• الصفحة الرئيسية

ترجمة آية الله العاملي :

المركز :

بحوث فقهيّة وعقائديّة/ اردو :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مجلّة لسان الصدق الباكستانيّة (3)
  • بحث فقهي عن الشهادة الثالثة (1)

محاضرات آية الله العاملي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرة الإمام الحجّة (عليه السلام) (121)
  • مظلوميّة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) (20)
  • شبهات وردود حول فقه السيرة الحسينية (11)
  • من هم أهل الثغور؟ (1)
  • محاضرات متفرقة (14)
  • شبهات وردود حول ظلامات سيّدتنا فاطمة عليها السلام (2)
  • الشعائر الحسينية - شبهات وردود (محرم1435هـ/2014م) (9)
  • زيارة أربعين سيّد الشهداء (عليه السلام) (2)
  • البحث القصصي في السيرة المهدوية (22)
  • سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) (6)

أدعية وزيارات ونعي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • أدعية (14)
  • زيارات (9)
  • نعي، لطميّات (4)

العقائد والتاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شبهات وردود (457)
  • عقائدنا في الزيارات (2)

الفقه :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • إستفتاءات وأجوبة (1172)
  • أرسل سؤالك

علم الرجال :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مواضيع رجاليّة (102)

مواضيع مشتركة ومتفرقة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مراسلات زوّار الموقع للمركز (4)
  • كلمة - رأي - منفعة (20)
  • نصائح (5)
  • فلسفة ومنطق (4)
  • رسائل تحقيقيّة (3)
  • مواضيع أخلاقيّة (3)
  • فقهي عقائدي (35)
  • فقهي أصولي (11)
  • فقهي تاريخي (6)
  • شعائري / فقهي شعائري (26)
  • مواضيع متفرقة (22)
  • تفسيري (15)

مؤلفات آية الله العاملي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مؤلفات عقائديّة (15)
  • مؤلفات فقهيّة (13)

بيانات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • بيانات وإعلانات (35)

المؤلفات والكتب :

 
 
 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا

 
 • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم وأهلك أعداءهم • 
  • القسم الرئيسي : الفقه .

        • القسم الفرعي : إستفتاءات وأجوبة .

              • الموضوع : مقدمّة وجيزة حول أهمية الشعائر الحسينية / نظرنا الفقهي في عزاء الشور .

مقدمّة وجيزة حول أهمية الشعائر الحسينية / نظرنا الفقهي في عزاء الشور

 يمكنكم تحميل البحث الكامل كملف واحد بتنسيق pdf بالضغط هنا بزر الفأرة (الماوس) الأيمن ثم اختيار (حفظ الهدف باسم - Save Target As) واختيار المكان المناسب

 يمكنكم تحميل البحث المختصر كملف واحد بتنسيق pdf بالضغط هنا بزر الفأرة (الماوس) الأيمن ثم اختيار (حفظ الهدف باسم - Save Target As) واختيار المكان المناسب

بسم الله الرَّحمان الرَّحيم

الشعائر التطبيريّة الشريفة
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نحن نعمل على مشروع ضخم لنصرة الشعائر الحسينية المقدسة بمختلف أشكالها من تطبير وزنجيل و و و يتكون من أكثر من 200 تصميم إحترافي للشعائر الحسينية المقدسة
فلذا نرجوا منكم إيضاح لنا رأي المرجع في هذه المسائل، مع الأخذ بالعلم أننا سننشر الإجابات بإعتبارها كلام المرجع فأرجوا النقل الصحيح عنه لكي لا يحدث إشتباه وجزاكم الله تعالى خيراً
1-  ما رأي سماحة المرجع في عزاء الشور؟ وهو العزاء الايراني الذي يكون فيه ترديد لإسم الإمام الحسين عليه السلام بطريقة سريعة (حسين حسين حسين حسين)؟
2 -  ما رأي المرجع في عزاء تشبيه الأسد؟ هل يجوز القيام به؟
3 -  ما رأي المرجع في التطيين؟ أي يقوم بعض المؤمنين بوضع التراب على وجوهم وملابسهم؟
4 -  بعض المؤمنين يقومون في ليلة شهادة السيدة رقية عليها السلام بإحضار شوك والمشي عليه مواساة لها؟ فما حكم هذا العزاء؟
5 - ما حكم خمش الوجوه في عزاء الإمام الحسين عليه السلام؟
6 -   هل يجوز إطفاء الأضواء وإنارة ضوء لونه أحمر أثناء القراءة واللطم؟
7 -   ما حكم المشي على الجمر في عزاء الإمام الحسين عليه السلام؟
 8 -  ما رأيكم في من يسيس المنبر؟ أي يجعله سياسياً؟ وما رأيكم في من يسيس مواكب العزاء؟ ويجعل العزاء للهتافات بأسماء العلماء؟
9 -  ما حكم زنجيل السكاكين؟
10 -  هل زواج المولى القاسم بن الإمام الحسن عليه السلام ثابت لدى سماحة المرجع؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
  
المواضيع الفقهية: مقدمّة وجيزة حول أهمية الشعائر الحسينية / نظرنا الفقهي في عزاء الشور / معنى الشور في لغة الفرس / أول من اخترع عزاء الشور هو الملا السيِّد المظلوم جواد ذاكر الموسوي رحمه الله تعالى / الضوابط الشرعية في حلية عزاء الشور / عزاء تشبيه الأسد / الضابطة الشرعية في عزاء الأسد / لا يجوز الإعتقاد بولوج روح أمير المؤمنين عليه السلام في قالب صورة الأسد / رواية فضة وقصة الأسد / التشدد السندي غير معتبر في باب الكرامات والمعاجز/ نظرنا الفقهي حول تطيين الوجه بالوحل في أيام عاشوراء / الأدلة في استحباب التطيين / المشي على الشوك مواساة لعيال سيد الشهداء جائزشرعاً / الوجوه الشرعية الدالة على استحباب المشي على الشوك / الأدلة على جواز خمش الوجوه حزناً على سيِّد الشهداء عليه السلام / علاج الأخبار الناهية عن خمش الوجوه/ قراءة العزاء في العتمة أو على ضوء خافت جائزشرعاً / يجوز المشي على الجمر في أيام محرم / الوجوه الدالة على جواز المشي على الجمر/ تسييس المنبر الحسيني حرام شرعاً / رفع الهتافات والشعارات وصور العلماء في اليوم العاشر من المحرَّم محذور شرعاً / حكم زنجيل السكاكين / زواج المولى القاسم عليه السلام ثابت لدنيا / الإشكالات على عرس مولانا القاسم عليه السلام والإيراد عليها.
 
