• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : النبي عيسى عليه السلام لا زال حياً، والتوفي الوارد في الآية بحقه هو بمعنى الإنتقال والملاقاة .

النبي عيسى عليه السلام لا زال حياً، والتوفي الوارد في الآية بحقه هو بمعنى الإنتقال والملاقاة

الإسم:  *****
النص: السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
سماحة الشيخ -الله يحفظكم- سؤالي حول هذين الأيتين الكريمتين
قال الله تعالى: ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا(157)بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا(158)﴾ (النساء:157-158).
-ما تفسير هذين الأيتين المباركتين و ما تفاصيل هذه القصة... خصة حول التشبيه و الرفع... و كذلك حول موضوع: هل توفى المسيح -عليه السلام- أم لا... و كل ذلك على ضوء الروايات عن أئمتنا المعصومين -صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين-

و جزاكم الله خيرا
 

 

الموضوع العقائدي: النبي عيسى عليه السلام لا زال حياً، والتوفي الوارد في الآية بحقه هو بمعنى الإنتقال والملاقاة.
بسمه تعالى

 

السلام عليكم
     لقد قام الإجماع عند كل المسلمين بأن النبيّ عيسى عليه السلام لم يصلب ولم يقتل بل أن الله تعالى القى على أحد تلامذته مثال عيسى عليه السلام فظنوا أنه نبيّ الله عيسى عليه السلام فصلبوه على الخشبة، ونستدل على ذلك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه الأعظم صلى الله عليه وآله، فمن الكتاب الكريم: الآيتان اللتان أشرت إليهما في سؤالك الكريم وهما صريحتان بنفي صلبه وموته بل لا يزال حياً إلى أن يخرج مع إمامنا المعظم الحجة بن الإمام الحسن العسكري عليهما السلام، وقد استفاضت الأخبار بتفسير الآيتين بما ذكرنا، منها ما جاء في تفسير القمي علي بن إبراهيم بإسناده عن أبيه  عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عيسى عليه السلام وعد أصحابه ليلة رفعه الله إليه فاجتمعوا إليه عند المساء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتاً ، ثم خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء ، فقال : إن الله أوحى إليّ أنه رافعي إليه الساعة ومطهري من اليهود فأيكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب ويكون معي في درجتي ؟ فقال شاب منهم : أنا يا روح الله ، قال:  فأنت هوذا ، فقال لهم عيسى : أما إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة ، فقال له رجل منهم : أنا هو يا نبي الله ؟ فقال له عيسى : أتحس بذلك في نفسك فلتكن هو ، ثم قال لهم عيسى عليه السلام : أما إنكم ستفترقون بعدي على ثلاث فرق : فرقتين مفتريتين على الله في النار ، وفرقة تتبع شمعون صادقة على الله في الجنة ثم رفع الله عيسى إليه من زاوية البيت وهم ينظرون إليه .
ثم قال الإمام أبو جعفر عليه السلام : إن اليهود جاءت في طلب عيسى من ليلتهم فأخذوا الرجل الذي قال له عيسى عليه السلام : إن منكم لمن يكفر بي قبل أن يصبح اثنتي عشرة كفرة ، و أخذوا الشاب الذي ألقي عليه شبح عيسى فقتل وصلب ، وكفر الذي قال له عيسى : تكفر قبل أن تصبح اثنتي عشرة كفرة ».
 وقال علي بن إبراهيم : " يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى بن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة " قال : التي كفرت هي التي قتلت شبيه عيسى وصلبته ، والتي آمنت هي التي قبلت شبيه عيسى حتى يقتل " فأيدنا الذين آمنوا " هي التي لم تقتل شبيه عيسى على الأخرى فقتلوهم " على عدوهم فأصبحوا ظاهرين " .
