• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : التحنيط الإسترالي للميت حرام شرعاً .

التحنيط الإسترالي للميت حرام شرعاً

الإسم: ***** 

النص: 
بسمه تعالى 
السلام عليكم 
من أجل أن يُدفن الإنسان المؤمن في النجف الأشرف بعد وفاته بوصية منه أو لرغبة وليّه أو أهله أو أصدقائه ، لا بدَّ من أن يتمَّ تحنيطه حتى يُنقل جثمانه من استراليا إلى النجف الأشرف ، وعملية التحنيط تمرُّ بالمراحل التالية : 
  الأولى : فتح منفذ في رقبته لإدخال أنبوبين في وريدي الدم الرئيسيين من أجل سحب جميع دمه ، حتى يخلو جسمه بالكامل من الدم . 
  الثانية : إدخال أنبوبين (سيخين) من فتحة في بطنه قريباً من سرّته ، ليخلطا أمعاءه وأحشاءه وكلّ شيء في جوفه ، ثمَّ يتمُّ إخراجها بسحبها مقطعة مع فضلاتها، حتى يخلو جميع بدن الميت من الأحشاء والفضلات ، أي يبقى جوفه خالياً بالتمام . 
  الثالثة : غلق جميع منافذ الميت بأن يُخاط أنفه وفرجه قبلاً ودبراً و..
وبعد أن يتمَّ كلُّ ذلك يزرق بمواد التحنيط حتى تبقى في جوفه ، ولا تنفذ إلى خارجه . 
ثمَّ تعطى إجازة نقله إلى خارج استراليا من قبل السلطات الطبية والقانونية .
فما هو الحكم الشرعي لهذه العملية بمراحلها المذكورة ؟
وفي حالة كونها غير جائزة ، تأتينا الأسئلة التالية :
    ما هو حكم وصية الميت بأن يُنقل ليُدفن في النجف الأشرف ؟ وإذا لم تكن هناك وصية ، فهل يترتب إثمٌ على وليه أو أهله الذين يرغبون في دفنه في النجف الأشرف ؟ 
   وما هو حكم الشخص المسلم المسؤول عن تنفيذ هذه المراحل في حالة كونها محرمة ، وتعدُّ انتهاكاً لحرمة المؤمن ؟ 
   وهل يجوز لهذا المسؤول المسلم تنفيذ هذه المراحل نزولاً عند رغبة أهل الميت وإصرارهم ، مع أنه يُخبرهم بعدم جوازها ، وما هو حكم الإجور التي يتقاضاها للعملية المذكورة ؟ 
ونسألكم الدعاء

 
الموضوع الفقهي: التحنيط الإسترالي للميت حرام شرعاً / التحنيط الإسترالي هو تقطيع الأعضاء الداخلية للميت لأجل حفظ جثته من التحلل لكي ينقل إلى المشاهد المشرفة / لا يجوز الوصية بالنقل إلى المشاهد المشرفة مع علم الموصي بالتحنيط المحرم / لا يجوز لأهل الميت تنفيذ الوصية المذكورة / الأدلة على حرمة التحنيط الأُسترالي / هناك بديل طبي آخر في التحنيط / إذا تحقق البديل وجب تنفيذ الوصية بالنقل إلى المشاهد المشرفة / لا يجوز للمسؤول تنفيذ التحنيط الأسترالي ولا يجوز له أخذ الأجرة على تنفيذ مراحله الطبية .
بسمه تعالى