مقدمّة وجيزة حول أهمية الشعائر الحسينية.
بسم الله الرَّحمان الرَّحيم
 
    الحمدُ لله كما هو أهله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد وأهل بيته الطيبين المنتجبين في الميثاق والمصطفين الأخيار، سادة خلقه أجمعين وقادة رسله وعروته الوثقى وحبله المتين وصراطه المستقيم والباب المبتلى به الناس، واللعنة الدائمة السرمدية التي لا انقطاع لها على أعدائهم والمنكرين لفضائلهم وكراماتهم ومعارفهم وأحكامهم وظلاماتهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.... وبعد.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
   نتمنى لكم التوفيق الدائم في سبيل خدمة إحياء المراسم الحسيسنية المقدَّسة والذود عنها بعد أنْ تكالبت عليها فِرَقُ النواصب من كلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ للنيل من صورتها وحقيقتها والقضاء عليها، مستعينين بجهاتٍ شيعيةِ المظْهَرِ تنسب نفسها إلى الفقه والمرجعية الفقهية إلا أنَّ واقعها عكس ذلك، فهؤلاء لا وزن لهم في العلم والفقه، بل هم جماعة جاءت بهم الظروف السياسية بقوة السيف والحديد والنار ومداهنة النواصب من الفرق المبتدعة، ليتسنموا سدّة الزعامة الدينية ليحكموا سيطرتهم على مفاصل الحوزات العلمية الجعفرية وحرف مسارها العلوي الفاطمي، فقاموا بقهر الفقهاء الحقيقيين والعلماء الربانيين الذين عليهم المعوّل في حفظ عقيدة وفقه آل محمد (سلام الله عليهم أجمعين).
    إن أعداءَ آلِ محمد لم يغفلوا عن الدور الهام الذي يقوم به فقهاء الشيعة وأعلام كلامها في حفظ معالم التشيع من أن تناله أيادٍ خبيثة تتلاعب به وتجرّه إلى مدرسة السقيفة، لذا قاموا بخطط كثيرة للنيل من التراث الشيعي التراجيدي المتمثل بمصائب أهل بيت العصمة والطهارة(سلام الله عليهم) فعمدوا إلى اختراع عمائم ذات توجهات عامية فأقحموها  في حوزاتنا لتنخر في صميم الشعائر الحسينية المطهرة تحت ذرائع وحدوية أشعرية متعددة لا تمت بصلةٍ إلى الواقع الفقهي والعلمي المعمول به في الوسط الفقهي الإمامي...وقد خاب سعيهم لأن لله تعالى جنوداً مجندة لا تكل ولا تفل سواعدها في سبيل رفعة الدين والذود عن معالمه وشعائره لا سيما الشعائر الحسينية المقدسة..هذه الشعائر التي أقضت مضاجعهم وسلبتْ منهم الراحةَ والطمأنينةَ..ولن يقدروا على النيل منها والقضاء عليها طبقاً لقوله تعالى  يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ التوبة32.
   لذا نرى بوضوحٍ في أوّل شهر محرّم من كلّ عام عاشورائي الحملات المسعورة من قِبَل المخالفين وأذنابهم من بترية الشيعة ضدّ مراسم عاشوراء وما تختزنه من مشاعر وعواطف قلّ نظيرها في بقيّة المناسبات ، بغية تشويهها ، وتشكيك القواعد الشيعيّة بمضامينها عبر إثارة الشبهات حولها بِدْءً بالبكاء وانتهاءاً بالتطبير والضرب بالسلاسل واللطم ، فتبدأ المحاضرات وإلقاء الخطب هنا وهناك ليشككوا بكلِّ شيء يمتّ إلى عاشوراء المقدَّسة ، ويُكَشِّرُ الصحفيون المنافقون ذوو المطامع والمطامح عن أنيابهم كلّ سنة ليفترسوا بأقلامهم المأجورة وألسنتهم الحُداد الشحيحة تلكم المراسم العاشورائيّة البريئة والعذراء ، فيحاولون افتضاضها واغتصابها لينفّسوا عن شهواتهم ونزواتهم التي طالما اختزنوها لشهر محرّم الحرام ، فليس ثمّة منكر أو فساد في محرَّم سوى مراسم عاشوراء ، إذ ليس وراء عبادان قرية . . .
فلا يعجبهم شيء من شعائر عاشوراء ، فلا قارئ العزاء ولا الخطيب المفوّه . . . ولا الباحث النحرير يروق لهم أو يستريحون لأفكاره . . . لِمَ ؟ ألأنه يدافع عن مراسم الطف الشجيَّة ويربط الناس بأشرف قضيّة وأعظم رزيّة ألا وهي كربلاء مولى الأحرار الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام ، فلماذا كلّ هذا الكيد بل النصب والعـداوة لمراسم عاشـوراء ؟ ألأنّها قتلـت آبـاءهم واختلست أموالهم ؟ كلاّ ، وإنما لأنها تنتمي للإمام الحسين (سلام الله عليه) فأرعبت قلوبهم وصَعَقَتْ عقولهم ، فلم يستطيعوا أنْ يحاربوا الإمام الحسين عليه السلام مباشرةً كما حاربه أعداء عصره ، فحاربوا المراسم والشعائر الملتصقة به ، ولو كانوا صادقين بمحبتهم للإمام الحسين عليه السلام لَمَا حاربوا مراسمه وشعائره التي تقرّب الناس إلى أهدافه ، وتشدّهم إلى الإنتساب إليه (صلوات الله عليه) ، ومَن أحبّ شخصاً أحبَّ كلّ ما ينتسب إليه ، من هنـا قيل شعراً عن مجنـون ليلى :
أمر على الديار ديار ليلى      أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حبّ الديار شغفن قلبي          ولكن حبّ مَن في الديار
إنّ ظلامة الإمام الحسين (سلام الله عليه) هي في منتهى درجات المظلوميّة وأقصى مراتبها ، تتضاءل أمامها كلّ مظلوميّة ، فذكرها يثير العواطف والأشجان والعبرات ، وتخلع الأفئدة وتهزّ المشاعر والمدارك ، ولو أنّ أمّة الإسلام أحبَّتْ الإمام الحسين عليه السلام _ كما تدّعي _ لاستطاعَتْ عبر ذكراه العَطِرة من بسط مفاهيم الإسلام ونشر رحمته وعدله على العالَمين ولَتَحرَّرَتْ من نير المستعمرين ، ولا أعني بالمستعمرين الإفرنج فحسب بمقدار ما يشمل هذا المصطلح كلّ مَن يريد للباطل أنْ يهيمن وينتشر ، وهل ثمّة باطل أعظم من أنْ يتحكّم بنا _ نحن الشيعة _ عصابةٌ من المخالفين لا يرحمون صغيرنا ولا يوقِّرون كبيرنا ، ولا حرمة لأعراضنا وأموالنا لديهم ، فنحن بنظرهم طائفة من اليهود تستباح أموالنا وأعراضنا ودماؤنا على حدّ تعبير إبن تيميّة وأذنابه اليوم ؟ ! ! وهل ثمّة ظالم غاشم كأولئك الّذين هدموا قبور أئمتنا الطاهرين (سلام الله عليهم) في بقيع المدينة وحاولوا هدم قبورهم في العراق في الآونة الأخيرة وبالضبط في أيام محرّم الحرام من العام 1424 هـ / 2004 م ؟ ! !
كلّ ذلك من أجل أنّ قبور ائمتنا الطاهرين (عليهم السلام) مناراتٌ من الهدى تنير دروب الحيارى في صحراء المادة ، ولأنّ هاتيك المقابر الشريفة شعار إلهيٌّ يقضّ مضاجع أولئك الظالمين ، فراحوا يجنّدون كلّ طاقاتهم ، ويحشدون عملائهم لضرب الشعائر الحسينيّة وكلّ ما يمتّ إلى أئمتنا المطهرين عليهم السلام بصلة ، لكنّ جهودهم باءت بالفشل الذريع بفضل تماسك الموالين وجهود العلماء العاملين العارفين بأمر آل البيت (عليهم السلام) لا الّذين يزحفون على بطونهم إلى المخالفين وما أكثرهم اليوم حيث باتوا يعزفون على وتر آخر وهو تشويه مظلوميّة الأئمّة الطاهرين عليهم السلام وشيعتهم خلف شعار نسبة الشيعة إلى التعصب الطائفي والمذهبي وبالتالي الإنجرار إلى العنف والقسوة ، وهو سلاحٌ فتّاك ذو حدَّيْن ، فهو من جهة ينخر في مفاهيمنا في التولّي والتبري ليهشمها شيئاً فشيئاً بنفث الشبهات والتشكيكات حولها لا سيّما ما يتناول الجانب المأساوي الّذي تعرّض له أئمتنا الطاهرون عليهم السلام من قِبَل طواغيت عصرهم ، ومن جانب آخر ينعت القواعد الشيعيّة بالتخلف عن مواكبة الحداثة وترويج الفتاوى الترخيصيّة التي تحرر المسلم من ربقة الإنقياد والإنصياع للحكم الشرعي الداعي إلى تقييد النـزوة والشهوة والإسترسال في الإباحة الجنسية الرخيصة ، وكأنّ الحداثة بنظر هذا الفريق وذاك هو أنْ تخلع عن نفسك كلَّ قديم سوآء أكان حكماً أم شعاراً وتقليداً أقرته الأعراف والشرائع ، ويتماشى مع أصول الأديان والأحكام ، والأعجب من ذلك هو قبولهم لكلِّ جديدٍ طبقاً لمفهوم الحداثة عندهم إلا أنّ بعض مراسم عاشوراء مع كونها حديثة العهد - وليست قديمة - ومع هذا يرفضونها لأنها لا تتوافق مع توجهات ورغبات المخالفين المعادين لمواكب عاشوراء، لذا فإنّ هذه القوارض البشريّة في ثغاء مستمر ، وثغِمٍ لا ينقطع ، ما دامت الشعائر والمراسم . . .
    إنَّ لكلّ رسول ووصي إمتداد بعده ، فامتداد الرّسول الأكرم صلّى الله عليه وآله في القرآن المعجزة ، وامتداد أمير المؤمنين عليّ عليه السلام في نهجه الّذي رسمه لنا وبطولاته ومواقفه المشرِّفة ، وامتداد سيّدة نساء العالمين مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام بصرختها الكبرى بوجه الظالم المستبد ، وامتداد الإمام الحسن عليه السلام بحفظه لمصالح المؤمنين وشفقته على عامّة المستضعفين ، وامتداد الإمام الحسين عليه السلام إنما كان بثورته على الظالمين ، فدوره عليه السلام يختلف عن أدوار مَن سبقه من الأولياء الطاهرين بشكلٍ عام ، حيث كان دوره العظيم في الإنقضاض المبارَك على المبادئ الفاسدة والمفاهيم البائرة المترسخة في مجتمع الجزيرة العربيّة ، فدوره ثورة على الباطل والظلم، وهي بحاجة إلى إحياء بكلّ أبعادها ومرافقها في واقع الحياة ، ولا يمكن أنْ تحيا بالحفلات والقصائد والخطب لأنّ ذلك يصلح أنْ يكون ممسكاً لإنتاج عطاء الذكرى ولا تصلح - أي الحفلات والقصائد والخطب - لأن تخلق شعلةً ثوريّةً هي في الواقع إمتداد للثورة الأم ، فالشعلة هي الوحيدة القادرة على أنْ تموّج الحياة وتزلزل الأرض بعروش المستكبرين ولو كانوا بعمائم رجال دين ، وتنفض عنها التيجان الجائرة ، وتنتزع القيادات من الأيدي القذرة ، لتضعها في أيدي الّذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً ، والكفيل بذلك ثورة الإمام الحسين عليه السلام من خلال الإمتداد الواقعي لها وهو مجموع ما يفعله الشيعة الكرام في بلادهم أيام عاشوراء من المراسم الحسينيّة المتنوعة كالتطبير واللّدم واللطم وما شاكل ذلك من الأمور التي تعيد إلى الأذهان واقع المأساة التي عاشها غريب كربلاء (سلام الله عليه) ، فمواكب عاشوراء بكلّ ضجيجها وتوترها وانفعالها هي الوحيدة التي تنقلنا من أجوائنا المعقَّدة والهزيلة إلى جوّ الثورة التي عاشها غريب الطف سيِّد الشهداء (عليه السلام) في صحراء العراق .
  والثورة الحسينيّة بما تملكه من زخم عقيدي عظيم لا يمكن أنْ تزعزعها جهة سياسيّة أو تنظيم اجتماعي ، مهما كانت هذه الجهة وهذا التنظيم يختزنان أفكاراً وتوجهات ، ولا يمكن أن تقف جهةٌ بوجه المدّ الثوري الحسيني ، من هنا خشيها الأعداء والأقرباء الأدعياء ، ولو كانت - هذه الثورة - لبقيّة الأمم لاستدرت منها طاقات تؤهلها للسيطرة على الأرض ، لكنّ الأمّة الإسلاميّة تبخسها حقَّها لهبوط مستوى الوعي لدى قيادتها ، فلا تستفيد منها بالمقدار الممكن الّذي يريده منا أهل البيت (سلام الله عليهم) من خلال إحياء الذكرى .
  فعلى المخلصين من أفراد الأمّة أنْ يصعّدوا درجة الإخلاص إلى مراسم هذه الثورة لعلّ عامّة الأفراد يؤوبون إلى رشدهم يوماً ما ليبنوا كيانهم من جديد ، ولو أنّ الأمّة تغافلت أو تناست ثورة الإمام الحسين عليه السلام أو فرّطَتْ في مراسمه المقدَّسة لحكمت على نفسها ومستقبلها بالموت الرّوحي والنفسي والفكري ، إذ قد تكون قد سدّت على الأجيال الطالعة أغزر مواردها ، ولو استيقظت يوماً من الأيام فلا تقدر على النهوض إذ لا تجد حينئذٍ مقوّمات النهوض والصّمود .
   علينا أنْ نحافظ على مبادئ نهضة الإمام الحسين عليه السلام وامتدادها الحقيقي لكونها أمانة كبرى امتحننا الله تعالى بها ، فكما إنّ أجدادنا وأسلافنا حافَظوا عليها بالأضاحي والقرابين الكثيرة حتى تناقلتها أجيالٌ فأجيال إلى أنْ وصلَتْ إلى جيلنا المنكوس الملغوم ، فيجب على هذا الجيل أنْ يحافظ عليها بكلّ ما أوتي من قوّة ليمكنه أنْ يسلِّمها إلى الأجيال بعده .
   وقد حاول الأعداء أنْ يخرّبوا على مفاهيم ثورة الإمام الحسين عليه السلام بإلقاء الشكوك حولها فلم يفلحوا ، فغيّروا طريقتهم في المحارَبة ، فحاموا حول المراسم لكنهم أيضاً باءوا بالفشل الذريع ، لأنّ حربهم كانت من ندٍّ إلى ندٍّ آخر ، فكانت خسارتهم مضمونة النتائج ، لذا ارتأوا أنْ تكون الحرب هذه المرّة من أجل الصف الشيعي ليحارب الشعائر بدلاً عنهم ، وخير بديل لهم هو أنْ يخترعوا مرجعيات خاصّة بهم أو أحزاب ومنظمات تحقق أهدافهم ، وكان الّذي أرادوا ، فتحركت هذه المرجعيات والقيادات التنظيميّة لضرب مراسم عاشوراء بكلّ مصاديقها وتنوعّها تحت ظلال حجج واهية كبيت العنكبوت .
   لقد اعتقد المخالفون " بأنّ ثورة الإمام الحسين عليه السلام هي الصخرة الوحيدة في سبيل تقدّم الإسلام بل هي القلعة الوحيدة الصامدة التي تمنع انحسار الإسلام وتقدّم الإستعمار ، والأحزاب التي تتلقى الإيحاء والأموال من المستعمرين _ بلا واسطة أو مع واسطة _ لا يمكن أنْ تخالف الإيحاء ما دامت تحاذر أنْ تنقطع عنها الأموال ، وحيث إنّ هذه الأحزاب لا تحارب ثورة الإمام الحسين عليه السلام لعقيدة تناقضها _ كما تفعل الأحزاب الإلحاديّة _ وإنما تحاول تنفيذ إرادة المستعمرين فيها لتقبض عمولتها ، لا تستند في حربها إلى دليل معين ، وإنما تنتهز كلّ حق وباطل لضرب هذه الثورة المقدَّسة،  فمرّة تستدل بالآراء الشاذة لبعض المؤلفين ، بينما هي لا تعترف بأولئك المؤلفين ولا بالمراجع الكبار إلاّ للتستّر بأسمائهم فحسب ، وطوراً تتذرع بأنّ الأعداء يضحكون منا ، فيما هي لا تحذر أن يضحك منها الأعداء والأصدقاء عندما جعلت من نفسها أصابع طيعة للإستعمار . . .!.
    إنّ موقفنا من الشعائر الحسينيّة يتركز على قاعدة فكريّة وطيدة ، ليس لنا الإنحراف عنها ، وإنْ تظاهرتْ قوى العالَم ضدّها ، وهل نكفّ ضحك الأعداء علينا بالتخلي عن واقعنا أو بإستعراض فضائحهم حتى ينكمشوا على مخازيهم ولا يتطاولوا على مقدّساتنا ؟ وهل لنا أنْ نأخذ بما يريده الأعداء أو بما يمليه علينا واقعنا ؟ ثمّ هـل الأعداء أقـوى تنكيراً أم أبطـال الإسلام من العلماء الواقفين على الثغر الذي يلي إبليس وجنوده ؟ ولماذا يضطرب موقفنا بمجرّد ضحك الأعداء ؟ وإذا كانت ثقتنا بالأعداء أكبر من ثقتنا بأئمتنا الطاهرين عليهم السلام فعلينا إذن أنْ ننبذ الإسلام كلّه ، ونعتنق مبادئ الأعداء ؟ ! ! وإنْ كنا نؤمن بأئمتنا المطهرين عليهم السلام أكثر من أعدائنا فلماذا نتبع أفعال أعدائنا ؟ ولماذا لا نتمسّك بتعاليم أئمتنا المطهرين عليهم السلام ؟ ؛ علينا أنْ نعلَم أنّ الأعداء يتربّصون بنا فيشجعون التوافه ويضحكون على العظائم حتى نترك العظائم ونعيش التوافه ، والأعداء عندما يضحكون من شيء فإنما يضحكون بعقولهم لا بعواطفهم ، فلا يضحكون أبداً على نقاط الضعف لأنهم لا يخافون منها ، وإنما يضحكون دائماً على نقاط القوّة لأنهم يهابونها ، فيحاولون القضاء عليها،  فعلينا متى أردنا السيادة أنْ نستلهم واقعنا بنظرة مستقلة تعي مكاسبها وخسائرها ، ولا تلتفت مطلقاً إلى ما يفعله الأعداء "  .
     ثمة فئةٌ في وسط مجتمعنا الشيعي، لها خلفيات عامية ، تسعى دائماً لتحطيم القيم الدينية والثوابت التاريخية تحت شعارات برّاقة ينخدع بها جيل اليوم ، وتحت ظلّ هذه الشعارات يسهل التربّع على سدّة القيادة والمرجعيّة التي اصطنعوها لأنفسهم لإحداث تغيير جذريٍّ في الأمّة بتغيير مفاهيمها وعقائدها إلى مفاهيم وعقائد غريبة عن التشيع ، بل هي في الواقع مفاهيم أشعريّة تطمح إلى إنشاء حكومة قوميّة ، ترفع شعار الإسلام بيدٍ ، والمنجل بيدٍ أخرى لتحصد كلّ مخالفٍ لها أو مشاكسٍ لتوجهاتها .
   إنّ علينا إزاء المواقف المتشنجة على المراسم العاشورائيّة ومفاهيمنا الدينية واجب الصمود المرتكز على الولاء الحقيقي لأهل بيت العصمة عليهم السلام ، مع التأكيد على عنصر البرائة من أعدائهم لعنهم الله تعالى .
   ولا يفوتنا أنْ نعلَم أنّ رضا الله تعالى لا يكون إلاّ بمقدار تعلقنا بآل البيت عليهم السلام والذود عنهم ، وإنّ تحريم شيء لأجل إرضاء الغير مهزلة وحرام ، وأنّ مَن قدّم رضا المخلوق على سخط الخالق هو ملعون .
وعليه فمَن تصوّر أنّ التطبير حرام لأجل أنه سبب لتوهين المذهب وإساءةً لسمعته مخطئ ومقصِّر في البحث والتنقيب ، ويجب أنْ يراجع تصوراته التي بنى عليها دليله على الحرمة ، فإنّ الإعتراف بالخطأ فضيلة ، والإنصياع للحق مكرمة ، لأنّ مَن زهد بالحق ، زواه الله تعالى عن الجنة فأدخله النار وبئس القرار .
 
حررها العبد الفاني
محمَّد جميل حمُّود العاملي
بيروت، بتاريخ 5 ربيع الثاني 1437 هجري.
 
استعراض الأسئلة والإجابة عليها:
 
1. ما رأي سماحة المرجع في عزاء الشور؟ وهو العزاء الايراني الذي يكون فيه ترديد لإسم الإمام الحسين عليه السلام بطريقة سريعة (حسين حسين حسين حسين)؟ .
 
بسمه تعالى
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
   الشور نوعٌ من العزاء الإيراني المستحدث، وهو ذو أصناف متعددة، منها جائز، ومنها محرَّم بسبب طروء الحرام عليه كما سوف نشير إليه؛ والشور في لغة الفرس تعني التالي: الضجة / الصراخ/ الهيجان/ الفتنة/ الفساد/ لحن موسيقي إيراني متداول كما أفاد بذلك الدكتور محمد التونجي صاحب قاموس (فرهنك طلائي).
    ولا ريب في أن عزاء الشور في بعض مصاديقه التي تقام في المجتمع الشيعي في إيران والعراق جائزٌ شرعاً باعتباره مذكِّراً بمصائب سيّد الشهداء عليه السلام نظير ما كان يجري في مجالس الشهيد المظلوم السيّد جواد ذاكر الموسوي (أعلى الله مقامه) ذاك الناصر والعاشق للمولى سيّد الشهداء وأهل بيت العصمة والطهارة (سلام الله عليهم) ، فقد كان (رحمه الله) أول من اخترع عزاء الشور بالكيفية الحزينة الخالية من المخالفات الشرعية، بل كانت مِنْ أروع مجالس العزاء في إحياء مصائب سيّد الشهداء عليه السلام ولا زالت هي الرائدة في هذا المجال.. ونحن ممن يصغي إلى عزائه بحزنٍ وبكاء؛ ولكن بعد موته (رحمه الله) انتشرت مجالس عزاء الشور بشكلٍ مغاير لما أجاد به لسان ذاك العاشق السيِّد جواد ذاكر( أعلى الله مقامه)، وقد أقحم المقصّرون في عزاء الشور بعض المخالفات الشرعية كالإيقاع الموسيقي والرقص على نسق أغنية الراب الأميريكية التي يرافقها الرقص وتقطيع الكلمات، وهي تستهوي فقهاء ضالين ابتدعوا حلية الموسيقى حتى أدخلوها إلى قراءة القرآن الكريم كما هو حاصل في مقدمة فيلم يوسف الصدّيق عليه السلام وغيره من البرامج الدينية في القنوات الفضائية في الحاضرة الشيعية، لذا يتوجب على المؤمنين أخذ الحيطة والحذر من كل ما يجري على ساحتنا الشيعية باسم التشيع والمراسم الدينية، وقد جاء في أخبارنا الشريفة بأن المسلمين في آخر الزمان يستحلون الموسيقى والتغني بآيات القرآن الكريم ، فضلاً عن إدخال الموسيقى في تلاوة الأدعية والزيارات وقراءة العزاء....وعزاء الشور في بعض المحافل لا يخلو من إشكال ونظر، لذا لا نحكم على عامة محافل عزاء الشور بالحرمة والمخالفة الشرعية، فقد اختلط الحابل بالنابل، فمنها جائز ومنها محرّم، لذا سنعطي المكلّفَ ضابطةً وقاعدة شرعية يميِّز بها الجائز من المحرَّم في عزاء الشور، فعزاء الشور جائزٌ شرعاً ضمن الشروط الأربعة الآتية: 
   (الشرط الأول): أن لا يرافقَ عزاء الشور تلحينٌ موسيقي باللسان، ونعني به: ترديد وترجيح الصوت في الحنجرة بنحوٍ مطربٍ على نسق ما هو رائج عند أهل الفسق والفجور من أهل الغناء لا سيَّما في ترديدهم لكلمة(حوسي) يقصدون بها الإمام الحسين (سلام الله عليه) .
   (الشرط الثاني): أن لا يرافقه استخدام المؤثرات الصوتية الموسيقية باللسان، أو بآلات موسيقية، سواءٌ أكانت آلاتٍ متعارَفٍ عليها بين أهل الفسوق أو لم يكن متعارفاً عليها بينهم، ذلك لأن استعمال آلات الموسيقى في العزاء الحسيني فضلاً عن أنه حرام شرعاً، فإنه خلاف كونه عزاءً على سيِّد الشهداء الإمام المعظَّم الحسين المظلوم (سلام الله عليه) .
  (الشرط الثالث): أنْ لا يرافقه إيقاع موسيقي من خلال ترديد كلمة ( حسين) التي يبترون منها حرف النون لأجل إنجاح الإيقاع الموسيقي، وهذا الشيء فيه إشكال ، فلا بدَّ من التلفظ باسم الإمام كاملاً غير منقوصٍ، لأن اسمه الشريف كامل يعكس عن كمال روحه الطاهرة...فبتر النون من اسمه الشريف يجرُّ في المستقبل إلى بتر حروف من أسماء أهل البيت عليهم السلام في عزاء الشور، فغداً يطلُّ علينا من يكرر اسمَ الصدّيقة الكبرى مولاتنا فاطمة الزهراء عليها السلام هكذا:( طم.طم...طم  ) وهكذا عند ذكر اسم مولانا الفاروق الأعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهما السلام كالتالي:( ألي...ألي ...ألي) أو ( لي...لي ..لي..) وفي ذلك تحريفٌ للأسماء الشريفة وتلاعبٌ بمضامينها واستخفاف بها وهتك لصاحبها ، فبتر أسمائهم المقدّسة منقصة وهتك ، لا يجوز للراواديد الأعزاء الدخول في مسالكها صوناً للأسماء المقدَّسة عن اللغوية في فهم معانيها الشريفة.
  (الشرط الرابع): أن لا يشتمل عزاء الشور على الرقص المتداول في رقصة أغنية الراب الأميريكية والتي تشبه إلى حدٍّ كبير بحلقات الرقص الصوفية المتداولة في أندية الفرق المبتدعة الصوفية.
  والله تعالى هو الموفق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، والسلام.
 