  وفي تفسير الإمام العسكري عليه السلام : قوله عز وجل : " وأيدناه بروح القدس " هو جبرئيل  وذلك حين رفعه من روزنة بيته إلى السماء ، وألقي شبهه على من رام قتله فقتل بدلا منه .
وفيمن ألقي عليه شبه النبي عيسى عليه السلام قولان :
أحدهما : أنه بعض من أراد قتله من اليهود، فقد روى أبو صالح عن ابن عباس : أن اليهود لما اجتمعت على قتل عيسى ، أدخله جبريل خوخة لها روزنة ، ودخل وراءه رجل منهم ، فألقى الله عليه شبه عيسى ، فلما خرج على أصحابه ، قتلوه يظنونه عيسى ، ثم صلبوه ، وبهذا قال مقاتل وأبو سليمان .
والثاني : أنه رجل من أصحاب عيسى عليه السلام ، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس : أن عيسى خرج على أصحابه لما أراد الله رفعه ، فقال : أيكم يلقى عليه شبهي ، فيقتل مكاني ، ويكون معي في درجتي ؟ فقام شاب ، فقال : أنا ، فقال : اجلس ، ثم أعاد القول ، فقام الشاب ، فقال عيسى : اجلس ، ثم أعاد ، فقال الشاب : أنا ، فقال : نعم أنت ذاك ، فألقي عليه شبه عيسى ، ورفع عيسى ، وجاء اليهود ، فأخذوا الرجل ، فقتلوه ، ثم صلبوه وبهذا القول قال وهب بن منبه ، وقتادة ، والسدي.
 وكلا المعنيان مرويان عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولا ريب في أن أحد القولين خطأٌ باعتبارهما متعارضين في الدلالة ، فواحد روي عن الإمام العسكري عليه السلام في التفسير المنسوب إليه، والآخر مرويٌ عن حمران عن الإمام أبي جعفر عليه السلام، والظاهر تقديم خبر حمران على الخبر المروي في التفسير المنسوب إلى الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وذلك لأنه لا يصح عندنا نحن الإمامية صدور تناقض في كلام المعصومين سلام الله عليهم، وما ترون من تناقض في الخبرين كغيرهما من الأخبار المتعارضة سببه أمران: إما الدس في أخبارهم الشريفة وإما التقية عند بعض الرواة...ويظهر أن العتارض هنا مرجعه الدس والتلفيق على أهل البيت عليهم السلام ليشككوا في أخبارهم، فلا بد من إعمال قواعد الترجيح في علم الدراية والحديث لرفع الحيرة والشك، والأولوية تكون لخبر حمران باعتباره خبراً صحيحاً بخلاف خبر التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام فإنه ضعيف لإرساله، والإرسال أحد أقسام الخبر الضعيف.
 وأما السؤال عن وفاة النبي عيسى عليه السلام قبل صعوده إلى السماء فلم يقل به أحد من المسلمين، وما ورد في قوله تعالى في الآية 55 من سورة آل عمران إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ.. فقد ورد خبر في عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام للشيخ الصدوق عن مولانا الإمام الرضا عليه السلام يفيد بأن الله تعالى قبض روح عيسى عليه السلام بين السماء والأرض، كما في حديث الطالقاني عن الكوفي ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال في حديث طويل في وصف الأئمة عليهم السلام : وإنهم يقتلون بالسيف أو بالسم - وساق الحديث إلى أن قال عليه السلام - : ما شبه أمر أحد من أنبياء الله وحججه عليهم السلام للناس إلا أمر عيسى بن مريم وحده لأنه رفع من الأرض حيا ، وقبض روحه بين السماء والأرض ، ثم رفع إلى السماء ورد عليه روحه ، وذلك قوله عز وجل : " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا " وقال عز وجل حكاية لقول عيسى عليه السلام : " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد " الخبر .
 قال الطبرسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى(ورافعك إليّ): وقال رحمه الله في قوله تعالى : " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " قيل في معناه أقوال :
