• الصفحة الرئيسية

ترجمة آية الله العاملي :

المركز :

بحوث فقهيّة وعقائديّة/ اردو :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مجلّة لسان الصدق الباكستانيّة (3)
  • بحث فقهي عن الشهادة الثالثة (1)

محاضرات آية الله العاملي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • سيرة الإمام الحجّة (عليه السلام) (121)
  • مظلوميّة الصدِّيقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) (20)
  • شبهات وردود حول فقه السيرة الحسينية (11)
  • من هم أهل الثغور؟ (1)
  • محاضرات متفرقة (14)
  • شبهات وردود حول ظلامات سيّدتنا فاطمة عليها السلام (2)
  • الشعائر الحسينية - شبهات وردود (محرم1435هـ/2014م) (9)
  • زيارة أربعين سيّد الشهداء (عليه السلام) (2)
  • البحث القصصي في السيرة المهدوية (22)
  • سيرة الإمام زين العابدين (عليه السلام) (6)

أدعية وزيارات ونعي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • أدعية (14)
  • زيارات (9)
  • نعي، لطميّات (4)

العقائد والتاريخ :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • شبهات وردود (457)
  • عقائدنا في الزيارات (2)

الفقه :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • إستفتاءات وأجوبة (1172)
  • أرسل سؤالك

علم الرجال :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مواضيع رجاليّة (102)

مواضيع مشتركة ومتفرقة :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مراسلات زوّار الموقع للمركز (4)
  • كلمة - رأي - منفعة (20)
  • نصائح (5)
  • فلسفة ومنطق (4)
  • رسائل تحقيقيّة (3)
  • مواضيع أخلاقيّة (3)
  • فقهي عقائدي (35)
  • فقهي أصولي (11)
  • فقهي تاريخي (6)
  • شعائري / فقهي شعائري (26)
  • مواضيع متفرقة (22)
  • تفسيري (15)

مؤلفات آية الله العاملي :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • مؤلفات عقائديّة (15)
  • مؤلفات فقهيّة (13)

بيانات :

إظهار / إخفاء الأقسام الفرعية

  • بيانات وإعلانات (35)

المؤلفات والكتب :

 
 
 

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية لهذا القسم
  • أرشيف مواضيع هذا القسم
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح
  • أضف الموقع للمفضلة
  • إتصل بنا

 
 • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم وأهلك أعداءهم • 
  • القسم الرئيسي : العقائد والتاريخ .

        • القسم الفرعي : شبهات وردود .

              • الموضوع : بحث حول كينونة مولانا أمير المؤمنين علي (عليه وآله السلام) مع الأنبياء باطناً ومع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ظاهراً .

بحث حول كينونة مولانا أمير المؤمنين علي (عليه وآله السلام) مع الأنبياء باطناً ومع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ظاهراً

 

بحث حول كينونة مولانا أمير المؤمنين علي (عليه وآله السلام) مع الأنبياء باطناً ومع الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله ظاهراً


بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة آية الله العلامة المحقق الشيخ محمد جميل حمود العاملي مد ظله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نأمل من سماحة المرجع الاجابة على الاستفسار الآتي :
قول مولانا مولى الموحدين أمير المؤمنين صلوات الله عليه وعلى آله أجمعين : (كنت مع الأنبياء باطناً ومع رسول الله ظاهراً) .
السؤال الاول : بأي صفه وبأي شخصية كان وجود أمير المؤمنين عليه السلام مع الأنبياء السابقين ؟
السؤال الثاني : ما هو الدور ووجه الانتفاع من وجود مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مع كل نبي وقت بعثته ؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بسمه تعالى
 

     الحمد لله ربّ العالمين والصلاة على سادة رسله سفن النجاة ومصابيح الدجى رسول الله محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين من كلّ عيب ورجس والمطهرين من كل سوء وعيب، فلعن الله تعالى ظالميهم ومبغضيهم ومنكري معارفهم وفقههم ومعاجزهم وكراماتهم وفضائلهم وظلاماتهم ومنازلهم وولايتهم إلى قيام يوم الدين .. وبعد .
السؤال حول الشخصية العظمى أمير المؤمنين وإمام المتقين مولانا الإمام الأعظم أبي الحسن المرتضى عليّ صلى الله عليه وأهل بيته الطاهرين أجمعين لهو سؤال كبير يحتاج إلى جواب كبير يعطي تلك الشخصية العظيمة حقها ... وأين لنا من ذاك البحر الزخار الذي لا يمكن الولوج في أمواجه والسباحة في مائه الهدار...!!! ولكن كما قال هذا الرجل العظيم مولانا أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه وآله : (ما لا يدرك كلّه لا يترك كله) وفي تعبيرٍ آخر له روحي فداه قال عليه السلام : ( الميسور لا يسقط بالمعسور) وها نحن نحاول أن نسبر بعض شواطئه الشريفة عسانا نلتقط بعض درره ولؤلؤه الثمين راجين أن يكتبنا في لائحة خدامه وممن يلتمس أن يربط له شريط نعله أو حذائه .. وسوف لن يرتجف قلمي في الكتابة عن السر المكنون لهذا الرجل العظيم أرواحنا فداه وتبقى الكتابة ناقصة لا تفيه حقه .. ومن أنا حتى أوفيه حقه وما أنا إلا غبرة على نعله الشريف ..! وها أنا أتشرف بالجواب عن السؤالين اللذين تفضل بهما أحد المؤمنين الأفاضل رضا ... دامت تسديداته وتوفيقاته .. وهذان السؤالان هما الآتي :
السؤال الأول : بأي صفة وبأي شخصية كان وجود أمير المؤمنين (ع) مع الأنبياء السابقين؟
السؤال الثاني : ما هو الدور ووجه الإنتفاع من وجود مولانا أمير المؤمنين (ع) مع كل نبي وقت بعثه؟...

والجواب :
للإجابة على هذين السؤالين ينبغي أن نقسم البحث إلى ثلاث نقاط رئيسية حتى يتضح حقيقة الكينونة العلوية على صاحبها آلاف السلام والتحية مع الأنبياء باطناً ثم مع الرسول ظاهراً, فنقول وبه نستعين, أن البحث يدور حول نقاط :
(النقطة الأولى) :
حول سند الرواية الحاكية عن وجوده الأقدس مع الأنياء باطناً.
(النقطة الثانية) : هل تدخل المسألة في التقمص الذي يقول به الدروز وهل أن مجرد انتقال الروح العلوية عبر الأطوار يعتبر تناسخاً ؟.
(النقطة الثالثة) : كيف نعالج وجود أمير المؤمنين المقدس قبل ولادته الجسدية وصور تعدده الشريفة ؟.