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      الجواب: الحكم الشرعي للعملية التحنيطية للميت ــ بالكيفية التي ذكرتموها ــ هو الحرمة، فلا يجوز للموصي الحي أن يوصي أولياءه  ليدفنوه في العراق قرب المشاهد المشرفة مع علمه المسبق بحقيقة التحنيط الأسترالي، كما لا يجوز للموصى إليه تنفيذ الوصية، وذلك للوجوه الآتية:
 (الوجه الأول): تعريض المؤمن الموصي نفسه للذُّلِّ والهتك بعد موته لعلمه بأن الأطباء سوف يكشفون عن عورته ويشوِّهون صورته كتخييط فمه وأنفه وفرجه قبلاً ودبراً..هذا فضلاً عن حرمة أن يكشف الرجال على عورات النساء والعكس كذلك، ويحرم على أهل الميت تمكين الأطباء من ذلك... ولو غضضنا النظر عن الحكم الشرعي الدال على الحرمة، فأي مؤمن شريف صاحب غيرة وحمية ودين وعفة يرضي لزوجته أو أخته أو إحدى محارمه أن تكشف عورتها أمام الأطباء لأجل أن تنقل إلى المشاهد المشرفة...!! 
    إن ذلك كلّه من الذل المحرم على المؤمن أن يجره إلى نفسه أو أحد محارمه، ولقد دلت الأخبار الشريفة على حرمة أن يذل المؤمن نفسه ويهتكها حياً وميتاً، فحرمة المؤمن ميتاً  كحرمته حيَّاً، فلو أوصى بأن يشرّح لكي يحنط لأجل غاية سامية وهي الدفن قرب المشاهد المشرفة، فلا تنفذ وصيته أبداً، لأنه مأمور بحفظ الستر على نفسه حياً وميتاً، ولا ترتفع الحرمة عن الآخرين بمجرد إيصائه بالدفن مع علمه بحصول الهتك والإذلال، فالوصية لا تسقط حرمة الهتك والإذلال أبداً، فلا يجوز للمؤمن أن يذل نفسه، ولا يجوز للآخرين الموصى إليهم أن يذلوه... إذ إن بدنه وبقية قواه ونفسه أمانة من عند الله تعالى معهودة إليه، فلا يجوز له أن يفرّط بهذه الأمانة حياً وميتاً حتى على سبيل الوصية، وقد جاء في النصوص المستفيضة ما يدل على حرمة أن يذل المؤمن نفسه أو يهتكها كما أشرنا إليه، كما لا يجوز له أن يلحق الضرر بنفسه أو ببدنه أو بقواه الروحية أيضاً حياً  كأن يلقي نفسه في الأمراض النفسية المزمنة والشعوذة والسحر والتنويم المغناطيسي وإيقاعها في الهلوسة كتدخين المخدرات والمسكرات وما شابه ذلك، ففي الموثق عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إن الله عز وجل فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يذل نفسه ألم تسمع لقول الله عز وجل : « ولِلَّهِ الْعِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ » ؟ فالمؤمن ينبغي أن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا يعزه الله بالإيمان والإسلام .
  وفي القوي عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عز وجل فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه أن يكون ذليلا ، أما تسمع قول الله عز وجل يقول : « ولِلَّهِ الْعِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِينَ » ، فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا ثمَّ قال : إن المؤمن أعز من الجبل ، إن الجبل يستقل منه بالمعاول والمؤمن لا يستقل من دينه شيء .
وعن مفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قلت : بما يذل نفسه ؟ قال : يدخل فيما يعتذر منه .
  هذه الأخبار الشريفة واضحة في حرمة تعريض المؤمن نفسه للذل والهتك بكشف عورته وتغيير سحنة وجهه كالتخييط وما شابهه، ولا خصوصية في هذه الأخبار للمؤمن الحي، بل هي أعم من ذلك من حيث شمولها للحي والميت، وللوصي والموصى إليه.