أحدها أن المراد به أني قابضك برفعك من الأرض إلى السماء من غير وفاة بموت عن الحسن وكعب وابن جريح وابن زيد والكلبي وغيرهم ، وعلى هذا القول يكون للمتوفي تأويلان :
أحدهما : إني رافعك إلي وافياً لم ينالوا منك شيئا ، من قولهم : توفيت كذا واستوفيته ، أي أخذته تاما . والآخر : إني متسلمك ، من قولهم : توفيت منك كذا أي تسلمته .
وثانيها : إني متوفيك وفاة نوم ، ورافعك إلي في النوم ، عن الربيع ، قال : رفعه نائماً ، ويدل عليه قوله : " وهو الذي يتوفاكم بالليل " أي ينيمكم ، إن النوم أخو الموت ، وقوله : " الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها " .
وثالثها : إني متوفيك وفاة موت ، عن ابن عباس ووهب ، قالا : أماته الله ثلاث ساعات .
وأما النحويون فيقولون : هو على التقديم والتأخير ، أي إني رافعك ومتوفيك ، لان الواو لا توجب الترتيب بدلالة قوله : " فكيف كان عذابي ونذر " والنذر قبل العذاب وهذا مروي عن الضحاك .
ويدل عليه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : عيسى عليه السلام لم يمت وإنه راجع إليكم قبل يوم القيامة . وقد صح عنه صلى الله عليه وآله أنه قال : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ؟ رواه البخاري ومسلم في الصحيحين ، فعلى هذا يكون تقديره : إني قابضك بالموت بعد نزولك من السماء .
وقوله : " ورافعك إلي " فيه قولان : أحدهما : أني رافعك إلى سمائي .
والآخر أن معناه : رافعك إلى كرامتي ".
 أقول: إن المعنى الحقيقي للرفع هو الأول لأنه مروي عن أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم ولا مانع من ضم الثاتي إليه ولكن شريطة أن يكون الرفع بالكرامة ملازماً للرفع إلى السماء وليس بمعنى القتل ثم الرفع..يرجى التأمل.
  وما ورد في خبر إسماعيل بن أبي رافع بأن الله توفاه ثم رفعه إلى السماء ... لا اعتداد به لموافقته لأخبار الإنجيل الدالة على أن المسيح عليه السلام قتل ثم قام من قبره فرفع إلى السماء، مضافاً إلى موافقته للمخالفين كما تقدم آنفاً عن وهب وإبن عباس أن الله تعالى أماته ثلاث ساعات، فما الفرق بين أن يميته الله تعالى ثلاث ساعات في الأرض أو بين الأرض والسماء..؟! فجميع هذه الأقوال موافقة لموت المسيح عليه السلام قبل وصوله إلى عالم الملكوت..!!
   وإليكم خبر اسماعيل الموافق لأخبار المخالفين: روى الصدوق في إكمال الدين باسناده إلى محمد بن إسماعيل القرشي عمن حدثه عن إسماعيل بن أبي رافع عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان جبرئيل عليه السلام نزل على بكتاب فيه خبر الملوك ملوك الأرض قبلي وخبر من بعث قبلي من الأنبياء والرسل وهو حديث طويل قال فيه عليه السلام ان عيسى بن مريم اتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغبهم فيما عند الله ثلثا وثلثين سنة ، حتى طلبته اليهود وادعت انها عذبته ودفنته في الأرض حيا ، وادعى بعضهم انهم قتلوه وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم عليه سلطانا ، وانما شبه لهم وما قدروا على عذابه ودفنه ، ولا على قتله وصلبه ، قوله عز وجل : انى متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا فلم يقدرا على قتله وصلبه ، لأنهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيبا لقوله تعالى ولكن رفعه الله إليه بعد ان توفاه عليه السلام .
 ويؤيده خبر الخصال ص 523 عن الإمام الصادق عليه السلام قال:"... لأنه رفع من الأرض حيا وقبض روحه بين السماء والأرض ،ثم رفع إلى السماء ورد عليه روحه..".
إشكال وحل:
 إن قيل لنا: إنه جاء في خبرٍ عن مولانا الإمام الرضا سلام الله عليه مفاده: أن الله تعالى رفع النبي عيسى عليه السلام حياً من الأرض ولكنه قبض روحه بين السماء والأرض ثم رفعه إلى السماء...ما يعني أن نبيّ الله عيسى عليه السلام قد مات ثم رفع إلى السماء وهو عين الإشكال الذي سجلتموه على خبر إسماعيل بن أبي رافع فماذا تقولون..؟!
   قلنا في الجواب: خبر إمامنا المعظم الرضا عليه السلام مروي عن علي بن حسن بن فضال وهو فطحي فاسد المذهب وإن اعتبره بعضهم مقبول القول بالرغم من فساد عقيدته لأن الرجل من بني فضال الذين أخذ المشهور برواياتهم لأنهم لا يروون إلا عن ثقة، ولكننا نتوقف عما قاله المشهور لأن الإسترسال بكل ما رووا حتى لو فاسداً لا يتوافق مع الأسس العقائدية الصحيحة، وليس كل خبر  رواه بنو فضال يجب قبوله دون قيد أو شرط حتى لو كان مخالفاً للأسس التشريعية، بل يؤخذ باخبارهم ما دامت متوافقة مع الكتاب والسنة المطهرة، فالقول بوجوب الأخذ بأخبار بني فضال كيفما كان يعتبر تقليداً أعمى لا تقره شريعتنا المقدسة، والفقرة في هذا الخبر لا يتوافق مع الأخبار الأخرى الدالة على رفعه إلى السماء من دون قبض روحه، والقبض المذكور بين السماء والأرض لعلّه قريبٌ من مقالة النصارى القائلين بأنه مات ثم رفع، ولا فرق بالموت بين أن يكون في الأرض أو بين الأرض والسماء، فالخبر المذكور ينسب الموت إلى عيسى عليه السلام بين السماء والأرض بدلاً من أن يكون في الأرض، فالموت قد حصل على كلا الرأيين، فلا يفترق الخبر عن أخبار النصارى بشيء سوى بأن الموت حصل بين السماء والأرض...نعم يمكن تأويل الفقرة الواردة في خبر الإمام الرضا عليه السلام على فرض صدوره عنه عليه السلام بأن يراد من قبض الروح هو السبات العميق المقارن للموت كما حصل لأصحاب الكهف ــ على بعض التفاسير ــ حيث جاء التعبير عن نومهم باللبث أو المكوث وهو أعم من الموت ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً ..الله أعلم بما لبثوا.... فكان لبثهم بمعنى نومهم لا موتهم وقد عبر عن الموت بالرقود أي النوم بدليل قوله تعالى وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال  أي كانوا مفتحين لعيونهم مع أنهم كانوا نائمين في الحقيقة، وكانت الملائكة تلقبهم يميناً وشمالاً، والتقليب يميناً وشمالاً دلالة على وجود الحياة فيهم لكنهم مستغرقون بنومهم بقدرة الله تعالى، والنوم أخو الموت كما جاء في الخبر:« الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»...
ولعلّ المراد من القبض هو القبض الحقيقي أي الموت حتى لا يكون له ميزة على رسول الله وأئمة أهل البيت عليهم السلام حيث يرتقون الأسباب ويعرجون إلى السماء من دون توفي بمعنى الموت...ولكنه يبقى مجردَ احتمالٍ لا يفي بالمراد...وهو خلاف ما ورد من لفظ"التوفي" الوارد في قوله تعالى حكاية عن نبي الله عيسى عليه السلام وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد ، إن تعذبهم فإنهم عبادك ، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم....
  وقد يستعمل لفظ الوفاة أو التوفي بمعنى الموت والملاقاة ولا ينحصر معناه بواحدٍ دون آخر،    وأما استعمال لفظ الوفاة، فهو باعتبار الموافاة ، وهي الملاقاة والمقابلة مع الغير ، يقال : وافيته ويقال : وافيته بكذا . أي بهدية أو أمانة أو خبر ونحوها .
والمقابلة أو الملاقاة عند الموت تكون للَّه سبحانه أو للعالم الآخر . قال سبحانه ( ا للهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) .
