• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : علم الرجال .
              • القسم الفرعي : مواضيع رجاليّة .
                    • الموضوع : حمل أمير المؤمنين عليه السلام لجسده بعد شهادته له شواهد من الكتاب والسنة المطهرة .

حمل أمير المؤمنين عليه السلام لجسده بعد شهادته له شواهد من الكتاب والسنة المطهرة

الإسم:  *****

النص: بسم الله الرحمان الرحيم و به نستمدّ و نستعين
اللَّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد و عجّل فرجهم الشريف و العن عدوّهم الخبيث
سماحة المرجع الديني الأعلى العلّامة الفهّامة البحّاثة المحقّق المدقّق الفذّ المدافع عن ولاية أهل البيت عليهم أفضل الصلاة و أزكى السلام صاحب علم الولاء آية الله الحجّة الشيخ محمّد جَميل حَمُّود العامِلي أدام الله ظلّه رؤوس المسلمين:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته؛
ما هو رأيكم الشريف حول هذين الحديثين الشريفين المرويّين في كتب علماءنا العاملين المتّقين السيّد هاشم الحسيني البحراني و الشيخ محمّد الحرّ العاملي و الشيخ محمّد باقر المجلسي الإصفهاني و الميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي و السيّد أحمد الموسوي المستنبط التبريزي رحمة الله تعالى عليهم أجمعين؟
(الحديث الأوّل) البرسي: قال: روى محدّثوا أهل الكوفة أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا حمله الحسن و الحسين عليهما السلام على سريره إلى مكان القبر المختلف من نجف الكوفة وجدوا فارسا يتضوّع منه المسك فسلّم عليهما، ثمّ قال للحسن عليه السلام: أنت الحسن بن عليّ رضيع الوحي و التنزيل، و فطيم العلم و الشرف الجليل، خليفة أمير المؤمنين، و سيّد الوصيّين؟
قال: نعم.
قال: و هذا الحسين بن عليّ أمير المؤمنين، و سيّد الوصيّين سبط نبيّ الرحمة، و رضيع العصمة، و ربيب الحكمة، و والد الأئمّة؟
قال: نعم.
قال: سلّماه إليّ و امضيا في دعة الله.
فقال له الحسن عليه السلام: إنّه أوصى إلينا أن لا نسلّمه إلّا إلى أحد رجلين: جبرائيل أو الخضر. فمن أنت منهما؟
فكشف النقاب فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ قال للحسن عليه السلام: يا أبا محمّد، إنّه لا تموت نفس إلّا و يشهدها. أ فما يشهد جسده؟.
* مدينة معاجز الأئمّة الإثني عشر، ج3، ص60، ح724؛ بحار الأنوار، ج42، ص300؛ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج5، ص164.
أقول: و الحقير الفقير بحثتُ في كتب الحافظ رجب البرسيّ رحمه الله المطبوعة فلم أجد لهذه الرواية عينٌ و لا أثرٌ فراجعتُ إلى النسخ المخطوطة من كتبه الّتي كانت نسخها المصوّرة موجودة لديَّ، فوجدتُ هذين الحديثين الشريفين الموافقين لمتن الرواية و مضمونها، و ها هما التالي:
1- كتاب تأويل الآيات البيّنات في فضائل أهل البيت من آل محمّد صلوات الله عليه و عليهم للعالم الجليل الحافظ رجب بن محمّد بن رجب البرسيّ الحلّي رحمه الله (و مكتوب في آخر النسخة: تمّ الكتاب بعون الله الملك الوهّاب في سنة 969 و الحمد لله ربّ العالمين و صلّى الله على سيّدنا محمّد و آله الطيّبين الطاهرين)، (المخطوطة في منظّمة الوثائق و المكتبة الوطنيّة الإيرانيّة، طهران، رقم النسخة 1256616)، ص247: «فصل، و أمّا حديث الدفن فقد رواه أهل الكوفة: أنّ أمير المؤمنين لمّا دفنه الحسن و الحسين عليهم السلام جاء رجل فساعدهم فسألاه مَنْ أنت؟ فكشف اللثام فإذا هو أمير المؤمنين. أنكر هذا الحديث كلّ سامع له و فيه من الأسرار ما لا يجوز إنكاره و ادّعى من أنكر أنّه من قول الغلاة، و قالوا: كيف يكون ميّتاً ثمّ يكون حيّاً في حاله واحدة فقدر المنكرون عظمة الله على قدر عقولهم و جهلوا أمر الله فيهم لأنّ الإمام هو سرّ الله في خلقه، و قال أناس: يلزم من هذا أوّلاً جهل المعصوم لأنّهما سألاه و لو عرفاه ما سألاه، قلنا: فقد سأل الله موسى، فقال: «وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟‏ قالَ: هِيَ عَصايَ»، و قال لعيسى بن مريم: «أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُوني‏ وَ أُمِّيَ إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟». فصل: و المنكر هذا إنّما أنكره لأنّه لا يعرف ما الفرق بين الروح و الجسد لأنّ الكتاب الحقّ قد شهد أنّهم أحياء يرزقون و جاءت السنّة أنّ أولياء الله لا يموتون و قد ماتوا عياناً... إلخ».