 
2.  ما رأي المرجع في عزاء تشبيه الأسد؟ هل يجوز القيام به؟
 
بسمه تعالى
الجواب: لا إشكال في عزاء تشبيه الأسد باعتباره أحد المشاهد التصويرية لتحريك المشاعر والعواطف والأحزان والأشجان لدر الدمع على مصاب سيّد الشهداء (سلام الله عليه)، وقد ذكرالمؤرخون من محدثي الشيعة (رحمهم الله تعالى) قصةَ الأسد بألفاظٍ واحدة كالكليني في الكافي والمجلسي في كتابيه: البحار ومرآة العقول، والدربندي في إكسير العبادات، وذكرها المخالفون بتفاوت في ألفاظها تختلف بمضمونها عما رواه محدثونا الأبرار إلا أن هناك نقطة اشتراك بين النقلين وهي تسخير الأسد  لصحابي يُدعى (سفينة ويكنّى بأبي ريحانة) كان مولىً لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان التسخير لإغاثة ونجدة سفينة مولى رسول الله كرامةً للنبي (صلى الله عليه وآله)، وقد تملك الأسدَ شعورٌ بالحزن والبكاء...وما رواه المخالفون حُجَّةً عليهم في صحة التوسل وأن المخلوقات كلّها مسخرة للنبيِّ وآله بإذن الله تعالى بما لهم (سلام الله عليهم) من الولاية التكوينية المطلقة؛ كما أن القصة المروية من طريق أهل البيت عليهم السلام تدل على أن للحيوانات شعوراً وأن بعضهم يحبّون أهل البيت عليهم السلام ويعرفونهم، وقد جاء في الاخبار الشريفة تصنيف الحيوانات إلى قسمين: (أحدهما): محب للنبي وآله كالهدهد والخطاف والقبّرة والبومة...، و(ثانيهما): مبغض لهم: كالحية والعقرب والوزغ والعصفور، فالوزغ من محبي بني أمية،بينما العصفور من موالي عمر بحسب ما جاء في خبر محمد بن مسلم عن الإمام أبي جعفر عليه السلام كما في البحار ج 61 ص 303 ح 6.
  وبالجملة: إن جواز إقامة عزاء الأسد في الأيام الحسينية (على صاحبها آلاف السلام والتحية) مشروط بأن تكون النية من عزاء الأسد هو ما ورد في القصة التي رواها المحدّث الكليني ولا يجوز أن تكون النية من عزاء الأسد أن أمير المؤمنين مولانا الإمام عليَّ بن أبي طالب(صلى الله عليه وآله) جعله الله في قالب حيوان هو الأسد، وذلك لأن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أجلُّ وأعظم من أن تكون روحه في قالب حيوان هو الأسد، فإن الإعتقادَ بذلك افتراءٌ على مولى الثقلين عليه السلام وهو قول لا يستند على دليل فضلاً عن خبرِ معتبر...بل لا يوجد في مصادرنا خبرٌ واحدٌ ضعيفٌ يدل على أن الأسد كان أمير المؤمنين عليّاً (سلام الله عليه)؛ وهي دعوى لبعض الجهال من القراء الذين روّجوا قصة الأسد عن جهلٍ بمقامات أهل البيت عليهم السلام أو عن قصور وتقصير في التتبع والتنقيب والسؤال من أهل الذكر من أعلام العقيدة، وادّعوا بأنه كان أسداً ظاهراً ولكنَّ روحه في الواقع كانت هي لأمير المؤمنين عليّ(سلام الله عليه) وهي نسبة غير صحيحة وملفقة على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) فهو وإن كان " الأسد " من ألقابه الشريفة حيث إنه أسد الله الغالب إلا أنه مجاز يدل على قوة جنانه وشدة بطشه على الظالمين، فالتعدي من المجاز إلى الحقيقة الحيوانية للأسد بنسبتها إليه (صلوات الله عليه) ليس عليها دليلٌ يؤيدها بل العكس هو الصحيح باعتبار أن الروح الطاهرة لأمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله لا تستكِّن في داخل هيكلٍ أسدي معروف برائحة فمه الكريهة وشراسته على الضعفاء من صغار الحيوانات، وبالتالي لا يمكننا الجزم بكون الأسد الذي حرس الجثمان الطاهر للإمام أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) هو أسد الله الغالب مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، والصحيح في القصة هو ما جاء في أصول الكافي ج 1 ص 465 كتاب الحجة ح 8 مولد الإمام الحسين عليه السلام بسندٍ ضعيف إلا أن الدلالة معمول بها عندنا نحن الإمامية باعتبارها مندرجة في باب المعجزات الخاصة بإمامنا المعظم سيِّد الشهداء (أرواحنا فداه وعليه السلام).
  وحاصل القصة: أن فضة رضي الله عنها وأرضاها طلبت من مولاتنا الحوراء زينب (سلام الله عليها) بأن تسمح لها بأن تدعو الأسد الذي خلّص مولى رسول الله صلى الله عليه وآله (ويكنى بأبي ريحانة) لمَّا كسرت به سفينته فهجم عليه الأسد فصاح بوجهه قائلاً له: أنا مولى رسول الله فهمهم بين يديه حتى دله على الطريق...وإليكم القصة من أصول الكافي بعين ألفاظها هي التالي:الكليني بإسناده عن الحسين بن محمد قال:عن أبي كريب وأبي سعيد الأشج عن عبد اللَّه بن إدريس عن أبيه إدريس بن عبد اللَّه الأزدي [ الأودي ] قال : « لما قتل الحسين بن علي عليه السّلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل فقالت فضة لزينب يا سيدتي إن سفينة كسر به في البحر - فخرج إلى جزيرة فإذا هو بأسد فقال يا أبا الحارث أنا مولى رسول اللَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق والأسد رابض في ناحية فدعيني أمضى إليه فأعلمه ما هم صانعون غداً قال فمضت إليه فقالت: يا أبا الحارث ! فرفع رأسه فقالت له: أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبد اللَّه عليه السّلام يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره، قال: فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين عليه السّلام فأقبلت الخيل فلمَّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعد لعنه اللَّه فتنة لا تثيروها انصرفوا فانصرفوا ».
   القصة المتقدمة، ندخلها في باب الكرامات والمعاجز الخاصة بأهل البيت عليهم السلام ولا يهم ضعفها السندي، وذلك لأن التشدد بالناحية السندية غير معتبر في باب الكرامات والمعاجز ما دامت دلالة القصة متوافقة مع قانون المعجزة...والمعتبر في التشدد السندي إنما هو في باب الأحكام الشرعية على بعض المباني الأصولية مع أن هناك مسلكاً آخر يعتقد بالحجية للخبر الموثوق الصدور في أخبار الفروع الفقهية، والمشهور بين الأعلام هو الأخذ بالخبر الموثوق الصدور وهو الأقوى عندنا،  والجميع متفقون على عدم التشدد في أخبار التاريخ والكرامات والمعاجز والأدعية وما شابه ذلك..ومن هذا القبيل قصة الأسد الحارس للجسم المطهر للإمام سيّد الشهداء عليه السلام،  ودعوى المحشي على بحار الأنوار ج 45 ص 169 ـ 170 هامش رقم واحد بأن:[ القصة مخالفة لضرورة التاريخ من جهات شتى ] مجافية للحقيقة والحق، وذلك لأن ما جرى في ليلة الحادي عشر من معاجز وكرامات بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام لا يمكن للعقول الضعيفة أن تؤمن بها وتعتقد بمضمونها، ونفي المحشي موافقٌ لاعتقاد البتريين الذين لا يؤمنون بالمعاجز والكرامات لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام.... فلا عجب أن تبكي الحيوانات والبحار والأشجار والحجر والمدر على مصائب آل محمد عليهم السلام..كما لا عجب في أن يبكي الأسد الحيوان على سيّد الشهداء عليه السلام ويحرس جسده الطاهر من خيول الأعداء، للتدليل على عظمة الإمام الحسين (سلام الله عليه) وكأن الأسد أراد أن يري الظالمين بأن من قتلوه، له منزلة عند الله تعالى تماماً كمطر السماء دماً واسوداد الكون حزناً على الإمام عليه السلام بعد فصل رأسه الشريف... 
  زبدة المخض: إن إقامة عزاء الأسد مما لا غبار عليه لأنه يثير الأحزان والأشجان على المظلوم في كربلاء إلى يومنا هذا، فلعن الله قاتليه وظالميه من الأولين والآخرين بمحمدٍ وآله الطاهرين عليهم السلام، والحمد لله رب العالمين.  
 
 
3.  ما رأي المرجع في التطيين؟ أي يقوم بعض المؤمنين بوضع التراب على وجوههم وملابسهم؟
 