   (الوجه الثاني): إن التحنيط المذكور مع علم المؤمن الموصي بما سيجري عليه بعد موته بسبب الوصية المذكورة يدخل في باب المثلة بجسده عرفاً لا اصطلاحاً، لأن المثلة المصطلح عليه شرعاً مأخوذ فيها التمثيل بالجثة على نحو التنكيل والعقوبة، وهي غير واردة في موضوع التشريح الطبي لأجل غاية النقل إلى المشاهد المشرفة، إلا أنها مثلة بنظر العرف الأوروبي والمجتمعات المدنية الأخرى، فينظرون إلى المؤمن المشرّح نظر السخرية والاستهزاء، ولا يجوز له أن يعرض نفسه ميتاً لمثل هذه الأمور، كما لا يجوز أن يعرّض أولياءه لمثل هكذا موارد توجب الاستهزاء بهم والاستخفاف بحقهم..! 
  (الوجه الثالث): ورود النهي عن قطع أعضاء المؤمن الميت، فلا يحق للمؤمن ــ مع علمه بالتحنيط المستلزم لقطع أعضائه الداخلية ــ أن يوصي بالدفن في العراق أو في أي بلد آخر يستوجب نقله التحنيط لأجل ذلك، ولو أوصى لا تنفذ الوصية أبداً، لأن الوصية تنفذ فيما لو كان يملك السلطنة المطلقة على بدنه في حياته وبعد مماته، ولم تفوّض له الشريعة السلطة الكاملة على نفسه لا في حياته ولا بعد مماته، فكما لا يجوز له في حياته أن يتبرع بقلبه ورئتيه أو يتبرع بأي عضوٍ من أعضائه لأجل غاية أسمى بنظره كمدِّ أمه أو أبيه أو من يحبه بالحياة ولو كان ذلك سبباً لموته من باب الإيثار...فلا يجوز أن يفعل ذلك لأجل حياة الآخرين، فكذلك الحال بعد الممات، فإنه لا يجوز له أن يوصي بعد مماته بإعطاء قلبه وأي عضوٍ من أعضائه لبنوك التبرع وما شابه ذلك، وذلك للأحاديث الشريفة التي منعت من ذلك، وقد روى الكثير منها المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي (أعلى الله مقامه) في كتابه الجليل " وسائل الشيعة/أبواب ديات الأعضاء" وإليكم جملة منها:
1 - صحيح جميل عن غير واحد عن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : قطع رأس الميت أشد من قطع رأس الحي .
2 - صحيح مسمع كردين قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كسر عظم ميت ؟ فقال : حرمته ميتاً أعظم من حرمته وهو حي .
3 - صحيح صفوان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : أبى الله أن يظن بالمؤمن إلا خيراً ، وكسرك عظامه حياً وميتاً سواء.
4 - صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السلام في رجل قطع رأس الميت ؟ قال : عليه الدية لأن حرمته ميتاً كحرمته وهو حي.
    هذا فضلاً عن النصوص الأخرى الكثيرة الدالة على وجوب دفع الدية على من قطع رأس إنسان مؤمن، فإن ثبوت الدية كاشف عن حرمة القطع. وكذلك دلت النصوص على أن الميت لا ينزع من بدنه شيء حتى الشعر والظفر فضلاً عن باقي الأعضاء، بل لو انفصل شيء من بدنه وجب غسله ودفنه كما ورد في الوسائل باب 11 من أبواب غسل الميّت في صحيحة أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه أو يقلم ؟ قال لا يمس منه شئ اغسله وادفنه .
      وعن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : لا يمس من الميت شعر ولا ظفر وإن سقط منه شئ فاجعله في كفنه ".
   وما تقدم ذكره في الأخبار المتقدمة من قطع الرأس وكسر العظم جاء من باب المثال فقط وإلا فالحكم يشمل عامة الأعضاء؛ ومقتضى إطلاق هذه الأحاديث حرمة قطع عضو أو أعضاء الميت مطلقاً ، فضلاً عن تقطيعه إرباً إرباً  كما أشرتم في سؤالكم عن عملية التحنيط، ولا فرق بين أن تكون الحرمة  عن سوء قصد وعداوة أو عن عبث أو لأغراض إنسانية ودينية مهمة .
