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لأن الزنادقة والملحدين حكموا باستحالته؟! على أن ما تعتقده الشيعة الإمامية في تمام استتار مولاهم الإمام المهدي روحي له الفداء وغيبته ومقامه على ذلك أقرب في العادات والعقول مما أوردناه من أخبار المذكورين في القرآن، فأيّ طريق للمقرّ بالإسلام إلى إنكار مذهبنا في ذلك لولا أنه بعيد عن شريعة سيد المرسلين، تتحكم به الأهواء والشياطين.
على أن المنكر لو تصفّح كتب التأريخ وسير الآثار لوقف على غيبات كثيرين من ملوك الفرس عن رعاياهم دهراً طويلاً لضروب من التدبيرات، لم يعرف أحدٌ لهم فيها مستقراً ولا عثر لهم على موضع ولا مكان، ثم ظهروا بعد ذلك وعادوا إلى ملكهم بأحسن حال، وكذلك جماعةٌ من حكماء الروم والهند وملوكهم، وكم كانت لهم غيباتٌ وأخبارٌ بأحوالٍ تخرج عن العادات، جاء على ذكرها المؤرخون لم نتعرّض لذكرها، لعلمنا بتسرّع الخصوم إلى إنكاره تعصّباً وعناداً منهم تارةً، ودفعاً لصحة الأخبار به تارةً أخرى، وتعويلهم في إبطاله على بُعده من عاداتهم وذلك لضعف عقولهم وإيمانهم بقدرة اللَّه تعالى، وحسداً وبغضاً لأهل بيت النبوة (عليهم السَّلام)، وقد اعتمدنا القرآن فيما يحتاج إليه منه، وإجماع أهل الإسلام لإقرار الخصم بصحة ذلك وأنه من عند اللَّه تعالى، لعدم قدرتهم على تكذيب ما ورد من الذكر الحكيم بشأن من ذكرنا، هذا مضافاً إلى اعترافهم بحجة الإجماع، وإن كان كثير منهم لا ينزل على حكم الكتاب والإقرار به، بل يتأوّلون الآيات ويحرّفون الكلم حباً للعناد واللجاج، قال تعالى: فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى.
الشبهة السادسة:
اقتضت العادة فساد قول الإمامية في دعواها بطول عمر الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) وبقائه حيّاً إلى يومنا هذا وإلى وقت ظهوره مع تكامل قواه البدنية مع بقاء صفته وما له‏ (عليه السَّلام) من وفور العقل والقوة والشباب والمعارف بأحوال الدين والدنيا، كل هذا بخلاف حكم العادات في أحوال البشر وما يعتريه من الشيب والضعف والشيخوخة، وما يوجب قطع حبل حياته، يدلُّ على فساد معتقدهم فيه.

يرد عليها:
إنْ خرج عمّا نعهده نحن الآن من أحوال البشر، فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشرية وأمثاله في الإنسانية. وما جرت به العادة في بعض العصور الخالية لم يمتنع وجوده في غيرها، وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان، ولو لم تجر العادة بذلك جملةً، لكانت الأدلّة على أن اللَّه تعالى قادرٌ على فعل ذلك تُبطل توهّم المخالفين للحق فساد القول به وتكذيبهم في دعواهم.
وقد أطبق العلماء من أهل الملل وغيرهم أنّ آدم أبا البشر (عليه السَّلام) عمَّر نحو الألف لم يتغيّر له خلقٌ ولا انتقل من قوة إلى ضعف، ولا من علم إلى جهل ولا من شباب إلى شيخوخة، فلم يزل على صورة واحدة حتى قبضه اللَّه تعالى إليه. هذا مع الأعجوبة في حدوثه من غير نكاح، وخلقه من التراب، وانتقاله من طين لازب إلى طبيعة الإنسانية، ولا واسطة في صنعته باتفاق أهل الكتب السماوية، والقرآن مع ذلك ناطق ببقاء نوح نبيّ اللَّه‏ (عليه السَّلام) في قومه تسعمائة سنة وخمسين للإنذار لهم خاصة، وقبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أن بُعث نبيّاً من غير ضعف كان به ولا هرم ولا عجزٍ ولا جهلٍ، مع امتداد بقائه وتطاول عمره في الدنيا وسلامة حواسه.
وأن الشيب أيضاً لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل‏ (عليه السَّلام) بإجماع من سميناه من أهل العلم من المسلمين خاصة. وهذا ما لا يدفعه إلاّ الملاحدة من المنجمين وشركاؤهم في الزندقة من الدهريين، فأما أهل الملل كلّها فعلى اتفاق منهم على ما وصفناه.
والأخبار متناصرة بامتداد أيام المعمّرين من العرب والعجم والهند، وأصناف البشر وأحوالهم التي كانوا عليها مع ذلك، والمحفوظ من حكمهم مع تطاول أعمارهم، ونقلوا من أشعارهم الشي‏ء الكثير مما لا يختلف في صحته إثنان من حملة الآثار ونقلة الأخبار، وقد صنّف المؤرخ العامي الشيخ السجستاني كتاباً سماه: «المعمرون» سجّل فيه جماعة تنوف أعمارهم على مئات السنين، عدا عمّا ذكره مصنفون أجلاّء من علماء الإمامية فليراجع.
فمن هؤلاء المعمّرين:
 لقمان بن عاد الكبير؛ وكان أطول الناس عمراً بعد الخضر (عليه السَّلام)، وذلك أنه عاش على رواية العلماء بالأخبار ثلاثة آلاف سنة وخمسمائة سنة، وقيل أنه عاش عمر سبعة أنسر، وكان يأخذ فرخ النسر فيجعله في الجبل فيعيش النسر منها ما عاش، فإذا مات أخذ آخر فرباه، حتى كان آخرها لَبَد، وكان أطولها عمراً، فقيل: طال الأمد على لبد.
وفيه يقول الأعشى:


لنفسك إذْ تختار سبعة أنسر             إذا ما مضى نسر خلدت إلى نسرِ
فعمَّر حتى خال أنَّ نسوره               خلودٌ وهل تبقى النفوس على الدهرِ
وقال لأدناهنّ إذ حلّ ريشه             هلكت وأهلكت ابن عادٍ وما تدري


ومنهم رُبَيْع بن ضُبَيْع بن وهب بن بغيض بن مالك بن سعد بن عدِيّ بن فزارة. عاش ثلاثمائة سنة وأربعين سنة، وأدرك النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) ولم يسلم. وهو الذي يقول وقد طعن في ثلاثمائة سنة:

صبح منّي الشباب قد حَسَرا                      إنْ ينْأ عنّي فقد ترى عُصُرا

والأبيات معروفة..
وهو الذي يقول أيضاً منه:

إذا كان الشتاء فأدفئوني                 فإنّ الشيخ يهدمه الشتاءُ
وأما حين يذهب كلّ قرّ                فسربال خفيفٌ أو رداءُ
إذا عاش الفتى مِأتين عاماً               فقد أودى المسرّة والفتاءُ

ومنهم: المستوغر بن ربيعة بن كعب. عاش ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين سنة وهو الذي يقول:

ولقد سئمتُ من الحياة وطولها              وعَمِرْتُ من عدد السنين مِئينا
مائةٌ حَدَتْها بعدها مائتان لي                وعَمِرْتُ من عدد الشهور سنينا

ومنهم: أكثم بن صيفي الأسدي. عاش ثلاثمائة وثمانين سنة، وكان ممّن أدرك النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) وآمن به ومات قبل أن يلقاه، وله أحاديث كثيرة وحكَم وبلاغات وأمثال. وهو القائل:

إنّ امرءاً قد عاش تسعين حجّةً            إلى مِأةٍ لم يسأم العيشَ جاهلُ
خلت مائتان بعد عشر وفائها             وذلك من عَدَّى ليالٍ قلائلُ

وكان والده صيفي بن رياح بن أكثم إيضاً من المعمّرين. عاش مائتين وستة وسبعين سنة، ولا ينكر من عقله شي‏ء، وهو المعروف بذي الحلم الذي قال فيه المتلمّس اليشكري:

لذي الحلم قبل اليوم ما تُقرع العصا            وما علّم الإنسان إلاّ ليعلما

ومنهم: ضُبَيْرة بن سُعيْد بن سعد بن سَهَم بن عمرو. عاش مائتي وعشرين سنة فلم يشب قطّ، وأدرك الإسلام ولم يسلم.
وروى أبو حاتم والرياشي عن العتبي عن أبيه أنه قال: مات ضُبيرة السهمي وله مائتا سنة وعشرون سنة، وكان أسود الشعر صحيح الأسنان.
ورثاه ابن عمّه قيس بن عدي فقال:

مَنْ يأمن الحَدْثان بعـ                 د ضُبيرة السَّهميِّ ماتا
سَبَقتْ منيّتُه المشي                    بَ وكان ميتتهُ افتلاتا
فتزوّدوا لا تَهْلِكوا                     من دون أهلكُمُ خُفاتا

ومنهم: دُريد بن الصمَّة الجُشَمي. عاش مائتي سنة وأدرك الإسلام فلم يسلم، وكان قوّاد المشركين يوم حنين ومقدّمهم، حضر حرب النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) فقتل يومئذٍ.
 ومنهم: محصّن بن عتبان بن ظالم الزبيدي. عاش مائتي وخمسة وخمسين سنة.
 ومنهم: عمرو بن حممة الدوسي. عاش أربعمائة سنة، وهو الذي يقول:


كبرتُ وطال العمر حتى كأنني            سليمُ أفاعٍ ليله غير مودعِ
فما الموتُ أفناني ولكن تتابعت           عليَّ سنون من مصيف ومربعِ
ثلاث مئات قد مررن كواملا            وها أنا هذا أرتجي نيل أربعِ

ومنهم: الحرث بن مضاض الجرهميّ. عاش أربعمائة سنة، وهو القائل:

كأنْ لم يكن بين الحَجُونِ إلى الصفا             أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامـرُ
بلى نحنُ كنّـا أهـلهـا فأبادنـا             صروف الليالي والجدودُ العواثرُ

والفرس تزعم أن قدماء ملوكها جماعات طالت أعمارهم وامتدت وزادت في الطول على أعمار من أثبتنا اسمه من العرب، ويذكرون أنّ من جملتهم الملك الذي استحدث المهرجان، عاش ألفي سنة وخمسمائة سنة.
فلو لم يكن من جملة المعمّرين إلاّ من التنازع في طول عمره مرتفع، وهو سلمان الفارسي رحمة اللَّه عليه، وأكثر أهل العلم يقولون بأنه رأى المسيح، وأدرك النبي صلوات اللَّه عليه وآله، وعاش بعده، وكانت وفاته في وسط أيام عمر بن الخطاب، وهو يومئذٍ القاضي بين المسلمين في المدائن، ويقال: إنه كان عاملها وجابي خراجها، وهذا أصح.
وزبدة المخض: إنّ القول بطول عمر الإمام الحجّة المنتظر (عليه السَّلام) واقع تحت قدرة اللَّه تعالى، وليس الإمام‏ (عليه السَّلام) الوحيد من بين مخلوقات اللَّه ممن خصّه اللَّه بذلك، ولا يعتبر القول بطول العمر من الموبقات حتى يعيَّر به الشيعة أو يُنسب قائله إلى الهذيان والجنون، وعليه فإن كل من دان بما تدين به الشيعة فهو مجنون على حدّ تعبير السفاريني الحنبلي، وفي مقابل هذا الضال المضلّ، نطق الحقّ على لسان العلاّمة محمّد بن طلحة النصيبي الشافعي إذ قال:
«وأما عمره فإنه ولد في أيام المعتمد على اللَّه، خاف فاختفى وإلى الآن فلم يمكن ذكر ذلك إذ من غاب وإنْ انقطع خبره لا يمكن الحكم بمقدار عمره ولا بانقضاء حياته وقدرة اللَّه واسعة وحكمه وألطافه بعباده عظيمة عامة، ولوازم عظماء العلماء أن يدركوا حقائق مقدوراته وكنه قدرته لم يجدوا إلى ذلك سبيلاً... وليس ببدع ولا مستغرب تعمير بعض عباد اللَّه المخلصين ولا امتداد عمره إلى حين فقده مدّ اللَّه تعالى أعمار جمع كثير من خلقه من أصفيائه وأوليائه ومن مطروديه وأعدائه، فمن الأصفياء عيسى‏ (عليه السَّلام)، ومنهم الخضر، وخلق آخرون من الأنبياء طالت أعمارهم حتى جاز كلّ واحد منهم ألف سنة أو قاربها كنوح‏ (عليه السَّلام) وغيره، وأما من الأعداء المطرودين فإبليس والدّجال، ومن غيرهم كعاد الأولى كان فيهم من عمره ما يقارب الألف، وكذلك لقمان صاحب اليد، وكل هذه لبيان اتساع القدرة الربانية في تعمير بعض خلقه فأي مانع يمنع من امتداد عمر الصالح الخَلَف الناصح إلى أن يظهر فيعمل ما حكم اللَّه له به».
ثم قال مادحاً عترة المصطفى بقوله: «وحيث وصل الكلام إلى هذا المقام وانتهى جريان القلم بما خطه من هذه الأقسام.. فلنختمه بالحمد للَّه ربّ العالمين فإنها كلمة مباركة جعلها اللَّه آخر دعوى أهل جنانه، وخصّ بها من اجتباه من خليقته فكساه ملابس مرضاته، فهذا آخر ما حرّره القلم من مناقبهم السنية وسطّره من صفاتهم الزكية ونثره من مزاياهم العلمية وذلك وإن كثر قليل في جنب شرفهم الشامخ ويسير فيما أتاهم من فضله الراسخ، وأنا أرجو من كرم اللَّه أن يشملني ببركتهم ويدخلني في زمرتهم ويجعل هذا المؤلف مسطوراً في صحيفة حسناتي المعدودة من حسنتهم، فقد بذلت جهدي في جمع مزاياهم بذل المجدّ الطالب ولم آلُ جهداً في تأليفها وجمعها قضاءاً لحقهم اللازب اللازم، ولسان الحال يقرع باب الأسماع لإسماع الشاهد والغائب وسأقول:


رويدك إن أحببت نيل المطالــــب             فلا تعد عن ترتيل أي المناقب
مناقب آل المصطفى المهتدى بهم             إلى نعم التقوى ورغبى الرغائب
مناقب آل المصطفى قدوة الورى             بهم يبتغى مطلوبه كل طالــــــب
مناقب تجلى سافرات وجوههـــا             ويجلو سناها مدلهم الغياهـــب
عليك بها سراً وجهــــــراً فإنهـــــا             تحلك عند اللَّه أعلى المراتــــب
وخذ عندما يتلو لسانك أيهــــــــا              بدعوة قلب حاضر غير غائب
لمن قام في تأليفها واعتنى بــــــــه              لتقضى من مفروضها كل واجب
عسى دعوة يزكو بها حسناته            فيحظى من الحسنى بأسنى المواهب
فمن سئل اللَّه الكريم أجابــــه            وجاوره الإقبال مـــــــن كل جانــــــــب

انتهى».
الشبهة السابعة:
إن استمرار غيبة الإمام المهديّ على الوجه الذي تزعمه الشيعة الإمامية من حيث عدم ظهوره للناس، ولا يتولّى إقامة الحدود ولا ينفذ الأحكام ولا تظهر له دعوة إلى حقّ، ولا يهدي ضالاً ولا يجاهد كافراً، فمنع انتفاء هذه الفوائد عنه بطلت الحاجة إليه في حفظ الشرع والملّة، وكان وجوده في العالم كعدمه.