بسمه تعالى
 الجواب:
  معنى التطيين هو: تلطيخ المؤمنين الطيبين (رضي الله عنهم ) لوجوههم  أو لرؤوسهم وأيديهم بالطين حزناً على سيِّد الشهداء الإمام المظلوم أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) وهو مما لا ريب في رجحانه وصحته، باعتباره من مظاهر الحزن والتفجع على مصاب سيِّدنا المعظَّم الإمام الحسين المظلوم (سلام الله عليه) ، والظاهر لنا من الأدلة كونه من المستحبات في أيام الحزن والبكاء على سيّد الشهداء (سلام الله عليه) باعتباره مصداقاً من مصاديق المفهوم العام للشعائر الحسينيَّة المقدَّسة ( على صاحبها آلاف السلام والتحية) الدالة على إحياء المصاب العظيم والرزء الكبير، وتذكيراً بما أصاب ذاك الإمام الهمام عليه السلام وتفجعاً على ما دهاه في صحراء كربلاء وما جرى من العظائم على أهل بيته وعياله في يوم عاشوراء وما تلاه من الأيام على تلك العترة الطاهرة لا سيَّما ما جرى على عقيلة الهاشميين الصدّيقة الكبرى الحوراء زينب(سلام الله عليها) وبقية أخواتها ومن معهنّ من الفاطميات الجليلات...فما يفعله المؤمنون الموالون الطاهرون رضي الله عنهم من تطيينهم لوجوههم ومحاسن أعضائهم، يُرضي الربَّ شريطة الإخلاص في نيَّة التقرب إلى الله تعالى والتعزية لنبيّه الكريم وأهل بيته الطيبين سلام الله عليهم أجمعين ، فالمطيّنون لوجوههم الكريمة بالطين لا يريدون به الشهرة والعلو والإستكبار ولا يبتغون أشراً ولا بطراً ولا فساداً ولا ظلماً، وإنَّما يبتغون إظهار الفجيعة والحزن على سيِّد الشهداء وأهل بيته الأطهار (سلام الله عليهم) عندما سفتِ الرياحُ تراباً على وجوههم الطاهرة يوم العاشر من محرَّم وخلال مسيرة إمامنا المظلوم زين العابدين (سلام الله عليه) ومعه السبايا الطاهرات (عليهنَّ السلام)... والأراجيف والهرطقات التي نفثها - ولا يزال ينفثها - عليهم معممون  لا حريجة لها في الدين ولا مانع لهم من أمر الله ونهيه، إنْ دلت على شيء فإنما تدل على إفلاسهم الإيماني والمعرفي، فضلاً عن جهلهم بطرق الاستدلال الفقهي ، ولا يملكون دليلاً واحداً على الحرمة التي ادَّعوها كغيرها من الدعاوى التي ادّعوها على حرمة بقية الشعائر الحسينية المقدَّسة، وقد فندنا دعاويهم برمتها في بحوثنا الفقهية المتعددة حول الشعائر الحسينية لا سيما كتابنا الجليل الموسوم بـ (ردّ الهجوم عن شعائر الإمام الحسين المظلوم عليه السلام).
    وهي دعاوى مبنيَّة على الأقيسة والاستحسانات العقليَّة كالتظني والعمل بالرأي المنهي عنهما في الكتاب الكريم والأخبار المقدَّسة، وأصحاب هذه الدعاوى معروفون في الوسط العلمي الشيعي بتوجهاتهم العاميَّة ومشاربهم الوحدويَّة القائمة على تمييع الفوارق الدينيَّة وتذويب الخلافات المذهبية المبثوثة في أبواب الفقه والعقيدة والتاريخ.
     إن تطيين المؤمن لوجهه وثيابه حداداً على سيِّد الشهداء الإمام الحسين المظلوم (صلوات الله عليه) مستحبٌ شرعاً باعتباره أحد مصاديق إظهار الحزن والجزع على مولانا الإمام الحسين (سلام الله عليه) المدلول عليهما في الأخبار الشريفة الآمرة بالجزع والبكاء على المظلوم في كربلاء.
    ولا ريب في أن التطيين من الشعائر الحسينيَّة المقدّسة كغيره من الشعائر الحسينيَّة المقدّسة التي ليس على إثباتها نصٌّ خاصٌ يأمر بالتطيين في عاشوراء كأن يقول: طينوا وجوهكم ورؤوسكم وثيابكم يوم عاشوراء... كما ليس هناك نصٌّ خاصٌّ يأمر بالتطبير وضرب الزنجيل والسلاسل وغيرها من الشعائر الحديثة في يوم عاشوراء الحزينة،كأن يقول: ( طبروا رؤوسكم واضربوا بالزنجيل...) بل الدال عليها هو العمومات والإطلاقات من الكتاب الكريم والسنَّة الشريفة والسيرة العلمائيَّة بين الأعلام المتأخرين، وكذا السيرة العمليَّة الرائجة لدى المتدينين العاشقين لمولانا سيّد الشهداء الإمام الحسين بن أمير المؤمنين عليهما السلام، وذلك لأن الشارع المقدَّس ترك أُسلوب وطريقة إقامة الشعائر الحسينيَّة المقدَّسة إلى المؤمن بما يمكنه ويراه مناسباً في إحياء مراسم عاشوراء... 
  إن الأدلة الشرعيَّة على استحباب التطيين حزناً على الإمام المظلوم غريب كربلاء (سلام الله عليه) متعددة الوجوه، ونلخّصها بثلاثة أُمور هي التالي:
 (الأمر الأول): إن شعيرة التطيين كغيرها من الشعائر الحسينية المقدَّسة تدل على التذكير بالإمام الحسين عليه السلام وبما جرى عليه صلوات الله عليه وآله من ظلامات يكاد الصخر الأصم يتفطَّر منها، وهي أيام ليس لها نظير في عالم المصائب والأحزان والتضحيات الجسام، والتذكير بها واجبٌ شرعاً وعقلاً في كلِّ حال وزمان ومكان، والتطيين يعتبر مستحباً شرعاً باعتباره من أبرز مصاديق إظهار الحزن على سيِّد الشهداء (سلام الله عليه) بمقتضى النصوص الشرعية الآمرة بإحياء الحزن والتذكير بالمصاب في كلِّ عام، ووسائل التذكير كثيرة، نصَّ الشارع المقدَّس على بعضٍ منها، وترك للمكلّفين الحريَّة في اختيار الوسائل الأُخرى للتذكير بتلك الفادحة الكبرى والمصيبة العظمى كالتطبير والتطيين والضرب بالسلاسل والزناجيل وغيرها مما قد يستحدثه الموالون ضمن حدود الشرع المبين.
 (الأمر الثاني): لا ريب في أن التطيينَ وسيلةٌ من وسائل التعبير عن الحزن والجزع على الإمام الحسين عليه السلام وعلى ما دهاه من مصائب عظام...بل هو من أبرز مصاديق المواساة مع الإمام سيّد الشهداء عليه السلام الذي غطَّى الترابُ جَسَدَهُ الطاهر وغمر رأسَهُ الشريف وشيبتَه المباركة على صحراء كربلاء ، كما أنه مواساة للعقيلة الحوراء زينب سلام الله عليها ولأخواتها اللاتي علاهنَّ التراب يوم فررن من خيامهنَّ إلى الصحراء خوفاً من الأعداء لمَّا هجموا عليهنَّ وأحرقوا خيامهنَّ قبل غروب يوم عاشور الحزين.
  والفرق بين الأمر الأول والثاني: هو أن الأول يعتبرُ نوعاً من التذكير به وبما جرى عليه، والثاني هو مواساة وبكاء وحزن عليه وعلى ما أصابه وعياله في ذلك اليوم الذي توشحت فيه السماءُ  لباسَ الحزن والأسى على فراق مَنْ له حقٌّ عليها في الوجود، إذ لولاه وآباؤه وأبناؤه وأخواته وإخوانه لما خلق الله تعالى الشمس والقمر والنجوم ولا العرش والفرش... فالمؤمن يذكّر الآخرين بالمظلوم عليه السلام وما جرى عليه من فوادح عظام، ثم يبكي عليه ويحزن على فراقه وعلى ما حلَّ به. 
 (الأمر الثالث): إن التطيين عند عامة الشرفاء المطينين لوجوههم (رضي الله عنهم) كغيره من الشعائر الحسينية المقدّسة كالتطبير مثلاً، لا يشتمل على محرَّم ولا يستلزم محرَّماً، ولو فُرِضَ - وفَرْضُ المحالِ ليس محالاً - اشتماله على محرَّمٍ أو استلزم محرَّماً كالإضرار البالغ بالنفس عمداً أو الإضرار بغيره، نظير ما لو طبّر لأجل أن يقتل نفسه أو يقتل غيره، وهذا أمر لم يحصل أبداً في الوسط الشعائري، والتطيين يختلف عن التطبير من حيث المقدِّمات والنتائج، إذ ليس في التطيين ضربٌ على الرؤوس بالسيف لكي يحرَّم  لأن فيه مظنة الضرر على النفس والآخرين، فليس في التطيين إضرار بالنفس أو بالآخرين، ولو فرضنا استلزام التطيين للحرام، فإنه كالتطبير عرضيٌّ خاصٌ به ومقيّدٌ بفاعله وهو شاذٌ عن القاعدة العامة، فلا يجوزُ تعميمُ تحريمه على جميع المؤمنين المقيمين لشعيرة التطيين وغيرها من الشعائر كالتطبير والمشي على الجمر والشوك، وذلك لأن الأحكام لا تُبنى على الأفراد الشواذ عن القاعدة العامة أو النوع الذي لم يتضرر بموضوع ترتب عليه حكم شرعيّ، فمن حَرُمَ عليه أكلُ العسلِ لأنه تضرر به لا يجوز تعميم حرمته على الأصحاء ممن لا يتضرر به.
  (الأمر الرابع): هناك أخبارٌ تشير بالإجمال إلى صحة التطيين غير الإختياري الذي يصيب الزائر خلال زيارته للإمام الحسين (عليه السلام) مشياً على الأقدام، وهي أخبارٌ مادحةٌ لمن زاره أشعثاً أغبراً، وإذا ما كان ممدوحاً مع كونه غير مطلوبٍ بالإختيار، فلا ريب في كونه ممدوحاً حال الإختيار، فيطيِّن المؤمنُ محاسنَ وجهه ابتغاء رضوان الله وحزناً على سيِّد الشهداء عليه السلام، وإن كنا نميل إلى أن الظاهر من تلكم الأخبار الشريفة هو اختيارية التطيين خلال زيارة سيِّد الشهداء (عليه السلام)، حسبما جاء في خبر كرام بن عمرو قال: قال أبو عبد الله عليه السلام :" إذا أردت قبر الحسين عليه السلام فزره وأنت كئيب حزين شعثٌ مغبَّرٌ، فإن الحسين عليه السلام قُتِل وهو كئيب حزين شعثٌ مغبّرٌ جائعٌ عطشانٌ".
 وفي صحيحة المفضل بن عمر، قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : تزورون خير من أن لا تزورون ولا تزورون خير من أن تزورون،  قال: قلت: قطعت ظهري ، قال : تالله ان أحدكم ليذهب إلى قبر أبيه كئيبا حزينا، وتأتونه أنتم بالسُفَر ، كلا حتى تأتونه شعثاً غبراً ".
     معنى الخبر: أنَّه لا بدَّ أن تأتوه مكروبين محزونين وعلى وجوهكم آثار الذلة والمسكنة والحزن والكآبة، وتهجرون لذيذ الطعام والشراب والتعطر وهو ما عبّرت عنه الرواية الشريفة بالأشعث أي بعيد العهد عن العطور والزينة كما تأتون أمواتكم شعثاً غبراً...والأغبر هو الملطّخ بالغبار، والغبراء هي الأرض المغبرة لونها أو لما فيها من الغبار، والغبار هو دقيق التراب، ولا فرق في التلطيخ بين أن يكون بغير اختيار بسبب المشي للزيارة، وبين ما كان على وجه القصد للتلطيخ بالغبار أو الطين، فيعمد الزائر الموالي إلى تلطيخ وجهه ورأسه وسائر ثيابه بالطين أو التراب تأسياً بما جرى على أولئك الأطهار عليهم السلام من الأجسام السليبة وعياله الحافيات الحاسرات الملطخات بالتراب في مسيرة السبي وقبلها... فمن زاره ملطّخاً نفسه متعمداً في ذلك أو تلطخت نفسه بغير قصد بغبار الأرض، كان بذلك مرضياً عند الله تعالى والحجج الطاهرين (سلام الله عليهم) لأنه أكرب نفسه وأدخل الذلَّ عليها أمام الناس لأجل مولاه الذي لولاه لما استقام الوجود، فضلاً عن الإسلام والإيمان، فلأجله تهون كلّ داهية وتُستهان له كلّ مصيبة ورزيَّة...
   (الأمر الخامس): إنَّ التطيين حزناً على سيِّد الشهداء (أرواحنا فداه) نظير حزن نساء الكوفة لمّا خطبت فيهنَّ مولاتنا الحوراء زينب عليها السلام فبكين وحثَيْنَ التّراب على رؤوسهِنَّ وخمشْنَ وجوههن ولطمْنَ خدودهن، ونظير حزن صعصة بن صوحان على فراق أمير المؤمنين مولانا علي بن أبي طالب (عليهما السلام) بحَثْي التراب على رأسه لمّا وقف حزيناً باكياً ولهاناً بالفراق على قبر ذاك الإمام الهمام عليه السلام كما ورد في مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي رحمه الله في أعمال مسجد السهلة،  أنه لما لحّد أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقف صعصعة على القبر وأخذ كفاً من التراب فأهاله على رأسه وقال : بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هنيئا لك يا أبا الحسن ( عليه السلام ) فلقد طاب مولدك وقوي صبرك وعظم جهادك وبلغت ما أمّلت وربحت تجارتك ومضيت إلى ربّك ، ونطق بكثير من مثلها وبكى بكاءً شديداً وأبكى كلّ من كان معه ".
    وصعصعة بن صوحان (رضي الله عنه) كان عالماً جليلاً ومن خيرة تلامذة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن حملة أسراره، وكان ايضاً من أصحاب الإمامين الحسنين (سلام الله عليهما)، وما فعله من حثو التراب على رأسه المبارك كان بمرأى منهما ومسمع، ولو كان حراماً أو بدعةً لكان على الإمامين الحسنين(عليهما السلام) نهيه وردعه عنه، وحيث لم يرد منهما نهيٌّ عما فعله، دلَّ ذلك على تقريرهما للفعل المذكور، وأنَّه فعل مستحب ومطلوب شرعاً وعقلاً، وليس استحبابه متعيناً بالحزن على فقدان أمير المؤمنين وإمام المتقين عليّ (سلام الله عليه) فحسب، بل استحبابه عام يشمل بقية أهل بيت العصمة والطهارة(سلام الله عليهم).
 وإذا جاز لنسوة الكوفة حثو التراب على رؤوسهنَّ كما جاز لصعصة حثو التراب على رأسه جاز حينئذٍ لغيره من المؤمنين الإقتداء به في يوم شهادة أمير المؤمنين وفي يوم شهادة سيّدة نساء العالمين وأهل بيتهما الطاهرين(سلام الله عليهم أجمعين) من حيثية الإشتراك في العِلَّة.
  وعلى فرض كان التطيين حزناً على الإمام المظلوم عليه السلام مذلةً للمؤمن - كما يتخيّل بعض المخبولين من المعممين في الحوزات العلمية المنتسبين إلى التشيع الحقّ - فلتكن هذه المذلة حباً له، وهو ما أمرت به الأخبار الشريفة كما في الخبر المتقدم " كلا حتى تأتونه شعثاً غبراً "؛ وفي رواية كرام بن عمرو" فزره وأنت كئيب حزين شعثٌ مغبَّرٌ، فإن الحسين عليه السلام قُتِل وهو كئيب حزين شعثٌ مغبّرٌ جائعٌ عطشانٌ "؛ وورد في بعضها استحباب أن يعلّق الزائر نعليه في عنقه ويمشي حافياً ذليلاً كما في صحيحة جابر المكفوف عن أبي الصامت قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أتى قبر الحسين ( عليه السلام ) ماشيا كتب الله له بكل خطوة الف حسنة ومحا عنه الف سيئة ورفع له ألف درجة، فإذا أتيت الفرات فاغتسل وعلِّق نعليك وامش حافياً، وامش مشي العبد الذليل ، فإذا  أتيت باب الحائر فكبر أربعاً ، ثم امش قليلا ثم كبر أربعاً ، ثم ائت رأسه فقف عليه فكبر أربعا وصل عنده ، واسأل الله حاجتك ". فإتيان قبره الشريف منكسر النفس، متواضعاً ذليلاً، رافضاً لأنانية ذاته، مطلوبٌ شرعاً وعقلاً...
 بالإضافة إلى ذلك: إن الإذلال المحرَّم إنَّما هو إذلال المؤمن نفسه للغير من أجل حطام الدنيا، وأمَّا إذا كان لأجل الآخرة كالبكاء والعويل والصراخ والجزع على سيّد الآخرة فلا مانع منه ولا يعدُّ إذلالاً محرَّماً بإجماع النصوص وسيرة المتدينين الموالين وكلمات الأعلام من الطائفة المحقة، فالإذلال مطلقاً ليس محرَّماً، بل المحرَّم هو أحد مراتبه وهو ارتكاب الحرام أو أن يضعها في غير المواضع التي نهى الشارع عنها، وما دون ذلك فلا يعدُّ الإذلال محرَّماً حتى في أدنى مراتبه الدنيوية لأجل حظوظ النفس نظير إذلال المؤمن نفسه لزوجته لأجل نكاحها أو إذلال المؤمنة نفسها لزوجها للغاية نفسها، فإنه مطلوب شرعاً وعقلاً ومع هذا كلّه لم تنهَ النصوص عن التزاوج والمناكحة، بالرغم من كونهما- أي الزوجين - ذليلين لشهوتيهما، ولكنَّ الشارع المقدَّس أباح لهما ذلك لتفريغ الشهوة وإبقاء النسل والحفاظ على الفطرة..... وكذلك إذلال المؤمن نفسه في سبيل التعلّم والتفقه في الدين أو تعلّم الصناعات والحرف من الكافرين والفاسقين وغيرهم، فإنه إذلال لهم لكنه مطلوب لرفع المستوى المعيشي والتعليمي لدى الفرد المؤمن، فلم يرد نهيٌّ عنه في النصوص القرآنية والنبوية والوَلَويّة، ولم يفتِ أحدٌ من أعلام الإمامية قاطبةً بحرمة إذلال المتعلم للمعلم...فاعتبروا يا أولي الالباب لعلَّكم تهتدون. 
 فكلُّ شيء يهون أمام ذوات أهل بيت العصمة والطهارة (سلام الله عليهم)، وهو عربونُ وفاءٍ ومحبة لهم وبالأخص للإمام سيِّد الشهداء (سلام الله عليه) لما قدّمه ذاك الإمام الهمام (روحي فداه) من تضحياتٍ عظام لم يسبقه إليها سابق ولن يلحقه لاحقٌ، فلا يعوَّل على أولئك المهرجين والمهرطقين من جنود إبليس ممن تزيوا بزيِّ العلم والدين.... وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 
 
 
4.  بعض المؤمنين يقومون في ليلة شهادة السيدة رقية عليها السلام بإحضار شوك والمشي عليه مواساة لها؟ فما حكم هذا العزاء؟
 
بسمه تعالى
الجواب: لا مانع شرعاً من المشي على الشوك لمن يرغب فيه، وذلك للوجوه الآتية:
   (الوجه الأول): تأسياً واقتداءاً بما جرى على سيِّد الشهداء مولانا الإمام الحسين (سلام الله عليه)  من المصائب والآلام بفعل الجراحات التي ألمَّت به بواسطة السهام والطعنات التي تلقاها بجسمه الشريف، فقد أحصاها أرباب المقاتل بألف وتسعمائة جراحة، وقيل وجِدَ في جسمه الشريف أربعة آلاف جراحة سهم ومائة وثمانين طعنة رمح وضربة سيف؛ وكانت السهام في جسمه الشريف ودرعه المبارك كالشوك في جلد القنفذ، وكانت الطعنة فوق الطعنة والضربة فوق الضربة؛ وفي رواية الشيخ المفيد في الإرشاد: " أن شمراً (لعنه الله تعالى) أمر الرماة أن يرموه، فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ". 
    وجاء في رواية حميد بن مسلم قال:" لقد رأيت[ الإمام] الحسين عليه السلام وهو مخضوباً بدمه، ولا يُرى شخصه من كثرة ما به من السهام". وقد أُحصي من جراحه ما تجاوز أربعة آلاف؛ فلم يسلم منه عضوٌ من أعضاء جسده الشريف من الضرب بالسيوف والطعن بالرماح والرمي بالسهام والرشق بالحجارة، بل استخدموا كلّ آلة حادة في سبيل تعذيبه، ويقال بأنهم استخدموا ضده أكثر من سبعين طريقة للتعذيب والتمثيل في جسمه الشريف لم تكن معروفة لدى الناس ؛ فكيف لا يتفطر قلب المؤمن مع علمه بما أصاب سيّده من المصائب العظام التي لا تحتملها الجبال الرواسي..! وكيف لا يمشي على الشوك والقذى والجمر والحصى الملتهب ليتذوق طعم الألم الذي ذاقه سيِّدُ الشهداء (سلام الله عليه) مع أن ما أصابه كان أعظم منه وأفظع..! ونِعْمَ ما أجاد به يراع العلامة السيّد عبد الرزاق الموسوي المقرَّم (رحمه الله) في كتابه (مقتل الإمام الحسين عليه السلام) مبيّناً وظيفة المؤمن اتجاه تلك المصيبة العظمى التي ألمَّت بهيكل القداسة والشرف، فقال (أعلى الله مقامه الشريف):" فمصابه يقل فيه البكاء ويعزُّ عنه العزاء، فلو تطايرت شظايا القلوب وزهقت النفوس جزعاً لذلك الحادث الجلل لكان دون واجبه...وما قدر الدمع المراق والموتور ثار الله في الأرض ".
   (الوجه الثاني): مواساة مولاتنا الصدّيقة الكبرى الحوراء زينب ومولاتنا الصدّيقة الصغرى أم كلثوم وسكينة ورقية والرباب وليلى ورملة (سلام الله عليهنّ) وتذكيراً للمحزونين من المؤمنين بما جرى على عيال سيِّد الشهداء (عليه السلام) بعد شهادته عصر يوم العاشر من محرم، حيث أحرق الظالمون خيامهنَّ ففررن حواسر مسلبات حافيات باكيات في البيداء المليئة بالشوك والقذى فأدمين أرجلهنَّ الطاهرة ولا معين لهم ولا نصير، فكل فعل يواسي أولئك الطاهرات ويذكّر بالمصاب الحسيني - الزينبيّ الأليم، جائز ومستحب شرعاً .
  (الوجه الثالث): يستفاد من العمومات والإطلاقات في الأخبار الشريفة استحباب الإدماء في سبيل البكاء والحزن على الإمام المظلوم عليه السلام، وهو أعمُّ من التطبير والمشي على الشوك والقذى، إذ إنه يشمل إخراج الدم من أي عضو من أعضاء الجسد، وهو ما كشفت عنه تلك الأخبار من أن آل البيت عليهم السلام نساءً ورجالاً واسوا سيّد الشهداء (سلام الله عليه) بما هو أشرف وأرق من الرأس والأقدام وهو العيون والخدود، فبكوا على الإمام الحسين عليه السلام دماً وخمشوا وجوههم وصدورهم حزناً على المصاب الجلل، فها هو إمامنا الحجَّة القائم (أرواحنا فداه) يبكي حتى يتحول الدمع إلى دم حسبما ورد عنه (سلام الله عليه) في زيارة الناحية المقدَّسة بقوله الشريف خلال ندبته على جدّه سيِّد الشهداء (عليه السلام) قائلاً: ( فلئن أخرتني الدهور وعاقني عن نصرك المقدور ولم أكن لمن حاربك محارباً ولمن نصب لك العداوة مناصباً فلأندبنك صباحاً ومساءاً ولأبكين عليك بدل الدموع دماً، حسرةً عليك وتأسفاً على ما دهاك وتلهفاً حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الإكتئاب ).
     فإذا جاز للإمام المعظَّم المهديّ المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) أنْ يبكي دماً بدلاً من الدّمع لكثرة الأنين والحزن على جده الإمام الحسين عليه السلام - وفيه من الضرر ما لا يخفى على عاقل حيث يؤدّي البكاء الكثير لا سيّما إذا كان دماً يُسبِّب تضرّر العين مما يؤدّي إلى عدم الرّؤية - فلِمَ لا يجوز لشيعته ذلك أو أدنى منه وهو التطبير على الرأس والمشي على الشوك والجمر وهي أمور لا تؤدّي إلى ضرر بالغٍ كما يحصل في العينين ؟ بل وأعظم من ذلك، فإن إمامنا الحجَّة القائم (أرواحنا له الفداء) لا يزال يبكي وسيظل يبكي بعد ظهوره الشريف حتى يموت بلوعة المصاب والحزن وغصة الإكتئاب... أبعد هذا يكون  المشي على الشوك والجمر محل تردد ونظر، وقد جعل سيّدنا الإمام المهديّ (عليه السلام) البكاء على جدِّه سبباً لموته بالغصة والإكتئاب ولوعة المصاب..؟!.
  (الوجه الرابع): لقد دلت الأخبار الشريفة على أن الله تبارك شأنه واسى الإمام سيّد الشهداء عليه السلام بجريان الدم من مواضع مختلفة من أجسام أنبيائه العظام إشعاراً لهم بعظيم المصاب ومشاركة منهم في آلام وليّه الذبيح في كربلاء ، فقد أجرى الله تعالى دماءهم من دون اختيار منهم ليكون ذلك إخباراً لهم بعظم مصيبة ذلك الإمام الهمام عليه السلام وطالباً منهم المواساة، وقد روى العلامة المجلسي وابن قولويه القمي رحمهما الله عدة أخبار في هذا المضمار في بحار الأنوار وكامل الزيارات، منها: ما روي من أن آدم لما هبط إلى الأرض لم ير حوا فصار يطوف الأرض في طلبها فمر بكربلا فاغتم ، وضاق صدره من غير سبب ، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه السلام ، حتى سال الدم من رجله ، فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به ؟ فاني طفت جميع الأرض ، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض ، فأوحى الله إليه يا آدم ما حدث منك ذنب ، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما فسال دمك موافقة لدمه...".
  ومنها: ما روي أن إبراهيم عليه السلام مر في أرض كربلا وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه ، فأخذ في الاستغفار وقال : إلهي أي شئ حدث مني ؟ فنزل إليه جبرئيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء ، وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه.. ".
 ومنها: ما روي من أن موسى كان ذات يوم سائراً ومعه يوشع بن نون ، فلما جاء إلى أرض كربلا انخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الحسك في رجليه ، وسال دمه ، فقال : إلهي أي شئ حدث مني ؟ فأوحى إليه أن هنا يقتل الحسين عليه السلام وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه..". 
   ومنها: ما روي عن الإمام أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، قال : « إن إسماعيل الذي قال الله تعالى في كتابه ( واذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّه كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وكانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) أُخِذَ، فسُلِخَتْ فروة وجهه ورأسه ، فأتاه ملك ، فقال : إن الله بعثني إليك ، فمرني بما شئت ، فقال : لي أسوة بالحسين بن علي ( عليهما السلام».  
    الأخبار المتقدمة معتبرة سنداً لاشتهارها بين الأعلام، وهي واضحة الدلالة في مواساة الأنبياء العظام للإمام سيّد الشهداء عليه السلام في مصابه الجلل حيث جرت الدماء من أجسامهم المباركة: الرأس والوجه والقدم - فالرأس علامة على صحة التطبير، والوجه علامة على صحة الخمش له، والقدم علامة على صحة إدخال الشوك فيها - وأن مواساتهم غير الإختيارية عمل محبوب عند الله تعالى... فكيف بمن واساه عن اختيار وقصد فيجرح رأسه أو يمشي على الشوك والقذى مواساة لمولاه سيّد الشهداء والفاطميات الشريفات عليهنَّ السلام، فلا ريب حينئذٍ في محبوبيته عند الله تعالى وعند الحجج الطاهرين عليهم السلام، والمحبوبية دلالة الاستحباب.
  وبعبارةٍ أُخرى: إن الله تبارك شأنه قد أدمى أجسام بعض أنبيائه العظام لمّا مروا إلى أرض كربلاء لكي يخبرهم بعد الإدماء بأن هذه الأرض مباركةٌ وفيها سيقتل القمر الأزهر سيّد الأولياء والأنبياء ذبيحي وحبيبي وحجتي الإمام الحسين بن الإمام أمير المؤمنين علي عليهما السلام وأنه سيصاب ببلايا ومصائب وإني أدميتكم للتأسوا به وتجعلوه قدوة لكم في المعرفة الكاملة والمحبة التامة لي والتضحية والفداء من أجل إعلاء كلمتي، وهكذا تمَّ الإدماء من غير قصدٍ منهم واختيار، فيكون إدماؤهم بغير قصد واختيار محبوباً عنده تعالى وإلا لما كان من حكمته تبارك شأنه أن يدميهم ويبتليهم بالشوك والأحجار التي أدمت أجسامهم، فإذا كان الإدماء بغير قصد واختيار محبوباً ومطلوباً شرعاً فكيف يكون حال من أدخل الشوك في رجليه وطبر على ناصيته وكتفيه بقصد واختيار منه...؟! لا شك في أنه مرضيٌّ عند الله تعالى ومثاب فاعله إن شاء الله تعالى.
 ولا يخفى على ذي مسكة: إن دخول الحسك – وهو الشوك – في رِجْل النبي موسى عليه السلام، وكذلك خروج الدم من رِجْل آدم عليه السلام كان محبوباً عند الله تعالى مع كونه غير اختياريٍّ للنبيين الكريمين: آدم وموسى عليهما السلام، فلِمَ لا يكون مشي المؤمن على الشوك وإدماء قدميه في ذكرى مصاب سيِّد الشهداء عليه السلام محبوباً بطريقٍ أولى مع القصد والاختيار...؟!. 
  
