• الموقع : مركز العترة الطاهرة للدراسات والبحوث .
        • القسم الرئيسي : الفقه .
              • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .
                    • الموضوع : منهجنا الفقهي والأصولي في إستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية .

منهجنا الفقهي والأصولي في إستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية

الإسم:  *****
النص: سماحة الفقيه المرجع الشيخ محمد جميل حمود العاملي دام ظله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ، فإن ما قرأناه لكم من كتابات وبيانات وفتاوى ، يدل على أن لديكم محاولات جادة ، للرجوع إلى منهج أهل البيت عليهم السلام ، بعد أن نكب عنه الأكثرون ، من مدعي الفقاهة المتأخرين من الشيعة ، واستبدلوا به منهجا آخر زعموا أنه منهج أهل البيت عليهم السلام ،
فهل لكم أن تفيدونا - دامت بركاتكم - عن أدلة الأحكام الشرعية الثابتة لديكم ، ومنهجكم في العمل بظواهر الكتاب ، والعمل بالأخبار الواردة عن المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين ، ورأيكم بصفة خاصة في دليل العقل خصوصا مع ورود الروايات الكثيرة عن الصادقين ، الناهية عن استعمال الرأي والنظر في استنباط أحكام الدين ، مما أنتم واقفون عليه بلا ريب في مصادر الحديث المعتمدة عند علماء الفرقة المحقه . الرجاء موافاتنا بالجواب الشافي مع الإشارة إلى الدليل في كل مسألة ، جزيتم خيرا .

 

