• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : مواضيع مشتركة ومتفرقة .
              • القسم الفرعي : مواضيع متفرقة .
                    • الموضوع : الأرض كروية الشكل وليست مسطحة .

الأرض كروية الشكل وليست مسطحة

الإسم: *****

النص: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 

في الاونة الاخيرة ظهر كثير من الناس والعلماء يفيدون بأن الارض ثابتة ومسطحة وليست كروية فما رأي سماحتكم بذلك وهل يوجد آية في القران الكريم أو نص يتحدث في هذا الموضوع ؟. 

ونأسف من سماحتكم لأخذنا من وقتكم وشكراً

 

الموضوع الجيولوجي التكويني: الأرض كروية الشكل وليست مسطحة / الكشوفات العلمية الحديثة كالسفن الفضائية والأقمار الصناعية دلت على كروية الأرض/ الظاهر لنا من الآيات القرآنية والأخبار الشريفة أن الأرض كروية الشكل/ ثلاثة آيات استنبطناها من الكتاب تشير إلى كروية الأرض/ رواية عليّ بن أحمد بن أشيم واضحة في كروية الأرض/ اختلاف المشارق والمغارب دليل على كروية الأرض / أكثر فقهاء الإمامية اعتقدوا بكروية الأرض / رواية حريز دلالة على كروية الأرض / دعوى أن الأرض مسطحة خلاف المفهوم اللغوي لكلمة "فَلَكٍ" الواردة في سورة ياسين.

بسم الله الرَّحمان الرَّحيم

 

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سادة خلقه وقادة رسله محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين واللعنة السرمدية الأبدية على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين...وبعد:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  الجواب: من المعلوم بالضرورة العلمية في وقتنا الحاضر أن الأرض كروية ومتحركة،حيث صعد العلماء إلى القمر ورأوا الأرض مباشرة من على سطح القمر ونصبوا أقماراً صناعية ظهرت بواسطتها الأرض بشكلها الكامل، لذا فإنّ كرويّة الأرض أصبحت في هذا العصر من الأمور البديهيّة القطعية، والأرض ليست ثابتة في محلها بل هي على دوام في الدوران والسبح في الفضاء كغيرها من الكواكب الأرضية السيارة حيث يجري كلّ واحد من الأفلاك في فلكه كما يدور المغزل في الفلكة، بينما تكون الشمس ثابتة في محلها بالرغم من تحرك جزئاتها النارية كما هو معلوم بالوجدان والضرورة.. وهو ما أشارت إليه الآيات الشريفة في سورة ياسين بقوله تعالى (والشمس تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم، والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌّ في فلك يسبحون) فلو كانت الأرض ساكنة مع سكون الشمس لكانت جفت المناطق المشرفة على الشمس، لأن الشمس ثابتة بنصّ الآية، والقمر والأرض متحركان تحتها (كلٌّ في فلك يسبحون) والسكون خلاف السبح والسبح يعني التحرك في الفضاء؛ وكل الأفلاك في السماء كروية الشكل، والأرض من جملتها، فدعوى أنها مسطحة (أي مستطيلة) خلاف كونها مشابهة لبقية الأفلاك، وما الميزة في تسطيحها واستطالتها وافتراقها عن بقية الأفلاك المستديرة الشكل؛ وكرويتها لا تعارض الآيات الظاهرة في التسطيح والمهاد والفراش، لأنها ظاهرة في التسطيح الإعجازي عند عامة الخلق عليها؛ أي بالرغم من أنها كروية، فإن الخلق يظنون أنها مستطيلة الشكل لسهولة تنقلهم عليها وعدم إحساسهم بكرويتها واستدارتها تماماً كرأس الجبل يراه الناس دقيقاً في رأسه إلا أنه في واقعه واسع ويعيش خلق عليه.

   والحاصل: إن قوله تعالى (الذي جعل لكم الأرض فراشاً) ليس فيها ما يدل على أن الأرض مسطحة وليست بكروية، ذلك لأن الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفارش، فالافتراش يعني عظم حجمها واتساع جرمها وتباعد أطرافها.

  ومما يدل على كرويتها ما جاء في القرآن الكريم في عدة آيات منها:

   (الآية الأولى): قوله تعالى (فلا أقسم برب المشارق والمغارب) وقوله تعالى ( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها) وقوله تعالى ( رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق) (رب المشرقين ورب المغربين فبأي آلاء ربكما تكذبان).