(البحث في النقطة الأولى):
لقد جاء في أخبار متعددة _ أورد السيد هاشم البحراني أعلى الله مقامه الشريف في كتابه الشريف مدينة المعاجز ج1 ص 142-144 عدداً وافراً منها حدود ستة أخبار نقلاً عن الحافظ رجب البرسي أعلى الله مقامه في كتابه مشارق أنوار اليقين _ تدل على الوجود الكوني لأمير المؤمنين عليه السلام منذ عهد النبي نوح عليه السلام نزولاً إلى عهد النبي سليمان وموسى وهارون عليهم السلام وبالرغم من كثرة هذه الأخبار حيث تجاوزت حد الإستفاضة فإنها محذوفة الأسانيد, والحذف قد يتخذه مَنْ في قلبه ذريعة للتشكيك في تلكم الأحاديث الشريفة الدالة على علو فضل أمير المؤمنين (عليه السلام), والتشكيك بالكرامات والمعاجز علامة النفاق عند المتظاهر بالإيمان والولاء, فحتى لا يكون حذف الأسانيد ذريعة لبذر الفتنة حول معاجز سيد الأولياء أمير المؤمنين وإمام المتقين (عليه السلام) لا بد لنا من علاج هذه الروايات الشريفة _الدالة على علو فضله_ من الناحية الرجالية وعلم الحديث والدراية فنقول وبه نستعين:
_ أن صحة أي خبر سواء أكان فقهياً أو عقائدياً أو تاريخياً أو تكوينياً ترتبط بجهتين في علم الأصول :
(الجهة الأولى) : أن يكون الخبر مدلولاً عليه بالخبر الثقة الذي لا يُحتمل عادةً في حقه الكذب والتلفيق.
(الجهة الثانية) : أن يكون الخبر مدلولاً عليه بالخبر الموثوق الصدور وهو الخبر التي دلت القرائن على صحته، ونعني بالقرائن الإشارات والمقدمات الدالة على صحة الخبر المنقول إلينا بواسطة رواة، فالمعول على مدلول الخبر المتوافق مع القرائن من الكتاب والسنة وغير ذلك وليس المعوّل على نفس الراوي كراوٍ للحديث, والقرينة قد تكون لبيَّة (وهي كل ما يساهم في تحديد المراد الجدي للكلام من غير الألفاظ) وقد تكون لفظية وهي (كل ما يتصل بالكلام من لفظ أو غيره فيتحدد به المراد الجدي للمتكلم.
والقرينة اللفظية تارة تكون متصلة :كما لو قال المتكلم "أكرم كل عالم إلا أن يكون فاسقاً" فالقرينة هي الإستثناء, ولولاها لكان ظاهر كلام المتكلم هو وجوب إكرام جميع العلماء إلا أن مجيئها أنتج تحديد المراد الجدي للمتكلم وأنه لا يقصد العموم رغم استعماله للفظٍ يعبر عن العموم وهو لفظ "كل".
ومنشأ التعبير عن هذه القرينة بالمتصلة هو وقوعها في سياق كلام المتكلم واتصالها به.
وأخرى تكون منفصلة :كما لو قال المتكلم "أكرم كلَّ العلماء" ثم يقول في خطاب آخر "لا تكرم فساق العلماء" فالخطاب الثاني قرينة منفصلة يتحدد بها المراد الجدي من الخطاب الأول وأنه لا يريد إكرام الفساق من العلماء.
_ وقد وقع خلاف بين الأعلام حول صحة الجهة الثانية (أي جهة كون الخبر موثوق الصدور) مع اتفاقهم ضمنياً على الأخذ بالخبر الثقة، فمشهور المتقدمين وثلة من المتأخرين تبنوا نظرية الخبر الموثوق الصدور في مجال استنباط الأحكام الشرعية وغيرها من القضايا التاريخية والتكوينية والأخلاقية وفي مجال الأدعية والزيارات والتوسلات والفضائل والمعجزات والكرامات بخلاف مشهور المتأخرين الذين شددوا على وجوب الأخذ بالخبر الثقة ولم يعطوا أهمية لغيره مع أنهم أعرضوا عن أخبار صحيحة سنداً, فهم من الناحية العملية قد عملوا بحجية الخبر الموثوق الصدور لا الخبر الثقة ... وبالغض عن كل ذلك فإن روايات الفضائل والمعاجز والكرامات يجوز الأخذ بها بل يجب ذلك ما دامت لا تعارض الكتاب والسنة ودليل العقل الشرعي وذلك لأن أخبار الفضائل والكرامات والمعاجز لا تحكي عن الفعل الشرعي للمكلفين بل هي مبيّنة ومؤكّدة للأدلة الدالة على طهارة صاحب المعجزة والكرامة والفضيلة فهي خارجة عن محل التكليف.
وبعبارة أوضح : أن ما عدا الحكم التكليفي الخاص بالمكلّف يكون خارجاً عن التكليف به شخصياً بل هوحاكٍ عن تكليف غيره من المعصومين أو أنه واصف لحال المعصوم عليه السلام بما هو عليه من الفضل والكرامة فلا يحتاج الخبر الواصف لغير المكلف أن يكون صحيحاً من الناحية السندية...بالإضافة إلى أن حجية الخبر الواحد إنما هي خاصة بالمكلف بالتكليف الشرعي الإلزامي ولا علاقة لها بالتكليف الشرعي غير الإلزامي كالمستحب والمباح...فضلاً عن أنها خارجة عن الأوصاف الحاكية للفضائل والملاحم والتواريخ والحوادث التكوينية شريطة أي يكون الوصف مديحاً لا ذمّاً أو إنتقاضاً وإلا لصدق على الخبر الناقل بأنه مصداق لقوله تعالى ( أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) .
_ وكون هذه الروايات مرسلة لا يضر بصحة التمسك بها وذلك لأمرين :
الأول : أن المرسل ينجبر بعمل الأصحاب .
الثاني : أن الإرسال لا يضر مع كثرة الرواية .
وبالجملة : سواء قلنا بحجية الخبر الثقة أو الموثوق الصدور, فإن خبر وجود أمير المؤمنين (عليه السلام) مع الأنبياء باطناً صحيح من الناحية الدلالية, ولا بأس به من الناحية السندية حتى ولو كان مرسلاً فإن الإرسال لا يضر مع كثرة الروايات المتعلقة بوجود أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين مع الأنبياء باطناً..هذا بالإضافة إلى أنه لا يشترط قوة السند في أخبار الفضائل والمعاجز لأن المطلوب في أخبار الفضائل والمعاجز والكرامات عقد القلب على المعارف اليقينية والتسليم لفضائل الحجج الطاهرين الذين لولاهم ما خلق الله تعالى الخلق (لولاكم لما خلقت الأفلاك).