يرد عليها:
(1) إنّ الأمر بخلاف ما ذكرته الشبهة وذلك لأن غيبة الإمام المهدي المنتظر عجّل اللَّه فرجه الشريف لا تضرّ في الحاجة إليه في حفظ الشريعة وقوام الملّة، وإن كان يتراءى ذلك ذي بدء إلاّ أن الواقع يخالفه ويناهضه، ألا ترى أن الدعوة إلى إمام الزمان  التي هي في الواقع دعوة إلى دين اللَّه عزّ وجلّ لأنه  روحي فداه  يمثّل التوحيد بشتى أقسامه  إنما يتولاّها شيعته من العارفين به والمخلصين لشخصه الكريم فتقوم الحجّة حينئذٍ بهم في ذلك، ولا يحتاج هو إلى تولّي ذلك بنفسه، وله في ذلك أسوة بمن تقدّمه من المرسلين والأنبياء والأوصياء (عليهم السَّلام) حيث كانت دعواتهم تنتشر بواسطة نوابهم ووكلائهم لا سيّما رسول اللَّه إذ كان له وكلاء في الأمصار والأقطار ينوبون عنه في تبليغ الأحكام والمهام، ولا يحتاجون إلى قطع المسافات لذلك بأنفسهم، فكانت الحجة تصل إلى الناس بأتباع الأنبياء والمقرّين بنبوتهم‏ (عليهم السَّلام)، وهكذا كانت الدعوة إليهم تقوم بأولئك التابعين لهم‏ (عليهم السَّلام) بعد وفاتهم، وتثبت الحجّة لهم في نبوّتهم، وكذلك إقامة الحدود وتنفيذ الأحكام ودرء الفساد، فقد كان المتولّي لها أُمراء الأئمة (عليهم السَّلام) وعمّالهم المنصوبون من قبلهم دون أشخاصهم وأعيانهم، كما كان يتولّى ذلك أمراء الأنبياء (عليهم السَّلام) وولاتهم ولا يحوجونهم إلى تولّي ذلك بأنفسهم، وكذلك القول في الجهاد، ألا ترى أنه يقوم به الولاة من قبل الأنبياء والأئمة دونهم، ويستغنون بذلك عن تولّيه بأنفسهم.
فعُلم بما ذكرنا آنفاً أن الذي أحوج إلى وجود الإمام‏ (عليه السَّلام) ومنع من عدمه ما اختُصّ به من حفظ الشرع ومراعاة حدوده، الأمر الذي لا يجوز أن يؤتمن عليه سواه من أفراد الرعية، كما أن على الرعية حفظ ما كُلّفوا بأدائه، فمتى وجد منهم قائماً بذلك فهو في سعة من الاستتار والصمت، ومتى وجدهم قد أطبقوا على تركه وضلّوا عن الطريق الحقّ فيما كلّفوه من نقله وحمله، ولو بإنضمامه إليهم من حيث لا يعرفونه، ظهر لتولّي ذلك بنفسه، ولا يسعه حينئذٍ إهمال القيام به، فلذلك وجب في حكم العقل وجوده وعدم جواز موته، الأمر الذي يمنعه من رعاية الدين وحفظه وتفقّده لأحوال من تمسّك به أو فارقه، وهذه هي الميزة التي يفترق بها الإمام عمّن سواه من رعيته، وهذا بيّنٌ لمن تدبره.
(2) إذا غاب الإمام‏ (عليه السَّلام)  روحي فداه  للخوف على نفسه من القوم الظالمين، فضاعت لذلك الحدود وأُهملت الأحكام وتعطلت الحدود، ووقع بسبب الغيبة الفساد في الأرض، كان المسؤول عن ذلك كلّه فعل الظالمين دون اللَّه عزّ وجلّ، وكانوا هم المجرمين المؤاخذين به دون الإمام‏ (عليه السَّلام)، نعم لو أماته اللَّه تعالى فوقع لذلك الفساد وارتفع لأجله الصلاح في البلاد، كان سببه فعل اللَّه دون العباد ولا يجوز نسبة سبب الفساد إلى اللَّه تعالى أو ما يوجب رفعه رفع الصلاح. من خلال ما ذكرنا يتضح الفرق بين موت الإمام‏ (عليه السَّلام) وغيبته واستتاره وثبوته.
الشبهة الثامنة:
إن غيبة الإمام المنتظر (عليه السَّلام) تستلزم سقوط الحدود عن الجُناة وهو عين القول بنسخ الشريعة، ولو قلنا بعدم نسخها فمن يقيمها حال غيبته؟
والجواب:
الحدود المستحقة ثابتة في حقّ الجناة والعصاة، فإن ظهر الإمام، وكان المستحق لهذه الحدود باقياً، أقامها عليه الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) حال ظهوره، فإن فات ذلك بموته كان الإثم في تفويت إقامتها على من أخاف الإمام وألجأه إلى الغيبة، وليس هذا بنسخ لإقامة الحدود، لأن الحدّ إنما يجب إقامته مع التمكن وزوال الموانع، ويسقط مع الحيلولة، وإنما يكون مع ذلك نسخاً لو سقط فرض إقامة الحدّ مع التمكن وزوال الأسباب المانعة. ثم يقلب هذا على العامة أصحاب الشُّبهة، فيقال لهم: كيف قولكم في الحدود التي تستحقها الجناة في الأحوال التي لا يتمكن فيها أهل الحل والعقد من اختيار الإمام ونصبه؟ فأي شي‏ء قالوه في ذلك قلنا مثله.
هذا مضافاً إلى أننا نسأل أصحاب الشبهة: كيف لا تقيمون الأحكام والحدود في وقتنا الحاضر مع أنكم لا تعتقدون بوجود الإمام‏ (عليه السَّلام)، فهل غيابه واستتاره هو المانع لكم من ذلك مع عدم اعتقادكم بوجوده، أم أن المانع هو جهات خارجية اقتضت عدم القدرة على إقامة ما ذكرتم؟ فلا شك أن المانع عندكم هو الثاني، وعليه فيتحقق مطلوبنا وهو أن المانع ليس غيابه وإنّما تصرفات العباد القبيحة فلا ملازمة حينئذٍ بين غيابه وسقوط الحدود عن الجناة.
الشبهة التاسعة:
إن الشيعة الإمامية يناقضون أنفسهم من حيث اعتقادهم بوجوب الإمامة وقولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام وظهوره وأمره ونهيه وتدبيره، واستشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل وتمكُّنه من البلاد والعباد، وفي نفس الوقت يقول الشيعة إن اللَّه تعالى قد أباح للإمام الغيبة عن الخلق، وسوّغ له الاستتار عنهم، وأن ذلك هو المصلحة وصواب التدبير للعباد، وهل هذا إلا التناقض الواضح الذي لا يقرّه العقل والدين؟.

والجواب:
إن الشبهة المذكورة انطلت على المخالف واستولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار ووجود الصلاح وأسباب الفساد، وذلك أن المصالح تختلف باختلاف الأحوال، ولا تتفق مع تضادّها، يل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر والاستصلاح بتغيّر آراء المستصلحين وأفعالهم وأغراضهم في الأعمال، ألا ترى أن الحكيم من البشر يدبّر ولده وأحبّته وأهله وعبيده وحشمه بما يكسبهم المعرفة والآداب، ويبعثهم على الأعمال الصالحة ليستحقوا بذلك الذكر الجميل وحسن الثناء والمديح، فيكونوا بذلك موضع ثقتهم واعتمادهم في الأمور كافّة إلى تجارة أو وكالة، فيمكنوهم من الأموال، فيحصل لهم السرور المتواصل، وينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات، وذلك هو الأصلح لهم، ومتى واصلوا الجدّ في العمل وأخلصوا فيه بأقوالهم، بما يوجب استمرار نشاطهم، سهّلوا عليهم السبل الموصلة إليه، وكان ذلك هو الصلاح العام، وما أخذوا بتدبيرهم إليه وأحبّوه منهم وأبرّوه لهم، وإن عدلوا عن ذلك إلى السفه والظلم، وسوء الأدب والبطالة، واللهو واللعب، كانت المصلحة لهم قطع موارد السعة عنهم في الأموال والاستخفاف بهم والإهانة والعقاب، وليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل، ولا تضادّ في صواب التدبير والصلاح.
وعلى هذا الوجه الذي حقّقناه كان تدبير اللَّه تعالى لخلقه، وإرادته عمومهم بالصلاح، ألا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم وكلّفهم الأعمال الصالحات ليكسبهم بذلك حالاً في العاجلة، ومدحاً وثناءً حسناً وإكراماً وإعظاماً وثواباً في الآجل، ويدوم نعيمهم في دار المقام، فإن تمسّكوا بأوامر اللَّه ونواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه، وسهّل عليهم سبيله، ويسّره لهم، وإن خالفوا ذلك وعصوه تعالى وارتكبوا نواهيه، تغيّرت الحال فيما يكون فيه صلاحهم، وصواب التدبير لهم لوجب قطع موادّ التوفيق عنهم، وحسُنَ منه ذمّهم وحربهم، وكان ذلك هو الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم مما كان يجب في الحكمة لو أحسنوا ولزموا السداد، فليس ذلك تناقضاً في العقل ولا تضاداً في قول أهل العدل، بل هو ملتئم على المناسب والاتفاق.
ألا ترى أنّ اللَّه تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به وإظهار التوحيد والإيمان برسله‏ (عليهم السَّلام) لمصلحتهم، وأنه لا شي‏ء أصوب في تدبيرهم من ذلك، فمتى اضطرّوا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم والأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار باللَّه والعدول عن إظهار التوحيد والمظاهرة بالكفر بالرسل، وإنما تغيّرت المصلحة بتغيّر الأحوال، وكان في تغيير التدبير الذي دبّرهم اللَّه به فيما خلقهم له مصلحة للمتّقين، وإنْ كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحاً منهم ومفسدة يستحقّون به العقاب الأليم.
وقد فرض اللَّه تعالى الحجّ والجهاد وجعلهما صلاحاً للعباد، فإذا تمكّنوا منه عمّت به المصلحة، وإذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه والكفّ عنه، وكانوا في ذلك معذورين وكان المجرمون به ملومين.
فهذا نظيرٌ لمصلحة الخلق بظهور الأئمة (عليهم السَّلام) وتدبيرهم إياهم متى أطاعوهم وانطووا على النصرة لهم والمعونة، وإنْ عصوهم وسعوا في سفك دمائهم تغيّرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم، وصارت المصلحة له ولهم غيبته وتغييبه واستتاره، ولم يكن عليه في ذلك لوم، وكان الملوم هو المسبّب له بإفساده وسوء اعتقاده.
ولم يمنع كون الصلاح باستتاره وجوب وجوده وظهوره، مع العلم ببقائه وسلامته وكون ذلك هو الأصلح والأولى في التدبير، وأنه الأصل الذي أجرى بخلق العباد إليه وكلّفوا من أجله حسبما ذكرناه.


الشبهة العاشرة:

يدّعي الشيعة أنّ إمامهم المهديّ غائب منذ ولد وإلى أن يظهر، فليس للخلق طريق إلى معرفته بمشاهدة شخصه ولا التفرقة بينه وبين غيره بدعوته فلا بدّ حينئذٍ من أن يظهر اللَّه تعالى الأعلام والمعجزات على يده ليدل بها على أنه الإمام المنتظر، وهذا مقام منحصر بالأنبياء والمرسلين، فإثبات المعجزة للإمام‏ (عليه السَّلام) عند قيامه، يعتبر خروجاً عن قول الأمة كلّها «أنه لا نبيّ بعد نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)".
والجواب:
(1) إن الأخبار قد جاءت عن أئمة الهدى من آباء الإمام المنتظر (عليه السَّلام) بعلامات تدل عليه قبل ظهوره وتؤذن بقيامه بالسيف قبل سنته: منها خروج السفياني وظهور الدّجال وقتل رجلٍ من ولد الإمام الحسن‏ بن عليّ‏ بن أبي طالب‏ (عليه السَّلام) يخرج بالمدينة داعياً إلى إمام الزمان فيذبحونه في مكة بين الركن والمقام، وخسف بالبيداء بأصحاب السفياني وقد شاركت العامةُ الخاصةَ في الحديث عن رسول اللَّه بأكثر هذه العلامات، وأنها كائنة لا محالة على القطع بذلك والثبات، وهذا بعينه معجزٌ يظهر على يده، ويبرهن به عن صحة نسبه ودعواه.
(2) إن ظهور الآيات على أيدي الأئمة (عليهم السَّلام) لا توجب لهم الحكم بالنبوة، لأنها ليست بأدلة تختص بدعوة الأنبياء من حيث دعوا إلى نبوّتهم، لكنّها أدلة على صدق الداعي إلى ما دعا إلى تصديقه فيه، فإن دعا إلى اعتقاد نبوته كانت دليلاً على صدقه في دعواه، وإن دعا الإمام إلى اعتقاد إمامته كانت برهاناً له على صدقه في ذلك، وإن دعا المؤمن الصالح إلى تصديق دعوته إلى نبوة نبيّ أو إمامة إمام أو حكم سمعه من نبيّ أو إمام كان المعجز على صحة دعواه.
وليس يختص ذلك بدعوة النبوة دون ما ذكرناه، وإن كان مختصاً بذوي العصمة من الضلال وارتكاب الموبقات والآثام، وذلك مما يصحّ اشتراك الأئمة مع الأنبياء في صحيح النظر والاعتبار، وقد أجرى اللَّه تعالى آية إلى مريم ابنة عمران حيث رزقها فاكهة من السماء وهو خرق للعادة وعلمٌ باهرٌ من أعلام النبوة، فقال عزّ وجلّ: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ، هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء.
ولم يكن لمريم‏ (عليها السَّلام) نبوّة ولا رسالة، لكنّها كانت من عباد اللَّه الصالحين المعصومين من الزلات، وأخبر سبحانه أنه أوحى إلى أمّ موسى وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ.
والوحي معجز من جملة معجزات الأنبياء (عليهم السَّلام)، ولم تكن أمّ موسى‏ (عليها السَّلام) نبيّة ولا رسولة، بل كانت من عباد اللَّه البررة الأتقياء، فما الذي ينكر من إظهار علم يدل على عين الإمام ليتميّز به عمّن سواه، لولا أن مخالفينا يعتمدون في حجاجهم لخصومهم الشبهات المضمحلات.
الشبهة الحادية عشرة:
قال ابن حجر الهيثمي المكي: «ثم المقرّر في الشريعة المطهّرة أن الصغير لا تصح ولايته، فيكف يساغ لهؤلاء الحمقى المغفلين أن يزعموا إمامة من عمره خمس سنين وأنه أوتي الحكم صبياً، ولقد صاروا بذلك وبوقوفهم بالخيل على ذلك السرداب وصياحهم بأن يخرج إليهم ضحكة لأولي الألباب، ولقد أحسن القائل:

ما آن للسرداب أن يلد الذي                كلمتموه بجهلكم ما آنا
فعلى عقولكم العفاء فإنكــــم                 ثلّثتم العنقاء والغيلانا

• يؤسفنا أن ينعتنا بالحمقى والغفلة من يدّعي لنفسه الحجى والفكر والعلم، ويعتبره العامة عَلَماً من أعلامهم الذين يُشار إليهم بالبَنَان، فشرّع لأُناس أتوا من بعده السباب والتكفير للشيعة لاعتقادهم بغيبة الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام)، فلم يقف هو وأتباعه على روح الشريعة، ولم يعرفوا شيئاً من أصولها وفروعها سوى ما قرره لهم ابن تيمية وابن حجر والقصيمي وغيرهم من إرهابيي الفكر وحملة السيوف للفتك بكلّ شيعي لا يعتقد بإمامة الشيخين لا سيّما السلفية في زماننا هذا حيث ترجع في جذورها إلى ابن تيمية الحنبلي الذي استغرق هو وأتباعه في سفك دماء الشيعة، ومثاله ما جرى على الشيعة في أفغانستان عام 1998م من جرّاء ما جناه الطالبان وابن لادن على شيعة آل البيت‏ (عليهم السَّلام)، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ويكفي في بطلان ما افتراه ابن حجر وابن تيمية على إمامنا المهديّ عجّل اللَّه فرجه الشريف ما ذكره ثلة من محققي العامة وأكابرهم على حياة الإمام الثاني عشر (عليه السَّلام)، مضافاً إلى قيام إجماعنا على ثبوت تولّده وغيبته، وهذا بدوره حجّةً دامغةً على من أنكر، وبرهاناً ساطعاً يستأصل شأفة شبهاتهم من جذورها.