   هذه الآيات الكريمة دليل على وجود مشارق ومغارب على الأرض، فلو كانت مسطحة (أي مستطيلة الشكل) فإن ذلك يستلزم وجودَ مشرقٍ واحد ومغربٍ واحد، ولكان التعبير برب المشرق والمغرب أولى من التعبير برب المشارق والمغارب؛ فالتعبير بوجود مشارق ومغارب دلالة واضحة على كونها كروية تسبح في الفضاء ما يستلزم تعدد المشارق والمغارب...فلو كانت الأرض مسطحة، لما صحَّ أن يقال إنها تسبح، فالكروي الشكل هو الذي يسبح في الفضاء لا المستطيل الشكل، فإنه يتقلب أي ينقلب ظاهره إلى أسفل، وسافله إلى أعلاه.

   (الآية الثانية): قوله تعالى (يوم نأتي الأرض ننقصها من أطرافها) فإن كرويتها مؤلفة من عدة أطراف، ولو كانت مسطحة لكان لها طرفان فقط، ولكان قال " يوم نأتي الأرض ننقصها من طرفيها"؛ ذلك لأن المسطح أو المستطيل لها طرفان فقط بخلاف المستدير فإن له عدة أطراف؛ يرجى التأمل.

   (الآية الثالثة): قوله تعالى ( يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض..) فإن للأرض أقطاراً باعتبارها مستديرة، ما يدل على كرويتها، ولو كانت مسطحة لكان التعبير بقطريها أولى من التعبير بأقطارها...أو كان التعبير بجانبيها أولى من قطريها، لأن الجسم المستطيل له طرفان ولا يصح إطلاق لفظ "قطر" على الجانب المستطيل..فالجسم المستطيل يقال عنه أن له طرفين، لا قطرين، لأن القطر والأقطار لا يصدقان إلا على الجسم الدائري.. يرجى التأمل.

  الأخبار الكاشفة عن كروية الأرض:

     وهناك أخبار يستفاد منها  كروية الأرض؛ وهي مستفيضة روى جملة منها الشيخ المحدث الحر العاملي أعلى الله مقامه في أبواب المواقيت من وسائل الشيعة، ننقل منها خبرين هما ما يلي:

    (الخبر الأول): ما ورد في الباب السادس عشر بإسناده عن عليّ بن أحمد بن أشيم ، عن بعض أصحابنا عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : سمعته يقول : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق ، وتدري كيف ذلك ؟ » قلت : لا ، قال : « لانّ المشرق مطلّ على المغرب هكذا ورفع يمينه فوق يساره فإذا غابت من ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا » .

  والشاهد فيها (بحسب ما وصل إليه فهمنا الدرائي لمفردات الرواية من تحليل فعل الإمام الصادق عليه السلام) هو رفع الإمام الصادق عليه السلام يده اليمنى على اليسرى، فإذا غابت الشمس من جهة ذهبت الحمرة من جهة أخرى...إذ لو كانت الأرض مسطحة، فإن غياب الشمس عنها يكون دفعة واحدة من جانبيها ووسطها وليس من طرف دون آخر، مما يدل على كرويتها..والاختبار ببابك، إذ إن الإختبار أكبر برهان، فأنت إذا سلطت النور على جسم مستطيل، فإن النور يشرق على سطح الجسم بكامله أي من وسطه وطرفيه دفعة واحدة، بينما لو سلطت الضوء على جسم كروي كطابة مثلاً، فإن الضوء يشرق على الطرف المقابل للنور دون الطرف الأسفل المحجوب عن النور بمقتضى كروية الكرة؛ وهكذا الحال بالنسبة إلى الشمس المسلطة بنورها على جزء من الأرض بمقتضى كرويتها.. فتأمل.

 ولا يخفى على الفقيه الفطن (فضلاً عن العالم بجيولوجيا الأرض وكريتها) تعبير الإمام المعظم مولانا الصادق (سلام الله عليه)  بأن المشرق مطلٌّ على المغرب من حيث علو يده اليمنى على اليسرى بخطٍ طوليّ مرتفع دلالة على الكروية، وإلا لكان جعل يده اليمنى في مقابل اليسرى عرضاً بحيث تكون اليمنى في عرض اليسرى في خطٍ واحدٍ عرضي. 

  إن التعبير بقوله " إن المشرق مطلٌّ على المغرب" يفيد بأن الإطلال هو الإشراف من العالي على الداني، أي أن المشرق المتصل بشعاع الشمس مشرف على المغرب المحجوب عنه الشمس لوقوع الجهة التي وقع فيه الغروب في أسفل الكرة الأرضية أو الجهة التي غاب عنه شعاع الشمس، ما يعني كروية الأرض، وإلا لو كانت مستطيلة لكان التعبير بالمحاذاة أولى من الإطلال، وذلك لوجود فرق لغوي بين كلمتي (إطلال ومحاذاة) فالإطلال بمعنى إشراف العالي على الداني الأسفل منه، بينما تعني كلمة المحاذاة المساواة بين الأيمن والأيسر.