2- مطالع الأسرار در شرح مشارق الأنوار (و هو شرح فارسيّ على كتاب مشارق الأنوار الّفه السبزواري بأمر من الشاه السطان سليمان الحسيني الموسوي الصفوي -في القرن الحادي عشر بعد الهجرة النبويّة المقدّسة على هاجرها آلاف التحيّة و الثناء-) للعالم الجليل حسن الخطيب القاري السبزواري رحمه الله، (المخطوطة في مكتبة مجلس الشورى، طهران، رقم النسخة 10682)، ص505: «و من ذلك: أنّهم أنكروا ما رواه محدّثوا أهل الكوفة: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لمّا حمله الحسن و الحسن عليهما السلام على سريره إلى مكان القبر المختلف إليه من نجف الكوفة وجدا فارساً يتوضّع منه رائحة المسك، فسلّم عليهما، ثمّ قال للحسن عليه السلام: أنت الحسن بن علي رضيع الوحي و التنزيل و فطيم العلم و الشرف الجليل خليفة أمير المؤمنين و سيّد الوصيّين؟ قال: نعم، قال: و هذا الحسين بن علي سبط الرحمة و رضيع العصمة و ربيب الحكمة و والد الأئمّة؟ قال: نعم، قال: سلِّماه إليّ و امضياني دعة الله، فقال له الحسن عليه السلام: إنّه أوصى إليه أن لا نسلّمه إلّا أحد رجلين جبرئيل و الخضر، فمن أنت؟ فكشف النقاب فإذا هو أمير المؤمنين عليه السلام، ثمّ قال للحسن عليه السلام: يا أبا محمّد أنّ أباك لا تموت نفس إلّا و يشهد فما يشهد جسده. قال: و رووه، و قال: مَنْ اعتقد هذا فقد اعتقد قول الغلاة!! لأنّ الميّت كيف يكون ميّتاً ثمّ يكون حيّاً ثمّ يكون فارساً، و قدروا عظمة الله على قدر عقولهم و جهلوا أمر الله فيهم، و قالوا: من إيراد هذا الحديث يلزم خطأ المعصوم لأنّه سألهم و سألوه و قالوا له: من أنت و لو عرفوه ما أنكروه، قلنا: فقد قال الله لموسى «وَ ما تِلْكَ بِيَمينِكَ يا مُوسى»، و قال لعيسى: «أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُوني‏ وَ أُمِّيَ إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟»... إلخ».
(الحديث الثاني) البرسي: قال: روي عن الحسن بن عليّ عليهما السلام أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن و الحسين عليهما السلام: إذا وضعتماني في الضريح المقدّس فصلّيا ركعتين قبل أن تهيلا التراب عليّ، و انظرا ما ذا يكون.
فلمّا وضعاه في الضريح المقدّس فعلا ما امرا به و إذا الضريح مغطّى بثوب من سندس، فكشف الحسن عليه السلام ممّا يلي وجه أمير المؤمنين عليه السلام، فوجد رسول الله صلّى الله عليه و آله و آدم و إبراهيم يتحدّثون مع أمير المؤمنين عليه السلام، و كشف الحسين ممّا يلي رجليه، فوجد الزهراء و حوّاء و مريم و آسيا عليهنّ السلام ينحن على أمير المؤمنين عليه السلام و يندبنّه.
