• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .
              • القسم الفرعي : شبهات وردود .
                    • الموضوع : هل يبقى جسد المعصوم عليه السلام في قبره بعد موته ؟ .

هل يبقى جسد المعصوم عليه السلام في قبره بعد موته ؟

الإسم: *****

النص:
بسم الله الرحمان الرحيم 
اللهم صل على محمد وال محم وعجل فرجهم والعن اعدائهم 
ياعلي مدد 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 
مولانا سماحة الشيخ الجليل محمد جميل حمود العاملي أدام الله ظلكم ومد بعمركم الشريف 
عندي سؤال حول أجساد الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم 
روي أن الإمام الصادق «عليه السلام»، قال للمفضل بن عمر: "إذا أردت زيارة أمير المؤمنين، فاعلم أنك زائر عظام آدم، وبدن نوح، وجسم علي بن أبي طالب...".
     فهذه الرواية تفيد أن جسمه الشريف باقٍ في قبره المبارك إلا أن هناك رواية تصرح بالرفع نظير ما ورد عن الإمام الصادق «عليه السلام:" ما من نبي ولا وصي يبقى في الأرض بعد موته أكثر من ثلاثة أيام حتى ترفع روحه وعظمه، ولحمه إلى السماء. وإنما تؤتى مواضع آثارهم، ويبلغهم السلام من بعيد، ويسمعونه في مواضع آثارهم من قريب...". 
 ومن هنا يتضح السؤال: هل أجسادهم الشريفة المقدسة  صلوات الله عليهم رفعت إذ لم يكن يخطر على بالي ذلك قبل اطلاعي على هذه الروايات؟. 
 أتمنى الإجابة من سماحتكم بشيئ من التفصيل 
جزاكم الله كل خير 
 خادمكم علي أبو فاطمة

الموضوع العقائدي: هل يبقى جسد المعصوم عليه السلام في قبره بعد موته ؟
   التفاصيل: التعارض البَدْوي بين الأخبار الكاشفة عن جسد المعصوم عليه السلام في قبره / حل العلامة المجلسي رحمه الله للتعارض / ضعف الحل عند العلامة المجلسي / حلنا للتعارض المذكور / معضلة عويصة حول بقاء الأرواح في القبر ثلاثة أيام / حل المعضلة بثلاثة وجوه.
بسمه تعالى
 
     السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      الجواب بما يلي: الرواية التي استشهدتم بها رواها الكليني في الكافي بإسناده عن عدة من الأصحاب ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ما من نبي ولا وصي نبي يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيام حتى ترفع روحه وعظمه ولحمه إلى السماء وإنما تؤتى مواضع آثارهم ويبلغونهم من بعيد السلام ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب .
     وروى الشيخ الطوسي في التهذيب والمفيد في كتابه المزار نظيرها بزيادة في الأيام،قال : أخبرني الشريف الفاضل أبو عبد الله محمد بن محمد بن طاهر الموسوي عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن ابن فضال عن أخيه أحمد عن العلا بن يحيى أخي مغلس عن عمرو بن زياد عن عطية الابزاري قال : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : لا تمكث جثة نبي ولا وصي نبي في الأرض أكثر من أربعين يوماً .
   وقد روى الرواية الأولى الشيخ الصدوق في كتابه (من لا يحضره الفقيه) وهي مدعومة بأخبار مثلها في دلالتها ومضمونها الدال على بقاء أجسامهم الشريفة في قبورهم، لذا وقع الاضطراب في كلمات العلماء المتقدمين في حلها والجمع بينها وبين ما دل على أن أجسامهم الشريفة لا تبقى أكثر من ثلاثة أيام أو أربعين يوماً؛ من هنا حملها كلّ فقيه على محمل معيَّن بحسب نظره في كيفية الجمع بين الأخبار المتعارضة، لذا قال العلامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول (ج 8 ص 284 من كتاب الحج):" وفيه إشكال من جهة منافاته لكثير من الأخبار الدالة على بقاء أبدانهم في الأرض كأخبار نقل عظام آدم ، ونوح ، ويوسف عليهم السلام ، وبعض الآثار الواردة بأنهم نبشوا قبر الحسين عليه السلام فوجدوه في قبره عليه السلام وغيرها، فمنهم من حمل أخبار الرفع على أنهم يرفعون بعد الثلاثة ثم يرجعون إلى قبورهم، وقيل : لعلها صدرت لنوع من المصلحة التورية لقطع أطماع الخوارج الذين كانوا يترصدون نبش قبورهم ، ويمكن حمل أخبار نبش العظام على أن المراد بها نبش الصندوق المتشرف بعظامهم وجسدهم ، أو أن الله تعالى ردهم إليها لتلك المصلحة ، أو يقال إنهم لم يرفعوا لعلمه تعالى بأنهم سينقلون فيكون مخصوصا بغيرهم والله يعلم .
  كيفية جمعنا للأخبار المتعارضة في الأخبار المتقدمة بما يلي:
  ما أفاده العلامة المجلسي رحمه الله تعالى غير سديد بسبب عدم كونه رافعاً لأصل الإشكال الوارد في ذيل رواية الكافي عن زياد بن أبي الخلال وهو قول الإمام عليه السلام:".. حتى ترفع روحه وعظمه ولحمه إلى السماء وإنما تؤتى مواضع آثارهم ويبلغونهم من بعيد السلام ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب"؛ إذ إن عامة الاحتمالات التي أشار إليها ـــ عدا الاحتمال الأول ـــ لا تفي بحلّ الإشكال الوارد في ذيل رواية زياد المتقدمة، كما لم تحل مشكلة الأربعين يوماً التي لم يتعرض لها العلامة المجلسي رحمه الله..لذا فإن الصحيح في الجمع هو ما يلي:
  إن الله تبارك ذكره يرفع أجسامهم بعد موتهم عليهم السلام بثلاثة أيام أو أربعين يوماً، ثم يردها إلى مواضعها بعد ذلك، وتكون زيارة المؤمنين لمواضع آثارهم مخصوصة بأيام الرفع وليس في كل الأيام مدى الدهور والأزمان، أي حينما يموت واحد منهم يرتفع جسمه إلى باريه تعالى بعد ثلاثة أيام أو أربعين يوماً للتشرف بلقاء الله تعالى لنورانية أجسامهم وقدسيتها، فيباركها ويقدسها كما كان يباركها ويقدسها في الحياة الدنيا، بل لعلّ المباركة والتقديس يكون أكثر من باب المكافأة والجزاء الأوفى؛ أو يكون الانتقال إلى عالم السماء لكي تزورها الملائكة عن قرب وتتبرك بها، وفي هذه المدة الانتقالية تكون زيارة المؤمنين لقبورهم هي زيارة لقبور خالية من أجسامهم الشريفة في تلك المدة الانتقالية، فهم زائرون لمواضع أجسامهم المعبر عنه في الرواية بـ"مواضع آثارهم" وليس لأجسامهم الشريفة.
 وتبقى معضلة في فهم معنى ما ورد في الرواية من أن أرواحهم ترتفع مع أجسامهم بعد ثلاثة أيام في حين أن الأرواح تنتقل إلى السماء مباشرة بعد موت الجسم.
       وبعبارة أُخرى: إن الروح تصعد إلى بارئها  بعد أن يقبضها ملك الموت ، فما معنى بقائها في الأرض مدة ثلاثة أيام ؟ !؛ والإجابة عليها سهلٌ من ثلاث جهات:
  (الجهة الأولى): أن نحمل لفظة "روحه" الواردة في الخبر على الروح الإنسانية القدسية، فهذه تنتقل إلى الله مباشرة ثم ترد إلى القبر الشريف، ثم تعود مع الجسم إلى الملأ الأعلى.
  (الجهة الثانية): أن نحمل لفظة "روحه" على معناها المعروف من الروح الإنسانية، فهذه تبقى مع الجسد في القبر فوق رأس الميت طيلة هذه المدة من دون أن تحلَّ فيه .
  (الجهة الثالثة): أن نحمل لفظة "روحه" على الروح الحيوانية التي يتغذى بواستطها الجسم، فهذه هي التي تنتقل مع الجسم بعد ثلاثة أيام من موت المعصوم عليه السلام؛ والحمل الثالث أرجح من الأول والثاني، إذ إن الأول ليس عليه شاهد يؤيده من الأخبار بحدود اطلاعنا؛ والثاني ثمة إشارات من الأخبار تدل عليه حسبما نتذكر ولم يسعفنا الوقت للتنقيب في المصادر الحديثية، فهو ــ على فرض صحته ــ عام لكلّ الناس إلا الأنبياء والأوصياء والأولياء من آل محمد (سلام الله عليهم) فإن أرواحهم المقدسة تنتقل إلى بارئها مباشرة؛ والله العالم. 
    وأما طريق جمع الأخبار المتفاوتة بين الثلاثة والأربعين، فهو للدلالة على التفاوت في درجاتهم، فالأنبياء ترفع أجسامهم بعد أربعين يوماً، بينما ترفع أجسام أهل بيت العصمة (سلام الله عليهم) بعد ثلاثة أيام، وذلك لشدة محبة الملأ الأعلى لهم وشوقهم إلى طينتهم المباركة التي هي أجسامهم الشريفة التي خلق الملائكة من فاضلها.
  وبعبارة أُخرى: إن زيارة الشيعة في زمان موت أهل البيت عليهم السلام هي زيارة لمواضع آثارهم في أوقات الرّفع؛ فتكون زيارتهم لقبورهم يوم شهادتهم هي زيارة لمواضع أجسامهم، وهو خاص بوقت شهادتهم وليس مطلقاً، وهذا ما أكدت عليه الأخبار الدالة على أن الدود لا يأكل لحومهم الشريفة، كما ورد في الفقيه للشيخ الصدوق عن مولانا الإمام الصّادق عليه السّلام قال:" إنّ اللَّه عزّ وجلّ حرّم عظامنا على الأرض وحرّم لحومنا على الدّود أن يطعم منها شيئا .
وقال النّبيّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم حياتي خير لكم ومماتي خير لكم ، قالوا : يا رسول اللَّه وكيف ذلك قال عليه السّلام : أما حياتي فانّ اللَّه عزّ وجلّ يقول: وما كان اللَّه ليعذّبهم وأنت فيهم، وأمّا مفارقتي إيّاكم فانّ أعمالكم تعرض علىّ كلّ يوم فما كان من حسن استزدت اللَّه لكم وما كان من قبيح استغفرت اللَّه لكم ، قالوا : وقد رحمت يا رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله يعنون صرت رميماً فقال عليه السّلام : كلَّا إنّ اللَّه تبارك وتعالى حرّم لحومنا على الأرض أن يطعم منها شيئاً.
  والحمد لله رب العالمين اللهم صلِّ على محمد وآل محمد وعجِّل فرجهم بقائمهم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
حررها العبد الأحقر محمّد جميل حمُّود العاملي
لبنان/ بيروت بتاريخ 4 ربيع الثاني 1438 هـ.

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1389
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 01 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28