يرد عليه:
1  إذا كان اعتقادنا  نحن الشيعة  بإمامة من عمره خمس سنين يلحقنا بالحمقى المغفلين  حسبما زعم ابن حجر الهيثمي  لزمه أن يلصق الحماقة والغفلة باللَّه تعالى  عزّ اسمه  لا بالشيعة الإمامية، وذلك لأن اللَّه تعالى آتى يحيى بن زكريا (عليه السَّلام) الحكم صبيّاً وجعله نبيّاً ووليّاً حيث قال تعالى عنه وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً وقد قرّرت شريعة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) هذا الحكم ولم تنسخه بآية ورواية متواترة عن رسول اللَّه، ونفي ابن حجر الصحة عن ولاية الصغير في شريعة الإسلام لم يعتمد فيه على دليل، وإلاّ كان عليه أن يذكره لنا سواء كان آية أم رواية متفقاً عليها تدل على نفي ولاية الصغير في الشريعة المطهّرة، فإن الحكم القطعي لا ينسخه إلاّ حكم قطعي مثله، وحيث إن ابن حجر لم يأت بدليل على نفيه، علمنا أن الشريعة المقدّسة قد قررت ولايته ولم تنفها أبداً، وكيف لا تصح ولاية الصغير في الشريعة المطهّرة، والنصوص المتواترة دلت على ولايته وإمامته بعد أبيه؟ وهل هذا من الهيثمي إلا اجتهاداً في مقابل النص المحجوج به؟!
ولإشتهار تلك النصوص النبوية وثبوت صحتها ترى الحافظ الكبير عند العامة وهو «الجامي» الذي يعتبر أقدم من الهيثمي بمئات السنين، وغيره من عظمائهم، يقول بعد ذكر تولّد الإمام المهديّ في كتابه شواهد النبوة:
[أما ألقابه: فالمهديّ والحجّة، والقائم والمنتظر وصاحب الزمان إلى غير ذلك.. وكان عمره وقت وفاة أبيه الحسن العسكري خمس سنين، فصار إماماً بعده مثل ما جعل اللَّه يحيى بن زكريا نبيّاً وهو صبي، وعيسى‏ بن مريم‏ (عليه السَّلام)، وظهر من صاحب الزمان من الخارق للعادة الكثير». ثم إنّه بيّن حاله عن طريق حفّاظ العامة، والرجل من معاريف أهل العلم من الشافعية، وليس هو من علماء الشيعة ولا متّهماً بالرفض حتى لا يقبل قوله.
والحمد للَّه أنه لم يسلم من العثرة فيما قاله، وقد بلغ إنكاره إلى حدّ التناقض، فها هو يسخر من الشيعة بقوله (ولقد صاروا بذلك ضحكة لأولي الألباب) وفي نفس الوقت وفي آخر الفصل الثالث في الأحاديث الواردة في أهل البيت ص208 من صواعقه يقول: «ولم يخلف  أبو محمّد الخالص  غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه اللَّه فيها الحكمة، وسمّي القائم المنتظر».
ولو لم يكن إلاّ هذا التناقض لكفى دليلاً على بطلان قوله.
وأما فريته على الشيعة «بأنهم يقفون بخيلهم على ذلك السرداب وصياحهم بأن يخرج إليهم فصاروا بذلك ضحكة لأولي الألباب» فيقال فيه:
أليس من المؤسف أن يتحامل الهيثمي هذه الحملات على طائفة ما برحت مؤمنة باللَّه وبرسوله وبكل ما جاء به من عند اللَّه، ولم تشرك به طرفة عين أبداً، ويحكم عليهم بشي‏ء يكذّبه العيان، ويشهد بفريته الوجدان؟
وليت ابن حجر يدلنا على المستند الذي اعتمده بفريته على الشيعة، ومن الذي قاله؟ وفي أي زمان وقع؟ ومن هم شهوده؟ وفي أي كتاب هو مسطور؟ ليكون ذلك تبريراً له عمّا رمى به الشيعة من البهتان، وحيث إنه أهمل ذلك كله واكتفى بالدعوى المجردة، علمنا أن ذلك كذب لا أصل له، وها هم الشيعة يزورون السرداب كما يزور العامة الأماكن المقدّسة يلتمسون فيها البركة وإجابة الدعاء، مضافاً إلى أن الشيعة «سدّدهم المولى» حينما يزورون السرداب يتوسلون برسول اللَّه وعترته الطاهرة ومنهم الإمام الثاني عشر المهديّ روحي فداه ليقضوا حوائجهم، ومعلوم أن التوسل بالأولياء أمر مشروع عقلاً ونقلاً وجميع المسلمين يقرون بذلك سوى ابن تيمية والحنابلة، فما الضير إذن أن يتوسل الشيعة بإمام زمانهم المهديّ‏ (عليه السَّلام) وقد قضى حوائج الكثيرين ممن توسّل به.
(2) إن الإمامة عند الشيعة الإمامية كالنبوّة لا تحصلان باختيار الناس، وإنما هما منصبان إلهيان، أمر تفويضهما إلى اللَّه تعالى واختياره لمن يكون أهلاً لهما، ولهذا لا يستبعد أن يقع اختياره عزّ وجلّ على من كان في المهد صبيّاً كعيسى‏ (عليه السَّلام) حيث جعله اللَّه تعالى نبياً وقد كلّم قومه وعمره ساعات بقوله تعالى: فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً، قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً كما لا يستبعد أن يقع اختياره أيضاً على يحيى‏ بن زكريا حال كونه صغيراً حيث قال عنه: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً، وعليه فما المانع أن يقع اختياره عزّ وجلّ على الإمام المهديّ فيجعله إماماً في سنّ الرابعة أو الخامسة من عمره؟ وهل في ذلك استحالة عقلية تستلزم أن يستنكر علينا ويستهزئ بنا ابن حجر وأمثاله؟! لقد احتج اللَّه تعالى على المنكرين، فأبدع حيث وهب في وقتنا الحاضر الطفل الافريقي «شريفو» معارف القرآن الكريم وهو بعدُ لم يتجاوز الخامسة من عمره، كما أنه سبحانه أفاض على الطفل الإيراني النابغة السيّد محمّد حسين الطباطبائي من مواليد قم المقدّسة حيث رُزق حفظ القرآن وفهم معانيه وأسراره ولم يتجاوز الرابعة من عمره، ويجلس تحت منبره العلماء والمفكرون، وقد نال درجة الدكتوراه بامتياز من إحدى جامعات بريطانيا، كما أن المطّلعين لم يخف عليهم أمر الطفل الياباني الذي لم يتجاوز سن السابعة من عمره، عندما قطع المرحلة الجامعية بتفوق، أبعد هذا يقال: «كيف ساغ لهؤلاء الحمقى المغفلين أن يزعموا إمامة من عمره خمس سنين وأنه أوتي الحكم صبياً»؟!
(3) إن حالة الرشد العقلي ليس لها سنّ معين، فربّ فرد يكون راشداً وهو ابن خمس سنين في حالات خاصة ومواصفات معينة، شاءت القدرة الإلهية ذلك لمقتضيات ذاتية عند صاحبها، وعلى العكس من ذلك قد لا يكون الفرد راشداً نتيجة نقصٍ ذاتي عنده حتى ولو كان ابن خمسين سنة.
فما المانع  إذن  لو أنه سبحانه وتعالى جعل سنّ الرشد عند الإمام‏ (عليه السَّلام) في سنّ الخامسة، وهل في ذلك استحالة عقلية أو أنه من الممكنات الواقعة تحت قدرته تعالى؟
فإذا كان إتيان النبوّة وتعليم الكتاب لصبيّ في المهد وأعطاء الحكم  وهو فصل النزاعات ومعرفة الأشياء على حقائقها  ليحيى حال صباه ممكناً، فلا يمتنع ذلك عليه تعالى أن يجعل الإمامة للحجّة المهديّ‏ (عليه السَّلام) وهو صبي إكراماً لجدّه رسول اللَّه وله صلّى اللَّه عليه وعلى آبائه الميامين، وليكون دليلاً على بقاء هذا الدين واستمراره، ولئلا يخلو الزمان من أهل بيت محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) لقول جدّهم في حديث الثّقلين «إني تارك فيكم الثّقلين: كتاب اللَّه وعترتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
الشبهة الثانية عشرة:
إنّ وجود الإمام إنّما يكون لطفاً فيما إذا كان ظاهراً زاجراً قاهراً، أما في حال غيبته فلا لطف في ذلك.
يرد عليها:
1  إنّ ما تصوّره أصحاب الشبهة لم يتفوه به أحدٌ من العقلاء فضلاً عن المتدينين لأن جلَّ الأنبياء كانوا مقهورين مشردين بل مقتولين على أيدي الظالمين السفّاكين، وعليه فيلزم على القول بهذه الشبهة أن وجود الأنبياء لا لطف فيه لما ذكرنا آنفاً، فتنتفي حينئذٍ الفائدة من بعثهم إلى الناس مما يستلزم العبث في أفعال المولى عزّ وجلّ وهو قبيح عقلاً يتنزّه عنه عزّ اسمه، فلا بدّ من الالتزام بعدم الملازمة بين اللطف وبين كونهم ظاهرين قاهرين، فلا يلزم أن لا يكون الظاهر لطفاً مقرّباً للعباد إلى الطاعة ومبعّداً عن المعصية، لأن اللطف لا ينحصر في الظاهر فحسب، فإن من له مدخلية في طاعة العباد سواءٌ أكان ظاهراً أم غائباً عن الأبصار كجبرائيل وسائر الملائكة كان وجودهم لطفاً بمعنى أنهم لو لم يكونوا لم تقع أكثر الطاعات لكونهم حافظين مسددين مؤيدين مبلّغين للأنبياء والأولياء الوحي، فاللطف غير منحصر في الظاهر، بل وجوده في الغائبات أكثر منه في الظواهر.
من هنا يتضح الجواب على ما قد يُقال بأن وجود الإمام المهديّ روحي فداه وعدمه سيّان ما دام الناس لا ينتفعون به لكونه غائباً عنهم.
2  إن الغيبة لا تلازم عدم التصرف في الأمور، فهو يتصرّف بالكائنات على حسب ما تقتضيه المصلحة الربانية من دون أن تشعر بوجوده تماماً كخرق الخضر (عليه السَّلام) للسفينة دون علم أصحابها، وإلاّ لكانوا منعوه من خرقها، فخرقه للسفينة لمصلحةٍ كانت خافية على أصحاب السفينة، كذلك قتل الغلام وإقامة الجدار كان خافياً على النبيّ موسى‏ (عليه السَّلام) بحسب الظاهر، فأي مانع من أن يكون للإمام الغائب (عجّل اللَّه فرجه الشريف) في كل يوم وليلة تصرّف كهذا النمط من التصرفات، ويؤيده ما ورد من أنه‏ (عليه السَّلام) يحضر الموسم في أشهر الحج ويلتقي بأنصاره وأعوانه، ويصاحب الناس إلى غير ذلك، ومع هذا فالناس لا يعرفونه.
وزبدة المخض: إنّ مولانا وسيّدنا الإمام المهديّ _ فديته بنفسي _ ليس غائباً عن كل العباد بل يظهر لبعض خواص مواليه الذين لهم الشرف بلقائه والاستفادة من نور وجوده، وبالتالي تستفيد الأمة بواسطتهم، ويؤيد ذلك ما ورد عن رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أنه قال لجابر الأنصاري حينما سأله عن الإمام المهديّ عجّل اللَّه فرجه الشريف في آخر الزمان، قال: ذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبةً لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن اللَّه قلبه للإيمان.
قال جابر: يا رسول اللَّه فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟
قال رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم): أي والذي بعثني بالنبوّة إنّهم يستضيئون بنوره وينتفعون بولايته في غيبته كإنتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب.
وورد عن مولانا الإمام الصادق‏ (عليه السَّلام) قال:
لم تخل الأرض منذ خلق آدم من حجة للَّه فيها ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة للَّه فيها، ولولا ذلك لم يعبد اللَّه، قال سليمان: فقلت للصادق‏ (عليه السَّلام): فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور؟
قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب.
وكذا ما ورد عن مولانا وسيّدنا الإمام المهديّ _ روحي لتراب نعليه الفداء _ في توقيعه لإسحاق‏ بن يعقوب على يد السفير الثاني في الغيبة الصغرى محمّد بن عثمان، قال‏ (عليه السَّلام):
«وأمّا علة ما وقع من الغيبة فإن اللَّه عزّ وجلّ يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ إنّه لم يكن أحد من آبائي إلاّ وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي، وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالإنتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرجكم، والسلام عليك يا إسحاق‏ بن يعقوب وعلى من اتّبع الهدى.
إشارات عرفانية:
والتشبيه بالشمس المجلّلة بالسحاب ترمز إلى أمور:
الأول: أن نور الوجود والعلم والهداية، يصل إلى الخلق بتوسطه‏ (عليه السَّلام) إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق، فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم، وببركتهم والاستشفاع بهم، والتوسّل إليهم تظهر العلوم والمعارف على الخلق، وتُكشف البلايا عنهم، فلولاهم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب كما قال تعالى: وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ولقد تفضّل علينا اللَّه تعالى بالإنعام وتفريج الكرب عند انعلاق الأمور وإعضال المسائل  كما تفضّل على العلاّمة المجلسي أعلى اللَّه مقامه  لمّا توسّلنا بهم واستشفعنا بحقهم، فهذا حاصل لكلّ عبد أناب إلى ربّه وتوجّه إلى وجهه، وهم‏ (عليهم السَّلام) وجهه الذي لا بدّ للعباد أن يعرجوا إليه من خلالهم، إذ بقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم، تنكشف تلك الأمور الصعبة، وتنجلي الكُرب والبلوى.
الثاني: كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آنٍ انكشاف السحاب عنها وظهورها، ليكون انتفاعهم بها أكثر، فكذلك في أيام غيبته‏ (عليه السَّلام) ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان ولا ييأسون منه.
الثالث: أن منكر وجوده‏ (عليه السَّلام) مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار.
الرابع: أن الشمس قد يكون غيابها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب، فكذلك غيبته‏ (عليه السَّلام) أصلح لهم في تلك الأزمان، فلذا غاب عنهم.
الخامس: أن الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب، وربما عمي النظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربما يكون ظهوره أضرّ لبصائرهم، ويكون سبباً لعماهم عن الحق، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته، كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب ولا يتضرر بذلك.
السادس: أن الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون آخر فكذلك يمكن أن يظهر (عليه السَّلام) في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
السابع: أنهم‏ (عليهم السَّلام) كالشمس في عموم النفع، وإنما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسّر به في الأخبار قوله تعالى: وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً.
الثامن: أن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت، بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك، وبقدر ما يرتفع عنها من الموانع، فكذلك الخلق إنما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع عن حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانية، والعلائق الجسمانية، وبقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب.

تساؤل:
قلتم إن الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) موجود، ووجوده لطف، فلِمَ لا يظهر فيعم لطفه العالمين؟
قلنا: صحيح أن وجوده لطف، وتصرّفه ظاهراً لطف آخر، لكنّه لا يظهر لأنه يخاف على شيعته وعلى نفسه القتل، بمعنى لو ظهر قبل تحقق أوان الظهور لكان عجّل على نفسه وهذا لا يرتضيه اللَّه سبحانه، ولو كان عدم ظهوره غير ما ذكرنا لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمل المشاق والأذى، فإن منازل الأئمة وكذلك الأنبياء إنما تعظم لتحمُّلهم المشاق العظيمة في ذات اللَّه تعالى.
فإن قيل: هلا منع اللَّه عزّ وجل من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟
قلنا: إن الحيلولة بالمعجزة بين الإمام وبين من يريد قتله ينافي التكليف وينقض الغرض، لأن الغرض من التكليف استحقاق الثواب، والحيلولة ينافي ذلك، وربما كان في الحيلولة والمنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق فلا يحسن من اللَّه فعلها، فالمنع بهذا المعنى ينافي التكليف كما قلنا، وأما المنع الذي لا ينافي التكليف فهو النهي عن خلافه والأمر بوجوب اتباعه ونصرته وإلزام العباد بالانقياد إليه، وكل ذلك قد فعله اللَّه وأمر به عباده، وهو صحيح لا غبار عليه، فالعقل يقره والعقلاء يمضونه.
(فإن قيل): أليس آباؤه كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد؟
(قلنا): إن حاله يختلف عن حال آبائه الميامين، حيث إنهم كانوا مأمورين بعدم الخروج على سلاطين زمانهم لعدم توفر الأسباب والظروف لذلك، بل كانوا يعملون بالتقية حرصاً على ما تبقّى من المؤمنين، وانتظاراً منهم للإمام المهديّ الذي سيبيد العتاة والمردة بسيفه ولا يعمل بالتقية، فآباؤه إنما ظهروا للناس لعلمهم بأنهم لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامهم من أولادهم، وليس كذلك صاحب الزمان‏ (عليه السَّلام) لعدم وجود من يقوم مقامه بعده قبل حضور وقت قيامه بالسيف فلذلك وجب استتاره وغيبته، ففارق حاله حال آبائه وهذا واضح بعون اللَّه تعالى.
الشبهة الثالثة عشرة:
«إذا لم يمكن الوصول إلى إمام الزمان المهديّ المنتظر (عليه السَّلام) ولا أخذ المسائل الدينية عنه، فأي ثمرة تترتب على مجرد معرفته حتى يكون من مات وليس عارفاً به فقد مات ميتةً جاهلية حسبما ورد في المتواتر والمشهور، ويشهد له إجماع أهل الآثار ويقوّي معناه صريح القرآن بقوله تعالى: يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً، وقوله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً.
وعليه فكيف تجمعون بين هذا الخبر الصحيح وبين غيبة إمامكم‏ (عليه السَّلام) واستتاره عن الكل، وعدم علمهم بمكانه والوصول إليه؟