5.  ما حكم خمش الوجوه في عزاء الإمام الحسين عليه السلام؟
 
بسمه تعالى
  الجواب: قلنا في جواب السؤال السابق؛ إن الإدماء في سبيل الإمام المعظَّم أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) محبوبٌ ومطلوب عند الله تعالى بحسب ما جاءنا من الأخبار الكاشفة عن إدماء الله تعالى لأجسام بعض أنبيائه العظام، والإدماء ليس له موضع خاص حتى نحصره به، بل هو عام يشمل كلّ موضع من الجسم وبأي آلة ووسيلة تحقق، لأن عامة أعضاء الإمام الحسين عليه السلام لم تسلم من الطعن والضرب والجرح...فقد كان مخضوباً بدمه بحيث لا يرى شخصه من كثرة ما به من سهام وجراحات...فإن محبوبية إخراج الدم أعم من التطبير على الرأس بل يشمل كلَّ أعضاء الجسم، وبالتالي فإن خمش الوجوه داخل في مصاديق الإدماء العام، فهنا عندنا دليلان على الجواز هما التالي:
 (الدليل الأول): الأدلة العامة من الأخبار الكاشفة عن صحة الإدماء ومحبوبيته عند الله تعالى وعند الحجج الطاهرين (سلام الله عليهم) لأنه من أبرز مصاديق المواساة للإمام الهمام سيِّد الشهداء عليه السلام، وقد ألمحنا سابقاً إلى استحباب المواساة، وإنْ كانت مظاهرُ المواساة للإمام الحسين عليه السلام في الشعائر الحسينية (على صاحبها آلاف السلام والتحية) ليست بحاجة إلى دليل شرعي تفتقر إليه وتنصّ عليه، وذلك لأنها من علائم الفطرة السليمة ولأنها من البديهيات التي يحسِّنها العقل ويمدح  العقلاءُ فاعلَها...وبالرغم من بداهتها وفطريتها، فإن لدينا الكثير من الأدلة التي دلت على استحباب الإدماء بشكل عام في سبيل سيِّد الشهداء وعياله وبقية أهل بيته الطاهرين عليهم السلام، وقد ذكرنا جملةً منها في كتابنا حول الشعائر الحسينية (ردّ الهجوم عن شعائر الإمام الحسين المظلوم عليه السلام) المطبوع منذ اثني عشر عاماً ، فكان أولَ كتابٍ تفصيلي عن الشعائر الحسينية الشريفة والإيرادات الفقهية على الإشكالات التي أُثيرت حولها.
 (الدليل الثاني): الأدلة الخاصة الكاشفة عن جواز خمش الوجوه في مصاب الإمام المظلوم (عليه السلام) وبقية مصائب أهل بيت العصمة والطهارة (سلام الله عليهم)، وقد استفاضت النصوص في استحباب خمش الوجوه على المصاب الجلل، وقد شدخت سيّدة النساء الحوراء زينب (سلام الله عليها) رأسها بمقدّم المحمل وهو فعل أعظم من خدش الوجه بالأظافر، فإذا جاز فعل الأعظم جرماً بنظر العرف، جاز بطريق أولى فعل الأدنى وهو الخمش، وبالرغم من كل ذلك فقد خمشت الفاطميات (عليهنَّ السلام) وجوههنَّ على الإمام الحسين المظلوم عليه السلام مع بقية نساء أهل المدينة كما يشير إليه خبر ابن طاووس، وهنَّ على مستوى رفيع من التقوى والورع بحيث لا يحتمل مؤمن خروجهنَّ عن طورهنَّ بفعل العاطفة المحضة من دون أن يكون للشرع المبين خصوصية في سلوكهنَّ وتصرفاتهنَّ لا سيّما وأن معهنَّ الحوراء الإنسيّة أُم أبيها مولاتنا العقيلة زينب وأختها أم كلثوم (عليهما السلام) اللتين لا يشك في عصمتهما عالم مكدّ ومجتهد، بمقتضى الأخبار التي استفاضت بكونهما من المعصومات المطهرات من كلّ دنس ورجس، وقد شاركهنَّ في المصاب بقية الفاطميات اللاتي لا يقللن شأناً عن مستوى العصمة أيضاً، ولو لم يكن إلا تقرير وإمضاء الإمام زين العابدين عليه السلام لهنَّ ولغيرهنَّ من نساء أهل المدينة في خمش وجوههنَّ لكفى به دليلاً كافياً على صحة خمش الوجوه لأجل سيدنا الإمام الحسين المظلوم عليه السلام، بل ورد أعظم من خمش الوجوه للفاطميات عليهن السلام وهو نتف رجال المدينة للحاهم في لمَّا وصل موكب السبايا إليها، وإليكم الأخبار الشريفة الدالة على لطم  الفاطميات لوجوههنّ يومذاك وهو ملازم عادة لخمش الوجه، فقد جاء في موثقة سدير عن الإمام الصّادق عليه السلام أنه قال : "  على مثل الحسين عليه السلام فلتُشَق الجيوب ولْتُلْطَم الخدود ". ولطم الخدين ليس له حدٌّ محدود، فقد يصل إلى درجة الإدماء، فضلاً عما هو أدنى منه كتحمير أو اسوداد الخدين المتوجب على فاعلهما الدية إلا إذا كان اللطم على مصائب أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله فلا دية على صاحبه بل هو مأجورٌ ومممدوح.  
  وورد أيضاً أنّ نسوة المدينة خمَشْنَ وجوههن لمّا سمعوا بخبر شهادة الإمام الحسين عليه السلام وفيهن الهاشميات الفاطميات أمثال فاطمة الصغرى وأم البنين وغيرهما من الفاطميات اللاتي بقين في المدينة ولم يرافقن نساء الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء، ولم يُنقَل لنا ولو بخبرٍ ضعيف أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام نهاهنّ عن ذلك ، مما يقتضي الجواز لتقرير الإمام عليه السلام لذلك ، وتقريره حجّة بالإجماع .
  فقد روى في هذا السياق السيّد ابن طاووس في كتاب " اللهوف " أنّ بشير بن حذلم لمّا أخبر أهل المدينة بمقتل الإمام الحسين عليه السلام ورجوع الإمام زين العابدين عليه السلام : " فما بقيت في المدينة مخدَّرة ولا محجَّبة إلاّ برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن ، مخمشةً وجوههن ضاربات خدودهن يدعونَّ بالويل والثبور".  وورد أيضاً أنّه لمّا خطبت مولاتنا الحوراء زينب ( عليها السلام ) في أهل الكوفة : " ضجّ الناس بالبكاء والنحيب والنوح ، ونشر النساء شعورهنّ وحثَيْنَ التّراب على رؤوسهِنَّ وخمشْنَ وجوههن ولطمْنَ خدودهن ودعون بالويل والثبور وبكى الرّجال ونتفوا لحاهم . . . ".
   فإذا جاز خمشُ الوجوهِ ونتفُ اللحى وفيهما ما فيهما من الأذيّة لا سيّما نتف اللحى عند الرّجال إذ يلازم عادةً نزول الدّماء خلال نتف الشعر بقوّة ، فقد جاز كلّ إدماء في سبيل الإمام الحسين عليه السلام جزعاً وحُزْناً على فراقه .
إنْ قيل لنا :
  إن الأخبار المتقدّمة الدالة على جواز الإدماء ومنه خمش الوجوه على مصاب الإمام المظلوم عليه السلام متعارِضَة مع الخبر المروي عن الإمام الحسين عليه السلام حينما ودّع عياله وأخواته وبناته فقال عليه السلام : " يا أختاه يا أمّ كلثوم وأنتِ يا زينب وأنتِ يا رقيّة وأنتِ يا فاطمة وأنتِ يا رباب أُنظرْنَ إذا أنا قُتِلْتُ فلا تشقُقْنَ عليَّ جيباً ولا تخمشْنَ عليَّ وجهاً ولا تقلْنَ عليَّ هجراً ".
قلنا في الجواب عنها بالوجوه الآتية:
( أوّلاً ) : إنّ خبر النهي عن شقّ الجيوب وخمش الوجوه لا يقاوم الأخبار الأخرى الدالّة على جواز الخمش سواء بالدلالة المطابقية أو الإلتزامية ، لكثرة تلك الأخبار وأرجحيتها على خبر النهي عن الخمش إذ هو خبرٌ واحدٌ لا يُعَوَّلُ عليه في مقابل الأخبار المتضافرة التي منها موثقة كخبر سدير وغيره من الأخبار الدالة على ما هو أعظم من خمش الوجوه وهو القتل في سبيل زيارته والموت كمداً وحزناً على فراقه كما حصل للحوريتين الصدّيقتين زينب وأم كلثوم ومعهما سكينة والرباب ورقية (عليهنَّ السلام) ، فكلّ هذه الأمور قرائن تدعم الخبر الدال على جواز خمش الوجوه ، ومعه كيف يمكن أنْ يترجح ذاك الخبر الشاذ على هذه القرائن الصريحة والأخبار الصحيحة ؟ ! ! !
( ثانياً ) : يُحمل خبر النهي على فترة زمنيّة معيَّنة وهي بداية سبيهنّ حيث أنيط بهنّ حفظ العيال والأطفال والدّعوة إلى الله تعالى وإلى الإمام المظلوم عليه السلام ، ومن الواضح أنّ الدّعوة إلى نصرة قيام الإمام الحسين عليه السلام واستنهاض المسلمين للأخذ بثأره تتنافى مع إظهار الجزع المتمثل بشقّ الجيوب وخمش الوجوه ، ولم يمنعهنّ الإمام سيّد الشهداء عليه السلام - وكذلك لم يمنعهنّ الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليه السلام - من البكاء لكونه أرقى درجات تبليغ ظلامة الإمام الحسين عليه السلام .
  (الثالث): إن النهي عن لطم وخمش الوجوه الوارد في خبر ابن طاووس محمول على دفع شماتة الأعداء من جهة، ولأن اللطم والخمش أمام الأعداء ينقص من قدرهنَّ، وهو ما دل عليه الخبر الآخر الوارد في اللهوف لابن طاووس (رحمه الله) حيث روى عن الإمام الحسين عليه السلام أنه نهى أخته الحوراء زينب عليها السلام عن اللطم في ليلة العاشر من محرّم لمّا أخبرها عما سوف يجري عليه في اليوم العاشر، فلطمت على وجهها وصاحت، فقال لها الإمام الحسين عليه السلام : « مهلاً ، لا تشمتي القوم بنا . . ».
  والخبر المتقدم ينسب إلى مولاتنا الحوراء زينب عليها السلام الفعل المكروه وهي المعصومة العارفة بالله والعالمة غير المعلّمة والفهمة غير المفهمة، وهو خبر واحدٌ لا يوجب علماً ولا عملاً بالقياس إلى ما ورد في عظيم شأنها وعلو قدرها (صلوات الله عليها) ولو سلّمنا بصحة صدوره عن الإمام الحسين عليه السلام، فإنه محمولٌ على العنوان الثانوي الطارئ فكأنَّ الإمام عليه السلام أراد أن يقول لأخته الطاهرة الزكية يا أختاه: إن اللطم والجزع عليَّ مستحب إلا أن ذلك لو حصل أمام الأعداء فإنه سوف ينقص مِنْ قَدْرِكِ وعلو شأنك وسوف يشمت بك الأعداء، لذا يا أختاه فلا تفعلي ذلك أمام أولئك الظالمين...كيف لا يطلب منها الكفّ عن اللطم بالشرط الذي قدَّمناه وهو العارف بمصير أخته المباركة التي ستبكي حزناً عليه حتى الموت، فقد روى الطريحي وصية الإمام الحسين عليه السلام لأخته الحوراء الصدّيقة الكبرى المباركة زينب عليها السلام بأن لا تثقل على نفسها حزناً عليه، فقال رحمه الله تعالى:"  ثمّ وثب على قدميه ببردة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والتحف بها ، وأفرغ عليه درعه الفاضل ، وتقلّد سيفه ، واستوى على متن جواده ، وهو غائص في الحديد ، فأقبل على أُمّ كلثوم عليها السلام وقال لها : أُوصيكِ يا أُخَيَّة ! بِنَفْسِكِ خَيْراً ، وَإِنّي بارِزٌ إِلى هؤُلاءِ الْقَوْمِ ".
  ومما يؤيد الوجه الثالث ما رواه المجلسي في جلاء العيون والبهبهاني والسيّد المقرَّم من أن الإمام الحسين عليه السلام قال للنساء في وداعه الثاني :« ثمّ ودّع (عليه السلام) أهلَ بيته وأمرهم بالصبر ، ووعدهم بالثواب والأجر ، وأمرهم بلبس أزرهم ، وقال لهم : اسْتَعِدُّوا لِلْبَلاءِ ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الله تَعالى حافِظُكُمْ وَحاميكُم ،وَسَيُنْجيكُمْ مِنْ شَرِّ الأَعْداءِ ، وَيَجْعَلُ عاقِبَةَ أَمْرِكُمْ إِلى خَيْر ، وَيُعَذِّبُ أَعاديكُمْ بِأَنْواعِ الْبَلاءِ ، وَيُعَوِّضُكُمُ اللهُ عَنْ هذِهِ البَلِيّةِ بِأَنْواعِ النِّعَمِ وَالْكَرامَةِ ، فَلا تَشْكُوا وَلا تَقُولُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ ما يَنْقُصُ قَدْرَكُمْ .. ».
   فإذا كانت الشكوى أمام الأعداء تنقص من قدرهنَّ فبطريقٍ أولى يكون خمش الوجوه ولطمها كذلك ينقص من قدرهن ويشمت به وبهنَّ الأعداء ، لذا فإن عليهنَّ أن يمتنعن عنه مؤقتاً، فالنهي عن اللطم والخمش والصياح لم يكن نهياً مطلقاً بل كان مشروطاً بعدم النقص من قدرهنَّ وشماتة الأعداء بهنَّ.
  فإذا خلا لهنَّ الجو بحيث كنّ لوحدهنَّ أو لم يحضرن أمام الأعداء في كربلاء والكوفة والشام، فإن اللطم والخمش سيكون تعبيراً عن الأسى ، وكان موجباً لإظهار المظلومية، وإدانة المجرمين، فلا شيء يمنع منه، بل هو مستحب ومطلوب لتحقق المقتضيات وانتفاء الموانع .
  (الرابع): إنّ السيرة الماضية في خمش الوجوه على مصاب الإمام المظلوم عليه السلام كاشفة عن رضا المعصوم عليه السلام وتقريره بمقتضى الأخبار التي دلت على إمضاء الإمام زين العابدين عليه السلام وبالتالي يصبح خمش الوجه على مصاب الإمام المظلوم عليه السلام جائزاً بل لا يبعد استحبابه للثكلى على مصائب الأطهار عليهم السلام.
 والخلاصة: إن خمش الوجوه من أبرز مصاديق استحباب الإدماء على مصائب الإمام المظلوم وأهل بيته الطاهرين جميعاً (عليهم السلام) كما أشرنا في أجوبتنا السابقة، ولله عاقبة الأمور وهو حسبنا ونعم الوكيل. 
 