مدينة معاجز الأئمّة الإثني عشر، ج3، ص77، ح741؛ الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، الباب السادس، ص188، ح46؛ بحار الأنوار، ج42، ص301؛ منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج5، ص164؛ القطرة من بحار مناقب النبيّ و العترة عليهم السلام، ج2، ص255.
جعلكم الله ذخراً للمذهب و انتصاراً للحقّ
كلب محبّي أمير المؤمنين عليه و آله الصلوة و السلام *****
دار المؤمنين ***** - 20 شهر رمضان المبارك سنة 1435 هـ  
 
 
الموضوع الرجالي والعقائدي: حمل أمير المؤمنين عليه السلام لجسده بعد شهادته له شواهد من الكتاب والسنة المطهرة / خبر المحدث رجب البرسي من أخبار الفضائل والأسرار / كون الخبر مرسلاً لا يستلزم طرحه / المعتبر في صحة الخبر هو الخبر الموثوق الصدور / الرد على المحدث المجلسي المنكر لبعض ما يرويه الشيخ رجب البرسي / الرد على السيّد محسن الأمين المنكر على رجب البرسي / دفع الإشكالين الآخرين الواردين على الخبر / دفاع العلامة الأميني عن الشيخ الجليل رجب البرسي أعلى الله مقامه.
بسم اللهِ الرَّحمان الرَّحيم
 
     الحمد لله والصلاة والسلام على سادة الكائنات رسول الله وأهل بيته الأنوار المطهرين واللعنة السرمدية الأبدية على أعدائهم من المخالفين وأشياعهم من بترية الشيعة الجدد....وبعد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جوابنا على سؤالكم الكريم هو الآتي: إن الكلام حول التشكيك في الحديث الكاشف عن سرٍّ من أسرار أمير المؤمنين مولانا علي بن أبي طالب سلام الله عليهما كغيره من أحاديث الأسرار العالية ليس جديداً بل له جذور تاريخية قديمة راجت في الوسط الشيعي والإسلامي مذ عصر الرسالة حيث لم يعهد من بعض الصحابة المنافقين تصديقهم لما أخبرهم عنه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله، فكانوا دائماً يشككون بكلامه وبما قصه عليهم من فضائل أهل بيته الطاهرين سلام الله عليهم، وهكذا كان الحال في عصور أئمتنا المطهرين عليهم السلام حيث انبقت فرقة البترية فأكثرت من التشكيك بفضائل أئمتنا الطاهرين سلام الله عليهم بسبب عدم اعتقادهم بعلو تلك الذوات المطهرة عند الله تعالى...فما نراه اليوم هو نسخة عما سبق وتكرار لما حصل، إلا أن النفوس الطيِّبة لا يلتبس عليها ما نفثه أولئك الشياطين ولا يضعفون أمام موجات التشكيك بل يقرعون أصحابها بمعاول الأدلة والبراهين.... وقد أجاد المحدّث رجب البرسي بإجابته على بعض تلكم السموم التشكيكية، ونحن نزيد على ما ذكرناه بشيءٍ من التفصيل، وقبل إجابتنا على ذلك نحب أن نلخص الإشكالات الدائرة حول الخبر المتقدم الذكر بالآتي:
(الإشكال الأول): كون الخبر مرسلاً .
(الإشكال الثاني): التشكيك في دلالة الخبر بنعته الحديث بالمغالي في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام، تحت ذريعة استحالة كون الميّت حاملاً لجسده، إذ كيف يكون ميتاً ثم يكون حياً في حالة واحدة.
(الإشكال الثالث): جهل المعصوم وهم هنا الحسنان عليهما السلام بأمير المؤمنين عليه السلام الذي استلم جسده منهما ولم يعرفاه.
  الجواب عن الإشكال الأول بوجهين:
 (الوجه الأول): إن إرسال الخبر لا يضرُّ  بصحته واحتمال صدوره عن أئمة الهدى سلام الله عليهم، وقد فصّلنا ذلك في بحوثنا الأُخرى، وأشرنا هناك بأن الخبر الضعيف لا يجوز طرحه بسبب ضعف سنده وذلك لأن المِلاك والمناط في قبول الخبر هو ما تشهد القرائن والشواهد على اعتباره وصحة صدوره عن مشكاة النبوة والولاية، وهو ما عبَّر عنه أعلام الإمامية بالخبر الموثوق الصدور  وليس الملاك قوة سند أي خبر صادر عنهم مع كون دلالته ضعيفة لمخالفتها للشواهد والقرائن المعتبرة من الكتاب والسنَّة المطهرة والعقل السليم، وقد نهى أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم عن الأخذ بالخبر الخالي من الشواهد والقرائن نظير أيذ خبر يخالفُ الكتابَ والسنَّة المطهرة، وفي المقابل أمرونا بالأخذ بكلِّ خبرٍ يتوافق مع الكتاب الكريم، وحيث إن الكتاب والسنة زاخرتان بالفضائل والمعاجز والخصائص لأهل بيت العصمة سلام الله عليهم فلا يجوز والحال هذه أن نرد كلَّ خبر يتوافق مع الكتاب والسنة وبالتالي لا يجوز رد الخبر المذكور لموافقته لهما.