  وبناءً على ما أشرنا إليه أعلاه، نجيب على الأسئلة الأخرى التي طرحتموها علينا بالتالي:
    سؤال رقم (1):  ما هو حكم وصية الميت بأن يُنقل ليُدفن في النجف الأشرف ؟ وإذا لم تكن هناك وصية ، فهل يترتب إثمٌ على وليه أو أهله الذين يرغبون في دفنه في النجف الأشرف ؟ 
     الجواب: لا تنفذ وصية الميت حال علمه المسبق بأنه سيهتك بكشف عورته والتصرف بجثته بشكل مريع ومذل، وحتى لو لم يكن هناك إذلال بكشف العورة وتخيط الأنف وما شابه ذلك، فلا يحق له الوصية بالتحنيط المذكور المؤدي إلى تقطيع أعضائه الداخلية، وعلى فرض جهله بالموضوع، لا يجوز لأهله تعريضه للهتك والمذلة وتقطيع أعضائه، وذلك للإطلاق في قول إمامنا الصادق عليه السلام:".. لأن حرمته ميتاً كحرمته وهو حي".
   وإذا أمكنهم تحنيطه بالوسائل المتعارف عليها طبياً عبر الأدوية المجمدة للأعضاء ــ كما هو الحال في لبنان ــ يتعين على الأهل فعله تنفيذاً للوصية والدفن قرب المشاهد المطهرة، وهناك دواء خاص للتحنيط يتعاطى به المغسِّلون للموتى في لبنان يسمى بالفورمول الأزرق، وهو دواء يجمِّد الأعضاء الداخلية ويحفظها من التلف، ومن المعلوم ــ كما أشار إلينا أحد الثقات من حملة الموتى إلى المشاهد المشرفة ـــ أن دول أميركا كلها لا تلزم أهل الميت بتفريغ أعضائه لأجل التحنيط، بل هم مخيرون في ذلك وعلى أهل الميت أن يلفتوا نظر الأطباء حول تبديل الطريقة المذكورة في سؤالكم إلى طريقة غرز الأبر في الجسم عبر أدوية خاصة بالتحنيط من دون تقطيع الأعضاء، وعلى المؤمنين في أوستراليا أن يضغطوا على الجهات المسؤولة عن المسلمين الشيعة لكي تستبدل الطريقة المفروضة عليهم إلى طريقة التحنيط بتجميد الأعضاء في داخل الجثة. 
   سؤال رقم (2):  وما هو حكم الشخص المسلم المسؤول عن تنفيذ هذه المراحل في حالة كونها محرمة ، وتعدُّ انتهاكاً لحرمة المؤمن ؟ 
  الجواب: باعتبار أن طريقة تفريغ أعضاء الميت حرام شرعاً، لذا لا يجوز لأي جهة رسمية وغير رسمية ، دينية وغير دينية أن تتولى المهمة من دون إذن أولياء الميت، ولا يجوز لأولياء الميت القبول بهذه الطريقة للتحنيط، فكلّ ذلك محرَّم شرعاً على الآمر والفاعل، وسوف يُسألان يوم القيامة، فيتمنون الرجوع إلى الدنيا للعمل والإنابة، ولات حين مناص..!!. 
     سؤال رقم (3): وهل يجوز لهذا المسؤول المسلم تنفيذ هذه المراحل نزولاً عند رغبة أهل الميت وإصرارهم ، مع أنه يُخبرهم بعدم جوازها ، وما هو حكم الإجور التي يتقاضاها للعملية المذكورة ؟ 
  الجواب: لا يجوز شرعاً لهذا المسؤول تنفيذ مراحل عملية التحنيط التفريغي (أي تقطيع الأعضاء وتفريغها بالكامل من داخل الجثة)، ولو أمره أهل الميت بذلك، لا يجوز له شرعاً الإمتثال لهم بتنفيذ مراحل العملية المذكورة، والمال المأخوذ في سبيله سحت وحرام يجب رده إلى أولياء الميت.
 
حسبنا الله ونعم الوكيل، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حررها العبد الأحقر محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 18 صفر عام 1437 هجري.
 

 


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1340
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2016 / 11 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29