• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : مواضيع مشتركة ومتفرقة .
              • القسم الفرعي : فقهي أصولي .
                    • الموضوع : حرمة التلبية لغير المعصوم .

حرمة التلبية لغير المعصوم

الموضوع:حرمة التلبية والبيعة لغير المعصومين عليهم السلام

بسمه تعالى
 

السؤال: هل يجوز التلبية لغير الله والرسول صلى الله عليه وآله والمعصومين الأربعة عشر عليهم السلام؟ كأن نقول لبيك يا فلان؟ باسم شخص غير معصوم في غير مورد مخصوص ؟ وهل هناك في النصوص تفريق للمورد المخصوص كالحج والغير مخصوص ؟ وفي غير حالة أن يناديني شخص ما فأجيبه لبيك ، بل في حالة الهتاف كما نراه في السياسة؟ وهل في ذلك نص خاص بالحرمة والجواز؟ لأن أغلب من اطلعنا على آرائهم يرون الجواز لكن فهمنا من أحد مقالاتكم الحرمة ، وقد وقع علينا لبس نرجو ان ترفعوه عنّا وشكرا
 

الجواب

بسمه تعالى
 

والحمد لله ربِّ العالمين وصلواته المباركات على رسوله الكريم وآله الغر الميامين عليهم السلام..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..وبعد.
التلبية لغةً بمعنى الإستجابة والموافقة للملبّى له بحيث يوافقه على كلّ ما يقوم به أو يصرّح به فيصير الملبَّى له بنظر الملبِّي بمنزلة المعصوم الذي لا ينطق عن هوى،وأين هذا من الإنسان العادي الذي تعتبر سيئاته أكثر من حسناته،وعلى فرض كون الملبَّى له فرداً مميزاً بنظر محبيه فلا يدخله ذلك في سلك المعصومين عليهم السلام الذين يستحقون التلبية بالنفس والنفيس،لأنَّ قول القائل :"لبّيك" أي إجابةً لك بعد إجابة،ولبّى بمعنى الإطاعة والتصرف بإرادة الملبّى له،من هنا كانت التلبية لله تعالى في الحج بلفظ"لبّيك اللهم لبيك"أي أنا مقيم على طاعتك،أي على مطلق طاعتك في الواجبات وترك المحرَّمات،واللغويون لم يفرّقوا في معنى الطاعة للفظ"لبّيك" بين الطاعة لله وبين الطاعة للشيطان والإنسان، فكأنَّ الطاعة المطلقة قيدٌ في المعنى،ولو أرادوا التفصيل لنصبوا قرينة على مدّعاهم،والمعنى اللغوي للتلبية يتقارب مع الفهم العرفي لمطلق الطلب ،فإذا نادى شخصٌ آخر فأجابه بقوله:"لبّيك" يفهم منه عرفاً الإجابة المؤكدة حتى على مستوى معصية الله ،وكأنَّ الملبّي يفدي نفسه بكلّ كيانه ومهما كان طلب الملبّى له فإنَّه يرخَصُ دونَهُ.
 وعند التدقيق والتعمق بمعاني التلبية يتضح كونها من معاني البيعة المنهي عنها شرعاً لغير المعصوم عليه السلام،فالبيعة والمبايعة بمعنى المعاهدة والمعاقدة،قال الطريحي في مجمع البحرين مادة بيع [أنّ المبايعة هي المعاقدة والمعاهدة،كأنَّ كلاً منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه ودخيلة أمره].