(النقطة الثانية) :
هل تدخل المسألة في مفهوم التقمص ؟ وهل أن مجرد انتقال الروح عبر الأطوار يعتبر تناسخاً ؟.
الجواب : إنَّ انتقال الروح المجردة إلى جسد مثالي آخر لا يدل على وجود تناسخ لأن مفهوم التناسخ هو عبارة عن الإنتقال الروحي إلى أجساد متعددة بنية الثواب والعقاب أي أن تعدد الروح عبر الأجساد المتكررة إنما هو لأجل تعذيب الروح أو تنعيمها بواسطة الجسد الذي انتقلت إليه, والتناسخيون لا يعتقدون بوجود جنة ونار أخروية بل هما _أي الجنة والنار_ في عالم الدنيا ولا ثمة عالم آخروي غير هذا العالم الدنيوي, فالفرق بين التجرد الروحي عبر الجسد المثالي وبين التناسخ واضح كما أشرنا أعلاه, فأصحاب التجرد الروحي _وهم أتباع الشرائع السماوية كاليهود والنصارى والمسلمون_ يؤمنون بوجود عالم أُخروي فيه عذاب ونعيم ولا يؤمنون بالتقمص أو ما يسمى بالتناسخ بل إن فكرة التناسخ منشؤها وثني بوذي كما فصّلنا ذلك في كتابنا (الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية ج1 باب عقيدتنا في المعاد الجسماني) فليُراجع.

الفرق بين التناسخ والتجرد المثالي
_ والفرق بين التناسخ والتجرد الروحي في عالم الصور المثالية من وجوه:

(الوجه الأول) : إن النتاسخ عبارة عن خروج الروح من جسد وانتقالها إلى جسد آخر لأجل التنعيم أو التعذيب فالروح في مفهوم التجسد كانت في جسد مادي ثم انتقلت إلى جسد مادي آخر, بخلاف التجرد الروحي عند أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل حلوله في جسده المادي كان روحاً في قالب مثالي ثابت لم ينتقل من جسد إلى جسد آخر كما هو حاصل في التجسد التناسخي بل إنه جسد واحد قبل عالم الأبدان كان في قالب مثالي وهو ما عبرت عنه الأخبار إنهم عليهم السلام كانوا أشباح نور قبل عالم الدنيا أو قبل تسلسلهم في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة...ومعنى (أشباح) أي صور مثالية كانت قالباً لأرواحهم المقدسة، وبهذا القالب كانوا يتنقلون في العوالم العلوية والسفلية معلِّمين للملائكة ومنقذين للأنبياء من الهلكة باعتبار أن أئمتنا الطاهرين (عليهم السلام) _وفي طليعتهم أمير المؤمنين (عليه السلام)_ وهو ما جاءنا من الأخبار الشريفة التي نقلها لنا الحافظ الجليل رجب البرسي أعلى الله مقامه الشريف في كتابه الشريف مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين (ع) وقد نقلها عنه المحدث الجليل السيد هاشم البحراني في كتابه الجليل مدنية المعاجز الجزء الأول / من الباب الرابع والعشرين إلى الباب السابع والعشرين / حديث الجنّي الذي كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله ونحن ننقلها لكم ليتضح الصبح لذي عينين وهي التالي:
81_البرسي : قال : أخبر أصحاب التواريخ أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان جالساً وعنده جنيّ يسأله عن قضايا مشكلة, فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فتصاغر الجنيّ، حتى صار كالعصفور، ثمّ قال: أخبرني يا رسول الله. قال: عمّن؟ فقال: من هذا الشاب المقبل؟ قال: وما ذاك:؟ قال الجنيّ: أتيت سفينة نوح لأغرقها يوم الطوفان، فلّما تناولتها ضربني هذا فقطع يدي، ثمّ أخرج يده مقطوعة، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): هو ذاك.
82_البرسي : قال : بهذا الإسناد إن جنيّاً كان جالساً عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأقبل أمير المؤمنين (عليه السلام) فاستغاث الجنيّ وقال: أجرني ( يا رسول الله من هذا الشاب المقبل. قال: ما فعل بك؟ قال: تمردت على سليمان، فأرسل إليّ نفراً من الجنّ، فطلت عليهم، فجاءني هذا الفارس، فأسرّني وجرحني، وهذا مكان الضربة إلى الآن لم تندمل.
83_ من طريق المخالفين ما رواه صاحب فضائل العشرة: إن جنيّاً كان جالساً في مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدخل عليٌّ (عليه السلام) فغاب الجنيّ، فلمّا خرج عليّ عاد الجنيّ إلى مكانه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) لم غبت عند حضور[الإمام] عليّ عليه السلام؟ فقال: يا رسول الله إن عليّاً جرحني. قال: وكيف؟ ولم تظهر إلا في زمن سليمان (ع) ثمّ قال (صلى الله عليه وآله): إنّ الله تعالى خلق ملكاً على صورة عليّ يقاتل مع الأنبياء.
ملاحظة وتنبيه : كل الأخبار المتعلقة بسبق وجود أمير المؤمنين عليّ عليه السلام دلت على وجوده حقيقة إلا هذا الخبر الدال على أن الله تعالى خلق ملكاً بصورة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وهو على ضعفه السندي من حيث كونه من طرق المخالفين الذين ينكرون تقدم سبق الأرواح على الأجسام لا سيما أرواح أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام..بالإضافة إلى أنَّ وجود روح أمير المؤمنين عليه السلام قبل جسده الشريف تسجل على القوم حجة كبرى عليهم لإقرارهم حينئذٍ بفضائله الكبرى التي تضاهي كرامات النبيّ الأعظم محمد صلى الله عليه وآله، وعلى كلِّ حال فإن نفس إعترافهم بوجود ملك بصورة إمام المتقين سيدنا المعظم أمير المؤمنين عليّ عليه السلام يعتبر دليلاً مهماً على عظمة مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه السلام وقربه من الله تعالى ما يصبغ عليه صفة العصمة لأن تشبه الملك المعصوم بالهيكل المعظم لأمير المؤمنين عليه السلام يستلزم عصمته وعلو منزلته ومساواته لرسول الله صلى الله عليه وآله..ووجود صورته على هيكل الملاك لا يتعارض مع الأخبار الأُخرى الدالة على أن روحه المقدسة كانت في قالب مثالي وأنه كان حقيقة مع الأنبياء وليس صورته على هيكل الملاك وذلك لوجود قرينة واضحة في الأخبار تشير إلى أنه صلوات الله عليه أيد به النبيين سراً..ولا يصلح التأييد إلا بالوجود الحقيقي لروحه المقدسة وليس بوجوده الصوري الملقى على الملك فلا يطلق عليه بأنه ناصر للأنبياء بل كان المناسب إطلاق لفظ آخر عليه بأن الله نصر الأنبياء بملك متصوراً بصورة الإمام عليّ عليه السلام وهو منتفٍ وجوده في الأخبار التي صرحت بأن الله تعالى أيد به الأنبياء سراً وأيد به رسول الله جهراً ...فتأييد النبي الأعظم محمد صلى الله عليه وآله جهراً معطوفاً على تأييد الأنبياء به سراً دلالة أخرى على وجوده الحقيقي مع الأنبياء كما كان موجوداً حقيقةً مع رسول الله محمد صلى الله عليه وآله..يرجى التدبر جيداً.
84_ البرسي: قال: روي أنّ فرعون _لعنه الله_ لمّا لحق هارون(ع) بأخيه موسى(ع) دخلا عليه يوماً، وأوجسا خيفة منه، فإذا فارس يقدمهما، ولباسه من ذهبٍ، وبيده سيف من ذهبٍ، وكان فرعون يحبّ الذهب، فقال لفرعون: أجب هذين الرجلين ,وإلا قتلتك، فانزعج فرعون لذلك، وقال: عودا إليّ غداً، فلمّا خرجا دعا البوابين، وعاقبهم وقال: كيف دخل عليّ هذا الفارس بغير إذن؟ فحلفوا بعزّة فرعون (انّه) ما دخل إلا هذان الرجلان، وكان الفارس مثال عليّ (هذا) الذي أيّد الله به النبيين سرّاً، وأيّد به محمّداً جهراً لأنّه كلمة الله الكبرى التّي أظهرها الله لأوليائه فيما شاء من الصور، فنصرهم بها وبتلك الكلمة يدعون (الله) فيجيبهم، وينجيهم، والآيه الإشارة بقوله " ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا ".
وقال ابن عبّاس : كانت الآية الكبرى لهما هذا الفارس (والسلطان).
85_وأيضاً البرسي: قال المفسّرون في معنى هذه الآية: كانت الآية والسلطان صورة عليّ وكذا لسائر النبيين.
86_وقال أيضاً: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي إنّ الله أيّد بك النبيين سرّاً، وأيّدني بك جهراً.
وما يؤيد وجوده السري مع الأنبياء كونه الوليّ الأكبر لله تعالى والآية العظمى الباهرة لله تعالى ما صدر منه من محاربته للجن في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد ورد بخبر مستفيض اشتهر بخبر عطرفة الجني، أورده السيد الجليل هاشم البحراني في مدينة المعاجز الجزء الأول بسندين عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ، وقد رواه البحراني نقلاً عن إبن شهر أشوب في كتاب المناقب ونقلاً عن السيد المرتضى في عيون المعجزات وقد أقر السيد المرتضى رحمه الله تعالى بأن الخبر معروف عند علماء الشيعة، وقد نقله السيد المرتضى عن كتاب الأنوار لصاحبه الجليل أبي عليّ محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الأسكافي المولود عام 258 والمتوفى عام 336هـ وقد وثقه النجاشي قائلاً عنه بأنه شيخ أصحابنا ومتقدميهم وله منزلة عظيمة...فمن كانت له هذه المنقبة وهي محاربته للجن التي تتطلب إيماناً كاملاً وقدرات ربانية هائلة لا يمكن مساواته مع سائر المؤمنين أو بعض الصحابة الذين يتشدق المخالفون بعلو درجاتهم ويخصون بالذكر أبا بكر وعمر وعثمان، فليكشفوا لنا عن مناقبهم العالية كتلك المناقب التي اتصف بها أمير المؤمنين عليه السلام بإعتراف علمائهم المنصفين ...!.
(الوجه الثاني): التجرد الروحي بالجسد المثالي يختلف عن التقمص الروحي المشروط فيه الخلع واللبس المتكرر بمعنى أن الروح في المفهوم التناسخي تنتقل عبر أجساد متعددة أصلية في حين أنها _في المفهوم التجردي_ باقية في جسد مثالي واحد ولا تنتقل من جسد إلى آخر لأجل النعيم أو التعذيب المشروطين في التقمص.
(الوجه الثالث): للتناسخ حالات وانتقالات عدة، كل حالة يُصطلح عليها باسمٍ خاص عندهم _كما فصلناه في كتابنا الفوائد البهية ج1 ص633.
وهذه الحالات هي أربعٌ:
1_النسخ: وهو انتقال النفس بالموت من البدن الأول المادي إلى بدن آخر مادي في هذه النشأة.
2_المسخ: هو الرجوع إلى بدن حيواني، فإن كان محسناً فإلى حيوان سعيد، وإن كان مسيئاً فإلى حيوان شقي.
3_ الفسخ: وهو انتقال إلى شجر ونبات.
4_الرسخ: وهو انتقال إلى حجر وجماد.
وهذه أقسام التناسخ في مدارج النزول، وهناك أقسام أخرى في مدارج الصعود نلخصها بالبيان التالي هو :
إن النفس في بدء وجودها إنما توجد في صورة أحسن النباتات ثم تتدرج بالصعود إلى أرقى الدرجات لتصل إلى درجة الحيوان الذي هو أشرف من النبات ثم تتدرج لتصل إلى النوع الإنساني وبعده تتصل بأجرام فلكية غاية استكمالها النهائي فتصبح في عالم المجردات متحدة مع العقول ومن كانت بهذه الصفة فهي مع السعداء، وأما الأشقياء فتنتكس نفوسهم في مظاهر الظلمانيات لتخلد إلى الأرض مع الأبد.
فيتلخص مما ذكرنا : أن النفس لا تزال تنتقل ضمن أجسادها هابطة أو صاعدة.
ويترتب على القول بالتناسخ محذورات:
الأول : الإستخفاف بقدرة الله تبارك شأنه حيث إن الإعتقاد بإنتقال الروح من بدن إلى بدن آخر ــ بحسب نظرية التناسخ ــ دليل عجز الإله على أن يخلق لكل بدن روحاً خاصة به (تعالى الله تعالى عن العجز علواً كبيراً ).
الثاني: إنكار المعاد الجسماني وهو عودة الأرواح إلى أجسادها الأصلية يوم القيامة، مع أن المسلمين مجمعون على صحة المعاد الجسماني لصريح الآيات والأخبار بذلك.
وبالجملة: إن مجرد إنتقال الروح من جسد إلى جسد آخر أصلي كالأول أو مخالف له بالماهية _كأن تتحول الروح إلى جسد حيوان أو حجر أو شجر _ كافٍ في أن يكون باطلاً بخلاف التجرد الروحي عبر صورة واحدة لا تعدد فيها لأجل الثواب والعقاب لصاحبها، وعلى فرض التعدد لا يكون مشابهاً للتناسخ الباطل.
(الوجه الرابع): إن الإنتقال من جسد إلى جسد في مورد التناسخ إنما يكون مشروطاً بالجزاء الأخروي بمعنى أن نفس الإنتقال من جسد إلى جسد يكون على وجه العقاب أو الثواب... بخلاف التجرد الروحي فإنه ليس كذلك بل هو مجرد روح موضوعة في قالب واحد تماماً كإنتقال النفس بعد الموت إلى بدن مثالي آخر في عالم البرزخ وكحشر بعض الناس يوم القيامة على صور البهائم والحشرات... فهو حشر لهم بصورة حيوان كالمسخ الذي يصيب أناساً من أهل العناد والنصب والعداوة، فإن المسخ الذي هو عبارة عن بقاء الروح في جسدها الأصلي الذي تحول من الجسد الإنساني إلى جسد حيوان، فالتغير حصل في جزئيات الجسم الإنساني التي تحولت من الأجزاء الإنسانية إلى أجزاء حيوانية... فالتجرد الروحي الحاصل لأمير المؤمنين (ع) قبل تسلسله في الأصلاب الشامخة إنما هو صورة مثالية حاملةً للروح الإنسانية، والبدن المثالي يختلف بطبيعته عن البدن الأصلي المعتبر وجوده في النسخ....وقد استفضنا البحث في مسألة التناسخ والفرق بينه وبين التجرد المثالي في كتابنا " الفوائد البهية ج1 الباب الأربعون " ....