  (الوجه الثاني): دعوى المجلسي في تضعيفه لما يتفرد بما يرويه المحدّث رجب البرسي خلاف الإنصاف وذلك لأن رجب البرسي ثقة ومن حملة الأسرار وقد أطري عليه ثلة من أعلام الإمامية ومن البعيد جداً أن يفتري على آل الله بالكذب، وعمدة ما اعتمده المنكرون لأحاديث الشيخ الأعظم رجب البرسي هو ما توهموه من وجود ما يوهم الخبط والخلط والارتفاع في كتابيه مشارق الأنوار وكتاب الألفين...ومن هؤلاء المنكرين السيّد محسن الأمين العاملي مدعياً أن في  طبعه شذوذ وفي مؤلفاته خبط وخلط وارتفاع ثم جاء بعده بعض الكسالى من أهل العلم فقلدوه بما نعته بحق رجب البرسي أعلى الله مقامه...!. 
وهو إنْ دل على شيء فإنما يدلُّ على ضعف إيمانهم واعتقادهم بمقامات وأسرار أهل بيت العصمة والطهارة سلام الله عليهم، فكلُّ خبرٍ يتناول أسرارهم ومقاماتهم يطرحونه بحجة الغلو والخبط والخلط....وقد حصل ذلك لبعض الرواة الأمناء في الطائفة المحقة كمحمد بن الفضيل ومحمد بن عيسى الذي رفض رواياته القميون أيام الصدوق ونعتوه بالمغالي...كما كان الحال عند الصدوق وأُستاذه ابن الوليد حيث كانا ينعتان من قال بعدم جواز السهو على المعصوم بأنه صعد أول درجة في الغلو، وقد فصلنا ذلك في كتابنا الجديد حول البترية ومعالمها ....وللعلامة الجليل الأميني كلام رشيق ومتين حول العلامة رجب البرسي جدير بنا نقله للمؤمنين من العلماء والمتعلمين وهو التالي: " الحافظ الشيخ رضي الدين رجب بن محمد بن رجب البرسي الحلي ، من عرفاء علماء الإمامية وفقهائها المشاركين في العلوم ، على فضله الواضح في فن الحديث ، وتقدمه في الأدب وقرض الشعر وإجادته ، وتضلعه من علم الحروف وأسرارها واستخراج فوائدها ، وبذلك كله تجد كتبه طافحة بالتحقيق ودقة النظر ، وله في العرفان والحروف مسالك خاصة ، كما أن له في ولاء أئمة الدين عليهم السلام آراء ونظريات لا يرتضيها لفيف من الناس ، ولذلك رموه بالغلو والارتفاع ، غير إن الحق أن جميع ما يثبته المترجم لهم عليهم السلام من الشؤون هي دون مرتبة الغلو غير درجة النبوة ، وقد جاء عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام قوله : إياكم والغلو فينا ، قولوا :" إنَّا عبيدٌ مربوبون وقولوا في فضلنا ما شئتم". وقال الإمام الصادق عليه السلام:" اجعلوا لنا ربا نؤوب إليه وقولوا فينا ما شئتم " وقال عليه السلام:" اجعلونا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم فلن[ ولن ] تبلغوا ".
  وأنى لنا البلاغ مدية ما منحهم المولى سبحانه من فضائل ومآثر ؟ وأنى لنا الوقوف على غاية ما شرفهم الله به من ملكات فاضلة ، ونفسيات نفيسة ، وروحيات قدسية ، وخلائق كريمة ، ومكارم ومحامد ؟ فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام ؟ أو يمكنه اختياره ؟ هيهات هيهات ضلت العقول ، وتاهت الحلوم ، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت العظماء ، وتحيرت الحكماء ، وتقاصرت الحلماء ، وحصرت الخطباء ، وجهلت الألباء ، وكلت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه ، وفضيلة من فضائله ، وأقرت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكله ؟ أو ينعت بكنهه ؟ أو يفهم شئ من أمره ؟ أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ؟ لا . كيف ؟ وأنى ؟ فهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين ، فأين الاختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟ .
ولذلك تجد كثيرا من علمائنا المحققين في المعرفة بالأسرار يثبتون لأئمة الهدى صلوات الله عليهم كل هاتيك الشؤون وغيرها مما لا يتحمله غيرهم ، وكان في علماء قم من يرمي بالغلو كل من روى شيئا من تلكم الأسرار حتى قال قائلهم : إن أول مراتب الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله إلى أن جاء بعدهم المحققون وعرفوا الحقيقة فلم يقيموا لكثير من تلكم التضعيفات وزناً ، وهذه بلية مني بها كثيرون من أهل الحقائق والعرفان ومنهم المترجم ، ولم تزل الفئتان على طرفي نقيض ، وقد تقوم الحرب بينهما على أشدها ، والصلح خير .
 وفذلكة المقام أن النفوس تتفاوت حسب جبلاتها واستعداداتها في تلقي الحقائق الراهنة ، فمنها ما تبهظه المعضلات والأسرار ، ومنها ما ينبسط لها فيبسط إليها ذراعا و يمد لها باعا ، وبطبع الحال أن الفئة الأولى لا يسعها الرضوخ لما لا يعلمون ، كما أن الآخرين لا تبيح لهم المعرفة أن يذروا ما حققوه في مدحرة البطلان ، فهنالك تثور المنافرة ، وتحتدم الضغائن ، وتحن نقدر للفريقين مسعاهم لما نعلم من نواياهم الحسنة وسلوكهم جدد السبيل في طلب الحق ونقول :
على المرء أن يسعى بمقدار جهده * وليس عليه أن يكون موفقاً
ألا إن الناس لمعادن كمعادن الذهب والفضة وقد تواتر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام : أن أمرنا ، أو حديثنا . صعب مستصعب لا يتحمله إلا نبي مرسل أو ملك مقرب ، أو مؤمن امتحن الله قلبه بالايمان إذن فلا نتحرى وقيعة في علماء الدين ولا نمس كرامة العارفين ، ولا ننقم من أحد عدم بلوغه إلى مرتبة من هو أرقي منه ، إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها . وقال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لو جلست أحدثكم ما سمعت من فم أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم لخرجتم من عندي وأنتم تقولون: إن عليَّاً من أكذب الكاذبين .
وقال إمامنا السيد السجاد عليه السلام : لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله ، ولقد آخا رسول الله صلى الله عليه وآله بينهما فما ظنكم بسائر الخلق وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ، وإلى هذا يشير سيدنا الإمام السجاد زين العابدين عليه السلام بقوله :
إني لأكتم من علمي جواهره * كيلا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
وقد تقدم في هذا أبو حسن * إلى الحسنين وأوصى قبله الحسنا
فرب جوهر علم لو أبوح به * لقيل لي : أنت ممن يعبد الوثنا
ولا ستحل رجال مسلمون دمي * يرون أقبح ما يأتونه حسنا 
ثم قام بالرد على السيِّد محسن الأمين بقوله رحمه الله:" ونحن لا ندري ماذا يعني سيدنا الأمين بقوله :" وفي طبعه شذوذ وفي مؤلفاته خبط وخلط وشيء من المغالاة لا موجب له ولا داعي إليه وفيه شئ من الضرر وإن أمكن أن يكون له محل صحيح ؟ ليت السيد يوعظ[ يوعز] إلى شئ من شذوذ طبع شاعرنا الفحل حتى لا يبقى قوله دعوى مجردة . وبعد اعترافه بإمكان محمل صحيح لما أتى به المترجم له فأي داع إلى حمله على الخبط والخلط ، ونسيان حديث : ضع أمر أخيك على أحسنه ؟ و أي ضرر فيه على ذلك تقدير ؟ على أنا سبرنا غير واحد من مؤلفات البرسي فلم نجد فيه شاهدا على ما يقول ، وستوافيك نبذ ممتعة من شعره الرائق في مدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم وليس فيها إلا إشادة إلى فضائلهم المسلمة بين الفريقين أو ثناء جميل عليهم هو دون مقامهم الأسمى ، فأين يقع الارتفاع الذي رماه به بعضهم ؟ وأين المغالاة التي رآها السيد ؟ والبرسي لا يحذو في كتبه إلا حذو شعره المقبول ، فأين مقيل الخبط والضرر والغلو التي حسبها سيد الأعيان ؟ .انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
ليس لدينا بعد الكلام المتقدم كلام لأنه وافٍ وشافٍ بحمد الله تعالى فجزى الله تعالى العلامة الأميني خيراً....