  والحاصل من معنى المبايعة هو إلتزام المبايع وعهده المؤكد وميثاقه المسدد بأن ينصر من يبايعه بنفسه وماله ولا يبخل عنه بشيءٍ من ذات يده وما يتعلق به في نصرته ويجعل نفسه وماله فداءً ووقاءً له،وهذا مما ينطبق مئة في المئة على التلبية لغير المعصوم عليه السلام لا سيّما التلبية السياسية التي لا زلنا نشاهدها في التجمعات الجماهيرية لدى السيّد حسن نصر الله في لبنان بل وفي العراق وإيران عند أتباع الجمهورية الإيرانية،فحينما يطلقون شعار التلبية:"لبّيك يا نصر الله"يقصدون بذلك أننا نبايعك على الموت،من هنا نرى الحزب في لبنان خلال المناسبات الهامة كيوم القدس يعتبرون المشاركة في المسيرة بيعةً للسيّد نصر الله،وبالغض عن كلّ ذلك فإنَّ العرف ببابك يمكنك أن تستفهمه عن ذلك فيجيبك بما أفدناك...
والخلاصة فإنَّ البيعة والتلبية لفظان لمعنىً واحدٍ هو العهد المؤكد والميثاق المسدد مع المعاهد معه والملبّى له، فهما من الألفاظ المترادفة في اللغة العربية، ومن خلال التحقيق في ماهية البيعة من الناحية الإصطلاحية والتفسيرية يتضح أكثر ما اشرنا آنفاً،فقد جاءت البيعة بالمعنى المتقدّم في سورة الفتح/الآية العاشرة قوله تعالى:"إنّ الذين يبايعونك إنَّما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنّما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً" ففي هذه البيعة الإلهيَّة قيدان ضمنيان، إذا انفك أحدهما عن الآخر لا تتحقق البيعة وهما:
(الأول):العزم القلبي والتوطين النفسي والفكري الراسخ على إطاعة أوامر الأئمة المطهرين عليهم السلام ونصرتهم والذود عنهم كيد الأعداء ببذل النفس والمال،وقد نبه تعالى إلى ذلك بقوله:"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم.." فالواجب الشرعي والعقلي على البائع تسليم ما يبيعه إلى المشتري إذا طلب منه من دون تأخير،ويجت تصديق ما عقد عليه ضميره.
(الثاني):إظهار ما قصده وعزم عليه قلباً بلسانه.
فإذا تحقق هذان القيدان أو الشرطان تحققت البيعة لا محالة تماماً كعقد البيع لا يتحقق في سائر الأمور إلاَّ بشيئين:أحدهما،قصد إنشاء البيع بمقتضى ما بنى عليه المتبايعان،والآخر هو التلفظ باللسان بما عقدا عليه ضميرهما،وبهما يتم البيع،وقد تطلق البيعة والمبايعة على المصافقة باليد كما كان متداولاً بين العرب عند تمامية البيع والمبايعة،فالبيعة التي نصت عليها الآية المباركة خاصة بالتنصيب الإلهي لأهل البيت عليهم السلام أئمة على الأمة إلى قيام يوم الدين،من هنا أمر النبيُّ الأعظم جميع المسلمين بمبايعة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، كما وردت هذه المبايعة للإمام المهدي المنتظر عليه السلام في دعاء العهد لمدة أربعين يوماً،بل وفي دعاء العهد الثاني يُقرء كلَّ يومٍ،كما وأنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)أمر جميع الأمة في يوم الغدير بمبايعة أمير المؤمنين عليّ والأئمة الطاهرين عليهم السلام،ولا شك أن البيعة بهذا المعنى من لوازم الإيمان ولا يتحقق الإيمان بدونه،فالمبايع هو المؤمن والمشتري هو الله عزَّ شأنه ولذلك قال في سورة التوبة /الآية مئة وأحد عشر:"إنَّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.." وقد بعث الله تعالى أنبياءه ورسله لتجديد تلك المبايعة وتأكيدها،فمن بايعهم فقد بايع الله عزّ وجلّ،ومن تولّى عنهم فقد تولّى عنه تعالى،ولهذا ربط عزّ اسمه مبايعة هؤلاء