والجواب:
1  لا تنحصر الثمرة في مشاهدته وأخذ المسائل عنه، فإن كثيراً من المؤمنين باللَّه وبرسوله كانوا يأخذون الأحكام بالواسطة ومن دون أن يروا رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم)، وهكذا في عصور الأئمة من أهل البيت‏ (عليهم السَّلام)، لكنّ الفرق بين عصر النَّصّ وعصر غياب الإمام المهديّ واضح من حيث العمل بالأحكام الواقعية في العصر الأول دون الثاني حيث يغلب فيه العمل بالأحكام الظاهرية فقد تصيب الواقع وقد تخالفه، ومع هذا فإنّ الثمرة في كلا الموردين أعم من المشاهدة كما قلنا إذ إن نفس التصديق بوجوده الشريف وأنه خليفة اللَّه في الأرض والسماء أمر مطلوب لذاته، وركنٌ من أركان الإيمان، تماماً كتصديق من كان في عصر النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) بوجوده ونبوته، ويشهد لما قلنا حديث جابر المتقدّم.
2  لا مضادة بين المعرفة بالإمام وبين جميع ما ذُكر من أحواله، لأن العلم بوجوده في العالم لا يفتقر إلى العلم بمشاهدته، لمعرفتنا ما لا يصح إدراكه من الحواس، فضلاً عمّن يجوز إدراكه وإحاطة العلم بما لا مكان له أو عمّن يخفى مكانه والظفر بمعرفة المعدوم والماضي والمنتظر، وقد بشّر اللَّه تعالى الأنبياء المتقدّمين بنبيّنا أبي القاسم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) قبل وجوده في العالم فقال سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِنَ الشَّاهِدِينَ.
وقال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ.
فكان نبيّنا عليه وآله السلام مكتوباً مذكوراً في كتب اللَّه الأولى، وقد أوجب على الأمم الماضية معرفته والإقرار به وانتظاره، وهو (عليه السَّلام) وديعة في صلب آبائه لم يخرج إلى الوجود، ونحن اليوم عارفون بالقيامة والبعث والحساب وهو  أي البعث أو الحساب  معدوم وغير موجود، وقد عرفنا آدم ونوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى‏ (عليهم السَّلام) ولم نشاهدهم، ولا شاهدنا من أخبر عن مشاهدتهم، ونعرف جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل‏ (عليهم السَّلام) ولسنا نعرف لهم شخصاً ولا نعرف لهم مكاناً، فقد فرض اللَّه عزّ وجلّ علينا معرفتهم والإقرار بهم وإن كنا لا نجد إلى الوصول إليهم سبيلاً.
هذا مضافاً إلى أن معرفتنا بوجوده وإمامته وعصمته وكماله نفع لنا في اكتساب الثواب، وانتظارنا لظهوره عبادة نستدفع بها عظيم العقاب، ونؤدي بها فرضاً أوجبه علينا ربنا المالك للرقاب، فكما أن معرفة الأمم الماضية لنبيّنا محمّد قبل وجوده من أوكد فرائضهم يومذاك لأجل منافعهم، كذا معرفة الباري جلّ اسمه أصل الفرائض كلّها وهو أعظم من أن يُدْرك بشي‏ء من الحواس، فإن معرفة إمام الزمان من أوكد الفرائض أيضاً مع عدم اشتراط العلم بمكانه أو الوصول إليه، وإن كان هذان الأمران من شرائط كمال الإيمان.
الشبهة الرابعة عشرة:
إذا كان الإمام عندكم  أيُّها الشيعة  غائباً، ومكانه مجهولاً، فكيف يصنع المسترشد؟ وعلى ماذا يعتمد الممتحن فيما لو نزل به حادث لا يعرف له حكماً؟ وإلى من يرجع المتنازعون لا سيّما والإمام إنما نُصّب لما وصفناه؟

والجواب:
لم يُنَصَّب الإمام‏ (عليه السَّلام) لأجل هذين الأمرين فحسب  أعني الفصل بين المتخاصمين وبيان الحكم للجاهلين  بل مهامه أوسع منهما بحيث تشمل عامة مصالح الدنيا والدين، غير أنه إنما يجب عليه القيام فيما نصّب له مع التمكّن من ذلك والاختيار، وليس يجب عليه شي‏ء لا يستطيعه، ولا يلزمه فعل الإيثار مع الاضطرار، ولم يؤت الإمام في التقية من قبل اللَّه عزّ وجلّ ولا من جهة نفسه وأوليائه المؤمنين، وإنما أُوتي ذلك من قبل الظالمين الذين أباحوا دمه ودفعوا نسبه وأنكروا حقّه وحملوا الجمهور على عداوته ومناصبة القائلين بإمامته، وكانت البلية فيما يضيع من الأحكام ويتعطل من الحدود، ويفوت من الصلاح متعلقة بالظالمين، وإمام الأنام بري‏ءٌ منها وجميع المؤمنين، فأما الممتحن بحادث يحتاج إلى علم الحكم فيه فقد وجب عليه أن يرجع في ذلك إلى العلماء المخلصين من شيعة الإمام وليعلم ذلك من جهتهم بما استودعوه من أئمة الهدى المتقدمين، وإن عُدم ذلك، ولم يكن فيه حكم منصوص على حال فيعلم أنه على حكم العقل، لأنه لو أراد اللَّه أن يتعبّد فيه بحكم سمعي لفعل ذلك، ولو فعله لسهّل السبيل إليه. وهكذا القول في المتنازعين، يجب عليهما ردّ ما اختلفا فيه إلى الكتاب والسنّة عن رسول اللَّه وآله الطاهرين ويستعينوا في معرفة ذلك بعلماء الشيعة وفقهائهم.
وهذا الذي وصفناه إنما وجب على المكلّف الاعتماد عليه والرجوع إليه عند الضرورة بفقد الإمام المرشد، ولو كان الإمام ظاهراً ما وسعه غير الردّ إليه، والعمل بقوله، وهذا كقول خصومنا: إن على الناس في نوازلهم بعد النبي‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) أن يجتهدوا فيها عند فقدهم النصّ عليها، ولا يجوز لهم الاجتهاد واستعمال الرأي بحضرة النبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم).
إن قيل: إذا كانت عبادتكم تتم بما وصفتموه مع غيبة الإمام فقد استغنيتم عن الإمام‏ (عليه السَّلام)؟
قلنا: ليس الأمر كذلك، لأن الحاجة إلى الشي‏ء قد تكون قائمة مع فقد ما يسدها، ولولا ذلك ما كان الفقير محتاجاً إلى المال مع فقده، ولا المريض محتاجاً إلى الدواء وإنْ بعُدَ وجوده، ولا الجاهل محتاجاً إلى العلم وإن عَدُم الطريق إليه، فغيبته عنا لا تستلزم عدم الحاجة إليه، ولو لزمنا ما أفادته الشبهة المذكورة للزم على جميع المسلمين أن يقولوا إن الناس كانوا في حال غيبة النبيّ‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) للهجرة وفي الغار أغنياء عنه، وكذلك لكانت حالهم في وقت استتاره بشعب سيّدنا أبي طالب‏ (عليه السَّلام)، ولكان قوم موسى‏ (عليه السَّلام) أغنياء عنه في حال غيبته عنهم لميقات ربه، وكذلك أصحاب يونس‏ (عليه السَّلام) أغنياء عنه لمّا ذهب مغضباً والتقمه الحوت وهو مليم، وهذا مما لا يذهب إليه مسلم ولا ملّي.
الشبهة الخامسة عشرة:
إن الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) هو عيسى‏ بن مريم‏ (عليه السَّلام) حسبما أفاد ذلك حديث محمّد بن خالد الجندي تفرّد به عن أبان‏ بن صالح عن الحسن عن أنس‏ بن مالك عن النبيّ نسبوا إليه أنه قال: لا يزداد هذا الأمر إلاّ شدة ولا الدنيا إلا إدباراً ولا الناس إلاّ شحاً ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس، ولا المهديّ إلاّ عيسى‏ بن مريم.
يرد عليها:
إن محمّد بن خالد الجندي كان يتساهل في الحديث على حدّ تعبير الكنجي الشافعي في كتابه «البيان»، وقال الذهبي: [محمّد بن خالد الجندي، عن أبان‏ بن صالح، روى عنه الشافعي، وقال الأزدي: منكر الحديث، وقال عبدفللَّه الحاكم: مجهول، قلت: حديثه «لا مهديّ إلا عيسى ابن مريم» وهو خبر منكر أخرجه ابن ماجة..].
ولمّا كان الخبر ضعيفاً لا يمكن تقديمه  وحتى لو كان صحيحاً  على الأخبار المتواترة حيث استفاضت بكثرة رواتها في الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) وأنه من عترة نبيّنا محمّد من ولد الصدّيقة فاطمة (عليها السَّلام) وأنه يخرج في زمنه عيسى‏ بن مريم فيصلّي خلفه ويساعده على قتل الدجال بباب لدّ بأرض فلسطين، هذا مضافاً إلى تواتر الأخبار بأن اسمه محمّد، فلا يصح حينئذٍ تقديم الخبر الواحد الثقة  عدا عن الضِعف  على الأخبار المتواترة.
الشبهة السادسة عشرة:
إن الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) فكرة ابتدعها الشيعة، ومبتدع هذه الشُّبهة هو المستشرق دوايت رونلدسن في كتابه «عقيدة الشيعة» ص231 حيث أوعز فكرة المهدويّة إلى فشل الشيعة واضطهاد الأعداء لهم فقال: «من المحتمل جداً أن الفشل الظاهر الذي أصاب المملكة الإسلامية في توطيد أركان العدل والتساوي على زمن دولة الأمويين عام 132  41ه كان من الأسباب لظهور فكرة المهديّ آخر الزمان».

والجواب:
نحن لا نستغرب من كلام هذا المستشرق الحاقد على الإمامية، فقد سبقه إلى ذلك ابن خلدون، وقلدهما أحمد أمين في كتابه ضحى الإسلام متنكراً من القضية المهدوية ومدعياً أن لها أسباباً سياسية واجتماعية ودينية، وأنها انبثقت من الشيعة بعد خروج الخلافة من أيديهم، فأحمد أمين وابن خلدون وأمثالهما لا يمثّلون الشيعة والأشاعرة، بل هم أناسٌ انعزاليون بحاجة إلى رعاية فكرية.
ونحن نسأل أحمد أمين وأمثاله من النواصب: إذا كان الشيعة هم المخترعون لهذه الفكرة، فماذا يفعل بمئات الأحاديث التي رواها علماؤه وأساتذته في مصر وغيرها من الديار في مصادرهم وبطرقهم وأسانيدهم؟! ولماذا لم يكلّف أحمد أمين نفسه مناقشة هذه الأحاديث في إسنادها ومتونها، مكتفياً بشطحة قلم تطيح بمئات الأحاديث بل الألُوف، فهل يا ترى كل هذه الأخبار من صنع الشيعة الإمامية، وإذا كانت من صنعهم، فلماذا أخذ بها كبار علماء العامة ودافعوا عنها بكلّ قوة؟! فلا يخلو الأمر حينئذٍ من شيئين:
إما تواطؤ علماء العامة مع الشيعة، وإما جهلهم بطرق الحديث ومتونه؛ وكلاهما لا يقرّ بهما أحمد أمين وأمثاله، فيثبت أنّ ما ادّعاه الشيعة ليس من مبتدعاتهم وإنما هو من وحي السماء نزل على سيّد المرسلين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) الذي أخبر عن حفيده الإمام المهديّ ابن الحسن العسكري‏ (عليه السَّلام) فنحن نؤمن بما جاء به خاتم الأنبياء والمرسلين رغماً لأنفيّ ابن خلدون وأحمد أمين.
وأما ابن خلدون الذي طعن في تواتر الأحاديث الواردة بشأن الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) وأنكر إفادتها لظهوره‏ (عليه السَّلام)، فقد ردّ عليه أحد أكابر علماء العامة ومن أعاظم المحقّقين عندهم في كتابه «إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون أو المرشد المبدي لفساد طعن ابن خلدون في أحاديث المهدي» وصاحبه أحمد بن محمّد بن الصديق أبو الفيض الغماري الحسني الأزهري الشافعي المغربي (المتوفى عام 1380هـ) قال في مقدّمة ردّه على ابن خلدون:
«وقد كثر في الناس اليوم ممن يخفى عليه هذا التواتر ويجهله ويبعده عن صراط العلم جهله ويضلّه من ينكر ظهور المهدي وينفيه ويقطع بضعف الأحاديث الواردة فيه مع جهله بأسباب التضعيف وعدم إدراكه معنى الحديث الضعيف وتصوّره مبادى‏ء هذا العلم الشريف وفراغ جرابه من أحاديث المهدي الغنيّة بتواترها عن البيان لحالها والتعريف، وإنّما استناده في إنكاره مجرد ما ذكره ابن خلدون في بعض أحاديثه من العلل المزوّرة المكذوبة ولمز به ثقات رواتها من التجريحات الملفّقة المقلوبة مع أنّ ابن خلدون ليس له في هذه الرحاب الواسعة مكان، ولا ضرب له بنصيب ولا سهم في هذا الشأن، ولا استوفى منه بمكيال ولا ميزان فكيف يعتمد فيه عليه ويرجع في تحقيق مسائله إليه. فالواجب دخول البيت من بابه، والحقّ الرجوع في كلّ فنّ إلى أربابه فلا يقبل تصحيح أو تضعيف إلاّ من حفّاظ الحديث ونقّاده:


فاعن به ولا تخض بالظنّ                       ولا تقلّد غير أهل الفنّ

ولمّا لم أرَ أحداً تصدّى للرد عليه فيما علمت ولا بلغني ذلك عن أحد فيما رويت وسمعت بعثني باعث الغيرة الدينية الأثرية، وحثّني فضل الانتصار والذّب عن السنّة النبويّة على أن أدحض حججه الباطلة وأردّ شبهه الفاسدة العاطلة، فكتبت على ضعف في الاستعداد وقلّة من الموادّ هذه الرسالة، واختطفت من بين أنياب العوائق هذه العجالة بعد أنْ فهمت مراميه وتدبّرت كلامه، فإذا هو مموّه بشبهٍ واهية يعارض بعضها بعضاً؛ مركّب من مقدمات وهميّة موهمة تناقض نتائجها نقضاً؛ مؤلف من مغالطات يُخيَّل للناظر أنها حجج قوية ترفض النزاع رفضاً؛ محشوّ بتعسفات تغض من صاحبها غضاً، ومجازفات تحط من قدره وتنقص منه طولاً وعرضاً..».
وقال في موضع آخر: [فإن الساعة آتية لا ريب فيها قريبة مقبلة بما فيها وإنّ لإتيانها أعلاماً ولقيامها أشراطاً، ألا وإن من أعلامها الصريحة وأشراطها الثابتة الصحيحة ظهور الخليفة الأكبر والإمام العادل الأشهر الذي يحيي اللَّه به ما درس من آثار السنّة النبوية واندثر ويميت به ما شاع من ضلالات أهل البدع وذاع وانتشر ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت بظلم من جار وفجر ويحثو المال حثياً ولا يعدّه عدّاً لكلّ مَن صَلُحَ وبر إمام العترة الطاهرة المصطفوية محمّد بن عبد اللَّه المنتظر، فقد تواترت بكون ظهوره من أعلام الساعة وأشراطها الأخبار وصحّت عن رسول اللَّه‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في ذلك الآثار وشاع ذكره وانتشر خبره من الكافة من أهل الإسلام على ممرّ الدهر والأعصار، فالإيمان بخروجه واجب واعتقاد ظهوره تصديقاً لخبر الرسول محتم لازب كما هو مدوّن في عقائد أهل السنّة والجماعة من سائر المذاهب ومقرّر في دفاتر علماء الأمة على اختلاف طبقاتها والمراتب.
ففي «التذكرة» للإمام القرطبي و«فتح الباري» لأمير الحفّاظ العسقلاني نقلاً عن الحافظ أبي الحسين الآبري أنه قال ردّاً لحديث ابن ماجة الموضوع الآتي فيه أنه «لا مهدي إلا عيسى» ما نصّه: «قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى‏ (صلّى الله عليه وآله وسلَّم) في المهدي وأنه من أهل بيته وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى‏فعليه الصلاة والسلام يخرج فيساعده على قتل الدّجال، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى خلفه في طول من قصته وأمره..». وممن نصَّ على تواتر أحاديث المهدي أيضاً الحافظ شمس الدين السخاوي في «فتح المغيث» والحافظ جلال الدين السيوطي في «الفوائد المتكاثرة في الأحاديث المتواترة» واختصاره «الأزهار المتناثرة» وغيرهما من كتبه، والعلاّمة ابن حجر الهيثمي في «الصواعق المحرقة» وغيره من مصنّفاته، والمحدّث الزرقاني في شرحه ل«المواهب اللدنّية» وجمّ غفير من الحفاظ النقّاد والمحدّثين المتقنين لفنون الأثر. وذكر القنوجي في «الإذاعة لما كان وما يكون بين يديّ الساعة» أنّ القاضي أبا عبدفاللَّه محمّد بن عليّ الشوكاني ألّف في إثبات تواتر أخباره كتاباً أسماه: «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح» ونقل عنه أنه قال فيه: «والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثاً فيها الحسن والصحيح والضعيف المنجبر وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحرّرة في الأصول؛ وأما الآثار عن الصحابة المصرّحة بالمهدي فهي كثيرة لها حكم الرفع إذْ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك».
وقال القنوجي في كتابه المذكور: «والأحاديث الواردة في المهدي على اختلاف رواياتها كثيرة جداً تبلغ حدّ التواتر وهي في السنن وغيرها من دواوين الإسلام من المعاجم والمسانيد. وقد اضجع القول فيها ابن خلدون في مقدمة تاريخه حيث قال: يحتجون في الباب بأحاديث خرّجها الأئمة وتكلّم فيها المنكرون وربّما عارضوها ببعض الأخبار إلى آخر ما قال وليس كما ينبغي فإنّ الحق الأحق بالإتباع والقول المحقق عند المحدثين المميزين بين الدار والقاع أنّ المعتبر في الرواة رجال الحديث أمران لا ثالث لهما وهما: الضبط والصدق دون ما اعتبره أهل الأصول من العدالة وغيرها فلا يتطرق الوهن إلى صحة الحديث بغير ذلك، كيف؟! ومثل ذلك يتطرق إلى رجال الصحيحَيْن وأحاديث المهدي عند الترمذي وأبي داود وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبي يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة؛ فتعرُّض المنكرين لها ليس كما ينبغي، والأحاديث يشدّ بعضها بعضاً ويتقوّى أمرها بالشواهد والمتابعات، وأحاديث المهدي بعضها صحيح وبعضها ضعيف وأمره مشهور بين الكافّة من أهل الإسلام على ممر الأعصار».
وقال السفاريني في «الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضيّة»:


وما أتى في النص ما أشراط               فكلّه حق بلا شطاط
منها الإمام الخاتم الفصيح                 محمّد المهديّ والمسيح

وقال في شرحه المسمى ب«لوائح الأنوار البهيّة وسواطع الأسرار الأثرية»: «قد كثرت الأقوال في المهدي حتى قيل: لا مهدي إلا عيسى، والصواب الذي عليه أهل الحق أنّ المهدي غير عيسى وأنه يخرج قبل نزول عيسى‏ (عليه السَّلام)، وقد كثرت بخروجه الروايات حتى بلغت حدّ التواتر المعنوي وشاع ذلك بين علماء السنّة حتى عُدَّ من معتقداتهم» ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة فيه من طريق جماعة من الصحابة وقال بعدها: «وقد رُوي عمّن ذكر من الصحابة وغير من ذكر منهم بروايات متعددة وعن التابعين من بعدهم مما يفيد مجموعه العلم القطعيّ فالإيمان بخروج المهديّ واجب كما هو مقرّر عند أهل العلم ومدوّن في عقائد أهل السنّة والجماعة».
وفي «المراصد»:

وما من الأشراط قد صحّ الخبر            به عن النبي حـق ينتظر
وخبر المهـدي أيضـاً وردا              ذا كثرة في نقله فاعتضدا

قال شارحه في «مبهج المقاصد»: «هذا أيضاً مما تكاثرت الأخبار به وهو المهدي المبعوث في آخر الزمان ورد في أحاديث السخاوي أنها وصلت إلى حدّ التواتر].
وأما ما ادّعاه رونلدسن فجوابنا عليه:
(1) إذا كانت فكرة المهدويّة نتيجة فشل الشيعة واضطهادهم، فهل أن اعتقاد أكابر علماء العامة وروايته لأحاديث المهديّ حيث بلغت فوق الاربعمائة خبر بطرق متعددة كان نتيجة فشلهم واضطهاد الآخرين لهم؟ ومن أين علم رونلدسن ذلك؟
(2) لقد قام الإجماع بين المسلمين وتصافقت عليه الأخبار المتواترة والتي بلغت المئات، كلها دلت على أن خروج المهديّ‏ (عليه السَّلام) من المحتوم الذي لا يتخلّف وأنه‏ (عليه السَّلام) يصلِّي عيسى‏ بن مريم خلفه ويبسط العدل ويرفع الظلم، وليس الشيعة وحدهم الذين رووا هذه الأخبار، مضافاً إلى أن تاريخ صدور هذه الأخبار كان قبل نشوء الدولة الأموية عام 41هـ وسقوطها عام 132هـ، وعليه فما ادّعاه ذاك المستشرق الخبيث ما هو إلا افتراء على الشيعة الإمامية وإمامهم المغيّب عن دول الكافرين، والمستتر عن أعين الظالمين.
الشبهة السابعة عشرة:
إنّ عدم التفات الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) إلى أنصاره بعدم رفع الظلم عنهم دليل عدم وجوده وذلك لأن الإمام المهدي لو كان موجوداً لرفع الظلم المتوجه إلى شيعته وأنصاره، لكونه شخصاً  على فرض صحة ما يقول الشيعة  يشعر بالمسؤولية والعطف تجاه أصحابه تماماً كما كان أجداده، فهو لا محالة رافع للظلم عنهم أو مشاركتهم في العمل ضده، مع أنه لم يعمل ذلك، بالرغم من أن المظالم في التاريخ كثيرة وشديدة، إذن فهو غير موجود. وقد تبنى هذه الشبهة رونلدسن أيضاً في كتابه حيث قال:
«وفي القرن التالي لغيبة الإمام استلم البويهيون زمام السلطة الزمنية، فبذلوا جهوداً كبيرة لتوحيد الطائفة الشيعية وتقويتها، كبناء مشاهدها وجمع أحاديثها وتشجيع علمائها ومجتهديها، ومع ذلك فلم يظهر الإمام المنتظر في هذا القرن الذي كانت الطائفة الشيعية تتمتع فيه بحسن الحال ومر قرن آخر زالت فيه دولة حماة الشيعة من البويهيين، ولكنّ الإمام بقي في غيبته الكبرى، ومرّ قرن ثالث يمتاز بالظلم والثورات وتحكم المماليك، ولكنّ الإمام الذي كانوا يرتجون ظهوره لم يظهر، وجاء دور الحروب الصليبية التي اشترك فيها (آل البيت) دون أن يكون لهم إمام، فمن الجانب الإسلامي كانت السلطة لإعلان الجهاد تنحصر بيد بني العبّاس والفاطميين المارقين في مقاومة الجيوش الغازية للشعوب المسيحية بالاسم في أوروبا، ولكن الإمام أخّر ظهوره، وبعد مرور أربعة قرون على وفاة آخر الوكلاء في القرن الثالث عشر اجتاح الغزاة المغول بلاد إيران يقتلون ويهدمون بقساوة لا مثيل لها، وبالرغم من التخريب والآلام فإن «صاحب الزمان» المنتظر بفارغ الصبر لم يظهر، وحتى في ابتداء القرن السادس على زمن شيوخ آذربيجان والدولة الصفوية لم يتصل الإمام الغائب بشيعته إلا بالطيف، فكان يظهر لهؤلاء الملوك كما يدّعون!!».

يورد عليه:
أولاً: يجب أن لا نتوقع من الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) الظهور الكامل، تحت أي ظرف من الظروف، باعتباره مذخوراً لنشر العدل الكامل في العالم كله، لا لرفع المظالم الوقتية، ولا بدّ أن لا يغيب عن بالنا أيضاً أن الإسراع بالظهور قبل أوانه يوجب جزماً فشل التخطيط الإلهي لليوم الموعود، لأن نجاحه منوط بشروط معيّنة وظروف خاصة لا تتوفر قبل اليوم الموعود جزماً، كما أن كل ما أعاق عن نجاحه لا يمكن وجوده بحسب إرادة اللَّه تعالى وإرادة الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) نفسه، مهما كان الظرف مهماً وصعباً.
ثانياً: نحتمل  على أقل تقدير  أن الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) يرى أن بعض الظلم الذي كان ساري المفعول خلال التاريخ، كالحروب الصليبية مثلاً غير قابلة للإزالة من قبله حال الغيبة بحال، ولا ينفع التخطيط السري أو العمل الاعتيادي، بصفته فرداً عادياً في إزالتها لقوة تأثيرها وضراوة اندفاعها، ومعه يصبح الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) حال غيبته غير مكلّف من قبله عزّ وجلّ برفع هذا الظلم، فيكون معذوراً عن عدم التصدّي لرفعه طبقاً للقواعد الإسلامية ولوظيفته الواعية الصحيحة.
ثالثاً: إن جملة من موارد الظلم الساري في المجتمع لا يمكن للإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) رفعه بالسبل العادية إلا إذا تحقق شرطان يضمنان ذلك:
الأول: أن لا يؤدي به عمله إلى انكشاف أمره وانتفاء غيبته، وهو ما لا يريده اللَّه تعالى أن يكون، فالإمام المهديّ روحي فداه لا بدّ أن يقتصر على الحدود التي لا تؤدي إلى انكشاف أمره، فيدقّق في ذلك ويخطّط له، وهو الخبير الألمعي الذي يحسب لكلّ عمل حسابه، وأي عمل علم أن التدخل فيه يوجب الانكشاف انسحب منه، مهما ترتبت عليه من نتائج، لأن حفظ سره وذخره لليوم الموعود، أهم من جميع ما يتركه من أعمال. لكن هذا لا ينافي تأثيره في الأعمال الإسلامية الخيّرة التي نراها سائدة في المجتمع، وذلك لإمكان أن يكون هو المؤثّر في تأسيسها حال صغرها وضآلة شأنها، وقد أودعها إلى المخلصين الذين يأخذون بها ويذكون أوارها بدون أن يلتفتوا أو يلتفت إلى حقيقة عمله، بقليل ولا بكثير.
الثاني: أن لا يؤدي عمله إلى التخلّف والقصور في تربية الأمة، أو اختلال شرائط يوم الظهور الموعود لو خرج قبل الوقت المقرّر.
بيان ذلك: أن ليوم الظهور الموعود شرائط، ولكل شرط من تلك الشروط أسبابه وعلله، تلك الأسباب التي تتولد وتنشأ في عصر ما قبل الظهور، حتى ما إذا آتت أكلها وأثرت تأثيرها بتحقيق تلك الشروط وإنجازها، كان يوم الظهور قد آن أوانه وتحققت أركانه.
والإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) حيث يعلم الشرائط والأسباب، مكلّف  على الأقل  بحماية تلك الأسباب عن التخلّف أو الانحراف، لئلا يتأخر تأثيرها أو ينخفض عما هو المطلوب إنتاجها، إنْ لم يكن مكلّفاً بإذكاء أوارها والسير الحثيث في تقدّم تأثيرها.
ومن أهم شرائط اليوم الموعود: أن تكون الأمة ساعة الظهور على مستوى عالٍ من الشعور بالمسؤولية الإسلامية، والاستعداد للتضحية في سبيل اللَّه عزّ وجلّ، أو على الأقل أن يكون فيها العدد الكافي ممن يحمل هذا الشعور ليكون هو الجندي الصالح الذي يضرب بين يدي الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) ضد الكفر والانحراف، ويبني بساعده الغد الإسلامي المشرق، ويكون الجيش المكوّن من مثل هذا الشخص هو الجيش الرائد الواعي الذي يملأ الأرض بقيادة الإمام المهديّ قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
وإذا كان ذلك من الشرائط، فلا بدّ من توفر أسبابه في زمن ما قبل الظهور في عصر الغيبة الكبرى، والمحافظة على هذه الأسباب.
وإنّ السبب الرئيسي الكبير لتولد الوعي والشعور بالمسؤولية الإسلامية والإقدام على التضحية لدى الأمة، هو مرورها بعدد مهم من التجارب القاسية والظروف الصعبة، وإحساسها بالظلم والتعسف ردحاً كبيراً من الزمن، حتى تستطيع أن تفهم نفسها وأن تشخّص واقعها وتشعر بمسؤوليتها، فإن هذه الصعوبات كالمبرد الذي يجلو الذهب ويجعل السكّين نافذاً، فإن الأمة  في مثل ذلك  لا تخلد إلى الهدوء والسكون، بل تضطر إلى التفكير بأمرها وبلورة فكرتها وتشخيص آلامها وآمالها وتشعر بنحوٍ وجدانيٍ عميقٍ بسهولة التضحية في سبيل الأهداف الكبيرة ووجوبها إذا لزم الأمر ونادى منادي الجهاد.
وتلك الأمة الواعية هي التي تستطيع أن تضرب قدماً بين يدي الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) وأن تؤسس العدل المنتَظَر في اليوم الموعود، دون الأمة المنحرفة المتداعية، أو الأمة المنعزلة المتحنثة.
فإذا كان مرور الأمة بظروف الظلم والتعسف ضرورياً لتحقيق شرط اليوم الموعود، ومثل هذا الشرط يجب رعايته والمحافظة عليه، فالإمام المهديّ عجّل اللَّه فرجه الشريف بالرغم من أنه يحس بالأسى لمرور شعبه وقواعده الموالية بمثل هذه الظروف القاسية، إلاّ أنه لا يتصدى لإزالتها ولا يعمل على تغييرها، تقديماً لمصلحة اليوم الموعود على أهل هذا اليوم الموجود.
وأما ما لا يكون من الظلم دخيلاً في تحقيق ذلك الشرط، وكان الشرط الأول لعمل الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) متوفراً فيه أيضاً، فإن الإمام  فديته بنفسي  يتدخل لإزالته ويعمل على رفعه، بموجب تكليفه الشرعي المتوجه إليه.
ونحن الذين لا نعيش نظر الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) وأهدافه نكاد نكون في جهل مطبق من حيث تشخيص أن هذا الظلم هل له دخل في تحقيق شرط الظهور أو لا، ما عدا بعض الموارد التي نظن دخالتها في ذلك، ولكنّ معرفتها تحتاج إلى نظر بعيد يمتد خلال السنين إلى يوم الظهور، وهذا النظر منعدم لدى أي فرد في العالم ما عدا الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) نفسه، فيعود تشخيص ذلك إليه، بما وهبه اللَّه تعالى من ملكات وقابليات على تشخيص الداء ووصف الدواء.
رابعاً: إن بعض موارد الظلم لا يتوفر فيها الشرط الثاني من الشرطين السابقين، باعتبار أن وجوده سبب لإنتشار الوعي في الأمة وشعورها بالمسؤولية الذي هو أحد الشروط الكبرى ليوم الظهور، وعلى الأمة أن تكافح لإزالته، إلا أن الإمام المهديّ لا يتسبب لرفعه، لأن في رفعه إزالة للشرط الأساسي لليوم الموعود، وهو ما لا يمكن تحققه في نظر الإمام‏ (عليه السَّلام).
إذن فسائر أنحاء الظلم الساري المفعول في التاريخ لا محالة مندرج تحت أحد هذه الأقسام، فإذا كان الإمام المنتظر (عليه السَّلام) قد عمل لإزالتها فقد خالف وظيفته ومسؤوليته الحقيقية تجاه اليوم الموعود والحفاظ عليه.
فليس هناك أي تلازم بين وجود الإمام المهديّ وبين وقوفه ضد هذه الأنحاء من الظلم والشرور، حتى يمكن لرونلدسن أن يستنتج من عدم وقوفه ضد الظلم عدم وجوده. أما بقية الأنحاء الأخرى من الظلم، فإن تكليف الإمام‏ (عليه السَّلام) ووظيفته الشرعية يقتضيان وقوفه ضده وحيلولته دونه بصفته فرداً من أفراد المجتمع الإسلامي، فهو يقف ضد الظلم في حدود الشروط الخاصة الإسلامية، كيف وهو على طول الخط يمثّل المعارضة الصامدة ضد الظلم والطغيان.