  (الخبر الثاني): ما رواه الحر العاملي في الباب العشرين من أبواب المواقيت بإسناده عن حريز عن أبي أُسامة وغيره قال: صعدت مرة جبل أبي قبيس والناس يصلون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب إنما توارت خلف الجبل عن الناس ، فلقيت أبا عبد الله ( عليه السلام ) فأخبرته بذلك ، فقال لي: ولم فعلت ذلك؟ ! بئس ما صنعت، إنما تصليها إذا لم ترها خلف جبل ، غابت أو غارت ما لم يتجللها سحاب أو ظلمة تظلها ، وإنما عليك مشرقك ومغربك ، وليس على الناس أن يبحثوا ".

   الشاهد في هذا الخبر هو قوله عليه السلام:" وإنما عليك مشرقك ومغربك " وهو يشير إلى المعتبر في تحقق الغروب هو أمران: سقوط القرص من المغرب وذهاب الحمرة من المشرق، وبمقتضى التقابل بين سقوط القرص من ناحية المغرب، وذهاب الحمرة المشرقية من المشرق، نفهم أن الأرض كروية وليست مسطحة كما توهم آخرون..ففي الأرض مشرق ومغرب، والشروق متقدم على الغروب كما أشار مولانا الإمام الرضا (سلام الله عليه) إلى من سأله: هل النهار خُلِق قبل أم الليل؟ فأجاب: بأن الله خلق النهار قبل الليل، واعتمد الإمام عليه السلام على قوله تعالى في سورة ياسين: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار..)، الخبر طويل.

  والشاهد فيه وفي الآية هو أن الله تعالى خلق الأرض كروية باعتبار أن النهار سابقٌ الليل، ذلك لأن الشمس دائمة الإشراق على الجانب المطل عليها فيكون نهاراً، بينما الجهة التي لا يصلها النور هي ليل، ولا يتحقق النهار والليل بالتفاوت إلا إذا كانت الأرض كروية، وإلا لو كانت مسطحة لكان النهار مهيمناً على عامة أجزائها المسطحة من دون وجود ليل إلا إذا انقلب الجسم المسطح إلى الجانب السفلي على نحو الشقلبة لا الدوران كما هو معروف في الجسم الكروي، والشقلبة خلاف مفهومي (الفلك والسبح) الواردين في الآية (وكلّ في فلك يسبحون)؛ إذ إن معنى "فلك" أي الشيء الدائري، والفلكة هي كل ما ارتفع أو نتأ واستدار كفلكة الركبة وفلكة المغزل وهي هنة في أعلى المغزل مستديرة حسبما ذكره صاحب المنجد...

  وبعبارة أُخرى:إن مقتضى كرؤية الأرض اختلاف الطلوع والغروب حسب اختلاف البلاد والأصقاع ، فتغرب الشمس في بلد في ساعة ثم في آخر في ساعة أُخرى وهكذا ، بل هي لا تزال في طلوع وغروب ، ومن الضروري أن العبرة في كل بلد بطلوعه وغروبه ، سواء أتحقّق في بلد آخر أم لا . من هنا جاء التعبير في الرواية بقوله عليه السلام:" وإنما عليك مشرقك ومغربك ..".

   وبالجملة: لقد اتفق علماء الإمامية منذ عصر الشريف المرتضى إلى يومنا هذا على أن الأرض كروية الشكل، والآيات التي أشارت إلى تسطيحها مؤولة بالتسطيح الظاهري لا الواقعي، وإليك ما ذكره العلامة البهائي العاملي في كتابه الحبل المتين صفحة 195 في تعريفه للقبلة المشرفة وقد استعرض فيه كلمات بعض الفقهاء المنكرين لكروية الأرض:" فان قلت جواز التعويل في القبلة على قواعد علم الهيئة مشكل جدا لابتنائها على كروية الأرض وما ذكروه في اثبات كرويتها لا يثمر ظنا بذلك فضلا عن القطع مع أن الفقهاء وسائر أهل الشرع لا يوافقونهم على كرويتها بل ينكرونها والآيات الكريمة أعني قوله تعالى الذي جعل لكم الأرض فراشا وقوله جل وعلا "ألم نجعل الأرض مهاداً " وقوله عز شأنه "وإلى الأرض كيف سطحت" تدل على عدم كرويتها بل ينبغي القطع بعدم جواز التعويل على كلام علماء الهيئة في باب القبلة وغيرها لان شيئا من كلامهم لا يفيدنا علما ولا ظنا إذ لا وثوق لنا باسلامهم فضلاً عن عدالتهم فكيف يحصل لنا علم أو ظن بصحة ما يلقونه إلينا من قواعدهم وكيف يجوز لنا التعويل على كلامهم قبل ثبوت مضمونه لدينا شرعاً..".