الطاهرين عليهم السلام بمبايعته،ولم يشرك معهم أحداً من الناس حتى يمكن لأحزاب اليوم سحبها لقادتهم وزعمائهم،فالمعصومون صلوات ربي عليهم هم القدر المتيقن من وجوب البيعة لهم،وغيرهم مشكوك فلا يجوز إنعقاد مثل هكذا بيعة لهم لكونها خلاف القدر المتيقن ولكونها بدعة مستحدثة عند الشيعة ولم تكن موجودة بينهم حتى جاء السيّد الخميني فأجازها لأتباعه وأنصاره أن يهتفوا له بها ثم ورثها  بعده الخامنئي ونصر الله وقد أخذها السيد الخميني من المخالفين الذين لا مشكلة عندهم بها،بل الثابت تاريخياً أنَّ أول بيعة ضلال حدثت في الإسلام كانت لأبي بكر ثم تناوب عليها من جاء بعده من ملوك بني أمية وبني العباس،ولم يُعلم من الحكومات الشيعية التي استلمت زمام الأمور في إيران منذ تأسيس الدولة الصفوية إلى ما قبل قيام النظام الإيراني الحالي من اعتقد بها أو نسبها إلى نفسه سوى السيّد الخميني المبتدع لها،وهي محرّمة قطعاً لما ذكرنا آنفاً وللأمور الآتية ولا يعنينا تحليل بعض العلماء لها فإنّهم مسؤولون عن فتواهم يوم لا ينفع جاه ولا مال ولا سلطان،كما أننا مسؤولون عن فتوانا بحرمة البيعة والتلبيَّة لغير الذوات المقدَّسة لأهل بيت العصمة والطهارة (صلوات ربي عليهم جميعاً)،ولنا وجوه عديدة على حرمة التلبية السياسية الرائجة في الأوساط الحزبية على الساحة الشيعية المنتظمة تحت سلك ولاية الفقيه هي:
( الوجه الأول):أنَّ التلبية كما أشرنا سابقاَ هي في الواقع بيعة،وتسميتها بالتلبية لا يخرجها عن معناها الواقعي والحقيقي،فالأسماء لا تغيّر الواقع،فالعنوان هو نفس المعنون،لكنّهم تلاعبوا بالالفاظ فسموها تلبية بدلاً من بيعة لئلا تتوجه إليهم الإشكالات من هنا وهناك،لكنَّ دهاءَهم لم ينطلِ على من ألقى السمع وهو بصير ناقد وشهيد ببصيرة الأئمة المطهرين عليهم السلام...
(الوجه الثاني):التلبية السياسية سعيٌّ نحو حبّ الزعامة والرياسة وثقة مطلقة بمن يلبَّى له وهو خلاف ما نهت عنه الأخبار الشريفة في الكافي وغيره والتي منها صحيحة أبي حمزة الثمالي قال:قال الإمام أبو عبد الله عليه السلام:إياك والرياسة وإياك أن تطأ أعقاب الرجال،قلت:جعلت فداك،أما الرياسة فقد عرفتها وأما أن أطأ أعقاب الرجال فما ثلثا ما في يدي إلاَّ مما وطئت أعقاب الرجال،فقال لي:ليس حيث تذهب،إياك أن تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كلّ ما قال"،والحديث واضح الدلالة في النهي عن طلب الرياسة وتصديق غير المعصوم عليه السلام في كلّ ما يقول بحيث يعتقد التابع الأعمى ببصيرته بأنّ المتبوع الذي لبّى له وبايعه مصيبٌ في جميع أفعاله وأقواله..
وفي صحيح إبن مسكان قال :سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:إياكم وهؤلاء الرؤساء الذين يترأسون،فوالله ما خفقت النعال خلف رجلٍ إلاَّ هلك وأهلك"
وفي صحيح محمّد بن مسلم قال:سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:أترى لا أعرف خياركم من شراركم؟بلى والله وإنَّ شراركم من أحبَّ أن يوطّأ عقبه ،إنَّه لا بدّ من كذّاب أو عاجز الرأي".