جوابنا عن الإشكال الثاني بوجهين:
  (الوجه الأول): الإستبعاد ليس دليلاً شرعياً وعقلياً لإنكار الأسرار والمناقب، وذلك لأن الفضائل والأسرار لا يتحملها إلا المطهرون من الدنس والخطيئة وبالتالي لا يجوز طرحها لمجرد أن المنكر لم يتحملها بسبب ضيق قابليته..فيريد أن يبسط المطالب العلمية على حسب قياسه النفسي والعقلي والروحي...ونِعْمَ ما قال رجب البرسي :" فقدر المنكرون عظمة الله على قدر عقولهم و جهلوا أمر الله فيهم لأنّ الإمام هو سرّ الله في خلقه.." 
  (الوجه الثاني): لم يحمل أمير المؤمنين عليه السلام جسده بنفس جسده الذي كان عليه في الحياة الدنيا، بل حمله بروحه التي لبست جسماً برزخياً آخر يختلف بطبيعته المادية عن جسمه المطهر صلوات الله عليه وهو ما دلت عليه أخبارنا الشريفة الكاشفة عن الأبدان المثالية التي تدخل روح الميت فيها لتتنعم أو تتعذب، وقد عقد المجلسي في البحار باباً خاصاً بالأبدان المثالية وبالتالي فلا يجوز طرح الخبر لمجرد أن أمير المؤمنين عليه السلام قام بجسمه البرزخي بحمل جسده المادي مع التأكيد على أن الشهداء أحياء عند ربهم يُرزقون..فما هي الإستحالة بدخول الروح في جسم برزخي لتقوم بأعمالها البرزخية والدنيوية على أكمل وجه ما دام الأمر بقدرة الله المتعال...؟!.
جوابنا عن الإشكال الثالث بوجهين:
 (الوجه الأول): دعوى جهل المعصوم عليه السلام بما تؤول إليه الأمور نظير ما ورد في الخبر المذكور تسرع بالحكم على المسائل الغيبية التي يحتاج فهمها إلى تدرب في المعقول والمنقول، فهناك الكثير من النصوص كشفت عن تجاهل المعصوم في حقائق الأمور من باب تعليم الآخرين أو كشف ما هو مستور على قاعدة:" إياكِ أعني واسمعي يا جارة "...وثمة فرق بين التجاهل والجهل، فالأول عارف بالأمور لكنه يستفهم لتعليم الآخرين، ولا يستلزم من الإستفهام جهل السائل أبداً، إذ قد يسأل الأستاذ تلميذه وهو عالم بما يمتحن به تلميذه، والثاني جاهل بالأمور فيستفهم ليتعلم، والخبر يشير إلى الأول لا الثاني.
 (الوجه الثاني): تساؤل أمير المؤمنين عليه السلام من ولديه الإمامين الحسنين عليهما السلام تماماً كتساؤل الله تعالى لنبيين من أنبيائه موسى وعيسى عليهما السلام، فقد سأل الله موسى، فقال: «وَ ما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى؟‏ قالَ: هِيَ عَصايَ» مع أن الله تعالى يعلم بأنها عصاه ويتوكأ عليها وله بها مآرب أُخرى، وقال لعيسى بن مريم: «أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ: اتَّخِذُوني‏ وَ أُمِّيَ إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟» مع أنه تعالى يعلم بأن عيسى عليه السلام بريء من دعوى الأُلوهية لنفسه ولأُمه عليهما السلام.
والحمد لله ربّ العالمين
 
 
يا قائم آل محمد أغثنا يا غياث المستغيثين
حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد
محمد جميل حمود العاملي
بيروت بتاريخ 14 محرم الحرام 1435هـ.

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1046
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2014 / 11 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28