 
6. هل يجوز إطفاء الأضواء وإنارة ضوء لونه أحمر أثناء القراءة واللطم؟
 
بسمه تعالى
الجواب: لا مانع شرعاً وعقلاً من إنارة المجلس الحسيني بالضوء الأحمر حيث يشير إلى لون الدم المذكّر بمصيبة سيّد الشهداء عليه السلام الذي سُفِكَ دمُه الطاهر على أرض كربلاء؛ كما لا مانع من إطفاء الأضواء أيضاً أثناء قراءة العزاء واللطم؛ وفي كلا الحالين - أي إطفاء الأنوار والإكتفاء بالضوء الأحمر - ليس ثمة ما يمنع منهما، ولعلّهما أبرأ للإخلاص في القراءة والبكاء واللطم، وهو مدخل لرؤية الأنوار الغيبية خلال المجالس الحسينية المباركة، وقد شرَّفنا الله تعالى بذلك بعض المؤمنين في مجالسهم الحسينية المباركة التي لا يقيمونها إلا في العتمة، ولله الفضل والحمد والشكر ولأوليائه مثل ذلك، ولمثل هذا فليعمل العاملون،  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ .
 
 
 
7.  ما حكم المشي على الجمر في عزاء الإمام الحسين عليه السلام؟
 
بسمه تعالى
الجواب: إن موكب عزاء المشي على الجمر المشهور عند الشيعة الموالين الطيبين في بلاد الهند وباكستان حقٌّ لا ريب فيه ولا شكٌّ يعتريه عند ذوي النفوس الطاهرة واليقين الناصع، وهو من المراسم الحسينية الغيبيَّة المقدَّسة التي ليس للأسباب المادية فيها صنعٌ، بل هو خارج عن قوانين الطبيعة، لأن القانون الطبيعي في خاصية النار هو الإحراق، ولكن الأمر مختلف كلياً في مراسم المشي على الجمر تأسياً بما جرى على العترة الطاهرة ابتداءاً من دار سيدة نساء العالمين مولاتنا الصدّيقة الكبرى فاطمة الزهراء التي اشتعلت نار عمر بن الخطاب في بابها الشريف يريد إحراق الدار عليها وفي الدار بعلها أمير المؤمنين وأولادهما الطاهرون وانتهاءاً بما جرى على سيِّد الساجدين مولانا الإمام زين العابدين عليه السلام  ومولاتنا الحوراء زينب وأخواتها وبقية النسوة حيث أشعل الكفار الظالمون خيامهنّ ففررن إلى البيداء حاسرات الوجوه وحافيات الأقدام، وقد اشتعل ذيل ثوب إحدى الفاطميات الشريفات بنار خيمتها...فالقانون الطبيعي للنار هو وجوب الإحراق لمن مسّ النار إلا أن هذا القانون يبطل مفعوله عند الأولياء وشيعتهم، فكما أن النار لم تؤثر في خليل الرحمان نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما ألقاه النمرود في النار فصارت برداً وسلاماً  قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ  فكذلك الأمر بالنسبة إلى أولياء الإمام الحسين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام فإنها لا تؤثر في إحراقهم باعتبارأن المشي على الجمر في أيام محرم يعتبر كرامة ومعجزة من معاجز الإمام سيّد الشهداء عليه السلام، وهو أعظم من النبي إبراهيم عليه السلام، فعدم إحراق الماشي على الجمر في العاشر من محرم هو لأجل الإمام الحسين عليه السلام ورفعة مقامه الشريف ولا يجرأ على القيام به إلا ثلة قليلة من أصحاب اليقين بمعاجز الإمام الحسين عليه السلام، فالمنكرون له هم الضعفاء في يقينهم ولكن المشاهدة ليست كالحكاية فمن شاء أن يؤمن فليذهب إلى الهند ليرى العجب العجاب، وسمعنا أن في كربلاء موكباً للمشي على الجمر يقام كل سنة....
 والدليل على صحته وجوازه هو الوجوه الآتية:
   (الوجه الأول): أصالة الحل الشرعية القائلة: « كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام » ، ولا دليل على المنع، لا سيما أننا لم نسمع ولم نرَ  أحداً ممن مشى على الجمر في عزاء الجمر تأذى أو أصابه مكروه بل إن واحداً منهم لم تحترق شعيرات إصبعه فضلاً عن قدمه، وبالتالي فإنه مستحب لذوي البصائر وأهل اليقين...ولو سلّمنا بحصول ضرر لفاعله، فإنه مخصوص بمن يتضرر به ولا يشمل غيره، مع تأكيدنا على أمرٍ مهم هو أن أدلة الضرر منصرفة تخصصاً وتخصيصاً عن الشعائر الحسينية المقدسة حسبما فصّلناه في بحوثنا العاشورائية، فلو تضرر فاعله فلا حرمة فيه للإنصراف المذكور، وليس المشي على الجمر بأعظم من التطبير العنيف المؤدي إلى الموت الغير مقصود، ما دام الفاعل يبتغي التأسي بما جرى على سيّد الشهداء عليه السلام وما جرى على عياله الطيبين صلوات الله عليهم أجمعين..بل ليس بأعظم ممن مات حزناً وكمداً على ذلك العظيم سيّد الشهداء (سلام الله عليه) كما أشرنا إلى ذلك مراراً وتكراراً.
   (الوجه الثاني): إن عزاء المشي على الجمر من أبرز مصاديق التأسي بمصاب سيِّدة نساء العالمين وبعلها وأولادهما الطاهرين الخمسة الذين شبت نار عمر بن الخطاب لعنه الله في باب دارهم الشريفة، ومن أبرز ما أصاب تلك الذرية يوم العاشر من محرّم الحرام حينما شبت النار في خيامهم الطاهرة ؛ فباب المواساة والتأسي بالإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام مفتوح على مصراعيه لمن رغب في أن يكون من المتأسين والمقتدين بأولئك الأطهار الميامين، فله أن يواسي الإمام الحسين عليه السلام بما أصابه من كرب الجراحات المتعددة الأطراف في جسمه الشريف، وللطفل أن يواسي أطفاله، وللمرأة أن تواسي أخواته ونساءَه الشريفات بما أصابهن في يوم عاشوراء من إشتعال النار في خيامهنَّ وخروجهن حافيات على صحراء كربلاء...فعنوان المواساة عنوان جامع للكثير من المظاهر والأساليب العزائية الحزينة، إذ ينضوي تحت العنوان الجامع عدة مصاديق من الجوع والعطش والبكاء واللطم والخمش واللدم والمشي على الجمر والزحف على الأرض وتعفير الجبين والجسم بالطين وخلع الرداء والعمامة.....إلخ.
   (الوجه الثالث): إن موكب عزاء المشي على الجمر من أعظم مظاهر الكرامة لمولانا سيّد الشهداء (سلام الله عليه) فهو مندرج في باب الكرامات لذوي البصائر دون غيرهم من ضعاف اليقين، والكرامة لأجل الإمام الحسين (عليه السلام) جعلها الله تبارك وتعالى لبعض شيعته لرفعة مقامه الشريف وإبرازاً لفضل المتمسكين بشعيرته المقدسة.
  (الوجه الرابع): إن موكب عزاء المشي على الجمر نوع تعظيم للشعائر الحسينية، فإن من يشاهد مواكب العزاء الجمري فإنه سيبخع للحق الذي تمثل بشخص الإمام الحسين وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، وهو أمارة على صحة ومشروعية الشعائر الحسينية المقدسة بعامة مصاديقها، وهو تعظيم للإمام سيّد الشهداء عليه السلام ...صلَّى الله عليك مولاي يا أبا عبد الله ولعن الله ظالميك وضاعف عليهم العذاب، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون والعاقبة للمتقين، وهو حسبنا ونعم الوكيل. 
 
 
8.  ما رأيكم في من يسيس المنبر؟ أي يجعله سياسياً؟ وما رأيكم في من يسيس مواكب العزاء؟ ويجعل العزاء للهتافات بأسماء العلماء؟
 
بسمه تعالى
الجواب: إن الغاية من منابر الخطابة الدينية لا سيما المنبر الحسيني هي ربط الشيعة بالنبيِّ وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام والبراءة من أعدائهم وتوعية المؤمنين وتثقيفهم بالمفاهيم الدينية الحقة ورفع الشكوك والشبهات الدائرة حول معالم التشيع إلا أننا نرى عكس ذلك في يومنا هذا حتى صار المنبر الحسيني سلعةً للحكام والسلاطين السياسيين الدينيين والمتحزبين لبعض المرجعيات الدينية وقادة الأحزاب الشيعية التي أهلكت الحرث والنسل بفعل هرطقاتهم ورعوناتهم وطيشهم وظلمهم واستبدادهم، فيروّج أولئك المنبريون لزعمائهم الذين أشرنا إليهم بما يرضي ذواتهم الطموحة وسلطانهم اللامحدود وهو عمل محرّم شرعاً باعتباره عملاً انتهازياً يستغل الشعائر الدينية وبقية المفاهيم الدينية للسلاطين والحكام، وقد نهت عنه الأخبار الشريفة وجعلت فاعله من العصاة والمستحقين أليم العقاب يوم يفر المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكلِّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، وقد أطلقت الأخبارعلى هؤلاء اسم المستأكلين بعلوم آل محمد عليهم السلام فيستخدمونها لأجل مصالحهم الذاتية والدنيوية ونزواتهم وصرف وجوه الناس إليهم كما هو الحال عند المتحزبين بشكلٍ عام ولا نستثني أحداً أبداً، وقد سجَّل المحدّث الكليني رحمه الله جملةً معتبرة من أخبار المستأكل بعلوم آل محمد عليهم السلام طلباً لحطام الدنيا، وهي التالي:
1 - مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه جَمِيعاً عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ عُمَرَ بْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله: مَنْهُومَانِ لَا يَشْبَعَانِ طَالِبُ دُنْيَا وطَالِبُ عِلْمٍ فَمَنِ اقْتَصَرَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَا أَحَلَّ اللَّه لَه سَلِمَ ومَنْ تَنَاوَلَهَا مِنْ غَيْرِ حِلِّهَا هَلَكَ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ أَوْ يُرَاجِعَ ومَنْ أَخَذَ الْعِلْمَ مِنْ أَهْلِه وعَمِلَ بِعِلْمِه نَجَا ومَنْ أَرَادَ بِه الدُّنْيَا فَهِيَ حَظُّه .
2 - الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَائِذٍ عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام قَالَ: مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَه فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ ومَنْ أَرَادَ بِه خَيْرَ الآخِرَةِ أَعْطَاه اللَّه خَيْرَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ .
3 - عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيِّ عَنِ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام قَالَ: مَنْ أَرَادَ الْحَدِيثَ لِمَنْفَعَةِ الدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَه فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ .
4 - عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْعَالِمَ مُحِبّاً لِدُنْيَاه فَاتَّهِمُوه عَلَى دِينِكُمْ فَإِنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لِشَيْءٍ يَحُوطُ مَا أَحَبَّ وقَالَ صلى الله عليه وآله أَوْحَى اللَّه إِلَى دَاوُدَ عليه السلام: لَا تَجْعَلْ بَيْنِي وبَيْنَكَ عَالِماً مَفْتُوناً بِالدُّنْيَا فَيَصُدَّكَ عَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي فَإِنَّ أُولَئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ عِبَادِيَ الْمُرِيدِينَ إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلَاوَةَ مُنَاجَاتِي عَنْ قُلُوبِهِمْ .
5 - عَلِيٌّ عَنْ أَبِيه عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه عليه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وآله الْفُقَهَاءُ أُمَنَاءُ الرُّسُلِ مَا لَمْ يَدْخُلُوا فِي الدُّنْيَا قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّه ومَا دُخُولُهُمْ فِي الدُّنْيَا قَالَ اتِّبَاعُ السُّلْطَانِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَاحْذَرُوهُمْ عَلَى دِينِكُمْ .
6 - مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّه عَمَّنْ حَدَّثَه عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُبَاهِيَ بِه الْعُلَمَاءَ أَوْ يُمَارِيَ بِه السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِه وُجُوه النَّاسِ إِلَيْه فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَه مِنَ النَّارِ إِنَّ الرِّئَاسَةَ لَا تَصْلُحُ إِلَّا لأَهْلِهَا .
 الأخبار الشريفة المتقدمة واضحة الدلالة في حرمة استغلال المفاهيم الدينية لأجل المصالح الذاتية والتحزبات السياسية والدينية، كما أنها تعم الجماعات من غير المتحزبين ممن يستغرقون بمرجعياتهم وقادتهم، فيستغلون أيام الحزن من شهر محرَّم الحرام لا سيما في اليوم العاشر منه، فيخرجون بمظاهرات ظاهرها عزاء إلا أن واقعها عبادة الصور والشعارات، فيحملون صور زعمائهم الدينيين والسياسيين في صحون ضرائح الأئمة الطاهرين عليهم السلام، وخير شاهد لما نقول ما رأيناه في هذا العام من أفواج المواكب الرافعة لصور الزعماء من عمائم هذا العصر وأعلام البلدان...وهي حالة غريبة لم يسبق لها مثيل على الساحة الكربلائية التي يجب أن تذوب فيها الشعارات السياسية والحزبية والقومية والوطنية،لأن من يكون مع الإمام الحسين عليه السلام مكروباً حزيناً على شخصه الكريم لا يحمل في قلبه الفرح بصورة زعيمه وقائد حزبه وبلده...!.
  إن الحماس للزعماء وقادة الأحزاب في يوم العاشر من محرَّم وغيره من أيام الحزن على سادة الورى وسفن النجاة (عليهم السلام) هو نوع غفلة وتقصير بحقّ صاحب العزاء إمامنا الحُجَّة القائم (أرواحنا فداه) الذي يُفرَض على حملة الصور أن يتوجهوا بالحزن عليه والبكاء على فراقه لغيابه عنهم بسبب ظلمهم لأنفسهم ولغيرهم فيمنعهم من التشرف بلقائه وحضوره العلني الميمون بينهم، كما أنه تغافل عن مقاصدهم الشريفة التي تريد من الشيعي الموالي الذوبان في ذوات الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) باعتبارهم القبلة الكبرى إلى الله تعالى والمقصد الأعظم في الوصول إلى رضا الله تعالى من خلال رضا الأئمة الطاهرين (سلام الله عليهم)، فكلّ توجه إلى غير الأئمة المطهرين (سلام الله عليهم) نعتبره شركاً بالمعنى الأعم يدخل صاحبه في خانة الجاهلين بمقاماتهم المقدَّسة والمقصّرين في معرفتهم والتوجه إليهم لا سيما خلال زيارتهم وفي صحون ضرائحهم المطهرة، فرفع الشعارات السياسية والحزبية في مراسم العزاء ذنب عظيم...وهذا إنْ دل على شيء فإنما يدل على الجهل والتقصير في حق الأئمة الطاهرين عليهم السلام ولن يعذرهم أئمتنا الطاهرون عليهم السلام، لأنهم استغرقوا برجالٍ مثلهم سيتبرؤون منهم يوم القيامة قال تعالى ( ولم يكن لهم من شركائهم شفعاء وكانوا بشركائهم كافرين، ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون) وقال أيضاً( ثم يوم القيامة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشاقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) (فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) (أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين) ولو كان هؤلاء المتحمسون لعلمائهم - برفع صورهم والهتاف لهم في مقامات أهل البيت عليهم السلام ـ صادقين في حبهم وولائهم للأئمة الطاهرين عليهم السلام لما مالوا إلى غيرهم من الزعماء بشتى أنواعهم وأصنافهم، فما يفعلونه جرم عظيم له تبعاته وآثاره السيئة في الدنيا والآخرة، نسأل الله تبارك شأنه أن يسخر المؤمنين للتوجه إلى الإمام المهديّ سفينة الرحمة من آل محمد عليهم السلام وأن لا يلتفتوا إلى غيره إلا بمقدار ما يذكرهم بالله تعالى وبالإمام المهدي عليه السلام، والله تعالى حسبنا ونعم الوكيل. 
 