ومعنى الحديث الشريف هو أن من أحبَّ أن يوطأ عقبه لا بدّ أن يكون كذاباً أو عاجز الرأي لأنه لا يعلم جميع ما يسأل عنه فإن أجاب عن كلّ ما سأل فلا بد من الكذب وإن لم يُجب عما لا يعلم فهو عاجز الرأي،أو أن المعنى أنه لا بدّ في الأرض من كذاب يطلب الرياسة ومن عاجز يتبعه،وهذا المعنى الثاني أوجه وذلك لما روي أيضاً عن أبي ربيع الشامي عن مولانا أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي:ويحك يا أبا الربيع لا تطلبنَّ الرئاسة ولا تكن ذنباً ولا تأكل بنا الناس فيفقرك الله ولا تقل فينا ما لا نقول في أنفسنا فإنّك موقوفٌ ومسؤولٌ لا محالة،فإن كنت صادقاً صدّقناك وإن كنت كاذباً كذّبناك" فقوله الشريف عليه السلام:"..ولا تكن ذنَبَاً" أي تابعاً أعمى،واضح الدلالة بالغمز من هؤلاء العميان الذين يصدّقون كلّ ما يقوله السيد الخامنئي ونصر الله،فجهل علمائهم بهذه الأخبار الشريفة أوقعهم في المهالك الكبرى أو أنَّهم لا يؤمنون بها أصلاً وهي مصيبة عظمى على الإسلام والمسلمين..!!!
(الوجه الثالث):أنَّ البيعة أو التلبية ــــ كما يسمونها ــــ من الأمور التوقيفيّة التي يجب تلقيها من الشارع المقدَّس،وحيث لم يعهد في زمانهم عليهم السلام مبايعة المؤمنين غير الأئمة الطاهرين نيابةً عنهم،فليس ثمة رواية واحدة تدل على بيعة وكلائهم المنصوبين من طرفهم في الأمصار الإسلامية منذ زمن رسول الله وأمير المؤمنين إلى زمن الغيبة الصغرى الخاصة بخاتم أئمتنا الطاهرين عليهم السلام،بل الثابت أنّ تلك البيعة لم تكن إلاَّ لصاحب الرياسة العامة والسلطنة الكبرى التي هي من لوازم ولايتهم العظمى وإمامتهم المقدّسة،ولا يجوز لغير المعصوم إدعائها وإلاَّ عدّ مبتزاً لمقامهم كما ورد في دعاء يوم الجمعة والعيدين لمولانا الإمام السجاد عليه السلام قال:"...اللهم إن هذا المقام لخلفائك ومواضع أمنائك في الدرجة الرفيعة التي إختصصتهم بها قد ابتزوها..."...لقد أجاد العلاّمة الجليل صاحب كتاب مكيال المكارم(قدّس سره) الجزء الثاني/الباب الثامن من تكاليف العباد بالنسبة إلى الإمام المهدي عليه السلام حينما قال:"أنه لا يجوز مبايعة غير المعصوم،إذ لو بايع غيره جعل له شريكاً في النصب الذي اختصه الله تعالى به ونازع الله في خيرته وسلطانه..".وقوله رحمه الله تعالى مأخوذٌ من الأخبار الناهية عن دعوى الإمامة لغير المعصوم ولما ورد في خبر المفضل بن عمر الآتي عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام .
(الوجه الرابع):أنّ المبايعة من خصائص الإمام عليه السلام وهي ـــ كما أسلفنا سابقاً ـــ القدر المتيقن من الشرع المبين فلا يجوز تخطيه إلى غيره لأن بيعة غيره ليست بيعة لله تعالى،والدخول في سلك العلم الديني أو تسنم القيادة السياسية لا يبرر لمدعيها الرضى بها لأنفسهم،ولو أنّهم زهدوا بحطام الدنيا لما تمنوها لأنفسهم،بل وفرضوا على الأتباع الهتاف لهم بها،ويشهد لكونها من مختصات الإمام عليه السلام ما رواه المحدذث المجلسي في البحار /الجزء الثالث والخمسين/ص8 وما رواه صاحب الهداية الكبرى/ص396 عن المفضل بن عمر في رواية طويلة قال :سألت سيّدي الصادق عليه السلام فقلت:يا سيدي فيقر القائم عليه السلام ببيعة من بايعوا له قبل ظهوره وقبل قيامه عليه السلام؟ فقال عليه السلام:يا مفضل كلّ بيعة قبل ظهور القائم عليه السلام فبيعة كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع بها ـــ وفي نسخةأُخرى: لها ـــ والمبايع له...".وهذا كما ترى صريح في عدم جواز مبايعة غير الإمام عليه السلام لا بعنوان بايعناك ولا بعنوان لبيك ،فكلاهما من سنخٍ واحدٍ،وعنوانين لمعنونٍ واحدٍ ،فالعبارات شتى والمراد واحد.
   ومما يؤيد ما ذكرنا من كون التلبية والمبايعة ـــــ بالمعنى الذي أشرنا إليه ـــــ من خصائص أئمتنا الطاهرين عليهم السلام من لوازم رياستهم وولايتهم المطلقة وعدم جوازه لغيرهم مهما علا شأنه أمور:
(الأمر الأول):أنّه لم يرد في أخبارهم ولم يعهد في أزمنتهم عليهم السلام تداول المبايعة بل وحتى التلبية المعهودة بين أصحابهم وكذا ساير المؤمنين الموجودين في زمانهم ،ودعوى وجود مستند له في اللغة ـــ على فرض ذلك ـــ مردودة  من جهة وجوب تقديم أقوال وأفعال سيرة المتشرعة وعلى رأسهم ائمة الهدى عليهم السلام على أقوال اللغويين كما هو واضح في المباني الإستنباطية عند فقهاء الإمامية برمتهم.
(الأمر الثاني):لم يرد إذنٌ منهم عليهم السلام في مبايعة غيرهم من أصحابهم بنيابتهم،فبطريقٍ أولى عدم جواز مبايعة علماء في زمن غيبة وليّ أمره الحجة بن الحسن عليهما السلام،
(الأمر الثالث):عدم معهودية ذلك في ألسنة العلماء ولا في كتبهم ولم ينقل في آدبهم واحوالهم وأفعالهم بل لم يكن معهوداً في ساير المؤمنين من زمن الائمة الطاهرين عليهم السلام إلى زماننا هذا أن يبايعوا أحداً من العلماء بعنوان أن بيعته بيعة الإمام عليه السلام.
 تحصل مما ذكرنا عدم جواز المبايعة لغير المعصوم عليه السلام،كما لا يجوز لأحدٍ التصدي لذلك إلاَّ من جعله النبيّ أو الإمام عليهما السلام نائباً لهما في ذلك ،فيكون وكيلاً خاصاً في هذا الامر كالوكالة في ساير الامور.
(فإن قيل لنا):بناءً على القول بولاية الفقيه العامة يمكن القول بأن الفقهاء خلفاء الإمام عليه السلام ونوابه،فيجوز لهم ــــ حينئذٍ ــــ أخذ البيعة من الناس نيابةً عن الإمام ويجوز للناس مبايعتهم.
(قلنا):بأنَّ هذا مردود بالوجوه الآتية:
(الوجه الأول):لم يثبت بدليلٍ صحيحٍ أو مستندٍ وثيقٍ وجود ولاية عامة للفقيه عدا عن الولاية المطلقة،وقد فصلنا ذلك في كتابنا ولاية الفقيه العامة في الميزان فليُراجع..
(الوجه الثاني):ولو سلمنا جدلاً ثبوت الولاية العامة أو المطلقة للفقيه إنَّما هي فيما لم يكن مختصاً بالنبيّ والإمام عليهما السلام،وقد ذكرنا سابقاً أنَّ المبايعة خاصة بالإمام دون سواه من عامة الخلق، فليس للنائب العام حق فيه،وهذا نظير الجهاد الإبتدائي الخاص بالإمام وحضوره،ونظير وجوب إقامة صلاة العيدين على الإمام عليه السلام ونظير بقية الخصائص الخاصة بهم ولا يشاركهم بها أحد على الإطلاق.