الموضوع الفقهي: منهجنا الفقهي والأصولي في إستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمته وبركاته
      نسأله تعالى مجده أن يحفظكم ويؤيدكم لما فيه الصلاح والفلاح والنجاح والتوفيق والسداد وصحبة الأبرار من آل محمد صلوات ربي عليهم أجمعين، وسؤالكم مستوضحين عن أدلة الأحكام الثابتة لديناشرعاً وعن طريقة منهجنا بظواهر الكتاب والأخبار الشريفة فهو وإنْ كان واضحاً عندكم بشكلٍ مجملٍ من خلال تأملكم في بحوثنا وفتاوانا كما أفدتم حفظكم المولى تبارك شأنه ــ وأنتم بحمد الله تعالى من أهل الحجى والفهم والمعرفة ــ ولكننا لن نبخل عليكم بالتوضيح والإستزادة وبه نستعين:
  أما أدلة الأحكام الثابتة عندنا هي ثلاثة: الكتاب الكريم/ والسنة الشريفة المتمثلة بأخبار النبيّ وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام/ والإجماع الدخولي والتعبدي دون الإجماع المحصل والمنقول ، ولا يخفى عليكم بأن الإجماع حاكٍ عن السنة لا أنه دليلٌ برأسه لسنِّ الأحكام الشرعية/ والعقل من حيث أنه مؤكد للأدلة الثلاثة لا أنه دليل مستقل برأسه في إستنباط الأحكام الشرعية الفرعية، وأما في باب العقائد فإنه المعوّل عليه في المطالب العقلية المحضة كما أنه مؤكد لما جاء في الكتاب والسنة من المطالب العقديّة والتاريخية ...كما أننا لا نعوّل على ما يعتمده البتريون اليوم من الأقيسة التي اقتبسوها من المخالفين فقد ابتدعوا في الدين وحرفوا أحكام سيد المرسلين وآله الطاهرين عليهم السلام ، من هنا كان استنباطنا للأحكام الشرعية مبتنياً على ما جاء في أخبارهم الشريفة التي أعرض عنها أكثر العلماء في هذا الزمن الذي كثر فيه الدجالون والصوفيون من متقمصي الإمامة.... 
  وأما منهجنا في العمل بظواهر الكتاب والسنة الإخبارية فيتمثل بالعمل بما في الكتب الأربعة ومستدركاتها، والعمدة عندنا على الأخبار الموثوقة الصدور وهي ـــ كما لا يخفى على جنابكم الكريم ـــ الأخبار التي قامت على صحتها القرائن الخارجية والداخلية من الكتاب والأخبار الأخرى، فالعمدة عندنا هي القرائن الموافقة للكتاب والسنة المطهرة، وبهذا نكون قد أخذنا بأغلب الأخبار المبثوثة في الكتب الأربعة وغيرها من مصادر الحديث، وهو منهج اعتمده القدماء من أصحابنا إلا أننا نتمايز عنهم بفضل الله تعالى وفضل حججه المطهرين ـــ صلوات ربنا عليهم أجمعين ـــ بجمع الأخبار مهما كانت صعبة الهضم بتأويل الخبر المعارض بحسب القدرة والإستيعاب لقاعدة " أن الجمع أولى من الطرح" فإننا لا نطرح الخبر إلا إذا وجدنا معارضاً له من الكتاب أو السنة بحيث لا يمكن الجمع بينه وبين الكتاب والسنة، وعملنا بقاعدة الجمع بسبب ما جاء في بعض الأخبار عنهم صلوات الله عليهم لا سيما ما جاء في الكافي الشريف ج2ص223باب الكتمان في موثقة أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ( إن أحبّ أصحابي إليَّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا وإن أسوأهم عندي حالاً وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنا فلم يقبله إشمأز منه وجحده وكّفر من دان به وهو لا يدري لعلَّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أُسند فيكون بذلك خارجاً عن ولايتنا). إنتهى.
  فهذه الصحيحة فيها من الوضوح ما يغني عن الشرح والتوضيح في حرمة ردّ الأخبار التي فيها ــــ وللوهلة الأولى ـــ ما يوجب الإجمال أو النفور... ولكنه عند التأمل والتدبر بمعاني أخبارهم ولحن كلامهم يتضح الصواب في دلالتها في أكثر الأحيان ما يتوجب على الفقيه الملم بالأخبار أن يرد كلّ مجمل إلى مبيّنه وكل عام إلى خاصه، وكلّ مطلقٍ إلى مقيِّده، وكلّ متشابه إلى محكمه...وهكذا، فيفرض على من جاس خلال الديار أن يعرف لحن الخطاب، من هنا جاء عنهم كما في قضاء الوسائل: ( أعرفوا منازل شيعتنا بقدر ما يحسنون من رواياتهم عنا، فإنَّا لا نعدُّ الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون محدّثاً، فسُئِل  أويكون المؤمن محدثاً ؟ قال: يكون مفهماً) .
  والحاصل: لا بدَّ في وجوب الأخذ بأخبارهم الشريفة من أمرين: أحدهما العرض على الكتاب الكريم والأخبار الأخرى..وثانيهما العرض على أخبار العامة العمياء، فما وافق أخبارهم فيضرب به عرض الجدار وإلا فيؤخذ به حسبما دلت على ذلك الأخبار الشريفة التي روى الكثير منها المحدّث الحر العاملي في الوسائل باب القضاء.