   قلت: أمَّا ما ذكرت من ابتناء بعض قواعدهم على كروية الأرض فحق وأمَّا قولك إن ما ذكروه في اثبات كرويتها لا يثمر ظنا فخلاف الواقع إذ إفادة الأدلة المفصلة في محالها الظن بكروية الأرض مما لا مجال للريب فيه وان كان كل من تلك الاثبات ؟ بانفراده غير ناهض بذلك لكن يحصل من مجموعها ظن غالب لا يمتري فيه من له أدنى حدس نعم الدليل اللمي المذكور في الطبيعي غير ناهض بذلك لابتنائه على أن الواحد لا يصدر عنه الا واحد فلا تعويل عليه واما ما ذكرت من أن أهل الشرع ينكرون كرويتها فليس كما زعمت وكلامهم ينادي بخلافه قال العلامة قدس الله روحه في كتاب الصوم من التذكرة ان الأرض كرة فجاز ان يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر لان حدبة الأرض مانعة لرؤيته وقد رصد ذلك أهل المعرفة وشوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب الغربية لمن جد في السير نحو المشرق وبالعكس انتهى كلامه زيد اكرامه وقال ولده فخر المحققين رحمه الله في الايضاح الأقرب ان الأرض كروية لان الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية وكذا في الغروب فكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي بساعة واحدة ثم إنه طاب ثراه بسط الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه واما ما ظننت من إفادة الآيات الكريمة عدم الكروية فليس كذلك إذ كون الأرض بجملتها كرة لا ينافي امتنانه سبحانه بجعلها فراشا للناس ومهادا لهم ومبسوطة لمنافعهم فان عظم حجمها لا يأبى ذلك وقد نقل الشيخ الجليل أبو علي الطبرسي قدس الله سره في مجمع البيان مثل هذا عن السيد المرتضى رضي الله عنه وان المستدل على عدم كرويتها بقوله تعالى الذي جعل لكم الأرض فراشا هو أبو علي الجبائي وانه لا دلالة في الآية الكريمة على ما زعمه وقال في الكشاف عند تفسير هذه الآية أعني قوله تعالى الذي جعل لكم الأرض فراشا فان قلت هل فيه دليل على أن الأرض مسطحة وليست بكروية قلت ليس فيه الا ان الناس يفترشونها كما يفعلون بالمفارش وسواء كانت على شكل المسطح أو شكل الكرة فالافتراش غير مستنكر ولا مدفوع لعظم حجمها واتساع جرمها وتباعد أطرافها انتهى واما قولك ينبغي القطع بعدم جواز التعويل على كلام علماء الهيئة في باب القبلة وغيره فمما لا يلتفت إليه بعد تصريح محققي علمائنا قدس الله أرواحهم بخلافه بل قال شيخنا طاب ثراه في الذكرى ان أكثر امارات القبلة مأخوذ من علم الهيئة وهي مفيدة للظن الغالب بالعين والقطع بالجهة انتهى واما ما زعمت من أن شيئا من كلامهم لا يفيد علما ولا ظنا فبعيد عن جادة الانصاف جدا وكيف لا يفيد شئ من كلامهم علما ولا ظنا وقد ثبت أكثره بالدلائل الهندسية والبراهين المجسطية التي لا يتطرق إليها سوء شبهة ولا يحوم حولها وصمة ريب كما هو ظاهر على من له دوبة في رد فروع ذلك العلم الشريف إلى أصوله واما قولك انه لا وثوق لك باسلامهم فضلا عن عدالتهم فكيف يجوز لك التعويل على كلامهم قبل تيقن مضمونه فكلام عار عن حلية السداد إذ اليقين غير شرط ورجوع الفقهاء فيما يحتاجون إليه من كل فن إلى علماء ذلك الفن وتعويلهم على قواعدهم إذا لم يكن مخالفة لقانون الشرع شايع ذائع معروف فيما بينهم خلفا عن سلف كرجوعهم في مسائل النحو إلى النحاة وفي مسائل اللغة إلى اللغويين  وفي مسائل الطب إلى الأطباء وفي مسائل المساحة والجبر والمقابلة وما شاكلها إلى أهل الحساب من غير بحث عن عدالتهم وفسقهم بل يأخذون عنهم تلك المسائل مسلمة ويعملون بها من دون نظر في دلائلهم التي أدتهم إليها لحصول الظن الغالب بان الجم الغفير من الحذاق في صناعة من الصناعات إذا اتفقت كلمتهم على شئ مما يتعلق بتلك الصناعة فهو أبعد عن الخطأ وهذا من قبيل الظن الحاصل بخبر الشياع وان كانا فساق أو كفارا لبعد تواطؤهم على الكذب وليت شعري كيف يفيدك كلام الجوهري مثلا الظن في المسائل اللغوية فتتبعه في جميع ما يلقيه إليك من معاني ألفاظ الكتاب والسنة ولا يفيدك كلام المحقق نصير الملة والدين قدس الله روحه مع جم غفير من علماء الهيئة الظن فيما يلقونه إليك في مسألة واحدة من مسائل الفن بل كيف تعول على قول فلان اليهودي المتطبب إذا أخبر بان المريض الفلاني مما يضره الصوم ويتحتم له الافطار أو يضره القيام أو القعود في الصلاة ويتعين له الاستلقاء مثلا فتفطر في شهر رمضان وتصلي مستلقيا مؤميا أياما عديدة لاعتمادك على كلامه لما بلغك من حذاقته في فن الطب فإذا كنت تقبل قول يهودي واحد تظن حذاقته فيما يتعلق بفنه فبالأولى ان تقبل قول جماعة متكثرة من علماء الاسلام فيما يتعلق بفنهم مع اطباق الخاص والعام على بلوغ حذاقتهم في ذلك الفن إلى ما لا مزيد عليه بل قد جوز جماعة من أعيان علمائنا قدس الله أرواحهم كالمحقق وشيخنا الشهيد وغيرهما التعويل في باب القبلة على خبر الكافر الواحد إذا أفاد خبره الظن ولم يكن هناك طريق إلى الاجتهاد سواه وذلك لان هذا نوع من التحري وقد دل الحديث على اجزائه وعلله في الذكرى بان رجحان الظن يقوم مقام العلم في العبادات وحينئذ يكون وجوب التثبت عند خبر الفاسق مخصوصا في العبادات بما إذا لم يفد ظناً والله الهادي". 