الشبهة الثامنة عشرة:
أخرج الشيخ الطوسي عن أبي جعفر محمّد بن عليّ‏ بن الحسين‏ بن بابويه القمي «الشيخ الصدوق» عن أبي محمّد أحمد بن الحسن المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ أبو الحسن عليّ‏ بن محمّد السمري رضي اللَّه عنه «السفير الرابع» فحضرته قبل وفاته بأيام، فأخرج إلى الناس توقيعاً من الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) هو نسخته:


بسم اللَّه الرحمان الرحيم


«يا عليّ بن محمّد السمري أعظم اللَّه أجر اخوانك فيك فإنك ميّت ما بينك وبين ستة أيام فأجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة فلا ظهور إلاّ بعد إذن اللَّه تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي لشيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفترٍ ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العليّ العظيم». قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس، عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: «للَّه أمر هو بالغه» وقضى، بهذا آخر كلام سمع منه رضي اللَّه عنه وأرضاه».
فالنص واضح في مدلوله من حيث عدم إمكان مشاهدة الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) قبل الصيحة وخروج السفياني، فالإمام‏ (عليه السَّلام) قبل تحقق هاتين العلامتين في احتجاب تام عن قواعده الشعبية المؤمنة به، ومن الواجب  بحسب مقتضاه تكذيب كلّ من ادّعى رؤية الإمام المهديّ روحي فداه قبل تحقق ذلك، وهو بظاهره ينافي الأخبار القطعية المتواترة التي وردتنا عن مقابلة الكثيرين للإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) خلال غيبته الكبرى على نحو لا يمكن الطعن في التوقيع، ومقتضى هذه الأخبار لزوم تصديق المخبرين في الجملة، مع أن هذا التوقيع يوجب علينا تكذيبه، فكيف نوفّق بينه وبين تلك الأخبار؟

والجواب عنه من وجوه:
الوجه الأول: طعن الأصحاب في سند التوقيع من حيث كونه خبراً واحداً مرسلاً ضعيفاً، لم يعمل به ناقله وهو الشيخ الطوسي في كتابه المذكور، وأعرض الأصحاب عنه، فلا يعارض حينئذٍ تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها بل من بعضه المتضمّن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها عن غيره‏ (عليه السَّلام).
 

هذا الوجه لا يخلو من مناقشة:
أولاً: «أما كونه خبراً واحداً، فهو ليس نقصاً فيه، لما ثبت في علم أصول الفقه من حجية خبر الواحد الثقة، وأما القول بعدم حجيته فهو شاذ لا يقول به إلاّ القليل النادر من العلماء».هذه المناقشة للعلاَّمة السيِّد محمَّد صادق الصدر رحمه الله تعالى في كتابه الغيبة الصغرى ص641.
ولكن يرد عليه:
إن محل النزاع في مورد بحثنا هنا إنّما هو في الخبر الضعيف لا الثقة، فما أفاده الشهيد العلاّمة الصدر رحمه الله تعالى مصادرة على المطلوب.. اللهمَّ إلاَّ إذا كان قصده عدم حجيَّة خبر الثقة الذي لم تقُم على صحته قرينة كما هو مذهب السيِّد المرتضى وهو كلامٌ آخر غير ما نحن بصدده أيضاً لأن التوقيع المذكور لم يُروَ بطريقٍ صحيحٍ حتى يمكن القبول بمناقشة السيِّد الصدر رحمه الله، فراوي الحديث هو أبو محمّد أحمد بن الحسن المكتب مجهول، إذ ليس له ذكر في تراجم الرجال، إلاّ إذا قلنا بالملازمة بمعنى إن الثقة لا يروي إلا عن الثقة، فبما أن الصدوق عليه الرحمة ثقة وقد روى عنه فيكون المذكور ثقة.
لكنّ الملازمة مخدوشة إذ قد يشتبه الثقة بالتشخيص، لكنّه مردود أيضاً لجلالة الشيخ الصدوق لكونه من البعيد جداً أن ينقل عن الكذّابين ولأن ذلك منفيٌ بالأصل، هذا مضافاً إلى عدم وجود ملازمة بين وثاقة الشيخ الصدوق وبكل ما رواه عن الغير، فقد اعتمد في كتابه «الفقيه» على المراسيل وبعض المجاهيل وعذره أنها صحيحة بنظره: إما لوجود قرائن حافة بالخبر تفيد القطع أو الاطمئنان بصدور الخبر عن المعصوم، وذلك لأن الصحيح عند القدماء  حسبما أفاد المحقق البهائي في كتابه مشرق الشمسين وتعليقة البهبهاني ص27  هو عبارة عمّا اعتضد بما يقتضي الوثوق به والركون إليه وأسبابه مختلفة. وإما لأن أحمد بن الحسن المكتب ثقة بنظره، وجهالته عند أصحاب التراجم لا تستلزم عدم وثاقته، فلا يمنع الأخذ بما رواه عنه لا بعنوان كونه مروياً عن أحمد بن الحسن وإنّما لعمل الطائفة بمضمونه من حيث تكذيبهم لكلّ من إدّعى السفارة بعد موت السمري.
ثانياً: على فرض كونه ضعيفاً، فيكفي للإثبات التاريخي، لحصول الاطمئنان بصدوره  أو على أقل تقدير عدم رفضه  لقرائن أو اعتبارات عقلية يمكن من خلالها تأويل التوقيع بما يتناسب والأخبار القطعية الدالة على وقوع المشاهدة أو اللقاء مع الإمام‏ (عليه السَّلام). وإعراض الشيخ الطوسي والأصحاب عن العمل به قد يكون ناتجاً عن إثباتهم رؤية الإمام المهديّ في غيبته الكبرى، وهذا مما لا شك فيه، «إلاّ أنه إنما يصلح دليلاً على إعراضهم لو كانت هناك معارضة ومنافاة بين الوقيع وإثبات الرؤية، وأما مع عدم المعارضة فيمكن أن يكون الأصحاب قد التزموا بكلا الناحيتين من دون تكاذب بينهما، ومعه لا دليل على هذا الإعراض منهم».
لكن يظهر أن الأصحاب لم يلتزموا بكلا الناحيتين كما أفاد قدّس سره، وإلاّ لما وسعهم الإعراض عن التوقيع الشريف، نعم على مسلك غير المشهور من الأصوليين فإن إعراضهم عن الخبر الصحيح  لو سلّمنا بكون سند التوقيع صحيحاً  لا يوجب وهن الحديث ولا يسقط عن الحجبة، وعليه فتبقى المعارضة بين التوقيع والنقولات الصحيحة باقية، وأما على مسلك مشهور الأصوليين القائلين بأن إعراض المشهور عن الخبر الصحيح أو الموثق يوجب وهنه وسقوطه عن الحجية، فلا معارضة حينئذٍ بين التوقيع والنقولات القطعية وذلك لأرجحية تقديم النقولات على التوقيع من دون حاجة إلى تأويله.
الوجه الثاني:
عدم جواز الطعن في أسانيد الأخبار الناقلة لمشاهدة الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) في غيبته الكبرى، والشطب عليها جملة وتفصيلاً، وذلك لكونها طائفة ضخمة من الأخبار يصل عددها إلى المئات، وبعضها مروي بطرق معتبرة وقريبة الإسناد فلا يمكن رفضها بحالٍ، وهذا كلُّه واضح لمن استقرأ تلك الأخبار وعاش أجواءها.
ودعوى حمل هذه الأخبار على الوهم، وأن هؤلاء الذين زعموا أنهم رأوا وسمعوا.. لم يرووا ولم يسمعوا، وإنما كان كلامهم كذباً متعمّداً أو أضغاث أحلام وما شابه ذلك، مردودة من أساسها لأن كثرتها مانعة عن كلا الأمرين: الكذب والوهم، أمّا تعمد الكذب فهو منفي بالتواتر، فضلاً عما زاد عن ذلك بكثير، مضافاً إلى وثاقة وتقوى عدد مهم من الناقلين وعدم احتمال تعمدهم للكذب أساساً، هذا مضافاً إلى أن أخبار هؤلاء الثقات الناقلين مورداً لقيام السيرة على الأخذ بأخبار الثقة، وكونهم مشمولين لإطلاق الأدلة اللفظية الدالة على حجية أخبار الثقات.
وأمّا كونها من قبيل الأوهام والأحلام، فهو مما ينفيه تكاثر النقل أيضاً، بل يجعل الاعتراف به في عداد المستحيل، ويمكن أن تجد أثر ذلك في نفسك، فيما لو أخبرك واحد بحادثة ما لكان احتمال الوهم موجوداً وإن كان موهوناً، إلاّ أنه لو أخبرك ثلاثة أو أربعة عن تلك الحادثة لحصل لك الاطمئنان أو العلم بصدق الخبر وحصول الحادثة، فضلاً عما إذا أخبرك بها عشرة، فكيف إذا أخبرك بها مئات، وهل تستطيع أن تحملهم كلهم على الوهم أو على أضغاث أحلام، إلا إذا كنت تعيش الوهم أو الأضغاث؟
فإن قيل: إن الناقلين للمشاهدة وإن كانوا صادقين في إخباراتهم، إلاّ أنهم في الحقيقة لم يشاهدوا الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) بل شاهدوا غيره، وتوهّموا أنه على غير الواقع.
قلنا: هذا غير صحيح وذلك لأمرين:
الأول: أنه مما ينفيه التواتر، فضلاً عما زاد عليه من أعداد الروايات والنقول بحيث يحصل القطع من مجموعها بأن الناقلين على كثرتهم لم يكونوا مغفلين إلى هذه الدرجة، فإن جلّهم إن لم يكن كلهم يقطعون بأنهم قد شاهدوا الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) نفسه.
الثاني: أنه مما تنفيه الدلائل الواضحة والبراهين اللائحة التي أقامها  ويقيمها  الإمام المهديّ _ روحي فداه _ أثناء المقابلة، وينقلها هؤلاء الناقلون، مما لا يمكن صدورها من أحد سواه، فيتعين أن يكون هو الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) دون غيره.
الوجه الثالث:
أن نعترف بصدق هذه النقولات ومطابقتها للواقع، لكن يُلتزم بوجوب تكذيبها تعبُّداً، إطاعة للأمر الوارد في التوقيع.
يرد عليه:
أنه مما لا يكاد يصح، فإنه خلاف ظاهر الحديث بل صريحه، حيث يقول: «فهو كذّاب مفتر» الدال على عدم مطابقة قوله للواقع، ولم يقل: «فكذّبوه» ليكون من قبيل الأمر الصادر من الإمام ليطاع تعبُّداً، على أنه لا يمكن للإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) أن يأمر بالتكذيب مع علمه بوقوع المشاهدة الثابتة عندنا بالتواتر.
الوجه الرابع:
يُحمَلُ التوقيع الوارد عنه‏ (عليه السَّلام) على دعوى المشاهدة مع إدّعاء الوكالة أو السفارة عن الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) وإيصال الأخبار من جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء في الغيبة الصغرى، وهذا أقرب الوجوه، وقد أخذ به مشهور المتأخرين، منهم المجلسي رحمه الله تعالى. وأما المتقدّمون فقد أجمعوا على جواز لقاء الخلّص من الشيعة بالإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) وهذا يعني إلتقاء المتأخرين بهم، مما يستتبع القول بوجود اتفاق بين الجميع على هذا الوجه.
وبالجملة فإن معناه كما هو الراجح: إدّعاء النيابة الخاصة والسفارة بقرينة أن التوقيع صدر قرب وفاة السمري حيث ورد في أوله تعزية الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) للمؤمنين بموت سفيره الرابع السمري ما بينه وبين ستة أيام، ثم أمره‏ (عليه السَّلام) للسمري بعدم الوصاية إلى أحد يقوم مقامه بعد وفاته، إذ قد وقعت الغيبة التامة وأنه لا ظهور حتى يأذن اللَّه تعالى ذكره، ويشهد له براءة المؤمنين المعاصرين للغيبة الصغرى أمثال ابن قولويه القمي المتوفى سنة 368هجري حيث قال: «إن عندنا أن كل من أدّعى الأمر بعد السمري فهو كافر منمس ضال مضل». فالمشاهدة أُخذ فيها الشهود والحضور، بمعنى أن النائب أو السفير كان دائم الحضور والمشاهدة للإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) أو على أقل تقدير كان أكثر أوقاته قائماً في خدمة الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) متشرفاً بالحضور بين يديه، وقد استفدنا ذلك من الاطلاق الموجود في كلمة «المشاهدة» حيث هي اسم اتصلت به لام الجنس التي تفيد الاطلاق والشيوع في متعلقها، ولو أراد الإمام‏ (عليه السَّلام) غير النيابة والوكالة لكان قال: «ومن ادّعى مشاهدتي.. فهو كذاب مفترٍ» لذا كرّر روحي فداه كلمة «المشاهدة» في التوقيع مرتين، تأكيداً لما قلنا، وعليه: فإن مفهوم المشاهدة قد أُخذ فيها تكرار الرؤية والحضور وهذا غير حاصل لمن رآه مرة أو مرتين لقضاء حاجة أو نجاة من ظالم، وإلاّ لكان عليه أن يعبّر عن هذا بما قلنا آنفاً، أو بقوله: «من ادّعى المشاهدة البصرية» إلا أن الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) لم يقل ذلك، ومقتضاه تكذيب من ادّعى السفارة والوكالة الخاصة التي هي القدر المتيقن من دلالة النص، وما عداه مشكوك به فيبقى ضمن أصالة الجواز أو الإباحة.
• رأي العلاّمة الصدر «رحمه الله تعالى »:
نفى السيِّد محمد صادق الصدر في كتابه الغيبة الصغرى أن تكون «المشاهدة» بمعنى إدّعاء السفارة فقط بل عمّمه إلى كل من إدّعى الرؤية، فقال:
«حمل التوقيع الشريف على دعوى المشاهدة مع إدّعاء الوكالة أو السفارة عنه‏ (عليه السَّلام)، وإن استقربه بعض، إلا أنه في الواقع بعيد جداً، بمعنى أنه خلاف الظاهر من عبارة الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) في بيانه، فإنه يحتاج إلى ضم قيد أو لفظ إلى عبارته لم تقم قرينة على وجودها.. كما لو كان قد قال: ألا فمن إدّعى المشاهدة مع الوكالة فهو كذاب مفترٍ، إلا أن الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) لم يقل ذلك كما هو واضح، ومقتضاه عموم التكذيب لمن ادعى السفارة وغيره».
والجواب:
(1) يورد عليه بما ذكرناه آنفاً، مضافاً إلى أن التوقيع لو كان مقتضاه عموم التكذيب لمن ادّعى السفارة وغيره لكان الأجدر أن يحذف لام الجنس من كلمة «المشاهدة» مضيفاً إليها ياء النسبة، كما لو كان قد قال: «ألا فمن ادَّعى مشاهدتي» من دون ضم قيد آخر إليها حسبما ادَّعى السيِّد الصدر رحمه الله.
(2) مع وجود قرينة مقامية وعرفية في البين لا حاجة لنصب قرينة لفظية للدلالة على المطلوب، هذا مع أن القرينة قد قامت على نفي السفارة والوكالة كما أفدنا أعلاه ، فدعوى أن التوقيع بحاجة إلى ضم قيد أو لفظ إلى عبارته لم تقم قرينة على وجودها غير تامة لأن التقييد بالوكالة أو السفارة موجود في نفس لفظ «المشاهدة» والذي كما قلنا يفيد استمرار عملية الاتصال بالإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام).
هذا مضافاً إلى أن ما أفاده رحمه الله تعالى آنفاً يتعارض مع ما ذكره في موضع آخر من كتابه حيث استظهر هناك «من قوله [إدّعى المشاهدة] بما إذا إدّعى المتكلم رأساً أنه رأى الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) وتعهد بذلك للسامع، فهو المنفي بلسان التوقيع، وأما إذا لم يخبر بذلك صراحة وإنما أوكل الجزم بذلك إلى وجدان السامع فهو مما لا ينفيه التوقيع الشريف» فتخصيصه المشاهدة بهذا التعليل خلاف الاطلاق الذي إدّعاه فيما سبق، هذا مع اعتقاده عليه الرحمة إمكان رؤية الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) في حال كون الرائي قاطعاً بأن ما رآه هو الإمام‏ (عليه السَّلام).
(3) شمول «المشاهدة» لمن ادّعى السفارة وغيره حسبما أفاد العلاّمة الصدر يتعارض مع الأخبار المستفيضة منها: موثقة إسحاق‏ بن عمّار عن الإمام الصادق‏ (عليه السَّلام) قال: للقائم غيبتان: إحداهما طويلة والأخرى قصيرة، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصة من شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه. مضافاً إلى ما ورد في الأسانيد المعتبرة منها موثقة أبي بصير عن مولانا أبي عبدفاللَّه‏ (عليه السَّلام) قال: لا بدّ لصاحب هذا الأمر من غيبة ولا بدّ له في غيبته من عزلة، ونعم المنزل طيبة وما بثلاثين من وحشة.
ومن المعلوم أن من يراه من خاصة مواليه في الغيبة الكبرى ليسوا سفراء أو وكلاء للإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام)، ومع هذا فقد أثبت الخبر المتقدّم صحة مشاهدتهم لإمامهم المهدي‏ (عليه السَّلام)، وكذا الذين يلازمونه من الثلاثين الأبدال في كل عصر حيث قبل أن يتشرفوا باللقاء كانوا محجوبين عن المشاهدة، ودليلنا على ذلك أيضاً ما ورد في خبر عليّ‏ بن إبراهيم‏ بن مهزيار الأهوازي قال:
خرجت في بعض السنين حاجّاً إذ دخلت المدينة وأقمت بها أياماً أسأل وأبحث عن صاحب الزمان فما عرفت له خبراً ولا وقعتْ لي عليه عين فاغتممت غمّاً شديداً وخشيت أن يفوتني ما أملته من طلب صاحب الزمان، فخرجت حتى أتيت مكة فقضيت حجتي واعتمرت بها أسبوعاً، كل ذلك أطلب، فبينما أنا أفكر إذ انكشف لي باب الكعبة، فإذا أنا بإنسان كأنه غصن بان، متزر ببرده متشح بأخرى قد كشف عطف بردته على عاتقه فارتاح قلبي وبادرت لقصده فأثنى إليّ وقال: من أين الرجل؟ قلت: من العراق، قال من أي العراق؟ قلت من الأهواز، فقال: أتعرف الحضيني؟ قلت: نعم، قال: رحمه اللَّه فما كان أطول ليله وأكثر نيله وأغزر دمعته! قال: فإبن المهزيار؟ قلت: أنا هو، قال: حيّاك اللَّه بالسلام أبا الحسن ثم صافحني وعانقني، وقال: يا أبا الحسن، ما فعلت بالعلامة التي بينك وبين الماضي أبي محمّد نضّر اللَّه وجهه؟ قلت: معي، وأدخلت يدي إلى جنبي (جيبي) وأخرجت خاتماً عليه: محمّد وعليّ، فلما قرأه استعبر حتى بلّ طمره الذي كان عليه وقال: يرحمك اللَّه أبا محمّد فإنك زين الأمة، شرّفك اللَّه بالإمامة وتوجّك بتاج العلم والمعرفة فإنّا إليكم صائرون ثم صافحني وعانقني ثم قال: ما الذي تريد يا أبا الحسن؟ قلت: الإمام المحجوب عن العالم، قال: ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم، قم سر إلى رحلك وكن على أهبة من لقائه إذا انحطت الجوزاء وأزهرت نجوم السماء، فها أنا لك بين الركن والصفا، فطابت نفسي وتيقنت أن اللَّه فضلني، فما زلت أرقب الوقت حتى حان، وخرجت إلى مطيتي واستويت على رحلي فإذا أنا بصاحبي ينادي يا أبا الحسن، فخرجت فلحقت به فحياني بالسلام وقال: سر بنا يا أخ، فما زال يهبط وادياً ويرقى ذروة جبل إلى أن علقنا على الطائف، فقال: يا أبا الحسن انزل بنا نصلِّي باقي صلاة الليل.. إلى أن قال: وركب وأمرني بالركوب وسار وسرت معه حتى أشرفنا على وادي عظيم، فقال: هل ترى شيئاً؟ قلت: نعم أرى كثيب رمل عليه بيت شعر، يتوقد البيت نوراً، فلما رأيته طابت نفسي، فقال لي: هناك الأمل والرجاء، ثم قال: سر بنا يا أخ، فسار وسرت بمسيره إلى أن انحدر من الذروة وسار في أسفله، فقال: انزل فههنا يذلُّ كلُّ صعب، ويخضع كلُّ جبار، ثم قال: خلِّ عن زمام الناقة، قلت: فعلى من أخلّفها؟ فقال: حرم القائم‏ (عليه السَّلام)، لا يدخله إلاّ مؤمن ولا يخرج منه إلا مؤمن، فخلّيت عن زمام راحلتي وسار وسرت معه إلى أن دنا من باب الخباء فسبقني بالدخول وأمرني أن أقف حتى يخرج إليّ ثم قال لي: ادخل هنأك السلامة، فدخلت فإذا أنا به جالس قد اتّشح ببردة واتزر بأخرى، وقد كسر بردته على عاتقه وهو كأُقحوانة اُرجوان قد تكاثف عليها الندى وأصابها ألم الهوى وإذا هو كغصن بان أو قضيب ريحان سمحٌ سخيّ تقي نقي ليس بالطويل الشامخ ولا بالقصير اللازق، بل مربوع القامة مدوّر الهامة صلت الجبين أزجُّ الحاجبين أقنى الأنف سهل الخدّين، على خده الأيمن خال كأنه فتات مسك على رضراضة عنبر.
فلمّا أن رأيته بدرته بالسلام فردّ عليّ أحسن ما سلّمت عليه، قال لي: يا أبا الحسن قد كنّا نتوقعك ليلاً ونهاراً فما الذي أبطأ بك علينا؟ قلت: يا سيّدي لم أجد من يدلني إلى الآن، قال لي: ألم تجد أحداً يدلك؟! ثم نكت بأصبعه في الأرض، ثم قال: ولكنكم كثّرتم الأموال وتجبرتم على ضعفاء المؤمنين وقطعتم الرحم الذي بينكم فأي عذر لكم؟
فقلت: التوبة التوبة الإقالة الإقالة، ثم قال: يا ابن المهزيار: لولا استغفار بعضكم لبعض لهلك من عليها إلاّ خواص الشيعة الذين تشبه أقوالهم أفعالهم، ثم قال: يا ابن المهزيار ومدّ يده: ألا أنبئك الخبر إذا قعد الصبي وتحرك المغربي وسار العماني وبويع السفياني يؤذن لوليّ اللَّه فأخرج بين الصفا والمروة في ثلاثمائة وثلاث عشر رجلاً فأجي‏ء إلى الكوفة وأهدم مسجدها وأبنيه على بنائه الأول وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة وأحج بالناس حجة الإسلام وأجي‏ء إلى يثرب فأهدم الحجرة وأخرج من بهما وهما طريان فآمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين يصلبان عليهما فتورق من تحتهما فيفتتن الناس بهما أشدّ من الفتنة الأولى، فينادي مناد من السماء: يا سماء أبيدي ويا أرض خذي، فيومئذٍ لا يبقى على وجه الأرض إلاّ مؤمن قد أخلص قلبه للإيمان..».
والعبرة التي نستخلصها من هذا الحديث الشريف هي أمور:
الأول: إنّ سوء الأعمال تحجب عن رؤية الإمام‏ (عليه السَّلام)، إذ كيف يلتقي الظلامُ بالنور. فبما أن ابن مهزيار وصل إلى مرحلة الإخلاص تشرف باللقاء، ومنه نفهم أن الإمام يحتجب عمّن يخاف منه على الإمام‏ (عليه السَّلام)، وأفلح عندما قال السيّد المرتضى أعلى اللَّه مقامه:
«إذا كانت العلة في استتار الإمام خوفه من الظالمين، واتقائه من المعاندين، فهذه العلة زائلة في أوليائه وشيعته، فيجب أن يكون ظاهراً لهم، وغير ممتنع أن يكون الإمام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئاً من أسباب الخوف، وأن هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه، وإنما يعلم كلُّ واحد من شيعته حال نفسه، ولا سبيل له إلى العلم بحال غيره».
وقال شيخ الطائفة الطوسي أعلى اللَّه مقامه:
«والذي ينبغي أن يقال: إنّا أولاً لا نقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز لأكثرهم ولا يعلم كل إنسان إلاّ حال نفسه، فإن كان ظاهراً له فعلّتُه مُزاحة، وإن لم يكن ظاهراً علم أنه إنما لم يظهر له لأمر يرجع إليه وإن لم يعلمه مفصّلاً لتقصير من جهته..».
وقال جمال العارفين ابن طاووس أعلى اللَّه مقامه:
«الإمام‏ (عليه السَّلام) حاضر مع اللَّه جلّ جلاله على اليقين، وإنما غاب من لم يلقه عنهم، لغيبته عن حضرة المتابعة له ولربّ العالمين..».
الثاني: إنّ الإمام المهدي _ روحي فداه _ يتوقع دائماً أن يكون الشيعة على درجة من الإخلاص تخوّلهم لنصرة الحق، فهو (عليه السَّلام) لا يحب أن يبطأوا عن جنابه المقدّس وهذا ما قاله لابن مهزيار: «كنا نتوقعك ليلاً ونهاراً فما الذي أبطأ بك علينا».
الثالث: استغراب الإمام‏ (عليه السَّلام) من ابن مهزيار لمّا قال للإمام: لم أجد من يدلني للوصول إليك، وذلك لأن طريق الوصول واضح ومعالمه لائحة لكنّ السائرين تاهوا عنه لانغمارهم بملذات الدنيا وزخارفها.
الرابع: إن موانع الوصول ثلاثة: (1) كنز الأموال وعدم إنفاقها في سبيل اللَّه، وسبيله عزّ وجل هم أئمة أهل البيت وشيعتهم. (2) التجبر على ضعفاء المؤمنين، بظلمهم وسلب حقوقهم والاعتداء عليهم وإخافتهم وإبعادهم عن نشر تعاليم الأئمة (عليهم السَّلام) . (3) قطع الرحم التي لا بدّ أن توصل، وفي طليعتها صلة الأئمة لكونهم الآباء الحقيقيين للمؤمنين للحديث: «أنا وعليّ أبوا هذه الأمة» وصلة الأتقياء المحبين للأئمة (عليهم السَّلام)، مع التأكيد على الإحسان إلى الوالدين والأقارب.
الخامس: إنّ الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) هو الرجاء والأمل، فمن ابتغى غير وجهه خاب وذلّ، لكونه _ فديته بأبي وأمي ونفسي وولدي وأهلي _ الكعبة الكبرى التي يتوجه إليها الأولياء ورد في دعاء الندبة: (أين وجه اللَّه الذي يتوجه إليه الأولياء).
فعلى العبد السالك إلى اللَّه تعالى أن يتوجه إليه عبر السمت والجهة التي أمر اللَّه من خلالها أن يتوجه قال تعالى وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ وبالتوجه إليه يذلُّ كل صعب ويخضع كل جبار.
الوجه الخامس:
أن يكون المراد من إدّعاء المشاهدة رؤية مكانه‏ (عليه السَّلام) ومستقره الذي يقيم فيه، فلا يصل إليه أحد، أما مشاهدته في الأماكن والمقامات المقدّسة وظهوره لإغاثة المضطر فلا ينافي التوقيع المذكور. ذكر هذا الوجه النوري أعلى اللَّه مقامه في جنّة المأوى، واستشهد عليه بما ورد في النص المتقدم من «أن للإمام غيبتين: إحداهما قصيرة والأخرى طويلة، فالأولى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة شيعته، والأخرى لا يعلم بمكانه فيها إلاّ خاصة مواليه». وبما ورد أيضاً: «من أنه لا يطلّع على موضعه أحد من ولده، ولا غيره إلا الذي يلي أمره».