  وأما القياس والإستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع وغيرها من القواعد التي يعتمدها المخالفون ومن وافقهم في هذه الأعصار من بترية الشيعة في حوزاتنا العلمية لا سيما دعاة ولاية الفقيه العامة والمطلقة حيث أباحوا المحاذير التي نهت عنها شريعتنا المطهرة، فهؤلاء يعتمدون على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة،فكل غاية بنظرهم شريفة تبيح لهم كل وسيلة محرَّمة، (وقد فندنا نظرية ولاية الفقيه العامة والمطلقة في كتابنا (ولاية الفقيه العامة في الميزان) كما أننا ذكرنا في بعض بحوثنا الأخرى بأن منشأ ولاية الفقيه العامة إنّما هو من المخالفين إستحسنه النراقي من علماء القرن الثاني أو الثالث عشر الهجري، وحاول تنميق ولاية الفقيه بأدلة من هنا وهناك ولكنها في الواقع أقيسة وإستحسانات).
  فأصل ولاية الفقيه العامة والمطلقة هو عاميٌّ كما أشرنا، كما أن ماهيتها وحقيقتها ترجع إلى الإستحسان وهو مبدأ فقهي يعتمده المخالفون في إستنباطاتهم معتمدين على عقولهم في مقابل الاخبار .
  وأما العقل فلا يجوز التعويل عليه مستقلاً في إستنباط الأحكام الشرعية لورود النهي عنه في الأخبار في الوسائل باب القضاء والكافي الجزء الأول / باب البدع والرأي والمقاييس، ففي صحيحة يونس قال: قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام: بما أُوحد الله؟، فقال: يا يونس لا تكوننَّ مبتدعاً، من نظر برأيه هلك ومن ترك أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله ضلّ ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر". فقد ربط الخبر الشريف النظر بالرأي وترك أهل البيت عليهم السلام، فمن عمل برأيه فقد ترك أهل البيت عليهم السلام أو من ترك أخبار أهل البيت وعمل بمبدأ المصلحة العامة أو الشخصية فيحرم الحلال أو يحلل الحرام لأجل المصلحة الذوقية ومن باب الولاية على الأحكام الشرعية كما هو المسلك المتبع عند المتقمصين لثوب الفقاهة في زماننا هذا وهو يعمل بأخبار العامة وأقيستها وإستحساناتها وظنونه الشخصية، ولا يترك أهل البيت إلا من عمل بعقله وجعله مدركاً مستقلاً لإستنباط الأحكام الشرعية، وهو ما اشارت إليه موثقة عبد الجبار عن مولانا الإمام الحسن العسكري عليه السلام المروية في سفينة البحار نقلاً عن الحر العاملي في كتابه الإثنى عشرية في الرد على الصوفية ص 33 حيث ورد فيها أنه قال لصاحبه الجليل أبي هاشم الجعفري رضي الله تعالى عنه وأرضاه: ( وعلماؤهم شرار خلق الله على وجه الارض لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوف، وأيم اللهِ إنهم من أهل العدول والتحرف يبالغون في حبّ مخالفينا ويضلون شيعتنا وموالينا....).
  والخلاصة: إننا لا نركن إلى العقل في إستنباط الأحكام الشرعية الفرعية ولا نعتمد عليها في ذلك على نحو الإستقلال من دون الرجوع إلى الأدلة الشرعية المنصوص عليها في الكتاب والسنة الشريفة بل إن مهمة العقل هي البحث عن الأدلة في الكتاب والاخبار الشريفة، فدور العقل إنما هو الإستكشاف وليس الإستنباط المستقل بأحكامه عن المدارك الشرعية من الكتاب والسنة الشريفة التي أمرنا أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام بها والتمسك بعروتها لأن دين الله تعالى لا يصاب بالعقول وأحكام الله تعالى محجوبة ومستورة عن العقول البائرة والأفهام الناقصة ولا يكمله إلا عند المعصومين المطهرين عليهم السلام فهم حملة الشرع ومع كل هذا فلا يؤسسون لنا أحكاماً من عند عقولهم الشريفة ولكنهم ينقلون عن الله تعالى لذا يطلق عليهم بأنهم محدَّثون ومحدِّثون عن الله تعالى فلا يتخطون أوامره ونواهيه ولا يعملون بعقولهم الشريفة إلا بما أمرهم به الله تعالى فعقولهم كاشفة عن إرادته تعالى لا أنها مؤسسة لأحكام في مقابل أحكامه، وهكذا بالنسبة إلى الفقهاء العارفين بهم فليسوا لهم أن يستنبطوا أحكاماً بعقولهم بل هم مجرد رواة ينقلون أحكام الأئمة الطاهرين عليهم السلام بما وصل إليهم من الأخبار عنهم وليسوا في مقام التشريع المقابل لتشريع الله تعالى الواصل إلينا بواسطة أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام.
 

والله تعالى حسبي وإليه أنيب والحمد لله رب العالمين وسلام على المرسلين لا سيما محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين والسلام عليكم ورحمته وبركاته. 
العبد محمد جميل حمود العاملي ــ بيروت بتاريخ 25 شهر رمضان 1433هــ.


  • المصدر : http://www.aletra.org/subject.php?id=560
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 08 / 29
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28