  وقال المحقق الشيخ فخر الدين في شرح القواعد:" ومبنى هذه المسألة على أن الأرض هل هي كروية أو مسطحة ؟ والأقرب الأول لأن الكواكب تطلع في المساكن الشرقية قبل طلوعها في المساكن الغربية وكذا في الغروب ، وكل بلد غربي بعد عن الشرقي بألف ميل يتأخر غروبه عن غروب الشرقي ساعة واحدة ، وإنما عرفنا ذلك بارصاد الكسوفات القمرية حيث ابتدأت في ساعات أقل من ساعات بلدنا في المساكن الغربية وأكثر من ساعات بلدنا في المساكن الشرقية ، فعرفنا أن غروب الشمس في المساكن الشرقية قبل غروبها في بلدنا وغروبها في المساكن الغربية بعد غروبها في بلدنا ، ولو كانت الأرض مسطحة لكان الطلوع والغروب في جميع المواضع في وقت واحد . ولأن السائر على خط من خطوط نصف النهار إلى الجانب الشمالي يزداد عليه ارتفاع الشمالي وانخفاض الجنوبي وبالعكس. انتهى .

  والحاصل: إن كون الأرض فراشاً ومهاداً وبساطاً إنما باعتبار عظم حجمها بحيث ترى مسطحة فلا تنافي كرويّتها واقعاً؛ وهو قول مشهور عند علماء الإمامية ولا عبرة بقول من خالف لابتنائه على ظنون غير معتبرة ودعاوى غير مستقيمة نظير دعواهم بعدم وجود دليل على كروية الأرض، والكروية لا توافق ظواهر الآيات؛ مضافاً إلى أن القول بالكروية مأخوذ من كلام الهيويين الذين لا وثوق لنا بإسلامهم فضلا عن عدالتهم ، فلا يفيد كلامهم علماً ولا ظناً.

  وكلامهم المتقدم ضعيف جداً بما أشرنا إليه أعلاه فلا نعيد.

 والحمد لله ربّ العالمين وصلِّ اللهم على نبينا محمد وآله الأنوار المطهرين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  حررها العبد الفاني محمد جميل حمود العاملي

بيروت بتاريخ 15 شعبان المكرم 1438 هجري

 

  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=1458
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2017 / 05 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28