والتوفي هو الحمل على هذه المقابلة والتسبيب إليها . ومنه قوله تعالى :( تَوَفَّتْه ُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ) . يعني أنهم سببوا إلى الوفاة ومن ثم إلى الملاقاة .
إذن يتحصل لدينا أن حيثية وجهة استعمال لفظ الموت غير جهة استعمال لفظ الوفاة . وليس بين المفهومين - كما نتصور - نسبة التساوي بل يمكن القول إن بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه . يعني أنهما قد يحصلان معا وذلك في أغلب صور الموت الطبيعي ، فهو موت ووفاة في نفس الوقت . وقد يحصل أحدهما بدون آخر .
  وأما حصول الوفاة بدون موت ، فيمكن أن نشير إلى وجوده في القرآن الكريم في موضعين :
أحدهما :
أنه سمى النوم وفاة ولم يسمه موتا . فقال تعالى  ( اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ) . يعني وهو يتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها . إذن فهو يتوفى الأنفس لدى منامها ... فالنوم - إذن - وفاة وإن لم يكن موتاً .
ثانيهما : إننا نعتقد أن النبي عيسى ابن مريم على نبينا وعليه السلام حي لم يمت . وهذا ما عليه إجماع الفريقين من المسلمين ونطقت به الكثير من الروايات . ومع ذلك فقد نص القرآن على حصول الوفاة له . وهي غير الموت . قال سبحانه  ( فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) . فقد توفاه اللَّه حال حياته وقبل موته، والتوفيفي حياته بمعنى ملاقاته بالخير والكرامة  .
فهذان موردان تحصل فيهما الوفاة ولم يحصل الموت .
وأما حصول الموت بدون الوفاة . يعني أن يحصل له الموت الطبيعي ولكن لا تحصل له الوفاة بمعنى أنه تعالى لا يوافيه اللَّه سبحانه في الجهة الروحية المعنوية ، بل يكون محروماً من رحماته الخاصة وفيوضاته العليا . فمن ذلك قوله تعالى ( وَمَنْ كانَ فِي هذِه ِ أَعْمى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا ) . وقوله تعالى  ( كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) .
 مضافاً إلى ما ذكرنا: إن خبر إكمال الدين والخصال عن مولانا الإمام الرضا والصادق عليهما السلام يتوافق مع قول المخالفين الذين يعتقدون بأن الله تعالى توفى النبي عيسى عليه السلام أي أماته ثم رفعه إليه، ومما يؤكد هذه الحقيقة التي ذكرناها ما قاله إبن حزم في المحلّى ج1ص23 قال:" مسألة 41 - وأن عيسى عليه السلام لم يقتل ولم يصلب ولكن توفاه الله عز وجل ثم رفعه إليه . وقال عز وجل ( وما قتلوه وما صلبوه ) وقال تعالى ( انى متوفيك ورافعك إلى ) وقال تعالى عنه أنه قال ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد ) وقال تعالى ( الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ) فالوفاة قسمان : نوم وموت فقط ، ولم يرد عيسى عليه السلام بقوله ( فلما توفيتني ) وفاة النوم فصح أنه إنما عنى وفاة الموت ، ومن قال إنه عليه السلام قتل أو صلب فهو كافر مرتد حلال دمه وماله لتكذيبه القرآن وخلافه الاجماع ".
 وبما تقدم: يتضح أن التوفي لا يراد منه الموت بكلا معنييه ــ أي الموت في الأرض كما يذهب إليه النصارى ولا الموت بين الأرض والسماء كما يذهب إليه المخالفون والخبر الوارد عن الإمام الرضا عليه السلام ـــ  بل هو بمعنى الإنتقال والملاقاة له بالكرامة والفضيلة.. والله العالم بحقائق اسراره..وهو حسبي عليه توكلت وإليه أُنيب، والسلام عليكم.
 

حررها العبد الفير إليه تعالى
محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 17 جمادى الأولى 1435هـ.

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=919
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 03 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28