(النقطة الثالثة):
وتدور حول السؤال التالي: كيف نعالج وجود أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل ولادته الجسدية وصور تعدده الشريفة؟.
الجواب : وجوده الشريف قبل ولادته الجسمية إنما هو وجود روحي قائمٌ على ما جاء في الأخبار من تقدم الأرواح على عالم الأجساد بمعنى أن الله تعالى خلق الأرواح قبل خلقه للأجساد، ويدل على تقدم عالم الأرواح على الأجسام آياتٌ وأخبارٌ كثيرة... ليس المقام مقام بيان إثباته بشكل تفصيلي فله مقامٌ آخر...ومضمون هذه الأخبار هو أن الله تعالى خلق أرواح الشيعة قبل أبدانهم بألفي عام وعرضهم على رسول الله وأهل بيته وعرّفهم رسول الله وأمير المؤمنين (ع) ونحن نعرفهم بصفاتهم واحوالهم ومعاجزهم ومعارفهم.
_والسؤال الذي يدور في خِلد كل باحث هو : ما الفائدة من تقدم الأرواح على الأبدان، وكذا ما الفائدة في تقدم أرواح أهل البيت (ع) على عامة الأرواح وما الفائدة في نصرة أمير المؤمنين (ع) لبعض الأنبياء....؟؟
الجواب عن السؤال الأول: بقولنا أن الفائدة من تقدم الأرواح على الأبدان هو أخذ الميثاق عليهم بالربوبية والتوحيد الإلهي وأمرهم بطاعته وطاعة الأنبياء والأوصياء والحجج المطهرين كما يشير إليه خبر الاصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فليُراجع البحار ج5 ص 258 ح 62.
الجواب عن السؤال الثاني القائل (ما الفائدة في تقدم أرواح أهل البيت) هو الآتي: إن فائدة تقدم أرواح أهل البيت (ع) على عامة الأرواح يرجع إلى أمور:
(الأمر الأول) :
ليأخذ الميثاق على الأنبياء والأولياء وعامة الخلق بالولاية لأهل البيت (ع) وأن النبيَّ وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام أفضل من عامة الخلق على الإطلاق، فكان أخذ الميثاق عليهم بولاية النبي وأهل بيته تنويهاً بفضلهم وتعظيماً لشأنهم.
(الأمر الثاني): ليعرِّف اللهُ الملائكةَ والأنبياء والأوصياء بأن آل محمد أعرف وأعلم منكم فهم صفوته وحججه على عامة خلقه...
(الأمر الثالث): أن العلّة في تقدم أرواح آل البيت على عامة الأرواح ليقوموا بتعليم الملائكة والأنبياء بما حباهم الله تعالى به من المعارف والعلوم، فهم الواسطة بين الله تعالى وبين خلقه بلا إستثناء.
(الأمر الرابع): علة تقدم أرواحهم على أبدانهم لينصروا دين الله تعالى المتمثل بالأنبياء والأوصياء باعتبار أن أئمة الهدى ومصابيح الدجى من أعاظم أوليائه وخيرة أعوانه، فاقتضت الحكمة الإلهية أن يكونوا أعضاءاً وأعواناً وهو ما أشار إليه دعاء رجب الوارد من الناحية المقدسة على يد الشيخ الكبير أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد عن مولانا الإمام المعظم الحجة من آل محمد: (اللهم إني أسألك بمعاني جميع ما يدعوك به ولاة أمرك المأمونون على سرك المستبشرون بأمرك الواصفون لقدرتك المعلنون لعظمتك أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك فجعلتهم معادن لكلماتك وأركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك التي لا تعطيل لها في كل مكان يعرفك بها من عرفك لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك فتقها ورتقها بيدك بدؤها منك وعودها إليك أعضاد وأشهاد ومناة وأذواد وحفظةٌ ورواد).
(الأمر الخامس): إن علة تقدم أرواح آل محمد (ع) وجعلهم في صور مثالية (أشباح أنوار) ليُري آدم وبقية الأنبياء والملائكة بأنه لولا محمد وآل محمد ما خلق الله تعالى آدم ولا سماء ولا أرض فإذا عرفهم آدم بتلك المنزلة عظُموا في نفسه فيزداد تعظيمه لهم وبتبجيلهم لذواتهم المقدسة، فقد جاء في الصحيح من الأخبار (بأن آدم (ع) رأى على العرش أشباحاً يلمع نورها، فسأل الله تعالى عنها فأوحى إليه أنها أشباح رسول الله وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة (ع) وأعلمه أنه لولا الأشباح التي رآها ما خلقه ولا خلق سماءاً ولا أرضاً...) فليراجع البحار ج5ص261.
والوجه فيما أظهره الله تعالى من الأشباح والصور لآدم عليه السلام هو أن دلّه على تعظيمهم وتبجيلهم وجعل ذلك إجلالاً لهم ومقدمة لما يفترضه من طاعتهم ودليلاً على أن مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بهم...
(الأمر السادس): ثمة أخبار كثيرة تدل على ظهور أهل البيت (ع) في صورهم المثالية نظير ما ورد بحضورهم على المحتضرين كما لو حضر أمير المؤمنين على ألف مؤمن محتضر في ساعة واحدة بناءً على عدم حضورهم بذواتهم الحقيقية بل يحضرون بصورهم المثالية...فلا يخلو الأمر في حضور أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام إما أن يحضروا بأجسامهم الأصلية وإما بصورهم المثالية، فإن كان الأول فلا بدَّ من تاويله بأنهم في الملكوت الأعلى كالشمس في كبد السماء ويراها الملايين، فما الضير في أن يحضر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام على الأنبياء قبل ولادته الجسمانية كما يحضر بجسمه المثالي على المحتضرين مع كون الحضورين من وادٍ واحد وطينة واحدة، فلا فرق في الحضور بالجسم المثالي بين كونه قبل الولادة الجسمانية وبين كونه بعد شهادته، فموته لا يمنع من حضور روحه الطاهرة في جسد مثالي وكذلك نصرته للأنبياء قبل ولادته الجسمانية لا تمنع من حضور روحه المباركة في جسد مثالي سابق على الجسد المادي الأرضي.