يرد عليه:
1  حمل المشاهدة على مكان إقامته‏ (عليه السَّلام) خلاف المتبادر من لفظ المشاهدة فحينما تقول: «شاهدت فلاناً» تقصد رأيته في مكان معين، وهذا المكان أعم من أن يكون مستقره أو مكانه الذي يقيم فيه، ولو أردت المعنى الخاص عليك أن تنصب قرينة على قصدك فتقول مثلاً: شاهدته في داره أو محل إقامته وسكناه. وموردنا من هذا القبيل، فلا يمكن حمل إدّعاء المشاهدة على محل إقامته لعدم وجود قرينة تثبت هذا الفهم.
2  إن التعبير الوارد في الرواية الثانية «لا يطلّع على موضعه أحد من ولده ولا غيره إلاّ الذي يلي أمره» يتعارض مع الخبر الوارد عن أبي بصير عن الإمام الباقر (عليه السَّلام) من أنه قال: لا بدّ لصاحب هذا الأمر من عزلة، ولا بدّ في عزلته من قوة، وما بثلاثين من وحشة، ونعم المنزل طيبة» حيث يثبت أن جماعة من الناس في كل جيلٍ يعرفون الإمام المهدي ويتصلون به ويرفعون عنه الوحشة، وهذا ما ينفيه الخبر الدال على أنه لا يستطيع أحد التعرف على موضعه حتى ولده، إلاّ المولى الذي يلي أمره.
إن قيل: إنّ التعبير عمّن يلي أمره بصيغة المفرد بقوله: «إلاّ المولى» يراد منه الثلاثون الذين يأتون في كلّ عصر هم ممن يلي أمره، فلا تنافٍ حينئذٍ بين الخبرين!
قلنا: إن التلفظ بالمفرد، مع قصد إرادة الجمع خطأ لا يُصار إليه ما دام قادراً على التعبير بلفظ الجمع، فكان بإمكانه أن يقول: لا يطلّع عليه أحد إلا الذين يلون أمره، وحتى لو قلنا بجواز القصد المزبور فلا يمكن حمل «المشاهدة» على محل إقامته وسكناه لخلو الحديث من كشف الشيعة ومعرفتهم لسكنى وإقامة الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) بعد الصيحة والسفياني.
الشبهة التاسعة عشرة:
قد اشتهر واستفاض من خروج كتاب ورد من الناحية المقدّسة على يد الشيخ المفيد رحمه اللَّه، فكيف يتفق مع ما تسالمت عليه الطائفة من انقطاع السفارة وأن من ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفترٍ، أليس ما ورد على يد المفيد (قدّس سرّه) ادّعاءاً للمشاهدة؟