(الوجه الثالث):على فرض عدم ثبوت الإختصاص بالإمام عليه السلام فإنَّما يجوز للفقيه التصدي لما ثبت بالدليل شرعيته،وحيث لم يثبت شرعية مبايعة غير المعصوم ونائبه الخاص فلا يجوز  حينئذٍ أخذ البيعة من الناس له.
(إن قيل):يمكن إثبات شرعية أخذ البيعة لغير المعصوم عليه السلام بالآيات الدالة على رجحان المتابعة والتأسي بالنبيّ الاكرم(صلى الله عليه وآله)نظير قوله تعالى:"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" وقوله تعالى:"ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر" ونحوها مما دل على حسن اتباع النبيّ(صلوات ربي عليه وآله)في أفعاله،ومن أفعاله التي صدرت منه بشهادة الآيات والروايات متابعة المؤمنين والمؤمنات فيستحب لهم التأسي به في المبايعة والمعاهدة معه.
(قلنا):إنَّ ذلك مردود أيضاً بالوجوه الآتية:
(الوجه الأول):إنَّ دلالة الآيات المتقدمة على وجوب التأسي والإتباع ــ فضلاً عن الإستحباب ـــــ في تمام أفعاله الصادرة عنه (عليه وآله أفضل السلام وأزكى التحيات) غير ظاهرة ولا ثابتة كما هو محقق في أصول الفقه،نعم هي ظاهرة في وجوب الإيمان بذلك كما هي ظاهرة بوجوب إمتثال أمره ونهيه.
(الوجه الثاني):لو سلمنا جدلاً بثبوت دلالة الآيات المتقدمة على رجحان المتابعة مطلقاً إلاَّ أنّها إنَّما تدل على رجحان الإتيان بالفعل الصادر عنه على النحو الذي صدر عنه دون زيادة أو نقصانٍ، وذلك ممتنع فيما نحن فيه لأنَّ البيعة الصادرة في زمانه كانت بأمره عليه السلام تماماً كما كانت مبايعة مسلم بن عقيل بأمر مولانا الإمام الحسين عليه السلام، فالبيعة كانت للإمام الحسين عليه السلام وليس لمسلم بل كان مسلمٌ ناقلاً لها للإمام عليه السلام،ولا تقاس مبايعة الوكيل الخاص على الوكيل العام في مثل زماننا هذا لا على نحو المصافقة ولا على نحو التلبية وما شابه ذلك مما لا دليل عليه،فهي من البدع المحرمة التي توجب الندامة يوم الحسرة والزفرة،وبهذا يتبين لك وجه قول مولانا الإمام الصادق عليه السلام في حديث المفضل:"..كل بيعة قبل ظهور القائم  فبيعة كفر ونفاق وخديعة..".
 ومما تقدم يظهر لك فساد ما ذهب إليه أتباع نظرية مبايعة غير المعصوم عليه السلام،والتلبية التي يزعمون جوازها ما هي إلاَّ تمريرٌ وتسويفٌ ومماطلةٌ أو قلةُ تأملٍ وتدبيرٍ بالمعاني المترادفة في اللغة العربية،نسأل الله العليّ القدير العصمة من الخطأ والخطل في القول والعمل برسول الله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام،والحمد لله ربّ العالمين والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
 

عبد آل الله تعالى

محمَّد جميل حمُّود العاملي الراجي شفاعتهم وملازمة نعالهم المقدَّسة والدفاع عنهم والمستميت بالذود عنهم وأرجو أن يجعلونا راصداً لأعدائهم بالوصيد..

﴿وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد﴾.

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=110
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2010 / 03 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 18