_بما تقدم يتضح وجهُ الغاية من وجود أمير المؤمنين (عليه السلام) قبل ولادته الجسمانية، ونزيد على ما تقدم بالوجوه التالية:
(الوجه الأول): الغاية هي التنبيه على أن أمير المؤمنين عليّاً (عليه السلام) هو اسم الله الأعظم الذي يظهر في كل صورة ويترائى في كل تركيب، ولهذا الظهور والتركيب أمثلة لا تخفى على مَنْ جاس خلال ديار الأخبار وسبر أغوارها، فقد جاء في البحار ج 18 في باب إثبات المعراج عن الإمام الصادق عليه السلام ما معناه: أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ترائى للنبي الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) في المعراج في السماء الخامسة وتحت العرش وفي بيت المقدس في السماء المعمورة وكان أمير المؤمنين في بيت المقدس بجانب جده نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام، فلمّا سأل جبرائيل عليه السلام عن سرّ ذلك قال له: إن الملائكة اشتهت أن ينظروا إلى صورة أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: ربّنا إن بني آدم في دنياهم يتمتعون غدوة وعشية بالنظر إلى صورة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ..فمتعنا بصورته قدر ما تمتع أهل الدنيا به فصوّر لهم صورته من نور قدسه عزّ وجلّ فعليٌّ عليه السلام بين أيديهم ليلاً ونهاراً يزورونه وينظرون إليه غدوة وعشية".
ونحن لا نستبعد وجود صورته في كل سماء وليس في السماء الخامسة أو السماء المعمورة فحسب، لا سيَّما وأن المحدِّث المجلسي رحمه الله أشار في البحار (ج18 ص300):" أن رسول الله رأى صور أهل بيته الطاهرين عليهم السلام يسبحون الله تعالى ويقدسونه ليراهم أجمعين على كمالهم كمن شاهد أشخاصهم برؤيته مثالهم ويشكر الله تعالى على ما منحه من تفضيلهم وإجلالهم وهذا في العقول من الممكن المقدور، ويجوز أيضاً أن يكون الله تعالى خلق على صورتهم ملائكة في سمائه يسبحونه ويقدسونه لتراهم ملائكته الذين أعلمهم بأنهم سيكونون في أرضه حججاً له على خلقه فيتأكد عندهم منازلهم وتكون رؤيتهم تذكاراً لهم بهم وبما سيكون من أمرهم" .
ملاحظة هامة: إشتهاء الملائكة للنظر إلى صورة أمير المؤمنين أبي الحسن عليّ صلى الله عليه وآله إنما هو نظرٌ إلى صورته الحقيقية التي كان عليها واقعاً في عالم الدنيا لا أنها شبيهة الظن به حتى يكون ذلك مبرراً لمن في قلبه مرض فيتخذ ما أوردناه من الرواية المتعلقة بصورة أمير المؤمنين عليه السلام ذريعةً لجواز الإعتقاد بصحة الصورة المنسوبة إلى الإمام الأكبر أمير المؤمنين عليّ عليه السلام فيعلقونها في بيوتهم ومؤسساتهم لأن هذه الصورة لا علاقة لها بشبه أمير المؤمنين عليّ عليه السلام لا من قريب ولا من بعيد فهي بعيدة كلّ البعد عن جماله الأقدس، وقد قمنا في بعض أجوبتنا على إستفتاء وجّه إلينا بشأن الإعتقاد بصورته المنسوبة إليه عليه السلام بعرض الإشكالات التي وجهناها إلى الصورة المزعومة لمَّا وجدنا إنتشارها السريع المريع مع ما تحويه من معايب على شخصية أمير المؤمنين عليه السلام سيؤدي إلى التعييب على شخصه الكريم صلوات الله عليه وآله ـــ بالرغم من عصمته وطهارته عن العيوب الخَلقية والخُلُقية بنص آية التطهير التي نفت عنهم الارجاس والأنجاس المادية والمعنوية بمقتضى الإطلاق في نفي مطلق الرجس عنهم ـــ لا سيما وأن جهات دينية كانت تروّج لنشرها لغايات دنيوية وشيطانية..!
والحاصل: إن صورة سيد المتقين أبي الحسن عليّ (صلى الله عليه وآله) كانت مثالاً بلا روح أو أنها بروح ملك أو أن لروحه تصرفاً ملكوتياً نعجز عن الإحاطة به وهو الأقوى عندي...وعلى كلِّ حال إن الله تبارك شأنه خلق له مثالاً على مثال صورته الأصلية يأنس الملائكة بالنظر إليها سوآء أكانت بروح أم بلا روح ما يدل على عظمة هذه الشخصية المباركة أينما كانت، قال تعالى بحق نبيّه عيسى عليه السلام ( وجعلني مباركاً أينما كنت) فإذا ثبتت البركة لنبيّ الله عيسى عليه السلام أينما كان مع كونه أدنى منه ثبتت الفضيلة لسيده ومولاه أمير المؤمنين عليّ عليه أفضل الصلاة والسلام بطريقٍ أولى باعتباره نفس النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله المتفق على أفضليته على النبي عيسى وعامة خلق الله تعالى... فأمير المؤمنين مولانا المعظم عليّ صلى الله عليه وآله لم يفارق رسول الله في حلّه وترحاله لا سيما في سفره إلى عالم الملكوت الأعلى والجبروت الأعظم عندما تفرد رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بربه في عالم الجبروت كلّمه ربُّه بصوت أبي الحسن عليّ أمير المؤمنين (ع) فلمّا سأل رسول الله ربّه عما إذا سبقه أمير المؤمنين (ع) فأجابه الربُّ الجليل : أنظر إلى يسارك فلما نظر فإذا به يرى مثال أمير المؤمنين (ع)...وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على عظمة هذه الشخصية الميمونة وهو تأويل قوله تعالى (لنريه من آياتنا) الإسراء 17 (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) النجم 18 (فأراه الآية الكبرى) النازعات 20 (لنريك من آياتنا الكبرى) طه 23 وقد جاء عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: (أنا آية الجبار أنا حقيقة الأسرار) أو ( ما لله آية أكبر مني ولا لله من نبأ عظيم أعظم مني). وجاء في زيارته (السلام عليك يا آية الله العظمى)...
فمن كان آيةً كبرى وعظمى وليس ثمة آية أكبر منه فلا يجوز الإستهانة بحضوره على الأنبياء قبل ولادته الجسمانية، فكما حضر رسول الله وحضر معه أمير المؤمنين عليٌّ وأهل بيته في العالم الأول بأرواحهم الموجودة في قوالب مثالية: _ يجوز حضوره بنفس القالب المثالي على الأنبياء ليغيثهم من الكربات وينجيهم من الصعوبات _ كيف لا !؟ وهو أبو الغوث ومعين المضطر إذا دعاه وكاشف السوء والكروب ومجلي الهموم والغموم عن قلوب المضطرين الملهوفين...
وكلمة الله الكبرى يظهرها الله لأوليائه فيما شاء من الصور فينصرهم بها وبتلك الكلمة يدعون الله فيستجيب لهم .