والجواب:
أولاً: من الصعب الجزم بصدور هذا الكتاب من الناحية المقدّسة للشيخ المفيد «رحمه الله تعالى » وذلك لأن أول من ادّعى وجود كتاب من الحجّة المنتَظَر (عليه السَّلام) إلى الشيخ المفيد هو الشيخ الطبرسي عليه الرحمة في كتابه الاحتجاج ولم يذكر طريقه وسنده إلى الشيخ المفيد، فالطبرسي متفرد بذكر الرسالة مع أن الشيخ الطوسي وهو تلميذ المفيد ومن خواصه المقربين إليه لم يذكر ذلك في كتبه بشكل عام لا سيّما عند ترجمة شيخه المفيد، مع أنه أثنى عليه بأبلغ الثناء والمدح، ولو كان هذا الكتاب صادراً من الناحية المقدّسة لناسب ذكره في الترجمة لأنه أبلغ شي‏ء في التعريف بمكانة شيخه، وكذلك الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عليّ النجاشي والسيّدين الرضي والمرتضى، كلُّ هؤلاء لم يذكروا تلك الرسالة المنسوبة لشيخهم المفيد، لا سيّما عند تعرُّضهم لترجمة حياته المباركة مع أنهم أطروا عليه بأحسن الثناء، وكذا غيرهم ممن تأخر عنهم كأمثال ابن إدريس الحلي وأبي الفتح الكراجكي وهو تلميذ المفيد أيضاً لم يتعرض لفحوى الرسالة، وعلى أي حالٍ سواء أكانت الرسالة منسوبة أم صادرة من مولانا الحجّة المهديّ المنتظر «عجّل اللَّه فرجه الشريف» فلا يشملها ما ورد في التوقيع الصادر عن السفير الرابع السمري رضي اللَّه عنه وأرضاه وذلك لوجود فرق بين السفير وبين مثل المكاتبة التي تشرّف بها المفيد أعلى اللَّه مقامه على فرض صحة ذلك، وحاصل الفرق: هو أن السفراء  كالنواب الأربعة في الغيبة الصغرى  منصوبون من قبل الإمام الحجّة المنتظر _ روحي فداه _ بنحو دائم كحلقة وصلٍ بين الشيعة والإمام‏ (عليه السَّلام) بحيث يكون على اتصال مستمر من وإلى الحجّة (عليه السَّلام) يسلّمه ويستلم منه الرسائل المتضمنة للفتاوى والأحكام، وتظهر الخوارق على يديه من قبل مولانا الحجّة المنتظر «فديته بنفسي» مع إظهار السفير سفارته لأجلاّء الطائفة حرسها المولى، وأين هذا من مثل المكاتبة المذكورة؟! فالمراد من البابية المحرّمة في عصر الغيبة الكبرى هي أن يكون الوسيط باباً في استلام وإظهار الفتاوى والأحكام على يده، وشي‏ء من هذا لم يدّعيه الشيخ المفيد لنفسه، بل صرّح عليه الرحمة بالعكس من ذلك حيث ذكر في كتابه «الرسائل الخمسة في الغيبة» انقطاع السفارة بموت السفير الرابع في الغيبة الصغرى، وذكر ذلك في كتاب الإرشاد في الفصل الذي عقده للإمام الثاني عشر (عليه السَّلام)، كما أنه عليه الرحمة ذكر عن شيخه أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه: «إن عندنا أن كل من ادّعى الأمر بعد السمري فهو كافر منمس ضال مضل»، هذا مع أن الشيخ المفيد كُتب إليه من الحجّة (عليه السَّلام) لا أنه أرسل كتاباً ثم أتاه الجواب.
ثانياً: أنّ موصل التوقيع إلى الشيخ المفيد مجهول، وهب أن الشيخ المفيد جزم بقرائن أنّ التوقيع صدر من الناحية المقدّسة، ولكن كيف يمكننا الجزم بصدوره من تلك الناحية، على أن رواية الاحتجاج لهذا التوقيع مرسلة، والواسطة بين الطبرسي والشيخ المفيد مجهول.
وعلى تقدير ثبوت الكتاب فإن التكذيب لا يشمله لخروجه عن مفهوم المشاهدة لكونه صدر ابتداءاً من الإمام الحجّة المنتظر (عليه السَّلام) إلى الشيخ المفيد من دون دعوى المشاهدة، وعليه فلا يكون مشمولاً للعن ولا التكذيب، لأن كل ما يصدر ابتداءاً من الإمام‏ (عليه السَّلام) كتوجيه نداء أو رسالة عبر بعض الرائين لا يكون مورداً للتكذيب كما قلنا، لأن ناقل النداء أو الرسالة لا يدّعي لنفسه البابية أو السفارة كما كانت وظيفة السفراء الأربعة، فتأمّل.
الشهبة العشرون:
«إن الأئمة (عليهم السَّلام) ما كانوا بإخباراتهم تلك  عن علائم الظهور  يريدون ربط الناس بما سيقع من أجل أن يستغرقوا فيه، أو ليكون ذلك عذراً ومبرراً للوقوف على هامش الساحة في موقع المتفرج.. نعم إنهم ما كانوا يريدون ربط الناس بما سيقع، وإنما بما وقع، أي أنهم يريدون للناس أن يستفيدوا مما وقع ومضى لينعش بهم الأمل، ويشحذ الهمم ويهب لهم الارتباط العاطفي والشعوري بقائد المسيرة ورائدها، فالمطلوب إذن هو أن يسهم ما وقع في بعث الأمل ورفع درجة الإحساس والشعور والارتباط بالقائد والقيادة على مستوى أعلى وأكثر حيوية وفاعلية ويعمق في الإنسان المسلم المزيد من الشعور بالمسؤولية..».هذه الشبهة للسيّد جعفر مرتضى في كتابه/دراسات في علامات الظهور ص54الطبعة الأولى.
وقال في موضع آخر ص56 : «ولا يصح صرف الجهد في التعرف على ما سيحدث، ومحاولات من هذا القبيل لن يكون لها الأثر المطلوب ما دام لم يعد ثمة مجال للاستفادة من الأخبار صحيحها وسقيمها إلا بعد وقوع الحدث».

يرد عليه:
1  إن حصره لدور العلامات بما وقع فقط دون ما سيقع يؤدي إلى نسف المفهوم الشرعي للانتظار والذي أكدت عليه النصوص المتواترة عن أئمة أهل البيت‏ (عليهم السَّلام) ويطيح بأهم ركائزه المتمثلة بالعلامات قبل تحققها.
والمتأمل في نصوص أئمة أهل البيت‏ (عليهم السَّلام) وهم يتحدثون عن دور العلامات قبل وقوعها يجزم بخطأ ما ذهب إليه صاحب الشبهة، لكونها  أي العلامات  جرس إنذار للمترفين، وهداية للمطيعين، فهي ترشدنا وتنبهنا إلى أحداث مهمة ستقع في المستقبل، وتحذّرنا من التورط بفتنها وانحرافاتها ومشاكلها المترتبة على وقوعها، لذا لا ينجو من تلك الانحرافات إلا من سمع بها وعرفها قبل ذلك معتقداً بصحة صدورها، فعن حذيفة بن اليمان قال: «هذه فتنٌ قد أطلت كجباه البقر، يهلك فيها أكثر الناس إلاّ من كان يعرفها قبل ذلك».
وعن هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبدفاللَّه‏ (عليه السَّلام) يقول: هما صيحتان، صيحة في أول الليل وصيحة في آخر الليلة الثانية، قال: فقلت: كيف ذلك؟ قال: واحدة من السماء وواحدة من إبليس، فقلت: كيف تُعرف هذه من هذه؟ قال: يعرفها من كان سمع بها من قبل أن تكون».
وعن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا عبدفاللَّه‏ (عليه السَّلام) يقول: ينادي منادٍ من السماء أن فلاناً هو الأمير وينادي منادٍ أن عليّاً وشيعته هم الفائزون، قلت: فمن يقاتل المهدي بعد هذا؟ فقال: رجل من بني أمية، وإنّ الشيطان ينادي أن فلاناً وشيعته هم الفائزون، قلت: فمن يعرف الصادق من الكاذب؟ قال: يعرفه الذين كانوا يروون حديثنا ويقولون إنه يكون قبل أن يكون، ويعلمون أنهم هم المحقون الصادقون.
وفي سؤال المدائني للإمام الصادق‏ (عليه السَّلام) عن الإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) قال: قلت: فهل هناك علامات قبل ذلك؟ فأجابه الإمام‏ (عليه السَّلام): نعم علامات شتى، قلت: ماذا؟ قال: خروج راية من المشرق وراية من المغرب.
وهكذا نلاحظ العلامات دائماً تأخذ بأيدينا وأبصارنا وعقولنا إلى ما سيقع لا إلى ما وقع.
2  إن دعوى عدم وجود فائدة من دراسة العلامات قبل وقوعها، والتأكيد على عدم جدوى التحقيق في موضوعاتها والاطلاع عليها، والاهتمام بها قبل وقوعها، يساهم في تجهيل القواعد الشعبية المؤمنة بقيام الحجّة المنتظر والمعتقدة بوجوب نصرته والذبّ عنه، تجهيلها بكل ما يدور من حولها من مخططات عدوانية لضرب الدين بإسم الدين، ولولا دور العلامات من خلال ما جاءت به النصوص عنهم ودراستها وترقب حدوثها لكان انحرف كثيرون من الناس بواسطة دعاة المهدوية المزيفة التي تطلُّ على المسلمين بين الحين والآخر، بل ولم ينجح هؤلاء في تضليل بعض المسلمين على امتداد التاريخ إلاّ بسبب جهل هذا البعض بالعلامات الحقيقية عن الإمام المهدي المنتظر (عليه السَّلام)، وعدم اطلاعهم عليها واهتمامهم بها قبل تحققها. فقد حذّرت رواياتنا من جماعة يستغلون الدين وشعاراته ليحرفوا الأمة عن مسارها، من هذه الروايات ما جاء عن مولانا الإمام الصادق‏ (عليه السَّلام) أنه قال: «لترفعنّ اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يعرف أي من أي».
وفي حديث آخر عنه‏ (عليه السَّلام) قال: «لا يخرج القائم حتى يخرج اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه».
وفي حديث عن الإمام الباقر (عليه السَّلام) مع بريد عن علامات الظهور القريبة قال: يا بريد اتق جمع الأصهب، قلت: وما الأصهب؟ قال: الأبقع، قلت: وما الأبقع؟ قال: الأبرص، واتق السفياني واتق الشريدين من ولد فلان، يأتيان مكة يقسمان بها الأموال، يتشبهان بالقائم، واتق الشذاذ من ولد آل محمّد.
وعليه فكيف يمكن أن نتقي جمع الأصهب والسفياني والشذاذ من آل محمّد وهم الذين يظهرون للناس تارة بإسم السيّد الحسني أو الخراساني، وأخرى بإسم شعيب‏ بن صالح وثالثة بإسم اليماني وبغير ذلك من علامات الظهور الأخرى المقدّسة؟ وهل يمكن النجاة من السقوط في تيار رايات الضلال في آخر الزمان، من دون معرفة مسبقة بعلاماتها وأوصافها والظروف التاريخية لظهورها كما تحدثنا أخبار العلامات؟
وكيف يمكن أن نتقي من الاثنتي عشرة راية ضلال متسترة بالدين ونفرّق بينها وبين راية الإمام المهدي‏ (عليه السَّلام) من دون أن نتعرّف على جميع علاماته قبل ظهوره؟ وكيف نميز رايات الضلال من رايات الهدى التي تخرج قبل ظهوره إذا لم نستوعب أوصافها ودلائلها المذكورة في أخبار العلامات قبل تحققها؟
3  إن وجود صحيح وسقيم في أخبار الظهور لا يلغي دور العلامات ودراسة مضامينها طبقاً للموازين العلمية، مما يضفي على المدقق فيها والمتتبع لها رونقاً فكرياً سليماً يجعله يعيش حالة الانتظار لإمام زمانه‏ (عليه السَّلام) بكل كيانه ووجوده، مستغرقاً في الاستطلاع على خصوصيات أفعال إمامه وما يتعلق به وبحركة ظهوره مما يستلزم أن يكون مشاركاً ومساهماً بالعلم والعمل في بناء الهيكلية العقائدية الصحيحة تمهيداً ليوم الظهور المبارك.
فإطلاق الدعوى بعدم جدوى البحث في علامات الظهور ما دام لم يعد ثمة مجال للاستفادة من الأخبار إلاّ بعد وقوع الحدث، ينسف ما تستهدفه تلك الأخبار من وجوب إقامة الحجّة على المجتمع البشري وإنذاره بقرب يوم الخلاص العالمي، بالإضافة إلى ما تستهدفه تلك الأخبار من إيقاظ الأمة من سباتها العميق وغفوتها الطويلة، لإعدادها فكرياً وروحياً وسياسياً لاستقبال قائدها المرتقب لتشارك بقيادته في صنع مستقبل البشرية الزاهر في ظل رسالة العدل الإلهي.
كما أن عدم جدوى البحث في العلامات  حسبما جاء في الشبهة  يلغي دور العلامات المحتومة التي لا يقع فيها التغيير، كا هو صريح الأخبار المتواترة، ومن خلالها يمكن رسم خارطة سياسية تحدّد للإمة الإسلامية معالم حركة الظهور، وأما غير المحتوم من العلامات فلا يمكن أن تحدّد لنا أهداف الإسلام المتوخاة من خلال ترقبها سوى ما يتعلق بتكوين الشخصية المتزنة والمتصفة بالصبر والانتظار، وهذا بدوره عنصر مهم في بلورة الواقع المؤمن وتهذيبه من الشوائب النفسية والدخيلة على جوهره وكيانه.
«إن إمكانية استطلاع المستقبل المجهول للإنسانية، ومحاولة التعرف على أبرز معالمه الفكرية، وخصائصه الاجتماعية، وصراعاته السياسية، ومكوناته الحضارية بدقة متناهة، أمر تفردت به رسالة الإسلام وحدها ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وإن وضع الدين القيّم والمهيمن على الأديان كلها في ساحة الجهل بأحداث المستقبل، وعدم القدرة على استطلاعها والتعرف عليها قبل تحققها، بحجة أن أهل البيت يريدون لأتباع هذا الدين الارتباط بما وقع دون الالتفات إلى ما سيقع، هو لون من التصورات الاجتهادية الخاطئة لعدم انسجامها مع قيمومة الإسلام على الأديان كلها، وعدم تطابقها مع طريقته في إلقاء الحجّة على أعدائه، قبل أن ينتهي بهم الكفر والانحراف عن مبادئه إلى الطريق المسدود، فحينئذٍ يصبح دين (نوستردامس) في تنبؤاته عن مستقبل الحضارة البشرية في صراعاتها السياسية، ومعاركها الجوية والبحرية هو الدين القيم المهيمن على الأديان كلها في طريق إلقاء الحجّة على المجتمع البشري، وهدايته إلى الموقف الحق لإنقاذه من الخطر المحدق به، وليس الإسلام الموصوف في كتاب اللَّه تعالى بأنه دين الهداية والبشرى للمسلمين بقوله تعالى تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ.
إن أئمة أهل البيت‏ (عليهم السَّلام) أوصوا شيعتهم المنتظرين بضرورة الانفتاح على دلائل الظهور وعلاماته، لرصد حركة الواقع بوعي ودقة، محذّرين من الانزلاق وراء رايات الضلال التي تخرج قبل اليوم الموعود، فالدعوة إلى التطلع إلى الحاضر دون المستقبل تعني التخلي عن الانفتاح على علامات الظهور التي من خلالها نتطلع إلى قائدنا المغيّب المهدي المنتظر (عليه السَّلام)، وهي دعوة صريحة لرفض توجيهات أهل البيت في مسألة الانتظار والتمرد عليها وإن تظاهرت بإسم الدين ولبست مسوح البحث العلمي.
وللعلامات دور بارز في تنشيط الحركة الثقافية المهدوية لدى القواعد الشعبية العاشقة لإمام الزمان _ روحي فداه _، بحيث تجعل المؤمن المنتظر يعيش حالة التربُّص واليقظة الدائمة ليكون حارساً أميناً على المحافظة على مبادى‏ء إمام زمانه، كما أنها تحوّل العقيدة بالإمام المهديّ‏ (عليه السَّلام) من قضية إيمانية ذاتية تجريدية إلى قضية سياسية كبرى في الأمة، تقود المؤمنين المجاهدين بأموالهم وأنفسهم في ساحة الصراع مع أعداء إمامهم المغيّب (عجّل اللَّه فرجه الشريف) بآمالها الكبيرة التي تشعها في النفوس، فتبدد بنورها وهداها ظلام اليأس والقنوط، عند اشتداد ضغوط الظلم والجور، وتكالب قوى الكفر والطاغوت في ساحة الصراع عليهم.
إن ترقب وقوع علامات الظهور والتعامل مع أحداثها السياسية التي تتحقق على الأرض يزيد من التزام المؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة، في حياته الفردية والاجتماعية، نتيجة لشعوره بقرب تحقق اليوم الموعود، واستعداداً لاستقبال وليّ اللَّه الأعظم، حيث لا مجال لمهادنة المشركين والكافرين والنواصب والمنحرفين في دولته المباركة، فمن لم يكن مستعداً بكل قواه الروحية والفكرية والنفسية لاستقبال بقية اللَّه قبل ظهوره، لا يملك المقدمات الذاتية والسلوكية التي تؤهله للالتحاق برايته المقدّسة.. اللَّهم اجعلنا من العارفين به والذابين عنه والدالين عليه والمستشهدين بين يديه، اللَّهم أرنا الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة وأكحل نواظرنا بنظرة منه إلينا وعجّل فرجه وسهّل مخرجه والعن أعداءه بحق الحق والدال على الصدق محمّد وآله الميامين العظام.
هذا ما أحببت إيراده من الشبهات حول مولانا الإمام الحجّة المنتظر (عليه السَّلام) مع الإجابة عليها بعون اللَّه عزّ وجلّ، مقتصراً عليها دون غيرها من البحوث المتعلقة بشخصه الكريم، تاركاً هذا الأمر لوقت آخر إنْ منّ اللَّه تعالى علينا بالحياة والتوفيق إنَّه سميعٌ مجيب ورؤوفٌ رحيم،والحمد لله ربّ العالمين وصلواته على صاحب الغيبة الكبرى وعلى أهل بيته أجمعين وجعلنا من أوليائه وأعوانه والمضحين في سبيله..

والسلام عليكم ورحمته وبركاته.العبد محمَّد جميل حمُّود العاملي/بيروت.


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=3
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 02 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28