9.  ما حكم زنجيل السكاكين؟
 
بسمه تعالى
الجواب: لا فرق في استحباب الإدماء حزناً وجزعاً على سيِّد الشهداء (سلام الله عليه) بين أن يكون من الرأس أو الوجه أو الصدر أو الظهر أو القدمين أو من العينين...كما لا فرق في الآلة والوسيلة التي يتمُّ بها الإدماء بين أن تكون بسكين أو سيف أو حجر ....فالغاية واحدة وهي الإدماء في سبيل تعظيم يوم عاشوراء الحزينة وإن تعددت وسائلها وأدواتها، والله العالم. 

10. هل زواج المولى القاسم بن الإمام الحسن عليه السلام ثابت لدى سماحة المرجع؟
 
بسمه تعالى
الجواب: إن زواج مولانا القاسم بن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام ببنت الإمام الحسين المصفّى عليه السلام في عصر يوم العاشر من محرَّم عام 61 للهجرة ثابت لدينا بمقتضى ما دلت عليه رواية الطريحي في المنتخب المعتضدة بالشهرة التاريخية والعملية، وإليكم التفصيل:
  لقد روى الطريحي روايةً مرسلةً في كتابه المنتخب/المجلس السابع من الجزء الثاني/عن سيّدنا ومولانا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام يوصي فيها ولده سيّدنا القاسم عليه السلام بأن ينصرَ عمَهُ الإمام الحسين عليه السلام وأن يصرّ على الطلب عند رفض الإمام لذلك، وتنصُّ المرسلة أيضاً على أن الإمام المجتبى عليه السلام أوصى أخاه الإمام الحسين عليه السلام بأن يزوِّج إبنته لولده القاسم عليه السلام .
 والظاهر لنا، إن أول من تفرَّد بنقلها من المتأخرين هو الشيخ الطريحي رحمه الله تعالى المتوفى عام ( 1085هجري) ثم نقلها عنه السيّد هاشم البحراني رحمه الله المتوفى عام ( 1109هجري) في الجزء الثالث من كتابه الجليل(مدينة المعاجز ص366رقم المعجزة 931) من معاجز مولانا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام تحت عنوان (العوذة التي ربطها الإمام الحسن عليه السلام في كتف ابنه القاسم عليه السلام) وأمره أن يعمل بما فيها،وكذا نقلها عنهما الشيخ الدربندي رحمه الله تعالى في كتابه (أسرار الشهادة) وكذا الحائري في كتابه (معالي السبطين ج1ص457). 
    وقد جاء في الرواية أن الإمام الحسين عليه السلام قد زوّجه بنتاً له لم تفصح الرواية عن اسمها، ثم أفرد لهما خيمة، وقبل أن يبني بها، خرج من خيمته للقتال فتعلقت بذيل ثوبه، فقال لها خلي ذيلي فإن عرسنا أخرناه إلى الآخرة...إلخ، فالرواية قد جاء فيها كلمة العرس، ويراد منه الزواج وليس عرساً كبقية الأعراس تقام فيه الولائم ويُعصى اللهَ تعالى فيه بسبب اختلاط الرجال بالنساء وسماع أصواتهنَّ والغناء والموسيقى والتصفيق على نغمات الغناء والإيقاع الموسيقي، فكلُّ هذا حرامٌ،وقد فصَّلنا ذلك في كتابنا الفقهي الإستدلالي"القول الفصل بحرمة الغناء في العرس"، فعرس مولانا القاسم عليه السلام ليس كأعراس أهل زماننا، بل هو مجرد عقد زواج بسيط ليس فيه صخبٌ ولا تعبٌ ولا ضجيج...وهكذا فإن المؤمنين الموالين من الشيعة حفظهم المولى يقيمون في أيام عاشوراء الحزينة مأتماً يسمونه عرس القاسم تذكيراً بيوم زفافه البسيط الذي لم يجرِ على خاطره الشريف أن يكون في وسط الصحراء وعلى ضجيج الجيوش وقعقعة السلاح واستغاثة عمّه سيّد الشهداء عليه السلام، بل أتاه فجأةً ومن دون مقدمات مسبقة .
   وفي المأتم القاسمي العاشورائي، اعتاد الشيعة أن يمثلوا الواقعة لإثارة الأحزان والأشجان والتذكير بالمصاب، فيصنعون حجلةً صغيرة ويأتون بفتىً يعتمر عمامة على رأسه يلبس ثياباً خضراء ...كلُّ ذلك تقليداً لما جاء في تلك الرواية المرسلة،وثمة إضافات لا علاقة لها بالرواية من قريبٍ أو بعيدٍ فلا تكون مبرراً لطرحها،وإن كنا  نستشكلُ في بعض التفاصيل التمثيلية بل لا نجيز  تمثيل شخصيات المعصومين عليهم السلام وتالي المعصوم كالمولى القاسم والمولى علي الأكبر والصدِّيقة الصغرى زينب وأم كلثوم وسَكينة ورقيَّة والرباب ورملة وليلى،وإن كان يظهر عندنا عصمة بعضهم بالعصمة الذاتية لا الإكتسابيَّة التي حاول بعض الأعلام أن يثبتها للمولى العباس عليه السلام فباءت محاولته بالفشل، وقد فندناها من أصلها في كتابنا ( العصمة الكبرى لولي الله العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام)؛ وكونهم التالين للمعصوم عليه السلام لا يستلزم بالضرورة عدم عصمتهم بل يأتون بالمرتبة الثانية من حيث العصمة والطهارة بعد الإمام المعصوم عليه السلام.
   والعرس القاسمي (على صاحبَيه آلاف التحية والسلام) قد أشارت إليه هذه الرواية التي رواها لنا الشيخ الجليل المحدّث فخر الدين الطريحي النجفي وهو صاحب المعجم اللغوي المرموق "مجمع البحرين" والرجل مشهورٌ بتقواه وزهده وورعه وأمانته وتدينه كما يصفه بذلك أساتذته وعلماء الدراية والتراجم، بل لم يغمز فيه أحدٌ من أعلام الجرح والتعديل على الإطلاق، لذا لا يحتمل في حقّه الكذب والتلفيق على الإمامين الحسنين عليهما السلام وغيرهما ممن ذكرتهم  الرواية،بل لا يجوز نسبة تلفيق الرواية إليه، لأن نسبة التلفيق منه للرواية خلاف ما أجمع عليه علماء الجرح والتعديل من كون الرجل ثقةً مأموناً على الدين والدنيا؛ نعم تبقى نسبة تلفيق من نقل عنهم الطريحي رواية العرس قائمةً بحساب الاحتمال المنطقي ولكنَّها منتفيةٌ بالأصل أيضاً،بمعنى أن الأصل يقتضي عدم كون الرواية ملفقة لعدم وجود قرائن قطعيَّة تثبت مخالفتها للكتاب والأخبار الأخرى، ولأن الإحتمال لا يفي بالإستدلال على المطالب العلميَّة أو الفقهيَّة، مضافاً إلى أن الناقلَ ثقةٌ لا يُحتمل بحقه النقولات المزَّيفة وإلاَّ لسرت نسبة التلفيق إلى أكثر الأخبار المرسلة، بل وغير المرسلة أيضاً وهو منفيٌّ بالأصل العقلائي أيضاً وسيرة المتدينين المتصلة بسيرة المعصومين عليهم السلام،كما أنَّ رواية الطريحي المذكورة  نظير غيرها من الروايات التي رواها المحدثون ولم تُحدث ضجيجاً إعلامياً كما أحدثته هذه الرواية،والسر في ذلك هو الهجمة الشرسة التي شنها ولا يزال أعداء الشعائر الحسينيَّة كلَّ عامٍ وكأنَّه ليس ثمة عيبٌ في التاريخ سوى هذه القضية وقضية التطبير على الرؤوس والظهور...!؛ ومن المؤكد أن الطريحي رحمه الله نقلها من مصدر تاريخي كان متوفراً عنده، من هنا قال في بداية تسجيله لقصة الزواج:" ونقل أيضاً.."، وهذا المصدر لم يعثر عليه من جاء بعده، وعدم عثورهم عليه لا يعني بالضرورة أنه معدوم الوجود، بل لأن البحث عن الرواية في المصادر الكبرى غير تام، ولو أتعب الباحثون أنفسهم بالبحث والتنقيب في المصادر الكبرى المتوفرة في خزانة مكتبة الإمام الرضا عليه السلام في مشهد أو في مكتبة العلامة السيّد النجفي المرعشي في قم، ومكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في النجف الأشرف...لعلّهم يوفقون لمصدر الرواية التي نقلها لنا العلامة المحدّث الطريحي رحمه الله تعالى، وعدم العثور على مصدر الرواية لا يضر بصحة الإعتقاد بمضمونها لرواية العالم الثقة لها من مصدر خفي علينا بسبب البعد الزمني بيننا وبينه رحمه الله أي بعد ثلاثمائة وخمسين سنة من وفاة المحدث الطريحي عام 1085 هجري، وهي سنين كانت مشحونة بالتقية خوفاً من الظالمين، فاندثرت مصادر كبرى من الوجود أو اختفت من الوسط العلمي الشيعي في مطاوي المكتبات أو البيوت والحوانيت أو المتاحف الأوروبية التي استفادت كثيراً من المخطوطات العلمية والتاريخية الشيعية إبّان غزوهم للعراق وإيران....فعوامل الخوف والهروب من الأعداء تلعب دوراً مهماً في إخفاء المخطوطات أو اندثارها وإتلافها، فضلاً عن عوامل الإقصاء المتعمد للأخبار التي لا يستحسنها العلماء المزيفون، فعمدوا - ولا يزالون - لحذفها من المصادر المعتبرة بسبب عدم اعتقادهم بمضامينها، وهو ما خبرناه في وقتنا الحاضر حيث تلاعبوا ببعض النصوص في الكتب المعتبرة كالبحار للمجلسي واللهوف لإبن طاووس وغيرهما من المصادر المهمة لغايات وحدوية تحاول التقريب بين المذاهب ورفض كلّ ما له علاقة بالظلامات والشعائر العاشورائية المقدَّسة..فلا بدّ للفقيه المُجِدّ - الذي لم يعثر على رواية نقلها إليه عالمٌ مثله سبقه بمدة زمنية طويلة - أن يأخذ بنظر الإعتبار تلكم العوامل الداعية إلى اندثار النصوص وإقصائها ولا يستعجل بالحكم على الرواية المنقولة إلينا عن طريق الوجادة، كما لا ينبغي عليه أن يحكم سلباً على مَنْ سبقه من العلماء بنقل الرواية.
  وبالجملة:لقد أُشكِلَ على الرواية التي أشارت للعرس القاسمي بعدة إشكالات قابلة للرد وللطعن ولا تصلح دليلاً على المدَّعى، وهي الآتي:
    (الإشكال الاول):أنَّ الرواية مرسلة ولا تصلح مستنداً للزواج أو العرس.
      (والجواب):لا يضرُّ الإرسال في أمثال المقام، والمشهور بين محققي الإمامية أن الإرسال لا يصلح دليلاً لإثبات الوجوب والحرمة في الفقه،وأما في غير الواجب والحرام فاتفقوا على صحة الأخذ بالمرسل وجواز العمل بمضمونه لإثبات المستحب أو المكروه، وكذلك اتفقوا على جواز الأخذ بالمراسيل في إثبات الفضائل والمعاجز والظلامات والمصائب والقصص، مع التأكيد على أن الإرسال في بعض الروايات الفقهية والتاريخية ممضىً شرعاً وعقلاً وعمل به فحول من الطائفة المحقّة كمراسيل الصدوق في الفقيه وابن أبي عمير في كتبه والطبرسي في الإحتجاج وأضرابهما..كما أن الإرسال في تلكم الروايات ليس أفضل حالاً من الإرسال في هذه الرواية، فتقديم المراسيل الأخرى على رواية الطريحي المرسلة يعتبر ترجيحاً بلا مرجحٍ وهو قبيحٌ عقلاً ونقلاً ،اللهم إلا إذا قامت القرينة الواضحة على تقديم مرسل على آخر وهي مفقودة في رواية الطريحي .
   بالإضافة إلى ذلك: إن الإرسال غير ضائرٍ في المقام بعد جبر الخبر المرسل بعمل المتأخرين، فيرفعه من درجة الضعيف إلى درجة القوي حسبما فصّلناه في بحوثنا الرجالية لا سيما في الفصل الثاني من كتابنا الجليل: (الحقيقة الغراء في تفضيل سيّدتنا الصدّيقة الكبرى زينب الحوراء على مريم العذراء عليهما السلام).
  (الإشكال الثاني): إنَّ قصة عرس المولى القاسم عليه السلام لم يرها الأعلام في المصادر التاريخية ولم تروَ في أيِّ كتاب منذ عصر الشيخ المفيد إلى يومنا الحاضر الذي توجد فيه كلُّ المؤلفات المتعرِّضة لأخبارهم ومن كلّ الطبقات،ومع ذلك ليس فيها أيُّ ذكرٍ لهذه القصة،فكيف يمكن أن تغيب عن نظر هذه الجماعة بهذه العظمة حتى عن مثل إبن شهر آشوب الذي صرَّح أنَّه كان لديه ألف مجلد من كتب المناقب.
   هذا الإشكال قد سجَّله الشيخُ النوري الطبرسي في كتابه اللؤلؤ والمرجان/في التنبيه الرابع/في تقسيمات الخبر ص228 .
    والجواب:إنَّ عدم رؤية قصة عرس المولى القاسم عليه السلام في أيّ كتاب - كما ذكر النوري - لا تستلزم عدم وجودها في كتابٍ آخر لم يكن متوفراً عند المفيد أو غيره من العلماء ومنهم ابن شهر آشوب الذي كان لديه ألف كتاب، إذ عدم الوجدان ليس دليلاً على عدم الوجود، فكم من أخبارٍ رواها صاحب البحار ولم يروها أحدٌ قبله من محدّثي ومؤرخي الإماميَّة،كما أن النوري نفسه روى أخباراً في كتابه المستدرك لم يروها المحدّث الجليل الحر العاملي في كتابه وسائل الشيعة،من هنا سمَّى النوري كتابه بالمستدرك لعثوره على أخبارٍ لم يعثر عليها الحر العاملي رحمه الله تعالى لعدم توفر الكتب الكثيرة لدى المحدّث الحر العاملي أعلى الله مقامه، وليكن من هذا القبيل ما فعله المحدّث فخر الدين الطريحي فلقد عثر على خبرٍ لم يعثر عليه أحدٌ ممن ملك الكتب حتى لو كان ما يملكه ألف كتاب كإبن شهر آشوب،ولِمَ لا يكون الكتاب الذي عثر الطريحي على الرواية فيه من الكتب المخفية عن ناظري ابن شهر آشوب وغيره من المحدثين كما غابت عن الحر العاملي أخبارٌ عثر عليها النوري ؟! بل الإشكال مسجَّلٌ عليه في مسألة اعتقاده بتحريف القرآن، حيث ادَّعى وجود أخبارٍ تدل على التحريف كحذف آيات منه، وقد انفرد بها دون غيره وهي تناهض ما أجمع عليه المتاخرون من علماء الإمامية من عدم حصول تحريف بالمعنى الذي أشرنا إليه، فكيف حصل عليها من كتبٍ تفرد بنقلها وصحتها، فهل باءُ النوري تجرُّ  وباء الطريحي لا تجرّ ...؟؟! .
  (الإشكال الثالث): لا يمكن إيجاد بنت للإمام الحسين عليه السلام بلغت سنَّ الزواج ولم تكن قد تزوَّجت بعدُ..هذا الإشكال للنوري أيضاً،وقلَّده فيه بعض النفوس المريضة ، فقد إدَّعى المحشي على كتاب مدينة المعاجز/الجزء الثالث/ ص 371 معاجز الإمام الحسن المجتبى عليه السلام بأنه لم يكن للإمام الحسين عليه السلام بنات سوى ثلاث هنَّ:السيدات الجليلات" فاطمة" وكانت زوجةً للحسن المثنَّى وقد أُسر في الطف،"ورقية" كانت صغيرةً بنت ثلاث سنوات،وسَكينة أيضاً كانت صغيرة..فالقضية أسطورة بحسب تعبيره.
  والجواب: لم يثبت التاريخ على رقمٍ مضبوط بشأن أولاد الأئمة الطاهرين عليهم السلام كما لم يثبت على تواريخ ولاداتهم وشهاداتهم،فما نراه في كتب المؤرخين بتعدادهم لأولاد أئمتنا المطهرين عليهم السلام ما هو إلا  نقولات لا يمكن التعويل عليها كثيراً إلا في موارد ضئيلة ثبتت صحتها بالتواتر أو القرائن القطعية،وما دون ذلك فقابلٌ للنقاش والأخذ والردّ،فدعوى أن للإمام الحسين (صلوات ربي عليه)ثلاث بنات فقط تبقى مجرد تصور خالٍ من الدليل القطعيّ بل لا يعدو كونه ترجيحاً لقول مؤرخٍ على قول مؤرخٍ آخر،والترجيح المذكور ليس حجةً شرعيَّةً تعبَّدنا بها الله تعالى مجده وتبارك اسمه، وبالتالي فما جاز لهم يجوز لنا، فإذا جاز لهم التمسك بقول مؤرخٍ لإثبات مدَّعاهم فيجوز لنا التمسك بقول مؤرخٍ آخر لإثبات مدَّعانا طبقاً للأدلة والبراهين، وقد جاء في عدة مصادر أن للإمام الحسين عليه السلام أكثر من ثلاث بنات ،فقد نقل عن إبن طلحة وإبن خشاب أن للإمام عليه السلام بنتين بإسم فاطمة ،كما أن صاحب كشف الغمة ذكر أن للإمام عليه السلام أربع إناث،كما أنَّ المشهور أيضاً أن له بنتاً إسمها فاطمة تركها في المدينة لكونها كانت مريضة يومذاك،وأغلب المؤرخين لا يقولون بوجود بنتٍ له إسمها رقيّة سوى إبن طاووس حيث ذكرها في اللهوف ولم يتعرَّض لبنتٍ إسمها زينب كما فعل غيره،كما أن بعضهم يقول بوجود بنت له إسمها خولة مدفونة في بعلبك شمال لبنان ولم يثبت لنا صحة هذا القول ،كما أن له عليه السلام إبناً إسمه محسن مدفون في حلب قرب مسجد النقطة مع أن المؤرخين لم يتعرَّضوا لذكره أصلاً وبالرغم من ذلك كلّه، فإن الشيعة يقصدون قبره للزيارة ويتشفعون به وكذلك يفعلون بضريح خولة في لبنان وسكينة بنت الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام المدفونة في داريا /الشام،فما المانع - إذاً - أن يكون له بنت في كربلاء في سنِّ التزويج قد اقترن بها القاسم عليه السلام؟؟! وما المانع من باب الإحتمال أن تكون السيِّدة سكينة عليها السلام هي المعقود عليها على المولى القاسم عليه السلام مع أن التاريخ لم يفصح عن تحديد عمرها،كما لم يفصح التاريخ عن عمر فاطمة الصغرى عليها السلام التي كانت في كربلاء، والظاهر أن المعقود عليها هي مولاتنا فاطمة الصغرى عليها السلام، وفي حال شكَّك المشككون الموتورون بما قلنا فنجيبهم بأننا لا يهمنا من تكون المعقود عليها في الطف ما دام الخبر الذي رواه الطريحي يثبت حصول عقد زواج بينها وبين المولى ين القاسم عليهما السلام، فليس التحديد من وظائفنا في حال فقدان النص المعيِّن، لأن جهلنا بما جرى في كربلاء أكثر بكثير مما نعلمه،فلماذا هذا التشويش والتهويل من قبل بعض رجال الدين ممن لا تحصيل لديهم ولا دليل عندهم لنفي المطالب العلمية والتاريخية سوى استحسانات وأقيسة لا علاقة للإستنباط بهما..!.
   مضافاً إلى ذلك: إن عدم وجود قابلية للزواج لواحدة من بناته لكونهنَّ صغيرات ليس مبرراً لطرح أصل الزواج،فالقدر المتيقن أن الإمام عليه السلام عقد لإبن أخيه القاسم عليه السلام - بحسب منطوق المرسلة - على إحدى بناته الصغيرات إلا أنها ليست دون مستوى التزويج، إذ الظاهر من المرسلة أن ابنته عليهما السلام كانت في مستوى أن تُزوَّج لا سيَّما بالقرائن الواردة فيها: كوضع يده بيدها/ وأفرد لهما خيمة وخرج عنهما/ جذبت ذيله ومانعته من الخروج/  لزمته ابنة عمه / قوله لها: خلّي ذيلي فإن عرسنا  أخرناه إلى الآخرة/...كلها قرائن تثبت كونها في مستوى البناء بها وليست صغيرة غير قابلة للزواج والبناء بها.
  ولو سلَّمنا أنها عليها السلام صغيرةً دون سنّ التكليف إلا أن الإمام عليه السلام قد عقد عليها لابن أخيه بشرط عدم البناء بها، وذلك لحكمة التشريع لكي لا يخرج القاسم عليه السلام من الدنيا أعزباً، لأن شرَّ الموتى هم العزاب حسبما جاء في الخبر النبويّ، ولعلّ العقد أيضاً كان لأجل أن بنت الإمام الحسين عليهما السلام ستكون زوجة واقعية للقاسم عليه السلام في الآخرة، فأحبّ الإمامان الحسنان عليهما السلام أن يقترن ولداهما في الدنيا قبل الآخرة، كما أن العقد على الصغيرة مساغٌ شرعاً في كلِّ آثاره المترتبة عليه من سائر الإستمتاعات ما عدا الدخول، لا سيَّما إذا كانت الصغيرة المعقود عليها لديها القابلية النفسية لذلك دون أن تكون لديها القابلية الشرعية والفسيولوجية البدنية للدخول بها،إذ قد تكون وصل سنُّها إلى التاسعة لكنَّها لم تكملها إلا بعد أيام،والبنت قد تكون لديها القدرة على الزواج قبل التاسعة لكنَّ الشرع منع من البناء بها ولم يمنع من سائر الإستمتاعات الأخرى كما أشرنا ، يرجى التدبر، فإنه دقيق جداً. 
  والحاصل:إن استبعاد الشيخ عباس القمي في (منتهى الآمال) والنوري في (اللؤلؤ والمرجان) لوجود بنتٍ للإمام الحسين (عليه السلام) بحجة أنها غير قابلة للتزويج ليس مبرراً لرفض أصل فكرة الزواج كما أشرنا آنفاً، وهذا ما دعا الشيخ النوري إلى عدم استحالته حيث قال بعد تشكيكه بقصة العرس"فإن وقوعها ممكن وليس مستحيلاً "، فقد اعترف بالعجز فليذهب تشكيكُهُ بما قد أسلفنا أدراجَ الرياح .
   (الإشكال الرابع):إنَّ القاسم عليه السلام كان يومذاك صغيراً لم يبلغ الحلم إذ لم يتجاوز عمره اثني عشر ربيعاً، وبالتالي فإنَّه سنٌّ لا يؤهِّل للزواج،مما يعني عدم حصول مثل هكذا زواج في الطف...هذا الإشكال سجَّله أيضاً المحشِّي على كتاب مدينة المعاجز للعلامة السيِّد هاشم البحراني ( أعلى الله مقامه الشريف) . 
  والجواب: ما ذكره المستشكل غير تامٍ، وذلك لأن علماء اللغة فسروا الغلام بالطَّار الشارب أي من طلع شاربه،وقيل هو من حين يولد إلى أن يشيب، فبهذا ينتفي الإشكال من أصله،ولو فرضنا جدلاً أن المولى القاسم عليه السلام كان دون سنِّ التكليف أو لم يبلغ الحلم بحسب الظاهر دون الواقع،فإن التكليف منصَّبٌ عليه واقعاً وإن كان بحسب الظاهر لدى الناس أنَّه لم يبلغ الحلم،فإنَّك ترى صبياً وتحكم عليه بالصباوة عقلاً وعرفاً وشرعاً لكنَّه قد يكون مكلَّفاً ثبوتاً وواقعاً من حيث الإحتلام أو نبات الشعر على العانة وهاتان علامتان للبلوغ مضافتان للعلامة الأولى وهي بلوغ خمسة عشر سنة هلالية،فإذا تمت إحدى هذه العلامات فقد وجب التكليف على صاحبها،وبلوغ مولانا القاسم عليه السلام من هذا القبيل، إذ قد يكون قد بلغ الحلم ولم يظهر عليه ذلك كما في العديد من الصبيان الذين يبلغون الحلم باكراً وإن كانوا بحسب الظاهر ليسوا كذلك، يرجى التأمل. 
ولو سلَّمنا جدلاً عدم بلوغه الحلم واقعاً فما المانع من تزويجه شرعاً ؟ فالأدلة لا تمنع غيرَ البالغ من التزويج إذا كان قادراً على ذلك وكان بإذن وليّه،وقد حصل ذلك بإذن الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام وهما وليَّان حقيقيان له قبل الممات وبعده، وولاية أبيه باقية كما أن ولاية عمّه المولى سيِّد الشهداء عليه السلام نافذة في حقه بلا إشكال نصاً وفتوىً بين عامة فقهاء الإمامية.
 (الإشكال الخامس): إن يوم الطف يوم كربٍ وعطش وجوع وقتالٍ وليس يوم عرسٍ ونكاح..إلخ.
  والجواب: لم يحصل عرسٌ بالمعنى المتعارف عليه في عامة المجتمعات من الإحتفال بالطرب وما شابه ذلك،كما لم يحصل نكاح في ذاك اليوم أصلاً ، فالعقد الشرعي لا يستلزم بالضرورة القطعية النكاحَ ولوازمه،بل هو مجرد عقدٍ حصل يومذاك في الساعات القريبة من نزوله للميدان،فكلُّ ما هنالك أن المولى القاسم عليه السلام لمَّا تمسكت زوجته بذيله قال لها:"إن عرسنا أخرناه إلى الآخرة " فهذه قرينة واضحة على عدم حصول نكاح، وهو عكس ما تخيَّله وتصوره الإشكال المزبور، بل يمكننا الإطمئنان بأن الغاية من الزواج إنَّما كانت لأجل استحباب تكميل الإيمان بالعقد الشرعي، بمعنى أن الإمام الحسن عليه السلام أرادا للقاسم عليه السلام الإقتران بإبنة عمه للنكتة التي أشرنا إليها سابقاً، ولمصالح لا نعرف كننهها وإنما نسلِّم لأولئك العظماء عليهم السلام ولا يجوز الإعتراض طبقاً لقوله تعالى:" وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصِ الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً".
  وبما تقدَّم: اتضح ضعف الإشكالات التي تقدَّمت،فالصحيح عندنا - وبحسب التحقيق المتقدم  الذي لم يسبقنا إليه أحدٌ بفضل الحجج الطاهرين والإستمداد منهم صلوات ربي عليهم - أن زواج مولانا القاسم عليه السلام حقيقة خارجية وليست من نسج الخيال كما يريد البعض نعتها بالخرافة ، وكلَّ من يعتبرها خرافةً، ينبغي له أن يهيء الجواب للمحاسبة يوم تشخص فيه القلوب والأبصار لكونه قد طرح نصاً تاريخياً ثبت فيه حكمٌ شرعي مستحبٌ تجري عليه قاعدة التسامح في أدلة السنن وهي قاعدة عمل بها مشهور فقهاء الإماميَّة ولها تفاصيل لسنا بصدد بيانها ههنا بل لها مجال آخر .
  والحاصل: يصح الإعتماد على رواية الطريحي رحمه الله تعالى لإثبات صحة زواج مولانا القاسم عليه السلام،كما يجوز قراءة النص الدال على هذا الزواج في ليلة القاسم (سلام الله عليه) من كل عام بشرط عدم إضافة زيادة من قِبَل القاريء،والله تعالى مجده أعلم بأسرار خلقه، والحمد لله ربِّ العالمين وصلِّ اللهم على نبيّ الرحمة وآله غاية الوجود ووسيلة الرب المعبود(صلّى الله عليهم أجمعين)، والله الموفق للصواب والرشاد والتوفيق والسلام عليكم ورحمته وبركاته.
 
حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد
محمد جميل حمُّود العاملي
بيروت بتاريخ 10 ربيع الثاني 1437 هجري
 

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/03/01   ||   القرّاء : 21949




أحدث البيانات والإعلانات :



 لقد ألغى سماحة لمرجع الديني الكبير فقيه عصره آية الله الحجّة الشيخ محمّد جميل حمّود العاملي ( دام ظلّه الوارف ) كلّ الإجازات التي منحها للعلماء..

 الرد الإجمالي على الشيخ حسن المصري..

 بيان تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1443 هجري / 2022 ميلادي

 الرد الفوري على الشيخ البصري

 إحتفال الشيعة في رأس السنة الميلاديّة حرام شرعاً

 بيان تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1441 هجري / 2020 ميلادي

 بيان هام صادر عن المرجع الديني آية الله الشيخ محمّد جميل حمُّود العاملي

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 حكم الرعاف في شهر رمضان...

 البتريون كالنواصب نجسون دنسون..

 هل الملعون نجس؟

 تحية السلام على المصلي...

 حكم العدول من سورة الى سورة في الصلاة الواجبة..

 الإيراد على الوهابيين غير المعتقدين بالتوسل بالأنبياء والأولياء من آل محمد عليهم السلام - ألقيت في عام 2008 ميلادي

 ما مدى صحة الفقرة الواردة في زيارة مولاتنا الصدّيقة المطهرة زينب الكبرى صلوات الله وتسليماته عليها: (السَّلام عليك أيتها المتحيّرة في وقوفك في القتلى..) ؟.

ملفات عشوائية :



 كيفية الدعاء للميتة المؤمنة في صلاة الميت

 مال الوقف يبقى خاصاً على الجهة الوقفية

 هل الإمام المهدي عليه السلام متزوج في غيبته المقدسة؟

 المعصوم يستخدم قوته العقلية النورانية في معرفة الحق من الباطل/ العصمة لا تسلب من المعصوم مداركه العقلية المميزة بالطهارة والنقاء.

 ــ(87)ــ إشكالات السيد الصدر على وجود الجزيرة الخضراء والردود عليها ــ(الحلقة الثالثة عشرة)ــ

 موقف الشيعة الإمامية من الشهادتين

 ما حكم المنتحل للولاية المطلقة ولقب آية الله العظمى..؟

جديد الصوتيات :



 الإيراد على الوهابيين غير المعتقدين بالتوسل بالأنبياء والأولياء من آل محمد عليهم السلام - ألقيت في عام 2008 ميلادي

 محطات في سيرة الإمام محمّد الجواد عليه السلام - 26تموز2007

 محاضرة حول الصدقة (حديث المنزلة..وكل الانبياء أوصوا الى من يخلفهم..)

 السيرة التحليليّة للإمام علي الهادي عليه السلام وبعض معاجزه

 لماذا لم يعاجل الإمام المهدي (عليه السلام) بعقاب الظالمين

 المحاضرة رقم ٢:( الرد على من شكك بقضية إقتحام عمر بن الخطاب لدار سيّدة الطهر والقداسة الصديقة الكبرى فاطمة صلى الله عليها)

 المحاضرة رقم 1:(حول ظلامات الصدّيقة الكبرى..التي منها إقتحام دارها..والإعتداء عليها ارواحنا لشسع نعليها الفداء والإيراد على محمد حسين..الذي شكك في ظلم أبي بكر وعمر لها...)

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 11

  • الأقسام الفرعية : 36

  • عدد المواضيع : 2193

  • التصفحات : 19167282

  • المتواجدون الآن : 1

  • التاريخ : 19/03/2024 - 09:50

||   Web Site : www.aletra.org   ||   
 

 Designed, Programmed & Hosted by : King 4 Host . Net