(الوجه الثاني): إن رسول الله هو الفاتح والخاتم بقوله (صلى الله عليه وآله): (أنا الفاتح أنا الخاتم) أي أنه (صلى الله عليه وآله) الفاتح لهذا الكون والخاتم له، وحيث إن أمير المؤمنين نفسه بصريح آية المباهلة والأخبار المفسرة لها، فله ما لرسول الله وعليه ما عليه، فلماذا الشك في الثاني مع التسليم بكونه نفس الأول؟! أليس الثاني قسيم النور الأول كما في الأحاديث (كنا نوراً واحداً) ؟.
(الوجه الثالث): الغاية من وجوده مع الأنبياء سراً للدلالة على أنه سلطان من عند الله تعالى، فهو سلطان السلاطين، من هنا كان لقبه (أمير المؤمنين) إسماً على مسمى، فهو أميرٌ مطلق على الأنبياء والمرسلين إلا رسول الله محمد لأنه نفسه وروحه.. وأمير الجند مسؤول عن جنوده في حال دهمتهم المخاطر ووقعوا في المهالك... وأمير المؤمنين (عليه السلام) هو قائد عامة المؤمنين سواء أكانوا أنبياء أم ملائكة أم جن أم إنس وإلا لما صح أن يسميه الله تعالى بأمير المؤمنين من دون قيد أو شرط، وكونه أميراً عليهم يستلزم أن يكون مسؤولاً عنهم وحامياً لهم باعتبارهم جنوده المأتمرين بأمره والمنضوين تحت إمرته فهو المغيث لجنوده من الأنبياء عندما اشتدت عليهم الظروف والمحن فكان معهم سرّاً كشف عنهم المخاطر كما كشفها عن رسول الله ظاهراً، وهذا ما أشار إليه مولانا أمير المؤمنين عليّ عليه وآله الصلاة والسلام في إحدى خطبه الشريفة:( أنا الظاهر مع الأنبياء أنا وليُّ الأنبياء)...فكان معهم في القرون الأولى وسوف يكونون معه كلّهم في نهاية العالم يوم الرجعة فيقودهم إلى حرب إبليس وجنوده كما أفصحت عن ذلك أخبارنا الشريفة.
(الوجه الرابع): الحكمة التي من أجلها أبقى الله الخضر حياً وجعله مرشداً لنبي الله موسى هي بنفسها علّة لكون الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه وآله نصيراً للأنبياء سرّاً...
وبعبارة أخرى: العلة التي من أجلها أبقى الخضر (ع) حياً هي ليكون نصيراً للأولياء لا سيما الأنبياء وقد أمره الله تعالى بأن ينصر النبي موسى (ع) ويرشده ويعلّمه، هذه العلة هي بنفسها موجودة مع معلمه أمير المؤمنين علي (ع) بطريق أولى، بمعنى أن ما ثبت من الفضيلة _وهي تعليم الخضر لموسى سراً_ يثبت لمولانا المعظم أمير المؤمنين علي (عليه وآله السلام) بنفس المناط بطريق أولى...
(الوجه الخامس): بما أنّ الأئمة (عليهم السلام) حجج الله تعالى على خلقه بمقتضى قول مولانا أمير المؤمنين الإمام المعظم علي الهادي (عليه السلام) في الزيارة الجامعة الكبيرة معرِّفاً عن صفات أهل بيت العصمة والطهارة صلوات الله عليهم أجمعين بقوله الشريف: (وحجج الله تعالى على أهل الدنيا والآخرة والأولى) ويراد بكونهم حججاً على أهل الدنيا والآخرة والأولى... هو أنهم القيّمون على أهل الدنيا والآخرة والأولى، فأهل الدنيا هم عامة الخلق فيها الأنبياء والملائكة والجن والناس وما يُرى وما لا يرى وجميع المخلوقات المخفية عنا كما يشير إلى ذلك روايات عالم جابلقا وجابرسا وغيرها من العوالم كما أكدته الأخبار الشريفة في (البحار ج27 ص41 وفي آخر بصائر الدرجات ص510باب 14) ويراد من الأولى هو عالم الأرواح والذر فهم حجج الله تعالى على الخلق في عالم الذر والأرواح، والمراد من الآخرة هو عالم المعاد ومتفرعاته.
والحاصل: انهم حجج الله تعالى على الخلق في عالم الوجود مطلقاً، ويستفاد هذا من الأحاديث الأخرى الدالة على أن الحجة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق... وكونهم حججاً على الخلق في الدنيا يعني أن لهم الولاية عليهم يأتمر الخلق بأمرهم كما أن للأئمة (ع) ولاية نصرتهم أي نصرة شيعتهم من الأنبياء والمؤمنين الموالين، وبهذا نكون قد وضحنا للسائل الكريم معنى أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان مع الأنبياء سراً ومع رسول الله جهراً فإن ذلك مقتضى ولايته الباطنية الملكوتية على عامة العوالم من دون تقييد بعالم دون آخر، فهو الحجة المطلقة على عامة خلقه وواسطة بين الله تعالى وخلقه وهذا ما فسره لنا هشام بن الحكم عن مولانا الإمام المعظم الصادق (ع)، أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال (ع): إنّا لمّا أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلاسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبرون عنه جل وعز وهم الأنبياء وصفوته من خلقه وهم حكماء ومؤدبون في الحكمة.... .
     وفي الوافي كتاب أبواب خصائص الحجج عن الكافي بإسناده عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (ع) قال: إن الله طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداء على خلقه وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن وجعل القرآن معنا لا نفارقه ولا يفارقنا).
وفيه بإسناده عن عبد الله بن القاسم عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (ع) (الأوصياء هم أبواب الله تعالى التي يؤتى منها ولولاهم ما عُرف الله تعالى وبهم احتج الله على خلقه).. والإطلاق في قوله (وبهم احتج الله على خلقه) يفيد الحجية المطلقة لهم على عامة خلقه ما كان وما سيكون إلى ما شاء الله تعالى، لأن حذف المتعلق دليل على العموم، فلم يقيّد الإمام (ع) لفظ "خلقه" بصنفٍ من الخلق بل أطلق، مما يدل على أن الأئمة المطهرين عليهم السلام حجج الله على عامة خلقه بمن فيهم الأنبياء والمرسلين والملائكة والجن والإنس وبقية خلق الله تعالى ولو أراد الإمام التقييد لقيّد باعتباره في مقام البيان، فعدم التقييد دليل العموم في الحجية على عامة خلقه وهو مؤيد بعمومات الكتاب الكريم كما في قوله تعالى:(إنَّما وليُّكم الله ورسوله والذين آمنوا..) فقدحصر الولاية الكبرى به وبرسوله وحججه المطهرين صلوات الله عليهم أجمعين .
والحمد لله ربّ العالمين وسلام على المرسلين والقادة على الخلق أجمعين رسول الله وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام وهو حسبنا ونعم الوكيل... وهم أغواثنا وليوث الورى وسفن النجاة والدعوة الحسنة ....اللهم عجل لوليّك الفرج والنصر واجعلنا من أعوانه وخيرة أنصاره بمحمد وآله والسلام عليكم ورحمته وبركاته.

حررها كلبهم الباسط ذراعيه بالوصيد / تراب أقدام آل محمد العبد محمد جميل حمود العاملي ــ بيروت بتاريخ 28 شوال 1433هــ ــ ق.

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/01/18   ||   القرّاء : 14183




أحدث البيانات والإعلانات :



 لقد ألغى سماحة لمرجع الديني الكبير فقيه عصره آية الله الحجّة الشيخ محمّد جميل حمّود العاملي ( دام ظلّه الوارف ) كلّ الإجازات التي منحها للعلماء..

 الرد الإجمالي على الشيخ حسن المصري..

 بيان تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1443 هجري / 2022 ميلادي

 الرد الفوري على الشيخ البصري

 إحتفال الشيعة في رأس السنة الميلاديّة حرام شرعاً

 بيان تحديد بداية شهر رمضان المبارك لعام 1441 هجري / 2020 ميلادي

 بيان هام صادر عن المرجع الديني آية الله الشيخ محمّد جميل حمُّود العاملي

البحث في القسم :


  

جديد القسم :



 حكم الرعاف في شهر رمضان...

 البتريون كالنواصب نجسون دنسون..

 هل الملعون نجس؟

 تحية السلام على المصلي...

 حكم العدول من سورة الى سورة في الصلاة الواجبة..

 الإيراد على الوهابيين غير المعتقدين بالتوسل بالأنبياء والأولياء من آل محمد عليهم السلام - ألقيت في عام 2008 ميلادي

 ما مدى صحة الفقرة الواردة في زيارة مولاتنا الصدّيقة المطهرة زينب الكبرى صلوات الله وتسليماته عليها: (السَّلام عليك أيتها المتحيّرة في وقوفك في القتلى..) ؟.

ملفات عشوائية :



 يجوز الإستعانة بالملائكة والجن لا على نحو التسخير

 خاتمة الخواتم حول مقامات المولى قمر بني هاشم (عليه السلام)

 ذكاة الجنين بذكاة أُمّه/ متى يجوز أكل جنين الذبيحة؟/ حكم ذبيحة المجنب والاغلف

 كتاب تجلّي الإمامة يوم الغدير The Manifestation of Imamate On Al-Ghadeer's Day

 هل يُخمَّس التمر إذا بلغ النصاب أو يُزّكى؟

 أهل البيت عليهم السلام طاهرين من الرجس المادّي والمعنوي معاً من دون فصل

 رأينا بالفلسفة والفلاسفة والعرفان

جديد الصوتيات :



 الإيراد على الوهابيين غير المعتقدين بالتوسل بالأنبياء والأولياء من آل محمد عليهم السلام - ألقيت في عام 2008 ميلادي

 محطات في سيرة الإمام محمّد الجواد عليه السلام - 26تموز2007

 محاضرة حول الصدقة (حديث المنزلة..وكل الانبياء أوصوا الى من يخلفهم..)

 السيرة التحليليّة للإمام علي الهادي عليه السلام وبعض معاجزه

 لماذا لم يعاجل الإمام المهدي (عليه السلام) بعقاب الظالمين

 المحاضرة رقم ٢:( الرد على من شكك بقضية إقتحام عمر بن الخطاب لدار سيّدة الطهر والقداسة الصديقة الكبرى فاطمة صلى الله عليها)

 المحاضرة رقم 1:(حول ظلامات الصدّيقة الكبرى..التي منها إقتحام دارها..والإعتداء عليها ارواحنا لشسع نعليها الفداء والإيراد على محمد حسين..الذي شكك في ظلم أبي بكر وعمر لها...)

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 11

  • الأقسام الفرعية : 36

  • عدد المواضيع : 2193

  • التصفحات : 19165771

  • المتواجدون الآن : 1

  • التاريخ : 19/03/2024 - 03:26

||   Web Site : www.aletra.org   ||   
 

 Designed, Programmed & Hosted by : King 4 Host . Net